15/07/2014

احتواء الخطاب المتطرف


ستمر بضعة اسابيع ثم تتراجع الموجة الداعشية كما حدث لاخواتها من قبل. هذه طبيعة الامور في بلدنا وفي سائر البلدان. لكن هذي ليست نهاية القصة. فكل حادث يخلف اثرا في النسيج الاجتماعي ، سطحيا او عميقا. ويهمنا اليوم التامل في الاجراءات الوقائية التي تتناول بصورة خاصة البيئة الاجتماعية التي يحتمل ان تمد تيار العنف بالقوة البشرية والمادية.
طبقا لما نعرفه عن المجموعات العنيفة التي ظهرت في منطقة الشرق الاوسط ككل ، فان ابرز نقاط قوتها تتمثل في القدرة على استثمار نسق ايديولوجي ، وخصوصا ديني او مذهبي ، استثمار مقولاته باعادة تفسيرها على نحو يبرزها كجواب على عوامل الاحباط القائمة في المحيط. بعبارة اخرى فان الاحباط والايديولوجيا يتفاعلان لانتاج أمل جديد يعيد للشاب المحبط ثقته بنفسه وقدرته على تحقيق مراداته. الداعية المتطرف لا يقول للشاب ان الصلاة في المسجد هي التي ستجعله ناجحا ، بل يعرض له نماذج عن الاشخاص الذين اكتشفوا ذواتهم وتحولوا من اصفار على هامش الحياة الى ارقام في قلب المجتمع والحياة حين انضموا الى الجماعة المتطرفة. اكتشاف الذات وتحقيق الذات يأتي هنا متوازيا مع شعور داخلي عارم بالرضى عن الذات وضمان رضا الله ايضا.
مهمة دعاة التطرف ليست صعبة لانهم يستثمرون القناعات الدينية التي يجري شحنها في عقول وقلوب الشباب منذ الطفولة حتي اخر العمر. بعبارة اخرى فالشاب يسمع ذات اللغة والمفاهيم التي يقولها الجميع ، لكنه يضعها في اطار مختلف ويعطيها تفسيرا مختلفا تؤدي غرضا معاكسا لما يريده معلم المدرسة او خطيب المسجد مثلا.
العلاج اذن ليس في الغاء التربية الدينية او الوطنية ، بل في تغيير النسق الاحادي الذي اعتدنا عليه منذ عقود ، اي اقرار التعددية الثقافية والدينية والحياتية ، واستبعاد العناصر التي تصف الاراء والمناهج المختلفة باعتبارها بدعا او كفريات او خروجا عن الدين. ويستتبع ذلك فتح المجال امام الرموز الثقافية والاجتماعية التي تقدم خيارات موازية في فهم الدين واهدافه ، ولا سيما تلك التي تتبنى خطابا يعزز الامل في الحياة والمستقبل.
اما الخط الثاني فيركز على معالجة بواعث الاحباط ، ولعل ابرز تمثيلاته هي دعم المناشط الاجتماعية الاهلية ، سيما تلك التي يقيمها الناس بانفسهم لانفسهم من دون تدخل الدولة وبيروقراطييها. اني اشعر بالاسف لان نظام الجمعيات الاهلية الذي كان ينبغي اصداره في بداية 2011 لازال الى اليوم حبيس الرفوف في مجلس الوزراء ، واظن انه كان سيلعب دورا فعالا في استيعاب الهموم  وفائض الحركة الذي هو سمة للمجتمعات الشابة كالمجتمع السعودي.
زبدة القول ان التعامل الجاد مع احتمالات تمدد الايديولوجيا الداعشية ونظائرها يتطلب قرارات صعبة ، لكن الامر ما عاد يحتمل التردد أو التأجيل وعلينا ان نبادر اليوم قبل فوات الاوان.
الاقتصادية 15 يوليو 2014
http://www.aleqt.com/2014/07/15/article_867319.html
مقالات ذات علاقة
·         فلان المتشدد
·         ثقافة الكراهية
·         تجريم الكراهية
·         تجارة الخوف
·         في انتظار الفتنة
·         العامل السعودي

·          

14/07/2014

خلاقة على منهاج نبوة


 (1)
اعلان "الدولة الاسلامية" في الموصل وتنصيب زعيم تنظيم "داعش" خليفة للمسلمين كان صدمة للتيارات الدينية ، بصورة مختلفة عما اصاب التيارات الاخرى. في 1994 نشر سيد ولي نصر دراسة حول الجماعة الاسلامية في باكستان ، محاولا استقصاء العوامل التي مكنت التنظيمات الدينية الجديدة من اختراق التيار العام التقليدي. وتوصل يومئذ الى ان العامل الرئيس هو نجاح تلك التنظيمات في اعادة تفسير الثقافة الدينية التي يروجها التيار التقليدي ، على نحو يماهي بين العناصر الاكثر شيوعا في هذه الثقافة وبين احلام وتطلعات المسلم المعاصر.  لعل ابرز عوامل فشل التيار التقليدي يكمن في نزعته التجريدية والميتافيزيقية ، في الوقت الذي يتساءل مسلم اليوم: اذا كان ديننا بهذه العظمة واذا كان اسلافنا قد حققوا كل تلك النجاحات التي نتحدث عنها ، فلماذا نفشل اليوم في تكرار التجربة؟ بل لماذا نفشل في معالجة ابسط قضايانا؟.
(2)
خلال ستينات وسبعينات القرن العشرين كان الطابع العام لاحاديث الاسلاميين وكتاباتهم هو التاكيد على فكرة ان "الاسلام هو الحل" و "عندما يحكم الاسلام .....". حاولت هذه المقاربة الاجابة على سؤال "لماذا تاخر المسلمون وتقدم غيرهم؟" الذي طرحه شكيب ارسلان قبل قرن من الزمن. وأظن ان معظم المسلمين ، سيما الناشطين والشباب قد اقتنعوا بالجواب ، اعني الجواب القائل بان تأخر المسلمين سببه ابتعادهم عن الاسلام او قلة ايمانهم ، او عدم اتحادهم حول راية واحدة. هذه قناعة ضرورية رغم انها خاطئة. هي قناعة ضرورية لان البديل عنها هو نقيضها ، اي القول بان غير المسلمين تقدموا لانهم غير مسلمين ، فطريق التقدم مشروط اذن بالتخلي عن الاسلام. ولم يكن عامة المسلمين مستعدين ، لا بالامس ولا اليوم لقبول فرضية كهذه. لكنه جواب خطأ ايضا لان مجرد التمسك بالدين لا يقود بالضرورة الى التقدم كما ان مجرد التخلي عنه لا يقود بالضرورة الى التخلف. والدليل هو ان كثيرا من الحضارات قامت وتغلبت ولم تكن مسلمة ، مثلما قامت حضارات وتغلبت وهي مسلمة ، وقد سقطت هذه مثلما سقطت تلك ، مما ينفي التلازم المفترض  - والذي اراه متكلفا – بين الدين والحضارة.
لكن هذا النقاش المفصل ليس مطروحا اليوم كما لم يكن مطروحا بالامس. يهتم عامة الناس بالاسئلة العامة وينتظرون جوابا عاما ، لا يصادم في الغالب توقعاتهم او مرادتهم. ولهذا قبلوا بالجواب المقترح ، اي ان سبب ضعف المسلمين وتخلفهم يكمن في ابتعادهم عن الاسلام.
(3)
ولم يحفل الاسلاميون كثيرا بالتدليل المادي الواقعي على جوابهم. الحركيون مثل التقليديين ركزوا على استثمار التاريخ على نحو يؤكد صدق الجواب. والتاريخ دليل جبار لانه تجربة مادية انسانية واقعية ، لا يمكن تكذيبها. عيب هذا الدليل يكمن في انتقائيته ، فنحن لا نقرأ التاريخ كاملا بل نلتقط وقائع محددة ونشحنها باضافات بلاغية وتصويرية كي تطابق التصور الذي نريد اقناع الناس به.
الخلافة الراشدة هي ابرز الصور التي قدمت للمسلمين كدليل على عظمة الاسلام ورفعته وكفاءته وعدالته وقوته. استمرت الخلافة الراشدة 30 عاما ، كانت مليئة بالحوادث والتحولات ، غير ان ما يعرفه عامة المسلمين منها ، لا يتجاوز صفحات قليلة ، تتلخص في بضعة فتوحات وصور عن السلوك الشخصي للخلفاء والولاة ، وقليل من صور الحياة العامة. هذه الحقبة القصيرة لخصت في راي المؤرخين والفقهاء والمفسرين والرواة ، فضلا عن الكتاب والخطباء المعاصرين ، اسمى ما يعد به الاسلام. ولهذا اكتسبت مسحة قدسية. فهي تذكر دائما باعتبارها الفترة النموذجية. ويذكر رجالها باعتبارهم المثال الاسمى لما ينبغي ان يكون عليه  الاسلام. انها – حسب الوصف الدارج والذي يقال انه مدعوم بحديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام – خلافة على منهاج نبوة.
(4)
لماذا لم ينجح المسلمون في اعادة احياء الخلافة الراشدة ، او اقامة نموذج قريب منها طيلة ثلاثة عشر قرنا ونصف بعد سقوطها ؟.
يجيبون على ذلك احيانا باتهام المسلمين انفسهم بقلة الايمان ، او قلة معرفة الدين. ويتهمون احيانا الاستعمار او القوى المعادية للدين بالحيلولة دون احيائها. لكن الخلافة تبقى - رغم ذلك - املا ومثلا اعلى يتطلع اليه المسلمون ، رغم قناعتهم بعجزهم عن تحقيقه في ارض الواقع.
عبد الله العروي
لم يحصل ابدا ان قام مجتمع مسلم بمحاسبة علماء الدين او زعماء الحركات الاسلامية او رؤساء الدول على تقصيرهم في السعي لاقامة الخلافة الاسلامية ، او على فشلهم في اقامتها. لان الفكرة في الاساس ليست مطروحة كحل ممكن ، بل كنموذج مثالي نريده ولا نستطيع الوصول اليه. انه كما قال عبد الله العروي "طوبى" تنزع مشروعية الدولة القائمة ، دون ان تقدم بديلا واقعيا ممكنا عنها. هذه النقطة للمناسبة مشتركة بين جميع المسلمين ، فما يسميه السنة خلافة ، يسميه الشيعة امامة  وليس ثمة فرق في المبررات المعيارية ولا الغايات.
(5)
قوة الطرح الذي قدمه تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام "داعش" تكمن في هذه النقطة بالذات: انه استطاع تحقيق ما عجز عنه المسلمون طيلة 1350 سنة ، اي كسر ارادة المستعمر المفترضة وكسر اسباب العجز الداخلي ، واقامة الخلافة على ارض محددة استنادا الى قوة ذاتية منبعثة من مجتمع مسلم ، رغم معارضة كافة الحكومات والدول التي يفترض انها معادية للاسلام. نجاح "داعش" ايا كانت قيمته ينطوي على ادانة للحكومات والتنظيمات الدينية ، ولكل من قال بان المسلمين غير قادرين على تحقيق اراداتهم. هذه الادانة تقود بالضرورة الى انقسام جديد يضيف مسارا رابعا الى المسارات القائمة ، اي الحكومات المختلطة (علماني/تقليدي) ، التنظيمات الدينية التي تشكلت خلال القرن العشرين ، الجمهور العام ، والقوة الناهضة التي حققت ما فشل فيه كل اولئك ، اي تنظيم الدولة الاسلامية  "داعش".
المسار الجديد ليس مجرد خيار اضافي كما هو الحال في المقارنة بين الاخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة مثلا ، ولا هو قوة اضافية كما هو الحال في المقارنة بين الاخوان والتيار السلفي ، بل هو – ببساطة - قوة بديلة عن الجميع ، لانها تنفي شرعيتهم وحقهم في العمل باسم الدين. الدليل الحاسم الذي يملكه هذا التيار هو قدرته على استنباط القوة حيث عجز الاخرون ، وتحقيق الهدف حيث قصر الاخرون او فشلوا.  في مطلع القرن الماضي كتب ماكس فيبر ، احد الاباء المؤسسين لعلم الاجتماع الحديث ، ان الفكرة تصبح مؤثرة حين تشير الى قوة او تعبر عن قوة. طبيعة البشر انهم ينجذبون الى القوة ويعتبرونها رمزا للنجاح ودليلا عليه. لا يتوقف الناس كثيرا عند التفاصيل ، فالذي يؤثر فيهم هو الذي يشغل عيونهم وآذانهم ، اي القوة المتجسدة في بنيات مادية. ولهذا تهتم الحكومات بالاحتفال واستعراض سلاحها وعسكرها ومظاهر قوتها الاخرى ، لانها تضفي عليه مشروعية او تعزز مشروعيتها ، اي تحول "القوة العارية" الى مصدر "حق" لصاحبها.
(6)
يستطيع الحركيون الاسلاميون وتستطيع الحكومات حشد مئات الادلة على ان "الخلافة" الجديدة بغي وضلال. لكن شريحة كبيرة من المسلمين ، سيما الشباب الذي امتلأ بالاحباط بسبب الصعوبات الحياتية او بسبب عجز اسلافه عن تحقيق انجازات مثيرة للاهتمام ، او بسبب الخطاب الديني القديم الذي يؤجل النجاحات الى الاخرة ، هذا الشباب سيتوقف مليا عند نجاح داعش في السيطرة على الارض واعلان دولة ، وسيتعامل مع هذا النجاح كمعيار لتقييم كفاءة الاخرين ، وتبعا كمعيار على صدق دعاواهم وربما شرعية وجودهم وتمثيلهم للدين الحق.
رأينا هذا بعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران في 1979، ورأينا مثله في باكستان خصوصا ، بعد اجتياح حركة طالبان للعاصمة الافغانية كابل في 1996.
هذا هو التحدي الاكبر الذي يواجه حكومات الشرق الاوسط وبدرجة اكثر حدة التيارات الاسلامية بمختلف اشكالها. وهو تحد ستظهر اثاره اذا نجحت داعش في ابقاء سيطرتها على الارض خلال الاشهر الثلاثة القادمة. علينا ان ننتظر الى الربع الاخير من العام الجاري كي نرى هذه الاحتمالات.
(7)
 يمكن للحكومات والتنظيمات الاسلامية مواجهة هذا التحدي اذا استطاعت تغيير ذاتها. وهي مهمة في غاية العسر. لكنها ممكنة على اي حال. واعني بتغيير الذات بشكل محدد ، تغيير الباراديم او النسق الثقافي والسياسي الذي يمثل قاعدة ومبررا لعملها ومحددا لاستهدافاتها. يمكن الاشارة الى تبني الحداثة بكل تجلياتها السياسية والقانونية والثقافية كاحد معاني تغيير البارادايم ، والدخول في معارضة مفتوحة وعلنية للنسق التراثي والثقافي القديم الذي تستطيع "داعش" واخواتها استثماره بشكل افضل ، كما ثبت حتى اليوم. تغيير البارادايم سيؤدي قطعا الى انكسارات كثيرة ، لكنه سوف يستنهض ايضا قوى لازالت خارج ساحة الفعل حتى الان. بعبارة اخرى فاننا امام معادلة فيها خسائر وارباح كما في اي عملية اعادة هيكلة.
هذا التحول ضروري ، ليس فقط من اجل ان تحافظ الحركة الاسلامية على وجودها ، بل ايضا من اجل: أ) ان لا يتحول الربيع العربي الى ميراث لتيارات عمياء مثل "داعش" واخواتها. ب) ان لا نعود الى علاقة العنف الاعمى بين الحكومات والمجتمعات المسلمة التي كانت سائدة حتى وقت قريب.
دعوة "الخلافة على منهاج نبوة" تبدو بسيطة وقابلة للتفنيد لو كان الظرف ظرف نقاش علمي. لكننا في ظرف سجال يغلب عليه الطابع الانفعالي وتستقطب عناصره القوة العارية. وفي ظرف كهذا فان من يعرض صور المذبوحين سيكون برهانه اقوى من الذي يعارض بالكلام. هذا برهان يفكك شرعية أي مدع للنجاح وأي وعد للمستقبل.
التقرير 14 يوليو 2014
http://altagreer.com/  الملف-النشط/د-توفيق-السيف-خلافة-على-منهاج-نبوة





01/07/2014

في مواجهة التيار الداعشي


اعلان داعش عن دولتها وتنصيب زعيمها خليفة للمسلمين ، يمثل نقطة تحول كبرى تستدعي حسم الخيارات: مع نمط الحياة الذي يمثله التيار الداعشي او نمط الحياة الذي اختاره المجتمع بارادته. لقد جربنا العيش كما نريد وعلمنا عن نمط العيش الذي ارادته داعش في العراق وسوريا وشقيقتها طالبان من قبلها. 
داعش ليس فزاعة صنعتها طهران او دمشق او واشنطن كما حاول البعض ايهامنا. حوادث العقدين الماضيين علمتنا ان هذا التيار لا يستطيع العيش الا منفردا متحكما في محيطه. لا يتعلق الامر بهزيمة الشيعة كما يود البعض ، ولا بالمشاركة في السلطة كما يتمنى آخرون. اجتهد الجزائريون عقدا كاملا لاقناع زعماء هذا التيار بترك العنف والمشاركة في الحياة السياسية. كذلك حاولت الحكومة الافغانية لما يزيد عن ثمان سنين. وتكرر الامر في الصومال. لكن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل التام. هذه تجارب تكفي لاستنتاج ان التيار الذي تمثله داعش ، لا يرى نفسه مدينا لاحد ولا شريكا لاحد ، ولا جزءا من اي عملية سياسية طبيعية. هذا تيار يتمثل مقولة اسامة بن لادن المشهورة في 2001 "هذه الأحداث قد قسمت العالم بأسره إلى فسطاطين ، فسطاط  ايمان لا نفاق فيه وفسطاط كفر أعاذنا الله وإياكم منه ". والرسالة التي ينطوي عليها هذا القول هي ببساطة: اما ان تكون جنديا في صفوفنا والا فانت في فسطاط الكافرين.
قبل بضعة ايام نشرت على الانترنت خريطة تظهر ان قوات داعش اصبحت على بعد 60 كيلومترا من الحدود السعودية. واعلم ان هذه كذبة واضحة ، هدفها استثمار القوة الظاهرة للتشكيك في شرعية الانظمة الاجتماعية القائمة. لكن على اي حال فانه لاينبغي التهوين من خطر داعش او اخواتها ، على السلم الاهلي والاستقرار في منطقة الشرق الاوسط باكملها. وعلى حكومات المنطقة ان تأخذ الموضوع بمنتهى الجدية ، قبل ان يصبح الخطر على ابوابها او ربما اقرب.
وفي ظني ان الخطوة الحاسمة لمواجهة خطر التيار الداعشي هو حسم الخيارات باتجاه الحداثة الصريحة واستيعاب المتغيرات الثقافية والاجتماعية الناتجة عن تحولات الاقتصاد وانضمام الاجيال الجديدة الى ساحة الفعل الاجتماعي. لن نستطيع مقاومة المد الداعشي بالاعتماد على سياسات الاحتواء والاستيعاب القديمة ، ولن نستطيع صيانة السلم الاجتماعي والتطور المنتظم من دون تحولات كبيرة في اتجاه المشاركة الشعبية في صناعة القرار وتحقيق اكبر قدر من الرضا العام عن سياسات الدولة.
لن تصل داعش الى الحدود السعودية اليوم ولا بعد خمس سنين. ولا ينبغي ان نخدع انفسنا بهذا الخطر المتوهم. الخطر الواقعي يكمن في امكانية احتلال داعش لقلوب الناس من خلال التشكيك في شرعية النظام الاجتماعي ونمط الحياة القائم. ولهذا نحتاج الى حسم خياراتنا ، اليوم وليس غدا. واظن ان المشاركة الشعبية في صناعة القرار هي اول الطريق.
الاقتصادية 1 يوليو 2014
http://www.aleqt.com/2014/07/01/article_863117.html
مقالات ذات علاقة
·          خيار الصفر
·          فلان المتشدد


24/06/2014

مصائر المجتمعات الفاشلة

اذا اختار العراقيون رئيس حكومة غير السيد نوري المالكي فسوف يتحول العراق الى دولة كونفدرالية بطريقة لينة نسبيا. واذا عاد المالكي الى رئاسة الحكومة بعد تشكيل البرلمان الجديد ، او تعذر التوافق على رئيس حكومة يحظى بالاجماع ، فسوف يتحول العراق الى دولة كونفدرالية ايضا ، ولكن بطريقة صعبة ومؤلمة.
لقد اعتدنا تعليق آثامنا على مشاجب الاخرين. الازمات المتنقلة من الصومال الى ليبيا ومصر والسودان واليمن والعراق وسوريا ولبنان لم تستورد من خارج الحدود ، فهي صناعة محلية بدءا واستمرارا. لعل الاغراب قد ساهموا فيها ، في مرحلة من المراحل ، لكن اليس مستهجنا مرور السنين تلو السنين واهل البلد عاجزون عن علاج علتهم؟. لقد مر ربع قرن على انقسام الصومال ، ولا زال الوضع على حاله ، وخسر السودان نصفه الجنوبي بعد عقد كامل من اتفاق على تلافي مسببات الانفصال.

كذلك الامر في العراق الذي انقسم شماله – واقعيا - منذ 1991 ، وتم الاقرار به دستوريا في 2003. وفي هذه الايام يبدو العراق متجها الى تعميق هذا الانقسام بالتحول – دستوريا او كأمر واقع – الى دولة كونفدرالية من ثلاثة أقاليم على الاقل. هذا المصير نفسه ينتظر سوريا وليبيا ، وربما اليمن التي يطالب كثير من سكان جنوبها باستعادة دولتهم التي كانت مستقلة حتى نهاية الثمانينات من القرن المنصرم.

هذا ليس فعل الاجانب ، بل هو فعلنا ، او هو ثمرة عجزنا عن الفعل. ربما نتهم اسرائيل وامريكا او نتهم ايران وتركيا ، او نتهم السعودية وقطر او غيرها  او نتهم الشيطان الرجيم ، لكن لا امريكا ولا الشيطان ولا اي احد آخر يقرر مصيرك ما لم تكن انت مستعدا لتقبل هذا المصير.

في الماضي القريب كانت الوحدة املا واغنية. وكنا جميعا نعتبر توحيد البلاد الاسلامية او العربية غاية مقدسة واملا للخلاص. لكن الواضح اليوم ان الناس قنطوا من الوحدة بين الدول ، والاسوأ من ذلك ان معظم العرب ما عادوا يكترثون باحتمال انقسام بلدانهم. زعماء العراقيين السنة يطالبون باقليم خاص ، ويبدو ان اكثر العراقيين الشيعة يتقبلون الفكرة. بعض زعماء ليبيا يطالب صراحة بتقسيمها الى ثلاث كيانات فيدرالية ، مثلما يطالب كثير من اهل اليمن. فكرة تقسيم سوريا الى ثلاث دول كونفدرالية او فدرالية تطرح اليوم كأحد المخارج الممكنة من الحرب الاهلية.

اتساع القناعة بالحل الانفصالي دليل على شعور بالعجز الكامل عن التشارك والتعايش الطبيعي في وطن واحد. ما دمنا عاجزين عن التشارك ، فلنقل ذلك صراحة ، ولنذهب نحو الانقسام اللين كي نحصر الخسائر ونصون حدا ادنى من المشتركات الضرورية لحياة سليمة. هذا حل مؤلم لكنه اقل سوءا من المكابرة والاصرار على اعادة تجربة الفشل بعدما سالت الدماء ودمر العمران.

الاقتصادية 24 يونيو 2014
http://www.aleqt.com/2014/06/24/article_860574.html
مقالات ذات علاقة
·         الأخ الأكبـــر
·         العبء الطائفي
·         الأخ الأكبـــر
·         في انتظار الفتنة


17/06/2014

"عجلة التنمية" المتعثرة


السؤال الذي يشغل الدكتور ابراهيم العواجي هو: لماذا فشلنا في بلوغ الاهداف التي حددتها خطط التنمية؟. هذا ينصرف  الى سؤال اخر: لماذا نعجز حتى اليوم عن وضع معايير دقيقة لقياس انتاجية الادارة الرسمية ، رغم الاموال العظيمة التي انفقت على تطويرها؟.
د. ابراهيم العواجي
في كتابه الجديد "التنمية وعربة الكرو" يلخص العواجي تأملاته في تجربة امتدت ربع قرن ، عمل خلالها وكيلا لوزارة الداخلية. وهو يقول انه حاول كما حاول كثيرون غيره ، تجاوز العلل المزمنة في النظام الاداري ، لكنه يقر في نهاية المطاف بان "عوامل ثقافية" هي التي اعاقت تطور الادارة وعطلت – تبعا لذلك – عجلة التنمية.
يشير الكتاب مثلا الى نظام المشتريات الحكومية الذي استهدف – فرضيا - مضاعفة الدورة المحلية لراس المال وتنويع مصادر الانتاج. لكنه تحول في واقع الامر الى قناة لتصدير الرساميل للخارج. السبب الذي يشير اليه دون ذكره صراحة ، هو ان صاحب القرار المالي والاداري يريد منتجا نهائيا ، ولا يهتم كثيرا بتفاصيل المسار المنتهي بالانجاز. جرى العرف مثلا على ايكال المشاريع الكبرى لشركات اجنبية تتغطى بواجهة وطنية ، لان الشركات المحلية غير مؤهلة ، وصاحب القرار لا يعتبر نفسه مسؤولا عن تأهيل الشركات المحلية. حصاد هذا العرف العليل ، هو اننا لا نزال بعد 45 عاما من انطلاق خطط التنمية ، متكلين على المقاولين الاجانب في كل شيء ، من بناء جسر الى بناء مدرسة الى انشاء مصنع الخ..
قد يبدو الامر بسيطا طالما كنا نحصل على ما نريد. لكن الامر ليس كذلك كما يرى العواجي. التنمية ليست انشاء مبنى او فتح شارع ، بل عملية متواصلة ومتنامية. تخبرنا تجارب العالم ان استمرارية التنمية تعتمد كليا على  توسع مواز في دور "الطبقة الوسطى". كل مرحلة في اي عمل تنموي يجب ان تستهدف ضمنيا تمكين هذه الطبقة وتأهيلها كي تتولى المرحلة التالية. هذا هو الطريق الوحيد لجعل التنمية مستدامة ولجعل ناتجها الاقتصادي رافدا جديدا لدورة راس المال المحلي.
هذا مثال عن الفارق بين الادارة الشخصية والادارة المؤسسية. في الاولى يصدر القرار عن شخص واحد ، ليس لديه الوقت لدراسة تفاصيل المشروع. بينما في الحالة الثانية يصدر القرار ضمن حزمة كاملة ، تدرس وتتقرر وفقا لتصور متكامل ، يلحظ جميع الابعاد المؤثرة والمتأثرة بالعملية التنموية وانعكاساتها ، وما يستلزمه التعامل مع نواتجها الفورية واللاحقة.
خلاصة تأملات العواجي ، هي ان نجاح التنمية في المملكة ، مشروط بالتحرر من الاعراف القديمة والثقافة القديمة ونظام الادارة الشخصية القديم. مالم يتحقق هذا ، فسوف نضطر دائما الى التعامل مع اوضاع غريبة ، مثل ان ان نستقدم مئات الالاف من العاملين الاجانب سنويا ، بينما نعجز عن توفير وظائف كافية للمواطنين ، ومثل ان نملك جميع الموارد المالية الكافية لكن نصف مشاريعنا يتأخر او يتعثر.
الاقتصادية 17 يونيو 2014
http://www.aleqt.com/2014/06/17/article_858209.html

مقالات ذات علاقة


اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...