؛؛
الدين يحتاج للعلم في جوانب، والعلم يحتاج الدين في جوانب أخرى. لكن كلا منهما
عالم مستقل بمناهجه ومعاييره واغراضه؛؛
هذا تعليق على مقالة
اخرى جميلة للاستاذ احمد
عائل فقيهي (عكاظ 21 يونيو2007 )، يدعو فيها الى عودة التلاقي بين
الجامعة والجامع، كتمهيد لصياغة وعي جديد بين جيل المسلمين الحاضر. وأظن ان معظم
قراء الاستاذ فقيهي قد وافقوه فيما ذهب اليه، فغالبية الناس تميل الى سبيل
المصالحة، وتفضل اللقاء على الفرقة، والوئام على الخصام.
|
أحمد عائل فقيهي |
لكن ليسمح لي الاستاذ
فقيهي وقراؤه المكرمون بادعاء ان هذه دعوة مستحيلة ضمن الشروط الاجتماعية –
الثقافية الراهنة عندنا، رغم انها ممكنة على المستوى النظري.
ولو كنت في محل
الكاتب لبدأت بسؤال : لماذا نشكو اليوم من انفصال المؤسستين؟. فالواضح ان احدا لم
يقرر هذا الفصل او يسعى اليه. والواضح ان معظم الناس يرغبون في مصالحة بين الدين
والعلم، تعيد الى الحياة ما يقال عن تاريخ المسلمين القديم من توافق وتفاعل بين
الدين وعلم الطبيعة والتجريب والفلسفة.
دعنا نحاول سؤالا آخر
ربما يسبق ذلك السؤال:
- ما
الذي نعنيه بكلمة «انفصال»؟.
فالواضح ان كثيرا من
رواد المساجد قد تخرجوا من جامعات، واكثرية طلاب الجامعات ملتزمون بدينهم. نحن لا
نتحدث اذن عن انفصال اهل الدين عن اهل العلم.
- هل المقصود
هو منح العلوم هوية دينية؟.
بعض الدعاة تحدث عن
اسلمة العلوم، واظن ان اهتمام هؤلاء كان منصبا على العلوم الانسانية مثل الفلسفة والاجتماع
والادب الخ. لكن فريقا منهم ذهب الى ما هو ابعد فتحدث عن طب اسلامي وكيمياء
اسلامية الخ.
انطلق دعاة اسلمة
العلوم من فكرة ان العلم المعاصر قد تطور في بيئة معرفية تنكر دور الدين. ولهذا
السبب فقد يتطور العلم بعيدا عن الاخلاق، وقد يتحول من خدمة الانسان الى استغلاله.
لكن على اي حال فان هذه الدعوة لم تجد قبولا واسعا، لانها ظهرت في بيئة لا تنتج
العلم ولا تجري فيها نقاشات علمية حرة. بعبارة اخرى فان اسلمة العلوم غير قابلة
للتحقق الا اذا اصبح العالم الاسلامي منتجا للعلم. اما اذا بقي مستهلكا للنتاج
العلمي الاجنبي، فان الكلام عن اسلمة العلم يبقى مجرد بلاغة لفظية تشبه اعلان سيتي
بنك الامريكي عن انشاء «وحدة مصرفية اسلامية» لاستقطاب زبائن جدد في الخليج.
اظن ان جوهر مشكلة
الانفصال التي تحدث عنها الاستاذ فقيهي، تكمن في عجز كل من الجانبين، الديني
والعلمي، عن تحديد نقاط التداخل ونقاط التخارج بينهما. فالمؤكد ان الدين يحتاج الى
العلم في جوانب، والمؤكد ان العلم يحتاج الى الدين في جوانب أخرى. لكن يبقى كل
منهما عالما مستقلا بذاته، له مناهجه ومعاييره واغراضه وأدوات تطوره الخاصة.
نتيجة لغموض نقاط
التداخل والتخارج، اصبحنا عاجزين عن تحديد المكان الذي ينبغي ان نستعمل فيه المنهج
الديني والاداة الدينية، والمكان الذي ينبغي ان نستعمل المنهج والاداة
العلمية.
الدين بطبعه عالم
يسوده اليقين والتسليم والتنازل والخضوع. بخلاف العلم الذي يسوده الشك والجدل
والنقد والتعارض وانكار المسلمات. دور الدين هو توفير الاجوبة لانسان يبحث عن
الاطمئنان، اما دور العلم فهو اثارة الاسئلة وهدم كل جواب سابق.
اظن ان اتضاح الخط
الفاصل بين مجالات العلم ومجالات الدين، هو الخطوة الاولى لعودة التفاعل الايجابي
بينهما، وبالتالي قيام تواصل بناء بين العالمين. لكن هذا يتوقف مرة اخرى على توفر
نقاشات حرة ونشطة تنتج علما او تطور العلم. ان تحديد النقاط المشار اليها ليس من
الامور التي نرجع فيها الى آراء السابقين وما تركوه من تراث، بل هو نتاج لاكتشاف
حاجات معاصرة وأسئلة جديدة تضع على المحك الاجوبة المعتادة والآراء المنقولة من
ازمنة سابقة وتثير الشك في ما يبدو بديهيا ومتعارفا.
https://www.okaz.com.sa/article/114404
عكاظ الأربعاء 12/06/1428هـ ) 27/ يونيو/2007 العدد : 2201