02/10/2012

الوجه السياسي لسد الذرائع

الافراط في اصدار فتاوى التحريم امر غير مقبول . لانه يضيق على الناس ما وسعه الله. والانكى من ذلك تساهل بعض الفقهاء في اعادة تفسير الادلة على نحو يخدم منحى التحريم ، واحيانا اغراقهم في السماح بتسلسل الحكم الى موضوعات تتجاوز – وربما تختلف ذاتيا وعلائقيا – عن موضوع الحكم الاول . وقد وجدت ان كثيرا من تلك الفتاوى تستند الى قاعدة ثانوية ، من القواعد المعمول بها في اصول الفقه ، هي قاعدة "سد الذرائع". والمقصود بسد الذرائع هو منع الافعال التي يظن ان الاخذ بها ، مؤد في الغالب الى الفساد ، حتى لو لم يكن الفعل بذاته ممنوعا في الشريعة[1]. وعلى هذا الاساس صدرت الفتوى في سياقة المرأة للسيارة وكثير من الفتاوى المماثلة.
ونظرا لكثرة ما صدر من فتاوى التحريم على ضوء هذه القاعدة ، فقد تحولت بذاتها الى مورد جدل ، فدافع عنها متشددو التيار الديني وانكروا نقاط ضعفها. وفي المقابل طالب دعاة وباحثون بالتحفظ في تطبيقها. وكتب القاضي السابق محمد الدحيم :

في العرف الفقهي غلب السد على الفتح في قاعدة الذرائع، ولربما لا تجد للفتح ذكراً عند البعض، مما سبب أزمة في الفتوى والقضاء، وفي الدعوة والتربية؛ بل في الحياة والمعاش، فأصبح سد الذريعة سوطاً يضرب به الداعي والمربي، وملجأ لأشباه الفقهاء؛ ليعملوا به وصايتهم على الناس في حراسة مشددة للحدود، وإهمال مشعور أو لا مشعور به للداخل الاجتماعي، مما أنهك قوى الناس واستنـزف صبرهم، ودفعهم للمقاومة من أجل العيش والحياة. على حين لا يزال الفقيه يتمتع بالمعاندة والسلطوية. ولا أدري إلى متى؟ ومتى سيشعر –عفا الله عنه- بمتغيرات الحياة ومستجداتها[2].


في خط مواز ، راى الكاتب والاستاذ السابق بجامعة الامام ، محمد علي المحمود ، ان الاعتماد على قاعدة سد الذرائع ، ليس سوى انعكاس لثقافة متخلفة تميل الى المبالغة في التحريم والمنع ، وتستعملها لتجاوز المصادر النصية للشريعة:

عندما تقرأ آراء ومواقف (= تلك التي يسمونها : فتاوى) إخواننا المتطرفين من موضوع قيادة المرأة، تجد أنها مبنية على مُبررات وعلل لا علاقة لها مباشرة بالشرع المطهر في صورته النصوصية الأولى، بل هي مبررات وعلل مستقاة من الواقع المتخلف الذي صنعوه على هذه الحال الموغلة في التخلف، أو هي مبررات وعلل ذاتية نابعة من التخلف والانغلاق والخوف والانشداد إلى الذهنية التحريمية التي تأسست سلفا (في زمن سابق عليهم)، وأصبح مجرد تقادمها شرعية لها [...] المسألة لديهم ، مدنية خالصة حتى وإن لم يعترفوا بذلك ، إذ هي مبنية على قاعدة سد الذرائع ، بل وليست أية ذرائع ، إنها تلك الذرائع التي صنعوها / توهموها بأنفسهم ، ثم أرادوا سدها[3]

اما الشيخ سلمان العودة فقد شكك في صحة القاعدة ذاتها ، قائلا ان المنع بناء على هذه القاعدة منع قانوني مبني على المصلحة ، أكثر من كونه حكما شرعيا. وان ترغيب الناس في الخير وحثهم عليه، أفضل من المنع المتشدد سدا للذرائع[4]. واقر د. سعد العتيبي ، وهو من المدافعين عن المنهج التقليدي ، بما يؤول اليه التوسع في تطبيق القاعدة من حرج على عامة الناس:

الذين يُنظرون لقاعدة الذرائع لا يجيزون التوسع في سدها ؛ لأن التوسع فيه يؤدي إلى إيقاع الأمة في الحرج ، وفي هذا إخلال بأصل شرعي آخر مهم هو "رفع الحرج" ، وعليه فلا يجوز الإفتاء بناء على سد الذرائع مطلقاً مهما كانت ؛ بل لابد من تحقق مناط السد والمنع.

 لكنه في الوقت نفسه يلاحظ الخلفية السياسية لذلك التوسع :

 كلما كثر الفساد في الناس ، كلما كثرت الفتوى بسد الذرائع ، وهكذا الشأن في القضايا العامة ، وأمور الولاية : كلما وسد الأمر إلى غير أهله أو إلى من يشيع بين الناس اتهامهم بالسوء ، كلما كثرت الفتوى بسد الذرائع. والعكس بالعكس[5]

. اما الشيخ سعيد الغامدي فقد قال صراحة ان معارضي "سد الذرائع" يسعون لتصفية حسابات مع التيار الديني[6].
وفي العام 2005 نشر 118 من رجال الدين بيانا يؤكدون فيه على دعمهم للفتوى السابقة بتحريم قيادة النساء للسيارات، بناء على قاعدة سد الذرائع ، التي اعتبروها من قاعدة راسخة لا يصح التشكيك فيها ولا التقليل من ضرورتها واهميتها . وقال البيان ان "قيادة المرأة للسيارة لا تجوز ، لأن قاعدة سد الذرائع منطبقة عليها تماماً، لأنها - أي القيادة - تفضي بالمرأة والمجتمع إلى الوقوع في مفاسد عظيمة وعواقب وخيمة" وذكر البيان 14 مفسدة متوقعة فيما لو رفع التحريم، حتى مع القول بوجود مصالح فيها ، الامر الذي يستوجب تطبيق قاعدة "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"[7].
توقيع عدد من العلماء الناشطين في مجال الفتوى على بيان من هذا النوع يعتبر من الحالات النادرة . الحالات القليلة السابقة للبيانات الجماعية كانت تتعلق بقضايا ومطالبات سياسية . اما هذا البيان فهو يتحدث تحديدا عن مسألة فقهية. ويدافع عن صحة الحكم الصادر بشأنها. ولم يكن هذا معهودا في المجتمع الديني. لهذا فسر البيان عند الجميع بانه اقرار من جانب الموقعين بان تناولهم لموضوع حقوق المرأة ، وخصوصا موضوع قيادة المراة للسيارة ، لا ينظر الى جانبه الفقهي تحديدا ، قدر ما يحدد موقفا سياسيا ويدعو الجمهور الى اتباعه.
 تسييس الاحكام الشرعية سلوك معروف ، ويعرفه جميع الباحثين في السياسة والمجتمع. لكن رجال الدين اعتادوا انكار الربط بين الفتوى والسياسة. الجدل المزمن حول حقوق المرأة السعودية ، ولا سيما منذ العام 1990 يكشف دون لبس، ان تشدد التيار الديني التقليدي في المسألة، ليس سوى انعكاس لموقفهم العام في الصراع مع تيار التحديث ، الذي يصفونه بالعلماني والتغريبي. والحق ان هذا التيار قد دفع رجال الدين الى منزلق ما كان ينبغي لهم ان يقبلوا به ، اعني به الظهور امام المجتمع بمظهر المدافع عن التقاليد والاعراف القديمة ، ومعارضة الاصلاح في المجتمع والدولة ، من دون الاستناد الى مبرر علمي او واقعي او مصلحة عامة ظاهرة.

مقالات ذات علاقة






[1] لتفصيل حول الاساس الشرعي لقاعدة سد الذرائع وتطبيقاتها ، انظر محمد حسين الجيزاني : اعمال قاعدة سد الذرائع في باب البدعة ، مكتبة دار المنهاج ، (الرياض 1428). لراي معارض للافراط في تطبيق القاعدة ، انظر عبد الله الغذامي: الفقيه الفضائي، المركز الثقافي العربي (بيروت 2011)، ص 132
[2] محمد الدحيم : فتح الذرائع ، موقع الاسلام اليوم 22-6-2003 . http://muntada.islamtoday.net/t46843.html
[3] محمد المحمود: قيادة المرأة.. من الوعي المتخلف إلى ذهنية التحريم ، العربية نت 16-6-2011 http://www.alarabiya.net/views/2011/06/16/153535.html
[5] د. سعد العتيبي : أسس السياسة الشرعية (8/1) : قاعدة الذرائع /سد الذرائع ، موقع المسلم 23/10/1427 هـ ، http://almoslim.net/node/83617
[6] سعيد بن ناصر الغامدي: أريحونا من سد الذرائع ، نشرت بصحيفة المدينة ، وننقلها هنا عن موقع سليمان الماجد 9/7/1432 - http://www.salmajed.com/node/11841

28/09/2012

دعونا نحتفل بالمستقبل

لكل مواطن طريقة في استذكار اليوم الوطني. قد نشغل وقتنا باستذكار التاريخ. او تكرار البحث المكرر اصلا في الجدلية القديمة حول مشروعية الاحتفال او عدمها. او ربما نسلك الطريق السهل الذي اختارته قنواتنا التلفزيونية في نفض الغبار عن الارشيف.. الخ.

الخيار الذي اجده انفع لنفسي واهلي هو: أ) استذكار القوانين التي اقرت ولم توضع على سكة التنفيذ. ب) استذكار القوانين التي تحتاجها البلاد ، لكنها – لسبب ما – لا تجد حماسا بين اولي الشان.

سمعت قبل ايام ان مجلس الوزراء (او ربما الديوان الملكي) طلب من مجلس الشورى وضع سقف زمني لانجاز مشروعات القوانين التي ترسل اليه ، لتلافي التعطيل غير المبرر.

هذا توجيه يلامس حاجة جدية ، لا يستشعر معظم الناس اثرها. لكن المؤمنين باهمية القانون وحاجة البلاد الى نظام قانوني متكامل ، يدركون ان غياب القانون او تاخيره علة من علل الفشل الاداري وانحدار مستوى الاداء.

بنفس المنظار وعلى نفس المستوى ، فان مجلس الوزراء مطالب بوضع سقف زمني لاجازة القوانين التي جرى اقرارها في لجانه المتخصصة او في مجلس الشورى. يوضع القانون كاطار لعلاج حاجة وطنية انكشفت في وقت معين. حاجة تتعلق بحياة الناس او بادارة الاقتصاد او حفظ الامن الاجتماعي او غير ذلك من شؤون البلد. وليس من المنطقي ان نحدد الحاجة ونضع لها علاجا ، ثم نضع هذا العلاج في الادراج شهورا او سنوات.

احد اكثر الامثلة الحاحا هو نظام الجمعيات الاهلية الذي اقره مجلس الشورى بصورة نهائية قبل عامين ، بعدما قضى اربعة اعوام دائرا بين المجلسين ولجانهما.

ومن الامثلة على النوع الثاني ، اي القوانين التي نحتاجها ولا تجد حماسا بين ذوي الشأن ، اشير الى القوانين الضرورية لحماية حقوق الافراد وحرياتهم.  انضمت المملكة الى جميع مواثيق حقوق الانسان العربية والاسلامية والدولية ، وانشأت في السنوات الاخيرة "هيئة حقوق الانسان" التي يفترض ان تراقب التزام الدوائر الرسمية بحقوق الانسان. لكن بنود تلك المواثيق لم تصبح جزء من القانون الوطني ، ولم تصدر لوائح تنفيذية تجعلها ملزمة ، او تمكن الاطراف ذات العلاقة من الاحتكام اليها.

ثمة قوانين يفترض ان تحمي حقوق المواطنين ، مثل نظام المطبوعات والنشر الذي يشكل الاطار القانوني للتعبير عن الراي. لكن هذا النظام مكرس في معظمه لبيان القيود على حرية التعبير وليس لتاكيدها او بسط الوسائل القانونية لحمايتها. النصوص العامة والمختصرة يمكن ان تستعمل على اوجه متعاكسة. انا وغيري من الكتاب ومنتجي الفكر لا يرون في هذا القانون اداة لحماية حرياتهم قدر ما يرون فيه تقييدا لحقوقهم.

نحن بحاجة الى التعجيل في وضع اللوائح التنفيذية للقوانين التي اقرت ، وتحديد موعد نهائي لتنفيذها. ونحن بحاجة الى وضع وثيقة وطنية لحقوق الانسان تشكل مرجعية يحتكم اليها الناس اذا شعروا ان حقوقهم تتعرض للخرق او العدوان من جانب اي طرف ، رسمي او غير رسمي.

نريد احتفالا باليوم الوطني يكون فاتحة لتطوير حياتنا وبلدنا وصيانة امن مواطنيها وضمان حقوقهم ، كي ينصب فخرهم بوطنهم على اعتزاز بحلم مستقبلي قابل للتحقيق ، لا مجرد استذكار لزمان مضى ورحل اهله.

الاقتصادية 25  سبتمبر 2012
http://www.aleqt.com/2012/09/25/article_695938.html

18/09/2012

اعلام القاعدة في تظاهرات عربية

في التظاهرات التي شهدتها الاسبوع الماضي بنغازي وتونس والخرطوم وصنعاء احتجاجا على الفلم الامريكي المسيء للرسول (ص) ، هتف بعض المتظاهرين بشعارات تؤيد "القاعدة" ورفعوا اعلامها السوداء.

مبدئيا لا استطيع الجزم بان هؤلاء اعضاء في التنظيم او مناصرون ملتزمون له. في غالب الاحيان يبحث الناس عن اشد التعبيرات نكاية بعدوهم ، اذا شعروا بالعجز عن رد ظلمه. انها عملية تعويض نفسي تجري بشكل عفوي ، مثلما قيل في المثل العربي القديم "اوسعتهم سبا واودوا بالابل". 

لكن المسألة اعمق من مجرد غضب مؤقت. المسألة هي ان شريحة في الشارع العربي تؤمن في اعماقها بان "القاعدة" هي المعادل السياسي "المسلم" للتحدي الغربي ، الامريكي على وجه الخصوص. هذا يعني اولا انها تفهم العلاقة بين المسلمين والغرب باعتبارها حربا ، وليست مجرد صراع سياسي او ثقافي. ويعني ثانيا ان هذه الشريحة ترى في عمل "القاعدة" نموجا صحيحا لمواجهة ذلك التحدي.

كتب استاذنا د. عبد الوهاب الافندي قائلا ان الهجوم على السفارات الامريكية قد لا يكون عملا عفويا. وان علينا ان نضع في اعتبارنا احتمال وجود ايد خفية تعمل لدفع الامور في الشارع العربي في اتجاهات تخدم اجندات خاصة ، معلنة او مكتومة. ولا استبعد وجود من يسعى لاقناع الاجيال العربية الجديدة بالعودة الى تراث العنف القديم ، بعدما اصبح "اللاعنف" قيمة معيارية في الجدل السياسي . وهو امر لم تعرفه  المجتمعات العربية قبل انطلاق الثورة التونسية. كما لا استبعد وجود من يسعى لدفع الحكومات الجديدة نحو قمع المعارضين بدل ترسيخ الحريات المدنية والسياسية.

في كل من تونس وليبيا ، قال مسؤولون حكوميون انهم حددوا الاشخاص المتورطين في الهجوم على السفارات. وظهر لهم ان المسالة لم تكن عفوية كما بدا لأول وهلة. هذا قد يعزز الاحتمال الذي ذكرته ، رغم اني لا اثق في كلام الرسميين في حالات كهذه.

ايا كان الامر ، فان ما يهمنا في المسألة كلها نقطتان:

 الاولى: اذا صح ان شريحة في المجتمع العربي تنظر لتنظيم القاعدة كمعادل للغرب ، فهذا يعني ان التنظيم يرسخ وجوده في الثقافة والمجتمع العربي ، خلافا للاعتقاد القديم بانه يحتضر بعدما فقد زعيمه.

الثانية: يكشف تاريخ التنظيم ان المجتمع السعودي كان من بين البيئات التي افتتنت بخطابه. وقد تحمل جراء ذلك عسرا وعنتا وكلفا جسيمة ، بشرية ومادية وسياسية.

نحن بحاجة الى دراسة معمقة لتلك الاحتمالات ، ولا سيما انعكاساتها في مجتمعنا . وربما نحتاج – على ضوء هذه الدراسة - الى مراجعة سياسات الاحتواء والمواجهة التي طبقت في السنوات الماضية. ظهور "القاعدة" في الشوارع ليس مجرد حدث نرد عليه باستنكار الغلو او رمي الناس بالجهالة. فهو اكثر جدية واشد خطرا من كلام بارد يقوله مذيع في التلفزيون او خطيب على منبر.

04/09/2012

حول الهوية الوطنية والهويات الفرعية وتعارضاتها



المواطنة ليست مجرد بطاقة تحمل اسمك او رقمك المدني . بل هي وصف مختصر للعلاقة التي تجمع بين ابناء وطن واحد ، وتضم خصوصا حقوق الفرد على المجتمع السياسي الذي ينتمي اليه ، وواجباته تجاهه. مجموع اعضاء المجتمع السياسي يشكلون ما يعرف اليوم باسم "الامة" او "الشعب".
هذه علاقة مستحدثة تاسست على ارضية القانون الاعلى لهذا المجتمع ، الذي نطلق عليه في المملكة اسم "النظام الاساسي للحكم" ، ويطلق عليه في البلدان الاخرى اسم القانون الاساسي او الدستور. لان العلاقة بين المواطنين قائمة على ارضية القانون ، فان اختلافهم في الدين او المذهب او العرق او الجنس لا يعني شيئا.
ليس لهذه العلاقة المستحدثة جذور في تاريخنا الثقافي. ولهذا كانت مورد خلط وجدل ، بين اولئك الذين يقفون على ارضية التراث القديم وهؤلاء الذين ينظرون الى الموضوع من زاوية معاصرة. واذكر ان الاستاذ احمد بن باز قد تعرض قبل عامين لبواعث الجدل بين الطرفين ، ولخصها في ثلاثة ، هي أ) الارضية المعرفية التي قام عليها المفهوم الجديد للوطن والمواطنة ، ب) القلق من التزاحم بين الانتماء الوطني ونظيره الديني. ج) الرفض المسبق للمفاهيم التي تعتبر "وافدة" ، اي تلك التي تبلورت في الاطار الثقافي او التاريخي الغربي.
أحمد بن عبد العزيز بن باز
ايا كان الامر ، فان مبدأ المواطنة ، والعلاقات القائمة على ارضيتها ، تمثل اليوم الرابطة الوحيدة او  الرئيسية بين الافراد وبين وطنهم. في هذا الزمان لم يبعد ثمة قيمة سياسية للقبيلة او المذهب او الاقليم. هذه الانتماءات تصنف الان كهويات فرعية او هويات ما قبل الدولة. وهي قائمة في المعنى الثقافي والاجتماعي ، لكنها مجردة من المضمون السياسي.
لا نقر طبعا بالتعارض بين الهوية الفرعية والهوية الوطنية الجامعة. وحين يشهد المجتمع تعارضا فعليا بين الاثنين، فيجب على النخبة ان تقرع اجراس الخطر ، فهو يشير الى خطأ ما ، في مكان ما ، يجب تداركه ، والا تحول الى خط انكسار في المجتمع السياسي.
لا يمكن تجريد الفرد من هوياته الصغرى او الفرعية ، فهي تمثل خلاصة تاريخه ، وهي الخيط الذي يربطه بمحيطه الاجتماعي . ولو حاولنا قسره على التنكر لاي من هذه الهويات ، فسوف نخرج بشخصية ممزقة او "نفس مبتورة" كما وصفها المفكر الراحل داريوش شايغان.
الحل الصحيح هو ترتيب العلاقة بين هذه الهويات على قاعدة الفصل بين وظائفها. تتركز الوظيفة السياسية في الهوية الوطنية التي تربط بين جميع اعضاء الوطن الواحد . بينما ينشط المضمون الثقافي والروحي كمحتوى رئيس للهويات الفرعية التي تجمع بين الفرد ومحيطه القريب ، سواء كان جماعة دينية او قبيلة او قرية او عرقا .. الخ.
هكذا فعلت المجتمعات المتقدمة التي واجهت اشكالية الهوية ، وهكذا نجحت في تلافي خطوط الانكسار. نحن لسنا بدعا من الامم ، ولا نحتاج لاعادة اختراع العجلة. في القديم والحديث ، كان اعقل الناس من قرأ تجارب غيره واتعظ بنتائجها.
الاقتصادية 4 سبتمبر 2012

مقالات ذات صلة

 

 انهيار الاجماع القديم

التفكير الامني في قضايا الوحدة الوطنية

دولة الاكثرية وهوية الاقلية

شراكة التراب" كتطبيق لمبدأ العدالة الاجتماعية

شراكة التراب وجدل المذاهب

الشراكة في الوطن كارضية لحقوق المواطن

من دولة الغلبة الى مجتمع المواطنة: مقاربة دينية لمبدأ العقد الاجتماعي

 من التوحيد القسري الى التنوع في اطار الوحدة

وطن الكتب القديمة

الوطن ، الهوية الوطنية ، والمواطنة: تفصيح للاشكاليات

الوطن شراكة في المغانم والمغارم

طريق الاقلية في دولة الاكثرية

اشكالية الهوية والتضاد الداخلي

الاقليات والهوية : كيف تتحول عوامل التنوع الى خطوط انقسام في المجتمع الوطني

أمين معلوف... الهويات القاتلة

تأملات في حدود الفردانية

تكون الهوية الفردية

حزب الطائفة وحزب القبيلة

حول الانقسام الاجتماعي

حول المضمون القومي للصحوة الدينية

حول الهوية الجامعة والهويات الفرعية ومفهوم الوطن

حول الهوية الوطنية والهويات الفرعية وتعارضاتها

الخيار الحرج بين الهوية والتقدم

عن الهوية والمجتمع

القبيلة والطائفة كجماعات متخيلة

الهوية المتأزمة

01/09/2012

حوار على قناة فور شباب حول التوتر في القطيف

مقابلة حول التظاهرات والعنف وبيان العلماء والحلول المقترحة للمشكلة الطائفية
برنامج حراك
المتحدثون : د. محمد السعيدي  . د. توفيق السيف . المقدم : د. عبد العزيز قاسم 
31 اغسطس 2012 


http://www.youtube.com/watch?v=FI1aUW6beao&feature=youtu.be

28/08/2012

نحتاج إلى قانون يحمي السلم الأهلي وحقوق المواطن


دعوة خادم الحرمين الشريفين لإنشاء مركز للحوار بين المذاهب الإسلامية يمكن أن تكون مفتاحا لاستراتيجية موسعة للتعامل مع النزاعات المذهبية في العالم العربي. لا أشعر بالقلق إزاء الاختلافات بين الأديان والمذاهب والأيديولوجيات، فالاختلاف بذاته ليس مشكلة. ما يقلقني هو التنازع الطائفي، وهو شيء مختلف تماما عن الاختلاف المذهبي أو الديني أو الأيديولوجي.

يميل الناس إلى التبرير المذهبي لخلافاتهم لأنه بسيط ومقنع. وليس ثمة مشكلة هنا، طالما فهم الناس هذه الخلافات في إطارها الطبيعي، أي حرية الرأي والاجتهاد. فكلنا ذاهب إلى الله وهو حسيبه. يكمن الخطر حين يتخذ بعض الناس من هذا الخلاف مبررا للعدوان على الآخرين أو هضم حقوقهم، أو يتخذوه وسيلة لشحن الاتباع بالحماسة من أجل استثمارهم لاحقا في الصراع على النفوذ. وأذكر أن أحد الدعاة نظم قبل سنوات دورة لطلابه في ''فنون مجادلة المخالفين''. وكانت الحلقة الأولى من هذه الدورة في مجادلة النصارى وآخر حلقاتها في مجادلة أتباع الشيخ فلان، وهو أستاذه ومرشده السابق.
الحلقة الأخيرة هي بيت القصيد، وما سبقها مجرد تمهيد. ويبدو أن هدف الدورة هو ''تحرير'' جانب من المساحة الاجتماعية التي يحتلها الأستاذ. محرك هذا النزاع لم يكن اختلاف الاجتهاد بين الرجلين، بل التنافس على النفوذ الاجتماعي، الذي يمكن تحويله – لاحقا – إلى نفوذ سياسي.
لا نستطيع إلغاء الاختلافات المذهبية والدينية والأيديولوجية، ولا نستطيع الحيلولة دون تحولها إلى خلافات نظرية، لكننا بالتأكيد قادرون على إبقائها ضمن هذه الحدود، والحيلولة دون تحولها إلى نزاع سياسي، يهدد السلم الأهلي والوحدة الوطنية، ويعوق تقدم البلاد.

الطريق إلى هذا هو القانون. المدنية ترقق الطباع - كما عبر الشيخ القرني في مقال عن رحلته الباريسية - الفارق الأهم بين مجتمع المدينة ومجتمع الصحراء هو سيادة القانون. القانون الذي يشكل مسطرة واحدة يحتكم إليها الجميع ويخضع لها الكل.

نتحدث كثيرا عن عدل الإسلام ومساواته بين الناس، وسبقه أمم الشرق والغرب إلى حقوق الإنسان، لكن هذا الكلام الطيب لا جدوى وراءه ما لم يتحول إلى قواعد قانونية ملزمة، يمكن للضعيف والمظلوم الاستناد إليها في المطالبة بحقه. ولا معنى له إن لم يشعر الأقوياء بأنه حد يحول بينهم وبين الاستقواء على الضعفاء والمساكين.

بلادنا – مثل كل بلد آخر – في حاجة إلى نظام قانوني يجرم استغلال الخلافات في إثارة الكراهية والبغضاء بين الناس، ويمنع التمييز بين الناس على أساس مذاهبهم وأديانهم وقبائلهم. من المؤسف أننا لم نبادر بوضع قانون كهذا في الماضي، ولهذا نشعر اليوم بضرورته أكثر من أي وقت مضى. نحن في حاجة إلى قانون يستطيع الناس الاستناد إليه إذا شعروا بأنهم يتعرضون لتمييز سلبي أيا كان مصدره أو مبرره، ونحتاج إلى هيئة متخصصة للإشراف على تطبيق هذا القانون، وإرشاد الجهات الرسمية والأهلية والأفراد، حتى يترسخ مبدأ التسامح، ويعتاد الناس جميعا حقيقة أنهم مواطنون أولا ومواطنون أخيرا، أيا كانت انتماءاتهم وأصولهم وأجناسهم.

الاقتصادية 28 اغسطس 2012

المواطن "الممتاز" والمواطن "العادي"

سألتني السيدة ميره ، وهي مثقفة من دولة الامارات الشقيقة ، عن علاقة المواطنين ببعضهم وعلاقتهم بوطنهم: هل نكتفي بمضمونها القانوني ، ام نحتا...