30/07/2013

مضاعفة" الرواتب وليس زيادتها


لا يبالي معظم الناس بالعواقب الاقتصادية لزيادة الرواتب ، او لعلهم يرونها طيبة دون عيب. تحول هذا المطلب الى مادة اثيرة في الصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي. لكنك لا تسمع اي نقاش جدي حول فوائده واضراره.
تخصص الصحافة المحلية صفحات ثابتة للتقارير الاقتصادية ، كذلك تفعل القناة الاخبارية. ولدينا بالطبع عشرات من الاقتصاديين، في الجامعات والشركات ودوائر الدولة ، وبينهم اولئك الذين "يطبخون" القرارات قبل صدورها. لكننا لا نرى نقاشا علميا جادا حول هذا الموضوع الذي تحول فعليا الى قضية راي عام.
ما يحيرني ان بلادنا لا تشهد نقاشات علنية حول المكاسب والكلف الاقتصادية للقرارات والسياسات الحكومية والمطالب الاجتماعية. نعلم مثلا ان برنامج نطاقات الذي طبقته وزارة العمل قد وفر نصف مليون وظيفة جديدة للمواطنين ، وادى الى ترحيل 400 الف وافد ، وشطب 100 الف سجل تجاري. يعرف الاقتصاديون ان هذه الارقام تعني ان الاقتصاد الوطني يشهد تغييرات جوهرية في حجم الكتلة النقدية النشطة وحجم الطلب على السلع والخدمات والقدرة الشرائية الاجمالية واتجاهات الاستثمار وكلف الانتاج.
هذا يؤثر بشكل مباشر على مستوى المعيشة لجميع الناس. لكن لا يبدو ان احدا مهتم بمناقشة المسألة. كما لا اجد نقاشا حول الوسائل الضرورية لتلافي الاضرار التي تتعرض لها الفئات الاقل قدرة على مجاراة التغير في السوق. بالنسبة لشخص مثلي فان رفع الاجور سيكون ايجابيا ، لكن ماذا عن الطلبة ومحدودي الدخل والعائلات المعتمدة على رواتب التقاعد والضمان؟.
نحن بحاجة الى مناقشة موسعة وصريحة للقيمة الاقتصادية لاي مطلب او قرار ، بحاجة لمعرفة انعكاساته على مداخيل الافراد ومصروفاتهم ، كي لا ننتقل من ازمة الى اخرى. لهذا ادعو المتخصصين والمسؤولين والصحافة الى فتح باب النقاش حول هذه الموضوعات.
سيقودنا هذا الى نقاش اخر ، تخصصي ، حول معادلة الدخل/الكلفة ونموذج المعيشة السائد في بلدنا. فالواضح ان المستوى العام للاجور منخفض في المملكة ، قياسا الى دول مثل الامارات وقطر ، او قياسا الى الدول الاوروبية. لا تبدو هذه الحقيقة مؤلمة ، لان مستوى المعيشة في بلدنا منخفض ، وكثير من عناصر المعيشة مدعوم من جانب الدولة. لكننا نعلم ان هذا بذاته قد ادى الى اضعاف بيئة الاستثمار ، واسهم في اعاقة التطور الطبيعي للقطاع الخاص ، وانعكس سلبيا على الفرص الممكنة لحل معضلة السكن وامثالها. اظن ان انخفاض الاجور هو العائق الرئيس لاطلاق نظام الرهن العقاري. كما انه معيق فعلي لتوفير الرساميل الضرورية للاستثمارات الصغيرة. لكن من الخطأ ان ياتي رفع الاجور كقرار منفرد. نحن بحاجة الى "مضاعفة" الاجور وليس زيادتها ، لكن هذا لن يكون مفيدا ما لم يوضع في اطار استراتيجية عامة لتغيير هيكل الاقتصاد الوطني ، لا سيما معادلة الدخل/الكلفة.
الاقتصادية 30-7-2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حكاية سعودية.. تحولات اياد مدني

  عدت في الايام الماضية الى كتاب الاستاذ اياد مدني "حكاية سعودية" الذي نشر العام الماضي باللغة الانكليزية. وهو من نوع الكتب التي ...