~بعض
الدعاة ، من الشيعة والسنة ، حول الجدل المذهبي الى حرب واستثمرها لكسب المال والشهرة}
اريد الاشادة هنا بشجاعة الشيخ حسن النمر ،
الفقيه الشيعي السعودي ، الذي اعلن صراحة انه يحرم ويجرم شتم صحابة الرسول عليه
الصلاة والسلام ، رغم انه لا يعتقد بعصمتهم ولا يمنع نقد التجربة التاريخية التي
خاضوها . وبهذه المناسبة فاني اشيد ايضا بشجاعة فقيه سعودي آخر هو الشيخ حسن
الصفار ، الذي سبق الى اعلان مثل هذا الموقف . ويتمتع كلا الرجلين بمصداقية تضفي
اهمية خاصة على اقواله . فكلاهما مشهود له بسعة العلم ويحمل لقب حجة الاسلام ،
وكلاهما يتمتع بنفوذ بين قومه ، وبثقة كبرى المرجعيات الدينية ، كما يحظى الصفار
باحترام كبير بين شيعة العالم .
وتكمن اهمية تصريحات الرجلين في الظرف الخاص
والمكان الذي شهد اعلانها . خلال السنوات الثلاث الاخيرة تبلور بين السعوديين ،
الشيعة والسنة ، شعور عميق بان عليهم وضع حد للجدل المذهبي السقيم الذي اضر
بوحدتهم الوطنية واوشك في الوقت نفسه ان يقوض أخلاقياتهم الدينية .
منذ زمن طويل تحول الجدل المذهبي الى تجارة
رابحة لعدد من الرجال ، من الشيعة والسنة . وكان من الامور المعروفة في مجتمعات
الخليج ان اقرب الطرق الى الشهرة هو خوض هذا النوع من الحروب الوهمية . فالداعية
الابرع في اصطناع القصص حول فساد عقيدة الطرف الاخر ، هو الاقدر على النفاذ الى
قلوب الناس . وكانت الكتب الاكثر رواجا هي تلك التي تسرد الجدالات التاريخية
والمعاصرة بين الفريقين.
في الحقيقة فان كلا من الطرفين ، الشيعة والسنة ، كان قد
تصور نفسه يخوض حربا ضروسا في الدفاع عن عقيدته . لكنها لم تكن – في حقيقة الامر –
سوى حرب رمزية ، فيها من الوهم كثير ومن الحقيقة اقل القليل. فهم لا يتجادلون حول
تطوير بلادهم ، ولا حول مستقبل اطفالهم ، ولا يختلفون على سبل التحول الى مجتمع
صناعي ينافس المجتمعات المتقدمة ، ولا يناقشون سبل تطوير العلم والمعرفة في
مجتمعاتهم ، ولا يطرحون ابدا اي مسألة تتعلق بسبل النهوض الحضاري واكتساب القوة
الذاتية . بل ينصب همهم كله على اثبات صحة او بطلان ما جرى قبل اربعة عشر قرنا من
الزمن ، وتحديد المسؤول عن تلك الحوادث التي مضى زمنها ومات اصحابها وأكل عليها
الدهر وشرب كرات ومرات ، ولم يعد لها من وجود في واقع الناس ، سوى الوجود الرمزي
اذا لم نقل الوهمي. بكلمة اخرى فان هؤلاء
الناس مشغولون بحروب بين كائنات رمزية ، لها مسميات ولها عناوين ، لكن ليس لها
وجود مادي في الواقع . حروب يستوى فيها النصر والهزيمة ، فلا المنتصر رابح ولا
المهزوم خسران . ولهذا السبب بالذات فان قادة تلك الحروب وجنودها لا يكلون عنها
ولا يملون منها ، فهي اشبه بالعاب الفيديو التي يستمتع بها الاطفال ايما متعة
فينتصرون او ينهزمون دون ان يتحركوا من اماكنهم .
لكن
اخطر ما في الجدالات المذهبية هو انها تولد او تعزز ثقافة الاقصاء ، التي تقود
بالضرورة الى احتقار الطرف الاخر وفي مرحلة اعلى الى تكفيره ، واخيرا الى استباحة
دمه . وما جرى في الجزائر في اوائل التسعينات ، وبعدها في افغانستان واليوم في
العراق هو مثال على النتائج الكارثية لمثل هذه الثقافة البائسة .
منذ العام 2003 شهدت المملكة العربية السعودية
ظهور تيار جديد يضم عددا بارزا من رموز النخبة الثقافية والسياسية وقادة الرأي ،
تيار يدعو الى صياغة جديدة للعلاقة بين الاطياف المتعددة ، المذهبية والثقافية ،
التي يتشكل منها المجتمع السعودي ، علاقة تقوم على احترام التنوع والتعدد الذي لا
يخلو منه اي مجتمع والتاكيد على الشراكة المتساوية للجميع في التراب الوطني .
وكما جرت العادة فقد ارتاب كثير من الناس ، في هذا الطرف او ذاك ، في اول الامر ، في مصداقية هذه الدعوة وجدواها ، وبدأ بعضهم يتحدث عن خطوط حمراء وصفراء لا يمكن عبورها . وكما هي العادة ايضا فان تجار الخيبة قد رفعوا اصواتهم بالتحذير من مفاسد الحوار بين الطرفين وخطره الداهم على عقائد الناس . لكن مع استمرار الحوار الايجابي وشجاعة الرجال والنساء الذين شاركوا فيه ، فقد نجج الطرفان في ايصال شريحة واسعة من الجمهور الى فهم مشترك ، فحواه ان الجغرافيا قدر ، فما دمنا موجودين معا على ارض واحدة فلا يمكن لاحدنا ان ينفي الاخر او ينكره او يتجاهله . وان الاخوة والمحبة هي السبيل الوحيد لكي نعيش في امان وسلام ، ولكي تكون حياتنا ومستقبل اطفالنا اكثر جمالا وازدهارا .
وكما جرت العادة فقد ارتاب كثير من الناس ، في هذا الطرف او ذاك ، في اول الامر ، في مصداقية هذه الدعوة وجدواها ، وبدأ بعضهم يتحدث عن خطوط حمراء وصفراء لا يمكن عبورها . وكما هي العادة ايضا فان تجار الخيبة قد رفعوا اصواتهم بالتحذير من مفاسد الحوار بين الطرفين وخطره الداهم على عقائد الناس . لكن مع استمرار الحوار الايجابي وشجاعة الرجال والنساء الذين شاركوا فيه ، فقد نجج الطرفان في ايصال شريحة واسعة من الجمهور الى فهم مشترك ، فحواه ان الجغرافيا قدر ، فما دمنا موجودين معا على ارض واحدة فلا يمكن لاحدنا ان ينفي الاخر او ينكره او يتجاهله . وان الاخوة والمحبة هي السبيل الوحيد لكي نعيش في امان وسلام ، ولكي تكون حياتنا ومستقبل اطفالنا اكثر جمالا وازدهارا .
في هذا المجال فان جانبا كبيرا من الفضل يرجع
الى مبادرة الملك عبد الله بتاسيس مركز الحوار الوطني الذي احتضن حوارات متعددة
ساهمت في تظهير هذا التيار الاصلاحي وتطوير طروحاته وعرضها على الملأ . كما اشير
الى الدور الحيوي الذي لعبته جريدة "الوطن" في تجاوز الاوهام الموروثة
في الصحافة المحلية التي دأبت على اغفال التعدد الواقعي في الاراء والتوجهات
والانتماءات . قامت جريدة "الوطن" خلال السنوات الثلاث المنصرمة
بالتاكيد على تعددية المجتمع السعودي ودعت الى الاقرار به واحترامه وفسح المجال
امام تعبيراته الايجابية .
تصريحات الفقيهين الفاضلين النمر والصفار ،
قابلتها دعوات متعددة من جانب كتاب ودعاة بارزين وشخصيات سياسية محترمة من السنة ،
تدعو الى التخلص من القيود الثقيلة التي ورثناها من اسلافنا ، القيود التي تشدنا
الى الماضي وتحجب عنا رؤية الحاضر والمستقبل . القيود التي تعيدنا الى الجدال
والصراع حول الاموات والمقابر كلما اردنا ان نتحدث او نمد ايدينا الى الاحياء .
يمكن لنا كسعوديين ان نقوم بدور ريادي في
اعادة الصفاء واللحمة الى عالم الاسلام . قد لا نستطيع الوصول الى وحدة اسلامية
كاملة . لكن ليس ثمة شك في ان تحررنا من الصراع المذهبي والجدل حول الاموات ، سوف
يسمح لنا بتوجيه اهتمامنا الى اعادة بناء حياتنا والتفكير جديا في اصلاحها
وتطويرها . اي ان نفكر في بناء المستقبل بدل انشغالنا النفسي والثقافي في الجدل
حول الاموات. (تلك امة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا
يعملون) . صدق الله العظيم.
الايام البحرينية 20 ديسمبر 2005
مقالات ذات صلة
مقالات ذات صلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق