هذا
المقال موجه لأولئك الذين يعارضون المساواة بين المواطنين ، والمساواة بين الرجال
والنساء. وهو يستهدف توضيح موضوع النقاش وتفصيح اسئلته. وأحسب ان بعضهم قد تساءل
يوما: ماهو موضوع المساوة التي نعارضها؟.
"المساواة
في ماذا؟" كان عنوان محاضرة القاها الاستاذ امارتيا سن ، امام ندوة بجامعة
ستانفورد الامريكية ، في مايو 1979. أمارتيا سن اقتصادي وفيلسوف من الهند ، ساهم
في تحويل فكرة العدالة من امثولة نظرية متعالية ، الى بناء اقتصادي وتوزيعي يندرج
بسهولة ضمن السياسات الحكومية.
يصنف
امارتيا سن ضمن تيار المساواتية الذي ينسب لجون رولز ، لكنه عارضه في تشخيص موضوع
المساواة ، اي في الاجابة على سؤال: كيف
يتطور المجتمع السياسي نحو العدالة. كان
رولز قد ركز على "التوزيع المتساوي للموارد الاجتماعية الأولية" وهي:
1-
الحريات والحقوق الاساسية ، التي تندرج تحت عنوان حقوق الانسان.
2-
حرية الحركة والاختيار بين المهن والوظائف. وبينها الولايات العامة.
3-
الدخل وتكوين الثروة.
4-
التزام المؤسسات الاجتماعية باحترام الافراد ، على نحو يجعلهم اعزة
واثقين من انفسهم ، وراغبين في صناعة حياتهم.
قال
رولز ان تطور النظام الاجتماعي نحو العدالة ، رهن بالتزامه توفير الاطار المؤسسي ،
الذي يمكن كافة المواطنين من التمتع بالموارد الاولية المذكورة بصورة متساوية. لكن
امارتيا سن يقول:
أ)
ان توفير الموارد المذكورة بمستويات معقولة ، عبء ثقيل ماديا
وقانونيا وسياسيا. ولا يمكن للدولة حمله الا بمساعدة كاملة ومخلصة من جانب
المجتمع. هذا يتطلب ان يكون المجتمع قادرا – سلفا -على تقديم العون.
ب)
لدينا تجارب فعلية ، تظهر ان الاساس القانوني للتوزيع المتساوي
للموارد الاولية المذكورة ، كان متوفرا بالفعل. لكن لم يستفد منه سوى اقلية صغيرة
من المواطنين. لان البقية كانت تفتقر للمعلومات ، او كانت غير متصلة بالدورة
الاقتصادية العامة ، او غير ممثلة بشكل فعال في الادارة الرسمية ، او كانت تعاني
من حواجز ثقافية او سياسية ، تحجبها عن الفرص المتاحة في المجال العام ، او غير
ذلك من الاسباب.
ان رؤية رولز قد تكون مفيدة في المجتمعات الصناعية
، حيث تتوفر منظومة قانونية واقتصادية متفاعلة. اما في المجتمعات النامية ، فانه
ينبغي الاهتمام بتمكين الافراد ، والمجتمع المحلي ككل ، من المشاركة في اصلاح
النظام القائم عبر مساهماتهم العملية اليومية ، حتى لو كانوا يعملون ضمن مؤسسات متخلفة
او حتى فاسدة.
تحقيق المساواة عند امارتيا سن ، يتطلب معالجة
طويلة الأمد ، يشارك فيها – بالدرجة الاولى – الاشخاص الأكثر حاجة الى اقرار
المساواة ، كمضمون جوهري للنظام الاجتماعي /السياسي. ولكي يكون هؤلاء قادرين على
المشاركة الفاعلة ، فان المطلب الاولى هو جعل منظومة العلاقات الاجتماعية منفتحة
على محاولات التغيير ، ولا سيما تلك التي تأتي من جانب عامة الناس.
من هنا دعا لتركيز الجهود على توفير الخدمات
الاساسية التي تمكن عامة الناس من تحسين حياتهم ووصلها بدورة الاقتصاد الوطني. ومن
ابرز هذه الخدمات التعليم والصحة ومصادر المعلومات وقنوات التمويل ومنظمات المجتمع
المدني.
بعد هذه التوضيحات ، اعود الى ما بدأت به ،
فأوجه السؤال الى معارضي المساواة بين المواطنين ، أو المساواة بين الرجال والنساء:
ما الذي ترونه بين ما ذكر أعلاه ، متعارضا مع الشعور الوطني او حق الله او شريعته؟.
انها دعوة لهم كي يتفكروا في ما ألفوه وما اعتادوا عليه ، فلعل امورا تظهر لهم بعدما
كانت مغيبة.
الشرق الاوسط الأربعاء - 16 رجب 1441 هـ - 11 مارس 2020 مـ رقم
العدد
[15079]
مقالات ذات علاقة
من
دولة الغلبة الى مجتمع المواطنة: مقاربة دينية لمبدأ العقد الاجتماعي