09/07/2013

يسروا القانون كي تكسبوا طاعة الناس

تقول وزارة العمل إنها استطاعت تصحيح 40 في المائة من المخالفات الخاصة بالعمالة الأجنبية. ويحق للوزارة أن تفخر بهذا الإنجاز الذي تحقق خلال 90 يوما. لكن ما يهمنا فعلا هو قراءة هذه التجربة ودروسها. وأهم تلك الدروس في ظني هو ''أثر اللين والملاينة في التزام المجتمع بالقانون''.
يعرف الذين أقاموا في الدول الصناعية أن الناس لا يضطرون إلى مراجعة الدوائر الحكومية والمصارف، وحتى الشركات الخاصة، إلا في أضيق الحدود، لأن جميع المعاملات تتم بالبريد والهاتف.
أما في بلدنا فيستحيل إنجاز معاملة دون مراجعة عديد من الدوائر. الأسبوع الماضي أمضيت أربعة أيام لاستخراج شهادة زكاة. قلت لأحد الإداريين هناك إننا نضيع هذا الوقت الطويل كي ''ندفع'' المال للحكومة، فكم من الوقت سنصرفه لو احتجنا لقبض مال منها؟

الفارق بيننا وبين الدول المتقدمة يكمن في الأساس الفلسفي للقانون. تبنت تلك الدول فلسفة متفائلة إزاء الطبيعة الإنسانية، فحواها أن أكثرية الناس خيرون يريدون العيش في إطار القانون، ولذا يوضع القانون بهدف مساعدتهم وتسهيل أمورهم.
أما في المجتمعات التقليدية مثل مجتمعنا فتسود فلسفة متشائمة إزاء الطبيعة الإنسانية، فحواها أن الناس لو تركوا من دون ضابط أو رقيب، فسيعبثون ويفسدون. ولهذا يميل واضع القانون إلى التشدد في نصوصه، كي يجبر الجميع على الانضباط ويضيق الخناق على العابثين.
بعبارة أخرى فإن القانون في الحالة الأولى يوضع لمساعدة الأكثرية الطيبة، ولو أدى إلى تمكين الأقلية العابثة من الإساءة. أما في حالتنا فيوضع لردع الأقلية العابثة، ولو أدى إلى تعسير الحياة على الأكثرية المطيعة للقانون.
تجربة التسعين يوما التي أمر بها الملك لتصحيح أوضاع الوافدين أثبتت أن الأكثرية الساحقة من الناس تريد العيش في ظل القانون، وإنها ستسعى لذلك حين تجد القانون يسيرا ومساعدا.
ينبغي للحكومة أن تسأل نفسها: لماذا عجزنا عن حل هذا المشكل طيلة ثلاثة عقود، بينما نجحنا في حل 40 في المائة منه خلال ثلاثة أشهر؟
الفارق الوحيد هو أن الحكومة يسرت الإجراءات، وخففت من القيود القانونية الثقيلة التي كانت مفروضة في الماضي. ألا يكفي هذا للتدليل على أن عسر القانون هو أبرز أسباب التهرب منه، وأن يسر القانون هو الطريق الوحيد لتشجيع الناس على طاعته وتكييف حياتهم ضمن إطاره؟
زبدة القول أن القانون الضيق الشديد يدفع الناس قسرا للقفز فوقه، بينما القانون اليسير السهل يدفع الناس تطوعا لطاعته والانسجام معه. نحن في حاجة إلى تغيير الفلسفة التي يوضع النظام على أرضيتها. دعونا نثق بالإنسان، بطبيعته الخيرة، وأن نضع القانون على هذا الأساس، حتى لو أدى إلى منح 100 مخالف فرصة للعبث. لا ينبغي أن نعسر حياة ملايين الناس من أجل عشرة أو 100 أو حتى ألف عابث.

مقالات ذات علاقة

02/07/2013

نيلسون مانديلا


سمعت اسم نيلسون مانديلا (1918-2013) للمرة الأولى في خريف1977. كنت يومئذ في باريس، حين اقترح صديقي أن نشارك في قداس تكريمي للمناضل السجين.
في كنيسة سانت ميري العتيقة، وجدنا نحو 60 شخصا من أعراق مختلفة، واجهونا بترحيب استثنائي وأجلسونا في المقدمة. كنا خمسة شبان تدور أعمارهم حول الـ20 عاما. لم أفهم خطبة القسيس التي ألقاها بالفرنسية، وفهمت بضع كلمات من خطبة ألقاها أحد رفاق مانديلا بإنجليزية عسيرة. لكن عيني تعلقت معظم الوقت بصورة قديمة لمانديلا، بدا فيها مبتسما مع مسحة حزن ظاهر في وجهه.
علمت لاحقا أن الرجل ناضل ضد التمييز العنصري منذ صباه، وأنه معتقل منذ 1961. كان القداس مكرسا لاستذكاره والدعاء لله سبحانه كي يفرج عنه. منذ ذلك اليوم وجدت نفسي منجذبا للقراءة عن كفاح السود ضد الحكومة العنصرية التي أقامت تصنيفا ثلاثي المستوى للمواطنين: الأوروبيون البيض في القمة، الملونون في الوسط، ثم السود، سكان البلاد الأصليين في المستوى الأدنى. هذا التصنيف يعني الثقة وتقييم الأهلية لتولي المناصب العامة والتمتع بالفرص المتاحة في المجال العام.
تعد جنوب إفريقيا أغنى بلدان القارة السوداء بالموارد الطبيعية. لكن الأقلية البيضاء احتكرت هذه الموارد، وبقي السكان الأصليون يجترون الفاقة جيلا بعد جيل.
كافح الأفارقة نظام التمييز العنصري منذ أربعينيات القرن العشرين. كان خطابهم يركز على حقوق ''السود'' ويصنف البيض كأعداء والملونين كأعوان للعدو. أوائل الثمانينيات تخلى ''المؤتمر الوطني الإفريقي'' عن هذا الخطاب، وبدأ يتحدث عن ''وطن يتسع للجميع'' بحقوق متساوية للأبيض والأسود والملون باعتبارهم جميعا شركاء في الوطن. قاد هذا التطور إلى انضمام آلاف من البيض والملونين إلى الكفاح ضد الحكم العنصري. ساندت الكنيسة الخطاب الجديد، كما بدأ يحظى بتعاطف العالم خارج إفريقيا.
في 1990 أصبح النظام العنصري محاصرا، ولم يجد بدا من التفاوض مع المناضلين. أفرج عن مانديلا الذي قاد مفاوضات شاقة انتهت بتفكيك النظام العنصري في العام التالي.
استمعت لخطاب مانديلا يوم خروجه من السجن. شدد على قيمة الكفاح من أجل الحرية، وأن الجميع منتصر وشريك في إعادة بناء النظام السياسي.
خطاب المساواة والتسامح رفضه كثير من الناس، بمن فيهم بعض رفاق مانديلا. لكننا نعرف اليوم أن هذا الخطاب هو الذي حافظ على جنوب إفريقيا، كأقوى دولة في القارة وأكثرها تقدما وثروة.
أصبح نيلسون مانديلا أيقونة للكفاح من أجل المساواة، ورمزا للسلام والتفاهم. الملايين في العالم اليوم يتابعون بقلق تقارير المستشفى الذي يرقد فيه مانديلا. كل من عرفه يخشى أن يخسر العالم رجلا ألهم الملايين أنه ما من أرض تضيق بأهلها إذا اتسعت قلوبهم وعقولهم وتواضعوا لبعضهم. مانديلا لم يكن مجرد رجل عابر، فهو رمز وعلامة فارقة في تاريخ العالم.

الاقتصادية  2 يوليو  2013

مقالات  ذات علاقة


25/06/2013

كن طائفيا او كن ما شئت .. لكن لا تضحي بوطنك

زميلي الاستاذ جمال خاشقجي يقول ببساطة: ياصديقي الشيعي كن معي في موقفي والا سأكون ضدك (الحياة 22 يونيو 2013).
كي لا تختلط الامور فالزميل لا يطالبنا بالخروج في غزوة بدر مثلا ، ولا يدعونا لتحرير الاراضي المحتلة ، بل ولا حتى لنصرة الشعب السوري الجريح. المطلب المحدد للزميل الكريم هو ببساطة : ان تكون عدوا لايران وحزب الله. 

جوهر المسالة التي شغلت باله هناك ليس حق الشعب السوري في صناعة مستقبله بحرية ، جوهرها – حسب ما يشرحه الاستاذ خاشقجي - هو وجود حزب الله وتاييد ايران للنظام. لا يحتاج الامر الى تفسير او تحليل ، فاما ان تكون عدوا لمن يعاديه الاستاذ جمال والا فانت مصنف في جبهة اعدائه.
ليس الامر مهما لو اقتصر على معاداة شخصية ، سيما لو كان عدوك عاقلا مثقفا حصيفا كالاستاذ جمال. لكن الاستاذ جمال لا يتحدث عن عداء شخصي ولا اظنه يفكر فيه. بل يقول كلاما يؤدي – موضوعيا – الى تبرير حالة استقطاب اجتماعي على اساس مذهبي : الاكثرية السنية في طرف والاقليات الشيعية في الطرف المقابل. تذكرت وانا اقرا مقالة الاستاذ جمال خطبة بن لادن "اصبح العالم فسطاطين" ، وتذكرت قسمة بوش الشهيرة "من لم يكن معنا فهو ضدنا". لا اظن خاشقجي يعنيها ، لكن مقالته مجرد تبرير لهذا المنهج. فهو يخير مواطنيه الشيعة بين موقفين : ان يساعدوه ، والا فلينتظروا انقسام المجتمع الوطني. طبيعة المساعدة هنا هي تقليد موقفه الشخصي. عنوان مقال الاستاذ خاشقجي يقول دون مداورة: ساعدني والا سأكون طائفيا ، اي عدوا لك.
حسنا. لنفترض اني رفضت مساعدتك ، فهل ستضحي بوحدة الوطن وسلامه الاجتماعي من اجل سوريا؟. هل تسعى لانتصار السوريين ولو على حساب وحدة بلدك وامنه واستقراره؟.
خاشقجي وكل شخص اخر يتبنى مواقف بناء على تحليله الخاص ، او انطلاقا من دائرة مصالح ينتمي اليها. هذا ليس مشكلة ، فلكل شخص حق ثابت في اتخاذ اي موقف ومناصرة اي طرف او معاداته. لكننا لسنا بصدد قضية وطنية مشتركة ، كي نقول ان مصلحة الوطن او مستقبله او امنه يتوقف عليها. موضع الجدل هو الموقف من الثورة السورية ، وبالتحديد مناصرة الجماعات المسلحة فيها.
لطالما اختلف مجتمعنا حول الموقف تجاه قضايا خارجية. في الثمانينات كان الحماس للثورة الافغانية اوسع كثيرا من الحماس الحالي للثورة السورية. ونعرف اليوم مآل تلك الثورة وما صاحبها من حماسة. هل اخطأ الذين رفضوا الانخراط في دعم الثورة الافغانية يومذاك؟. هل يتوجب علينا القول ان قضايا الخارج يديرها اهلها واننا مجرد مراقبين؟. هل يتوجب علينا الحذر من المبالغة في الانخراط العاطفي ، سيما حين ينطوي على مخاطر مباشرة او غير مباشرة على وحدة بلدنا وامنه وسلامه الاجتماعي؟.
لنفترض ان الشيعة جميعا ابوا مناصرة الثورة السورية ، فهل نهدد بلدنا بالانقسام عقابا لهم على هذا الموقف؟. هل سمعتم بعاقل يرهن علاقته بمواطنيه لموقف سياسي ، خارجي تحديدا ، مهما كانت اهميته؟. اي عاقل يتعامل بهذا القدر من الخفة مع قضية بهذه الخطورة .. اعني وحدة الوطن والسلم الاهلي؟.
الاقتصادية 25 يونيو 2013

18/06/2013

فرصة جديدة لإيران


عودة الإصلاحيين إلى الحكم فرصة جديدة يجب على إيران ألا تفوتها. التصويت الواسع لروحاني لا يعبر فقط عن ثقة بشخصيته المتوازنة، فهو - في المقام الأول – تعبير عن رغبة عامة في تغيير النهج السياسي الذي أرساه الرئيس المنصرف أحمدي نجاد، النهج الذي يتسم بالخشونة والتطرف في العلاقات الدولية.
أفصح بعض الكتاب عن تشاؤم من قدرة الرئيس الجديد على التغيير، وقالوا إن مرشد الجمهورية الإسلامية هو ''الصانع الوحيد'' للقرار في هذا البلد، ولا سيما ذلك المتعلق بالسياسة الخارجية. واقع الأمر أن هذا تقدير لا يخلو من مبالغة. نعرف مثلا أن سياسة إيران في السنوات الثماني الماضية كانت مختلفة كثيرا عن سياستها في عهد الرئيسين خاتمي ورفسنجاني، مع أن الثلاثة حكموا في ظل المرشد نفسه.
هناك بطبيعة الحال حدود للتغيير، لكنه تبسيط مبالغ فيه أن يقال إن التغيير سيكون ضئيلا أو سطحيا. المرشد وجميع أركان النظام الإيراني يستوعبون الرسالة التي وجهها الجمهور، حتى لو كانت بخلاف توجهاتهم الخاصة. في نهاية المطاف لن يأتي الرئيس بمفرده. ثمة مئات من كبار الموظفين الجدد، المتوافقين مع تطلعاته، سيأتون معه، وهؤلاء هم من سيدير البلد في السنوات الأربع المقبلة.
لعل التحول الأكثر أهمية هو الذي جرى تحت السطح ولم يلحظه إلا القليل، أعني انهيار تيار ''المحافظين الجدد'' الذي عمل الرئيس نجاد على إيجاده خلال السنوات السبع الماضية. تتألف القوة البشرية لهذا التيار من أعضاء الحرس الثوري والشباب المهمشين، وأغلبيتهم الساحقة ينتمون إلى عائلات هاجرت من الريف إلى المدن الكبرى، وهي تشعر أنها لا تحصل على الفرص التي تستحقها. كان فوز نجاد في 2005 ذروة بروز هذه الشريحة، لكن المستفيد الحقيقي من وصوله إلى السلطة كان الحرس الثوري الذي نجح في مد نفوذه بشكل لم يسبق له مثيل في الاقتصاد والحياة العامة.
بعد أقل من خمس سنوات شعر المحافظون التقليديون بأن توسع الحرس لم يعد محتملا، وأن توسع التيار الجديد كان على حسابهم وليس على حساب الإصلاحيين، كما ظنوا سابقا. لهذا شهدت السنتان الأخيرتان عزلة متفاقمة للرئيس نجاد بين حلفائه المحافظين. وقد عبر عن هذا بوضوح رئيس البرلمان لاريجاني، الذي تحول إلى واحد من أشد منتقدي الحكومة والرئيس.
لم يستطع المحافظون الجدد تقديم مرشح قوي في الانتخابات الرئاسية، كما أن أكثرية المحافظين لم تعبأ برأي الحرس الثوري الذي ''نصح'' بالتصويت لقاليباف. واضح للجميع أن المزاج الشعبي لم يعد متعاطفا مع السياسات المتشددة، ولا راغبا في دفع ثمنها. هذا لا يقتصر على عامة الناس، فهو واضح أيضا بين النخبة السياسية والأشخاص المؤثرين في صناعة القرار.
هذه فرصة ينبغي لإيران أن تستثمرها. استثمارها يتطلب قرارات شجاعة وجذرية، عنوانها الملاينة والتلاؤم مع المحيط والعالم، بعد حقبة طويلة نسبيا من الانقطاع والتناقض.
الاقتصادية 18 يونيو 2013

مقالات ذات علاقة

04/06/2013

الجمعيات الاهلية : الترخيص في غياب القانون


 (1)
فلنفترض ان عدة مواطنين شكلوا جمعية اسمها جمعية الادباء او جمعية البيئة او جمعية حماية الثروات العامة ... الخ . فهل سيعاقب هؤلاء او يجبرون على حل جمعيتهم؟.
لو طالعنا الوجه القانوني للمسالة، فهل يصح منع الناس من تشكيل تلك الجمعيات ، علما بانه لا يوجد – حسب علمي – اي نظام ينص على منعها ، او يحدد عقوبة على هذا الفعل؟.
النظام الاساسي للحكم ، اعلى قانون للبلد ، ينص صراحة في المادة 38 على انه "لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على نص شرعي، أو نص نظامي، ولا عقاب إلا على الأعمال اللاحقة للعمل بالنص النظامي". ومعنى هذا ان اي فعل لم يجر منعه بنظام صادر عن مجلس الوزراء ، فهو مباح ، ولا يجوز لاي هيئة حكومية منعه، فضلا عن معاقبة الفاعل.
(2)
الكلام السابق كله نظري ، ينطلق من فرضية صحيحة ، فحواها ان البلد يحكم بالقانون. لان القانون هو الضمان الوحيد لمنع تحكم الميول والاهواء الشخصية ، ولانه الحكم الفصل بين الناس ، الضعفاء والاقوياء ، الحكام والمحكومين.
لكن واقع الحال ينبئنا بغير ما افترضناه. فثمة اناس ارادوا تشكيل جمعية للمحامين فقيل لهم "لا بد من ترخيص" ، وثمة من اراد تشكيل جمعية للاعلاميين والكتاب ، فجوبه بجدار "لا بد من ترخيص" ، وحاول مجموعة شبان نابهين تنظيم جمعية للتوعية البيئية ، فقيل لهم "لا بد من ترخيص".
ها انا اسأل الان: ما هو النص القانوني الذي يستند اليه حراس بوابة "الترخيص"؟ . هل لدينا نظام صادر حسب الاصول ينص على منع تشكيل منظمات المجتمع المدني وجمعيات العمل التطوعي؟.
ومع العلم بعدم وجود نظام كهذا ، افلا يعتبر منع الناس من تشكيل جمعياتهم، مخالفة مباشرة لنص صريح في النظام الاساسي للحكم؟
(3)
لماذا نقول هذا الكلام؟
نقوله لان مئات من الناس يريدون فعليا المساهمة في تنمية مجتمعهم ، من خلال جمعيات للعمل التطوعي الاهلي. لكن "نظام الجمعيات الاهلية" الذي يفترض ان ينظم هذا النشاط ، لازال منذ نهاية 2010 حبيس درج ما في مجلس الوزراء ، بعدما دار اربع سنين ، بينه وبين مجلس الشورى ، حتى اقر بصيغته النهائية.
مسارعة مجلس الوزراء باصدار هذا النظام هو الحل الوحيد للخلل القانوني المتمثل في منع الناس من حق لهم ، دون سند قانوني. واذا لم يشأ المجلس اصدار النظام ، فيجب ترك الناس يقيمون جمعياتهم ، فهذا هو معنى المادة 38 من النظام الاساسي للحكم.
نطالب الناس بالتزام حدود القانون ، كما نطالب اجهزة الدولة قبل ذلك بان لا تقوم بعمل ، او تمتنع عن عمل ، ينطوي على مخالفة لاعلى نظام في البلد. هذا ما نسميه سيادة القانون.
الاقتصادية 4 يونيو 2013
مقالات ذات علاقة


21/05/2013

أزمة العراق وانعدام الثقة


شهران مرا على التظاهرات التي تشهدها مدن وسط العراق ، دون بارقة امل في حل تفاوضي بين المتظاهرين والحكومة. مبدئيا لا بد من القول ان القانون العراقي يكفل حق الاهالي في مخاطبة الحكومة ، بالطريقة التي يرونها مناسبة. نحن اذن لا نتحدث عن كون الحراك حسنا او سيئا ، ولا عن كونه مفيدا او غير مفيد.
تركز هذه المقالة على الاحتمالات التي يمكن ان تنجم عن انهيار الثقة بين الاهالي والحكومة ، والحلول الممكنة ، سيما الدور الذي اظن ان على جيران العراق ، سيما المملكة ، القيام به لاستنباط حل للازمة.
معضلة العراق ، جوهرها في ظني هو انعدام الاجماع الوطني ، بسبب انعدام الثقة بين مكوناته المختلفة. ولا اظن هذا قابلا للعلاج على المدى القصير. ربما يمكن البدء باجراءات لنزع فتيل التوتر وتمكين الطرفين – المعارضة والحكومة – من التفاوض حول نقاط قابلة للعلاج.
لم يستطع العراقيون قطع هذه الخطوة البديهية ، لسبب بسيط ، خلاصته ان الزعامات السياسية التي يفترض انها تمثل المجتمع "السني" العراقي ، لا تتمتع بثقة الشارع العام في المحافظات المنتفضة. ولهذا السبب فانها لا تستطيع التفاوض نيابة عن الاهالي. موازيا لذلك ، لم ينجح المنتفضون في استنباط قيادة بديلة تستطيع التفاوض وتستطيع – في الوقت نفسه – تقديم التزامات للطرف الاخر.
لهذا السبب فان الخطوة الاولى هي تمكين المجتمع "السني" العراقي من فرز قيادة تتمتع بالثقة وتستطيع الحديث – دون تردد – باسم الاهالي جميعا. هذه النقطة بالذات تحتاج الى مساعدة عربية ، واظن ان الحكومة السعودية – هي الطرف الاكثر اهلية لتقديم مساعدة كهذه. دخول المملكة على خط الازمة سوف يزعج بعض الناس ، هذا شيء مؤكد ، لكنه سيريح العراقيين – السنة والشيعة والاكراد – وسيحول دون تطور الاوضاع في العراق الى وضع كارثي لا يريده احد.
اقتراحي المحدد هو ان تقوم المملكة بالمساعدة في اختيار ممثلين للعرب السنة ، والتدخل كشاهد وضامن للمفاوضات بينهم وبين حكومة بغداد. اعتراف دولة في حجم المملكة بزعماء محددين ، ومشاركتها في التفاوض ، سوف يشعر العراقيين "السنة" بقدر من الثقة في اولئك الزعماء وفي مسار المفاوضات.
هذا سيريح العراقيين "السنة" لانه سيعزز الاتجاه المعتدل ، وسيوفر ما يمكن اعتباره ضمانا ، يعوض الثقة المفقودة في الزعماء الحاليين. وهو سيريح العراقيين "الشيعة" و "الاكراد" لانه سيمكنهم من الحوار مع مفاوضين يتمتعون بصدقية تمثيل الاهالي ، ويستطيعون – بالتالي – تقديم الالتزامات الضرورية لانجاح التفاوض. وهو بالطبع سيريح المنطقة باسرها لانه سيبعدعنها شبح عودة العنف الاعمى وما يحمله من دم ودمار.
اكتب هذا داعيا حكومتنا للدخول على خط الازمة العراقية. واعلم ان المنطقة باسرها بحاجة الى مبادرات شجاعة وخلاقة كي تحل مشكلاتها بنفسها ، وكي تقطع الطريق على تدخل الاجانب او مواجهة الاسوأ.
الاقتصادية 21-مايو 2013

مقالات ذات علاقة



14/05/2013

تدين القرية وتدين المدينة

 

 صدمتني تفسيرات المفكر الجزائري نور الدين طوالبي حين قرأت كتابه "الدين والطقوس والتغيرات". قدم طوالبي مقاربة سوسيولوجية عميقة، مستهدفا تفسير الفوارق بين التدين القروي والتدين المدني، ودرس بشكل مركز أشكال السلوك الديني في القرية والمدينة، سعيا وراء تحديد معنى ووظيفة كل منها، وفهم انعكاسها على حياة المهاجرين من الريف إلى المدن الكبرى.


معظم الذين جربوا الحياة في الجانبين، في القرية والمدينة، يدركون تماما الفرق بين نمط التدين هنا وهناك. تتسم الثقافة القروية بميل شديد إلى تبسيط وتجسيد الأفكار، وتهتم بصورتها العامة وحدودها الخارجية دون تفاصيلها. وللسبب نفسه فإن حياتها الدينية تدور حول التطبيقات الموروثة والمألوفة، وتعرض عن الجدل حول الأسباب والتعليلات. ساكن القرية أميل للتسليم بأقداره أو بنسق حياة افترضه قدرا لا ضرورة للفرار منه. بخلاف ساكن المدينة الذي يسعى ـــ غالبا ــــ إلى السيطرة على قدره، ويدير حياته على وقع المقارنة بين حاله وحال من سبقوه في دروب الحياة.

نمط التدين في المدينة هو انعكاس لنسق حياتها. يسيطر على ساكن المدينة ما يمكن وصفه بهوس التحول. فحياته اليومية تدور ــــ في جانب كبير منها ــــ حول تغيير موقعه في سلم المعيشة والتراتب الاجتماعي، انطلاقا من شعور شبه ثابت بعدم الرضى عن ظرفه الراهن. بعبارة أخرى فهو يمارس نقدا يوميا لجوانب حياته إذ يقارنها بما يراه أو يظنه أعلى.

هذه حالة ثقافية تتمظهر عند معظم الناس في سياق تقديرهم لظرفهم المعيشي. لكنها تؤثر أيضا في رؤيتهم لأنفسهم مقارنة بأندادهم، وتؤثر في قناعتهم بالقيم والأخلاقيات والمعايير التي يتعاملون بها والإطارات التي ينتمون إليها. لا يتعلق الأمر فقط بمساحة الحرية التي يتمتع بها ساكن المدينة، بل بطبيعة الحياة المدنية التي تفتقر إلى الطمأنينة والسكون، بقدر ما تتسع فيها مساحات التغيير وبالتالي الاختلاف والجدل.

قابلية الفرد للتحول رهن بعدد الأسئلة التي يواجهها يوميا، وعدد الخيارات والاحتمالات التي تطرح عليه كرد على تلك الأسئلة. ومن هذه الزاوية، فإن اتساع مساحة التواصل مع الآخرين، وتنوع موضوعات التواصل، سيما عبر الوسائل التفاعلية كالإنترنت، تؤدي بالضرورة إلى تأجيج الجدل الداخلي في نفسه. الأمر الذي يضعه أمام واحد من خيارين: أما التغيير أو الانكفاء على الذات.

مجتمع المدينة ومجتمع القرية يمثل كل منهما موضوعا مختلفا عن الآخر. وهو لهذا السبب يتطلب خطابا دينيا ذا لغة مختلفة، بأولويات مختلفة، وطبيعة مختلفة. طرح التدين المدني على القرية سيوقظ التقاليد القديمة التي يحتمي بها النظام الاجتماعي القروي. كما أن طرح التدين القروي على سكان المدينة سيحول الدين من فلسفة للحياة إلى ممارسة طقوسية تمجد الشكل وتغفل المضمون.

الاقتصادية : الثلاثاء 04 رجب 1434 هـ. الموافق 14 مايو 2013 العدد 7155

مقالات ذات علاقة



المواطن "الممتاز" والمواطن "العادي"

سألتني السيدة ميره ، وهي مثقفة من دولة الامارات الشقيقة ، عن علاقة المواطنين ببعضهم وعلاقتهم بوطنهم: هل نكتفي بمضمونها القانوني ، ام نحتا...