"العدالة
الاجتماعية" هي الهدف الذي ينشده جميع الناس ، في شرق العالم وغربه. وافترض
ان جميع الفاعلين في الحق السياسي والاجتماعي ، يرونه اسمى الغايات.
لكن علينا الاقرار بحقيقة ان "العدالة الاجتماعية" ليست مفهوما راسخا في تراثنا الثقافي. ولهذا فمن المحتمل ان يتحدث الناس عنها وهم يقصدون اشياء متباينة. مصطلح "العدل" و "العدالة" هو الشائع في الثقافة العربية والاسلامية. لكنه لم يحظ بما يكفي من النقاش الضروري لتفصيح مضمونه ومراميه.
واشير هنا ايضا الى ان
معظم القيم العليا التي تبانى عليها عقلاء العالم واقرتها الشرائع ، مثل العدل
والحرية والنظام ، وامثالها من القيم السامية ، حظيت في الثقافة العربية
والاسلامية بالكثير من التبجيل ، لكنها لم تحصل على ما يقابله من النقاش
والدراسة. ولهذا فان مفهوم "العدل" الواسع التداول ، غالبا ما ينصرف
الى معنيين فقط هما : عدالة القاضي بين المتنازعين ، ومساواة الحاكم بين
المواطنين.
والحق ان هذين من اجل
معاني العدالة. لكنهما دون معناها الشامل ، الذي جعلها اسمى مطالب المكافحين
وطلاب الاصلاح فضلا عن عامة الناس.
وخلال العقود الثلاثة
التالية للحرب الكونية الثانية اصبح النموذج الاشتراكي قبلة العالم ، لانه ركز على
مبدأ "العدالة الاجتماعية".
نعلم اليوم ان هذا النموذج قد انحسر تماما في اواخر القرن العشرين ، لان
تفسيره للعدالة اقتصر على معنى المساواة ، سيما التوزيع المتساوي للثروة
الوطنية.
نعلم ايضا ان التطبيق
القسري للمساواة ، سيما من خلال التحكم في السوق ومصادر المعيشة وانماط التملك ،
كان ثمنه التضحية بالحريات الفردية. وقد اتسمت الدول الاشتراكية بالانغلاق
والتجبر وانعدام الحريات. كان اهم مبررات الاشتراكيين ، هو ان الحرية تبقى مجرد
شعار ، طالما كان الفرد مشغولا بهم البقاء على قيد الحياة. ومن هنا قرروا ان ضمان
مستوى معيشي محترم لجميع الناس ، يعتبر اولوية مقدمة على حرياتهم ، وانها تستحق
التضحية بحقوق بعض الافراد. هذه الفكرة بذاتها هي "خط الانكسار" الذي
قاد الاشتراكية الى حتفها.
طور المفكر الامريكي جون رولز مقاربة مختلفة عن "العدالة الاجتماعية" ، تربط بين المساواة والحرية ، وتجعلهما معا ركيزة العدل في الحياة السياسية.
وبالعكس من ذلك فان الظلم يتجلى في النظام الذي تضيق فيه خيارات الافراد او تحتكر لطبقة خاصة ، او يجري ربطها بالولاء السياسي او التوافق مع سياسات النخبة.