05/06/2012

التحدي الذي يواجه الاخوان المسلمين

سواء فاز المرشح الاخواني او مرشح العسكر في الانتخابات الرئاسية المصرية الوشيكة ، فالمؤكد ان الاخوان سيشكلون الحكومة القادمة ، نظرا لهيمنتهم على البرلمان. هذا يضعنا امام تجربة فريدة. سيكون على الاسلاميين القادمين الى السلطة مواجهة اشكالات عديدة ، نشير هنا الى اثنين منها: الطائفية والسياحة.
منذ عهد الرئيس الاسبق انور السادات ، شكا الاقباط المصريون من سياسة تمييز رسمي معلنة حينا ومكتومة في اغلب الاحيان ، جعلتهم – بحسب منطق الامور – مواطنين من الدرجة الثانية. كانت السلطة - يومئذ - علمانية فلم يكن بالوسع اتهامها بالتحيز الديني.
اما اليوم فان على حكومة خرجت من صناديق الانتخاب ان تقدم نموذجا مختلفا. نموذج يتعامل مع المسلم والمسيحي باعتبارهم مواطنين لا اتباع ديانات. لم استغرب الميل الجارف عند الاقباط للتصويت ضد مرشح الاخوان. فالتراث الذي ينتمي اليه ، والثقافة السائدة في بيئته الاجتماعية ، تنظر لكل مختلف باعتباره ادنى شأنا. ولهذا لا يلام "المختلف" اذا شعر بالقلق على مستقبله ، حتى لو كان ماضيه سيئا وبغيضا.
تقول بعض التقارير ان المرشح الاخواني وعد بتعيين قبطي نائبا للرئيس. وهذه خطوة ستكون مؤثرة بالتاكيد في تطمين هذه الشريحة. لكنها خطوة واحدة فحسب. يتوجب على حزب العدالة والتنمية ومرشحه ان يقدم وعدا قطعيا باصلاح القانون على نحو يحول دون التمييز بين المصريين ، والغاء جميع اللوائح والتعليمات التي تجيزه او تسهل ممارسته.
التحدي الثاني الذي يتوجب على الاخوان مواجهته هو الاقتصاد. سيكون على رجال الحكومة الجديدة ممارسة ضغط شديد على انفسهم حين يضعون السياسات الخاصة بحماية وتشجيع السياحة مثلا. يساهم هذا القطاع بنحو 12% من الناتج القومي الاجمالي  ، و نحو 20% من الدخل الخارجي للبلاد ، وهي توفر نحو 4 ملايين وظيفة.
لم يكن قطاع السياحة محبوبا عند الاسلاميين . وقد نظروا اليه دائما كبؤرة للفساد . لكنهم مضطرون اليوم الى التعامل معه كمورد اقتصادي يستحيل الاستهانة به ، اذ يستحيل عمليا التعويض عنه في المدى القصير والمتوسط.
افترض ان الحكام الجدد مؤمنون بالواقعية السياسية . فهم بالتاكيد يعرفون ان العمل في السلطة لا يشابه الحديث في المساجد وحلقات التربية الحركية. لكن هذه لن تكون مهمة سهلة. فلديهم جمهور سبق اقناعه بان "الحكم الاسلامي" سياتي بالمن والسلوى ، وسيكون "نظيفا" من كل مكروه. ويظن كثير من هذا الجمهور ان مهمة كهذه لا بد ان تتحقق في اسابيع اذا امتلكت صولجان الحكم.
خلاصة القول ان الاسلاميين المصريين ، ومن يتاثر بهم خارج الحدود ، يبنون قصورا من الامال. لكنهم سيواجهون تحديات صعبة ، وقد تكون قاتلة. لهذا فمن الخير لهم ان يضعوا في اعتبارهم اسوأ السيناريوهات ، وان يتحاشوا الانفراد بالقرار ، كي لا يتحملوا وحدهم ثمن الاخفاقات ، وبعضها متحقق دون شك ، في هذه الظروف التي تتسم بانعدام اليقين.



الاقتصادية 5 يونيو 2012

29/05/2012

مصر ما زالت متدينة لكنها خائفة من التيار الديني



ذهلت حين سمعت أن الفريق أحمد شفيق حصد 24 في المائة من أصوات الناخبين المصريين. كان الأمر بسيطًا ومفهومًا لو ذهبت هذه الأصوات لعمرو موسى أو حمدين صباحي، لكن التصويت الكثيف لأحمد شفيق يكشف عن تأزم غير اعتيادي يجري تحت السطح. فهم هذا التأزم ربما يساعدنا أيضًا على كشف السبب الذي جعل الثورة اليمنية تنتهي بإعادة إنتاج النظام القديم بدل إرساء جمهورية جديدة. وهو قد يساعدنا على فهم تلكؤ العالم في اتخاذ موقف يدفع الأزمة السورية إلى خط النهاية المأمولة.
كنت أظن أن دول العالم ما عادت تخشى وصول الإسلاميين إلى السلطة، لكن ما جرى في ليبيا بعد سقوط القذافي، وما يجري في لبنان وسورية اليوم، يقدم مبررات إضافية على أن قلق دول المنطقة والعالم ليس مجرد ''إسلاموفوبيا'' كما كان يقال في السنوات الماضية.

ليس سرًّا أن الثورة اليمنية فتحت الباب أمام سيطرة تنظيم القاعدة على عدد من المحافظات. وليس سرًّا أن عددًا من المحافظات الليبية يخضع لجماعات دينية محلية تتبع اسميًّا فقط حكومة طرابلس. وليس سرًّا أن مراقبين عديدين يتحدثون عن احتمال مماثل في سورية ولبنان.

Mohamed Morsi-05-2013.jpg
التيار الديني كان هو القاسم المشترك في كل هذه الحوادث. هذا يثير سؤالاً جديًّا: هل يسهم الصعود الحالي للتيار الإسلامي في تصحيح مسار الدول العربية، أم يؤدي إلى تفكيك الإجماع الوطني والتمهيد لظهور دويلات الطوائف؟
تصويت المصريين لمصلحة أحمد شفيق بعد أشهر قليلة من إسقاط النظام الذي كان جزءًا منه، يشير إلى قلق عميق ينتاب المصريين. لعل الناس أرادوا الإسلاميين في الحكومة لأنهم يثقون بنزاهتهم، لكنهم يخشون تسليمهم القوات المسلحة. وهذا ما سيحصل لو أصبح مرشح الإخوان رئيسًا للجمهورية. الجيش- بالنسبة لعامة الناس- يمثل الملجأ الأخير فيما لو سارت الأمور في الطريق الخطأ.

يقول محللون إنه لو عقدت الجولة الثانية للانتخابات المصرية اليوم، فإن أحمد شفيق سيكون الرئيس القادم وليس مرشح الإخوان محمد مرسي. ولهذا السبب فإن على التيار الإسلامي المصري أن يبذل جهدًا استثنائيًّا لتطمين الناس. هذا لا يتحقق بالكلام في التلفزيون، ولا بإصدار تعهدات أحادية، بل باتفاقات محددة مع الأطراف السياسية الفاعلة، تتضمن التزامات علنية تعالج أسباب قلقهم.

أبرز نقاط ضعف الإخوان في الأشهر القليلة الماضية هو استهانتهم بقوة الآخرين، وتعزز هذا مع سيطرتهم على البرلمان. هذا يجعلهم اليوم أمام خيارات مريرة: لو فاز أحمد شفيق فسيقول الناس إن الإخوان هم الذين مهدوا له الطريق. ولو عالج الإخوان خطأهم وتحالفوا مع القوى السياسية، ونجح مرشحهم، فسوف يكون– في المرحلة الأولى على الأقل– رئيسًا ضعيفًا، الأمر الذي سيعطل عودة مصر إلى مكانتها السابقة كدولة محورية في النظام الإقليمي.

إذا كان ثمة درس على الإسلاميين أن يتعلموه من التجربة المصرية، فهو بالتأكيد درس التواضع. تستطيع السيطرة على كل شيء، وربما تشعر بالفخر ويشعر أتباعك بخيلاء القوة، لكن ليس كل انتصار في السياسة يستحق العناء. بعض الانتصارات تدفع تكلفتها بعد أن تتحقق، وهي تكلفة قد تكون أعلى كثيرًا من قيمة الانتصار ذاته.

الاقتصادية   2012 مايو 29

مقالات ذات صلة:

22/05/2012

اضحك مع الضاحكين والا فانت هاتف عملة


لا مناص من مواصلة التفكير . ولا مناص من التعبير عما نتوصل اليه من افكار . سواء قبلها الناس او رفضوها. وسواء توافقت مع المألوف او كانت غريبة. بوسع الكاتب والمفكر ان يستقريء اراء الناس ثم يعيد صياغتها في قالب ادبي . وسوف يحصل بالتاكيد على شهادات مديح لاحصر لها ، لانه "عبر عما في نفوس الناس" او كان "مرآة للمجتمع". لكننا نعرف ان المرآة لا تريك شيئا غير القشرة الخارجية. تريك وجهك الذي تعرفه والذي اعتدت عليه.

المفكر ليس مرآة للمجتمع ولا ينبغي ان يكون كذلك. وليست مهمة الكاتب محصورة في التعبير عما في نفوس الناس. رايت مرة اشخاصا ياتون الى عزاء فيجدون اهله يبكون وينتحبون فيشاركونهم في البكاء ، وهم بذلك يواسونهم ويعزونهم ويخففون عليهم وطأة المصيبة . فهل وظيفة الكاتب هي البكاء مع الباكين والضحك مع الضاحكين؟.
لو قبل اصحاب الافكار بالاستسلام لفكرة التوافق مع مألوف المجتمع والانسجام مع تقاليده ، فمن الذي سيكشف للمجتمع عيوب هذه التقاليد والمالوفات؟ ومن الذي سيخبر الناس عن الافكار الجديدة ، ومن الذي سيلفت انظارهم الى عيوب الواقع ونواقصه؟.
كتب توماس كون ، الفيلسوف الامريكي الشهير ، ان العلوم لم تتطور بشكل تدريجي ، لبنة فوق لبنة. تقدم العلوم جاء على شكل انقلابات دراماتيكية في المفاهيم والافكار والمسلمات. وجادل في كتابه "بنية الثورات العلمية" بان عالم الافكار ليس مجرد منظومة متفاعلة ، بل هو نسق Paradigm مغلق الى حد ما ، يحوي في داخله – اضافة الى النظرية العلمية – انماط سلوك ونظم علاقات وقيم . بل وحتى تكوينات اجتماعية ، تعمل جميعها على نحو يشبه مؤسسة مترابطة ، تدافع عن وجودها ، مثلما يدافع حزب سياسي عن طروحاته ومصالحه.
حين يتمرد البعض على هذا النسق ، يعارضون مسلماته او يقدمون بدائل عنه او حلولا لمشكلات مستعصية فيه ، فانهم – خلافا للمتوقع – لا يلقون ترحيبا او تشجيعا . بل يواجهون الشكوك والاتهامات ، وربما يصفهم رجل دين – كما فعل الشيخ ناصر العمر هذا الاسبوع – بانهم هواتف عملة ، يتحدثون بقدر ما يدفع لهم. او ربما يوصفون بانهم حمير للاجنبي ، او تافهون – رويبضة حسب الوصف المعياري الدارج في بلدنا -. 
تجربة الانسان المعاصر تكشف بوضوح حقيقة ان  الخلاص من التقاليد البالية والاعراف المتخلفة لم يكن – في اي بلد – سهلا او ميسرا. ولعل ابسط ثمن يدفع هو احتمال تلك الاوصاف والصبر على اصحابها ، حتى يصل النداء الجديد الى جميع الناس. وعندها سينقلب الذين قاوموا الراي الجديد الى مدافعين عنه وانصار.
لو مالأت المجتمع وانسقت في تياره فلن يكون لفكرك قيمة. لانك – حينئذ – مجرد ميكروفون او مرآة. ولو حاولت تنبيه الغافلين الى العوالم التي لا يرونها ، او التي لا يريدون رؤيتها ، فسوف تتهم بالزندقة والالحاد وعمالة الاجنبي. هذه اوضح الخيارات المتاحة امام اصحاب الراي والكتاب.

الاقتصادية 22 مايو 2012
http://www.aleqt.com/2012/05/22/article_659209.html

09/05/2012

في بيان ان حقوق المواطنة اعلى من قانون الدولة


يمكن تنظيم العلاقة بين المجتمع والدولة على واحد من وجهين:
1- تبعية المجتمع للدولة ، اي كون الدولة سيدا على المجتمع وحاكما فوقه
2- تبعية الدولة للمجتمع ، اي كون الدولة وكيلا عن المجتمع وممثلا له ، باعتبار المجتمع مصدرا للسلطة.
تشرح السطور التالية ان الوجه الثاني هو الوحيد المشروع ، استنادا الى نظرية " شراكة التراب " التي ادعو اليها.
لويس الرابع عشر: الدولة أنا
من المفهوم ان الدولة لم تخلق ارض الوطن ولا سكانها ، ولم تجلبهم من أماكن أخرى ، وتعمر أرضهم وتسكنهم فيها. الأرض التي تخضع لسلطان الدولة هي ملك أصلي للذين يعيشون فوقها. وبموجب هذا الملك فإنهم وحدهم أصحاب الحق في إدارة مواردها والتصرف فيها. الدولة لا حق لها في أي شيء من تلك التصرفات إلا إذا اتفق أولئك المالكون على تفويضها هذا الحق. ملكية الأرض أعلى وأسبق - من حيث قابليتها لتوليد حقوق التصرف- من الدين والقانون والتوافقات، وإنما تصبح أحكام الدين والقانون سارية إذا وافق المالك على الخضوع لها.
وعلى هذا الاساس فان الدعوة للمساواة والعدالة في توزيع الموارد، ليست مجرد دعوة أخلاقية أو ضرورة سياسية. بل هي أولاً وقبل كل شيء تعبير عن حق أصلي ثابت ، سابق للدولة والدين والقانون. وإنما تأتي القوانين والأحكام لتنظيم القيام بهذا الحق وتمكين كل فرد من أن يحصل على نصيبه العادل منه.
والحق ان العالم كله يأخذ اليوم بمفهوم الشراكة هذا. الدول العربية تقع ضمن شريحة صغيرة جدا ضمن 194 دولة عضو في الامم المتحدة ما زالت تعيش على النظم والقيم القديمة التي تنكر شراكة الجمهور وملكيته لارضه وما يترتب عليها من حقوق سياسية. نتحدث احيانا عن عالم ما قبل قرنين ، فنستنكر ما جرى فيه ، لكن ذلك العالم مازال قائما – ولو بتمثيلات مصغرة – في الدول العربية المعاصرة . نتذكر مثلا مقولة ملك فرنسا لويس الرابع عشر «الدولة هي أنا» التي تختصر واقع الحال في الأكثرية الساحقة من أقطار العالم يومذاك. ولعلنا نتذكر ما نقله مؤرخو العالم الإسلامي عن تحول الناس عن الدين أو المذهب الغالب في بلدهم إذا تولى الحكم ملك يتبع مذهباً مختلفاً. يمكن القول بكلام مجمل: إن الخضوع والتسليم لشخص الحاكم كان المضمون العام لعلاقة المجتمع مع حكومته.
تغيير تلك المفاهيم بدأ في اوربا خلال القرن السابع عشر ، متاثرا بالأفكار السياسية الجديدة التي أطلقها فلاسفة عصر النهضة. كما اكتسب التغيير زخماً إضافيًّا بعد الحروب الأهلية والنزاعات الدينية والحركات الثورية، لا سيما الثورتين الفرنسية (1789) والأمريكية (1783). جوهر التغيُّر المذكور هو تحول صفة الدولة من حاكم فوق الشعب إلى حكم بين أفراد الشعب وممثل للمجتمع ، تستمد سلطتها منه. وترتب عليه نزع الصفة المتعالية للدولة، وتحديد سلطتها واعتبارها مسؤولة عن أعمالها وعما يجري إجمالاً في الإقليم السياسي الخاضع لسلطانها.
وصل التغيير في الدول الصناعية إلى مرحلة متقدمة من النضج ، فرسخت مفاهيم مثل الحقوق الطبيعية والمدنية والمساواة بين المواطنين، وحاكمية القانون وكون الدولة ضامناً للحقوق الدستورية لكل مواطن. ولهذا فإن الاختلاف المذهبي أو الديني بين أبناء الوطن الواحد لم يعد مشكلة أو مولداً لمشكلة. فعدا عن الحق الأولي في المساواة بين الأفراد بغض النظر عن معتقداتهم، فإن النظام السياسي يوفر آليات قانونية محددة وموثوقة لمعالجة التمييز والعدوان فور حدوثه.
سار العالم الإسلامي في طريق مختلف. فبعد استقلال أقطاره، هيمنت على الحياة السياسية نخب اوتوقراطية تفهم الدولة والمجتمع في نفس الإطار الذي كان متعارفا في القرون الوسطى ، أي اعتبار الدولة هيئة مستقلة عن المجتمع ، تتمتع بسلطات مطلقة. لا يمكن بطبيعة الحال إفراد النخب الحاكمة باللوم على ما جرى. فالمجتمعات المسلمة وقادة الرأي من أهلها يتحملون نصيباً من اللوم على افتقارها إلى ثقافة سياسية تُعلي شأن الإنسان الفرد وحقوقه، وتسمح بالتفكير في سلطة تمثيلية منبعثة من المجتمع.  اغفلت الدولة والمجتمع العربي حقيقة كون الناس مالكين لأرضهم، بل واعتبروها -صراحة أو ضمناً- ملكاً للدولة المستقلة عن المجتمع والحاكمة فوقه. وانطلاقاً من هذا الفهم أهملت الدولة العربية مسألة العدالة في توزيع الموارد . ثم انكرت على عامة الشعب حقه في المشاركة الكاملة في صناعة السياسات التي تؤثر على حاضره ومستقبله. في بعض الحالات وجدنا طبقات أو طوائف أو قبائل بعينها تستأثر بمعظم خيرات البلد ومناصب الدولة ، حتى اصبحت هي والدولة شيئا واحدا ، بينما اكثرية الناس لا حظ لهم ولا حصة ولا صوتا.
على المستوى النظري فان جميع دساتير الدول العربية – عدا اثنين او ثلاثة ربما - يقرر ان الشعب هو مصدر السلطة. الا ان هذا لا يكشف عن حقيقة الحال. كي يتحول هذا المفهوم الى واقع ، فاننا بحاجة الى التاكيد على قاعدته الفلسفية ، اي كون الشعب مالكا للاقليم الارضي الذي هو وطنهم. هذا يعني ان جميع اعضاء المجتمع، سواء ولدوا فيه او انتموا اليه لاحقا، شركاء في ملكية الارض التي يقوم عليها هذا المجتمع وتخضع لنظامه. ويقترب هذا المفهوم الى حد كبير من فكرة "الخراج" المعروفة في الفقه الاسلامي القديم، التي تؤكد على ملكية عامة المسلمين للموارد الطبيعية ملكا مشاعا[1].
بناء على مفهوم الشراكة فان المواطنين يولدون متساوين متكافئين ويبقون كذلك طيلة حياتهم. سواء نص القانون الوطني على هذا ام سكت عنه. ومن هنا فان اي عضو في هذا النظام لا يستطيع الغاء عضوية الاخر ، بنزع الجنسية مثلا . الوطن في هذا المفهوم لا يتكون من اقلية واكثرية ، بل من مواطنين متكافئين في الحقوق والواجبات ، بغض النظر عن اصولهم العرقية وجنسهم وانتماءاتهم الثقافية والاجتماعية. هذه الحقوق لا يمكن حجبها لأنها منبثقة عن ملك شرعي صحيح وكامل الاركان.
موقع المقال 9 مايو 2012

مقالات ذات صلة




[1]  لتفصيلات حول الخراج واحكامه واستخدامه في تاسيس مبدأ الشراكة ، انظر توفيق السيف : نظرية السلطة في الفقه الشيعي ، الباب الثالث

08/05/2012

في تفسير التنازع بين الدعاة والمصلحين


خلال العقدين الماضيين ، تحولت شريحة كبيرة من العاملين في الحقل الديني ، الى العمل السياسي الصريح او الضمني ، بعدما "اكتشفت" ان الدعوة الى مكارم الاخلاق ، وتعليم الناس عقائدهم وعباداتهم ، تنطوي – ضمنيا – على بعد سياسي.

تبعا لذلك ، برز في المجتمع المحلي ما يمكن وصفه بحالة استقطاب polarization  متعددة  المحاور، تبرز فيها جماعات دينية تقليدية واخرى اصلاحية ، وجماعات ليبرالية ، فضلا عن مجموعات شبابية غير مؤدلجة. بعض هذه الاقطاب يتبنى مباشرة او مداورة اجندات سياسية ، وبعضها يصر على ترك السياسة للسياسيين والتفرغ للعمل الديني البحت.

كل عمل يستهدف التاثير على المجتمع ، فهو ينطوي – بالضرورة – على مضمون سياسي. لانه يستهدف ، او يؤدي الى اقامة دائرة نفوذ ، يكون الداعية قطبا فيها او موجها لحركتها. وهذا يقود الى مزاحمة – عفوية او مقصودة – لدوائر النفوذ الاخرى ، المماثلة او المختلفة. نعرف ان المجتمع لا يتالف من افراد هائمين في فراغ ، بل من دوائر ينتمي اليها الناس لانهم يرون فيها تعبيرا عن مصالحهم او تطلعاتهم او اطمئنان نفوسهم. العلاقة بين هذه الدوائر تتحدد – في الغالب – على ضوء توازنات القوى او التوافقات والتعارضات في المصالح. اما الافكار فهي تلعب دور التبرير لانظمة العلاقات هذه.

جرت عادة اصحاب النفوذ والساعين اليه ، على ابراز المبررات التي تؤكد على صحة دعواهم ، مع السكوت عن جوهر ما يسعون اليه ، اي الرسالة النهائية التي يريدون اقناع الناس بها او استثمار نواتجها. سبب هذا الغموض المرحلي ، هو ان الناس يكرهون مصارحة انفسهم بفكرة التسليم لنفوذ شخص او اشخاص محددين ، مهما علا شأنهم. لكن اولئك الناس لا يمانعون من قبول المبررات التي تؤدي – بالضرورة – الى التسليم لهذا الشخص. حين يطلق الناس على شخص لقبا ذا قيمة ، وحين يمتدحون علمه او خدماته ، او يتحدثون عن قبول الاخرين له ، فهم – في حقيقة الامر - يسعون لارضاء انفسهم بفكرة التسليم له والخضوع لنفوذه.

قديما قال الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو "الاقوى ليس قويا تماما حتى يقنع الناس بان سلطته عليهم حق وان طاعتهم له واجب". وهذا جوهر مفهوم الشرعية السياسية ، او شرعية السلطة والقيادة. واليوم يسعى جميع النافذين والساعين للنفوذ وراء هذا المثال: اقناع الناس بان ما يامرونهم به هو الحق ، وان ما يطلبونه منهم واجب عليهم. هذا واحد من ابرز وجوه السياسة. والذين يمارسونه هم في واقع الامر فاعلون سياسيون ، سواء كانوا واعين بهذه الحقيقة او غافلين عنها.

ظهور دائرة نفوذ جديدة ، او تمدد دائرة نفوذ قائمة ، يؤدي – شئنا ام ابينا - الى شعور الاخرين بالمزاحمة وربما التهديد. هذا يفسر عجز الدعاة والمثقفين والعاملين في المجال الخيري عن توحيد جهودهم. تسمعهم يتحدثون عن قيمة الوحدة وأمر الله بها. لكنهم مع ذلك ليسوا مستعدين ابدا للمبادرة بالاتحاد غير المشروط مع الاخرين. المسالة – في الجوهر – لا تتعلق بالعمل نفسه ، وضرورة توحيده او ابقائه منقسما ، قدر ما تتعلق بكيانات ودوائر نفوذ ، يعتقد اصحابها بالحاجة الى ابقائها قائمة وفعالة ، ايا كانت المبررات اللازمة.

هذا اذن تطور طبيعي يمكن ان يحدث في اي مجتمع : ظهور دائرة مصالح جديدة ، يستثير رد فعل معاكس من جانب الدوائر القائمة ، ويؤدي – تاليا – الى اعادة تحديد من يصنفون كاصدقاء واعداء ومنافسين ، اي كفرصة محتملة او تهديد محتمل.

الاقتصادية 8 مايو 2012  http://www.aleqt.com/2012/05/08/article_654656.html

01/05/2012

العالم ليس فسطاطين


حوار الثقافات والحضارات الذي يتحدث عنه الرسميون والصحافة في بعض الأحيان ، لا ينبغي ان يبقى خطابا موجها للخارج. نعرف من تجربة البشرية في القرون الثلاثة الأخيرة ، ان اكتشاف الاخرين والتعرف عليهم ومعرفتهم ، يضيف قوة الى قوتك ، ويجعلك أقدر على إدارة حياتك والتأثير في حياتهم .

حوار الثقافات والحضارات والأديان ، هدفه الأسمى إرساء قيمة التسامح ،  وتوسيع افاق العلاقة بين الناس ، حتى يصبحوا قادرين على استثمار اختلافاتهم وتنوع مشاربهم وتوجهاتهم ، في اغناء حياتهم جميعا. التسامح لا يعني بالضرورة قبول عقائد الاخرين وافكارهم ، بل احترام قناعاتهم وحقهم في اختيار طريقة حياتهم.

تتصل قيمة التسامح بجذر عميق في فلسفة الحياة ، هو الايمان بالتكافؤ الطبيعي بين البشر ، وبخيرية الانسان وكمال الخلق . لقد تجاوز بلدنا  – او يكاد – حقبة اتسمت بالجموح في تقدير الذات والتشدد في التعامل مع المختلف. لقد خسرنا الكثير في تلك الحقبة. وحان وقت الخلاص من المفاهيم التي خلفتها في حياتنا.

نحن بحاجة الى تنسيج قيمة التسامح في ثقافتنا. هذا طريق اوله التعرف على الناس الذي حولنا، الناس الذين يشبهوننا او يختلفون عنا قليلا او كثيرا.

نحن  نعلم ابناءنا جغرافيا العالم ، فنركز على الارض والجبال والصحارى. لكننا لا نذكر شيئا عن البشر الذين يعيشون في هذه الجغرافيا: ثقافتهم وعاداتهم وملابسهم وطرق عيشهم واديانهم وهمومهم وتنظيمهم الاجتماعي .


ونعلم ابناءنا تاريخ العصور الاسلامية ، وقد نعرج على تاريخ العالم ، فنركز على تحولات السياسة. لكننا ننسى البشر الذين تعرضوا لتلك التحولات. ولهذا لا نستفيد من منهج التاريخ في استيعاب تاريخ المعرفة والعلوم ، أو في البحث عن تطور التنظيم الاجتماعي والقانون.

لقد نشأنا ونحن نظن العالم مقسوما الى فسطاطين. فلما خرجنا اليه وتعرفنا عليه ، اكتشفنا انه اوسع واثرى من هذا التقدير الضيق.

في عيد الميلاد المنصرم نشرت على صفحتي في الفيسبوك ، تهنئة بالمناسبة للمسيحيين الذين يعيشون في بلادنا ، فعلق بعض من اطلع على ذلك مستغربا: وهل لدينا مسيحيون؟.

والحق اني قد صدمت بهذا التعليق. اعتقدت وقتها ان جميعنا يعرف هذه الحقيقة. لكنها ليست من نوع المعارف النشطة في اذهاننا. ولهذا السبب ايضا يندهش بعضنا حين يكتشف ان بلادنا تضم مذاهب عديدة وثقافات متنوعة ، واشكالا من الفولكلور والاعراف ، يشير كل منها الى تجربة ثقافية او تاريخية متمايزة.

ليس من الصحيح ان يبقى حوار الثقافات والحضارات والاديان خطابا موجها للخارج. فهو من القيم السامية التي يجب ترسيخها في ثقافتنا المحلية وحياتنا اليومية .

اني ادعو وزارة التربية خصوصا الى وضع برنامج محدد لتعريف طلبة المدارس بعالم الانسان. ليس التضاريس والاقتصاد ، وليس تاريخ من ساد في الماضي ، بل الناس الذين يعيشون معنا في هذا البلد وعلى هذا الكوكب: ثقافاتهم واسلوب حياتهم واديانهم وهمومهم. معرفة الناس هي اول الطريق الى التعارف معهم ، والتعارف هو طريق الحوار والتسالم.


الاقتصادية 1 مايو  2012
http://www.aleqt.com/2012/05/01/article_652544.html
مقالات ذات صلة

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...