01/07/2012

الصعود السياسي للاسلاميين وعودة الدولة الشمولية



صعود الاسلاميين الى سدة الحكم في تونس والمغرب ومصر اثار اسئلة كثيرة ، بعضها مكرر وبعضها جديد. اسئلة تعبر عن قلق يساور السائلين ، واخرى تعبر عن تطلع الى مستقبل مختلف.

احد هذه الاسئلة يفترض مقدمة مضمرة فحواها ان ذلك التطور يشير الى بعث جديد للايديولوجيا بعد عقد تقريبا من تراجعها عن ساحة السياسة.
الفرضية المضمرة قبل هذا السؤال هي ان نهاية الحرب الباردة مع تفكك الاتحاد السوفيتي في 1991 قد اثمر عن تهميش الايديولوجيا وتاثيرها في المجال السياسي. المعنى المادي المقصود هنا هو الماركسية التي كانت ايديولوجيا رسمية لدول المعسكر الشرقي وحلفائه منذ الحرب العالمية الثانية. اما المعنى الرمزي فهو الايديولوجيا بما هي رؤية للعالم مسبقة الصنع ، تنطوي على مسلمات ومقدمات ومعايير للصحيح والفاسد وادوات قياس واختبار. بهذا المعنى فان الايديولوجيا لا تخضع لمعايير البحث العلمي المعروفة في علاقتها مع الموضوعات والتطبيقات  ، بل تطبق معاييرها الخاصة ، التي قد تنسجم مع المعطيات العلمية او لا تنسجم.
كانت حنا ارندت بين ابرز المفكرين الذين حذروا من هيمنة الايديولوجيا على السياسة. وركزت خصوصا على مخاطر الشمولية. حين يحكم البلاد حزب ايديولوجي او مجموعة تتبنى ايديولوجيا خاصة ، فانها ستحول مؤسسة الدولة الى اداة لفرض هذه الايديولوجيا على المجتمع ، والزام الجميع بتبني الخطاب الرسمي ، سواء اتفقوا معه او خالفوه. بهذا المعنى فان وظيفة الدولة قد تحولت من تمثيل المجتمع وادارة مصالحه الى ما يشبه منظمة سرية غرضها الرئيس هو اخضاع المجتمع للنخبة القائدة. الاتحاد السوفيتي السابق والمانيا النازية هما ابرز الامثلة التي ينطبق عليها هذا الوصف.
الاحزاب الدينية في العالم الاسلامي تتبنى ايديولوجيا شمولية ، يلخصها شعار الاخوان المسلمين "الاسلام هو الحل" وتسندها رؤية اسطورية كثيرة التداول فحواها ان تعاليم الدين الحنيف شاملة لكل نواحي الحياة ، من ادناها الى اعلاها.
نفهم طبعا ان كل حزب او جماعة دينية لديها قراءة خاصة للنص الديني والتشريع ، لا تتوافق غالبا مع قراءة الاخرين ، مجتمعات او جماعات. فاذا اعتبر الحزب الديني الحاكم قراءته ايديولوجيا رسمية ، فانه سيفرضها على الاخرين جميعا ، الراضين والرافضين. بمعنى انها سيقيم نظاما شموليا يقصي جميع الاراء والخطابات الاخرى ، ويلغي التنوع الضروري لاغناء الحياة العامة والتقدم.
هذا تلخيص لسؤال الايديولوجيا وخلفيته ومغزاه. ويتضح ان هذا المعنى لو طبق فعلا ، فان صعود الاسلاميين الى السياسة هو مجرد تمهيد للكارثة.
السؤال اذن ليس عن مشروعية القلق الكامن وراء السؤال. فهو بالتاكيد مشروع ولا غبار عليه. السؤال عن مصداقية القلق ، اي احتماليته: هل هو احتمال ضعيف ام قوي ام مرجح؟
لا اريد عرض اجابات ، فكل جواب هو احتمال مبني على قراءات سياسية ، يختلف الناس في تقييم عناصرها بحسب ميولهم وما يتوفر لديهم من معلومات. لكني سأذهب الى اصل المسألة وهي النظر الى الايديولوجيا بهذا المنظار المخيف.
اعتقادي الشخصي ان الايديولوجيا ضرورة للحياة والحكم ، مثلما العلم والاخلاق ضرورة. الايديولوجيا هي الوسيلة التي نبني بها علاقتنا مع العالم المحيط بنا، ونعطي للأشياء معاني، ونربطها مع بعضها حتى تتحول من عناصر منفردة هائمة في الفضاء إلى أجزاء في مركب، هو رؤيتنا للعالم. وما لم يكن لدينا منظومة مفاهيم ومسلمات أولية فلن نحب شيئا ولن نقيم علاقة مع شيء مما يحيط بنا، لا إنسانا ولا فكرة ولا شجرة ولا ساعة. كل مجموعة حاكمة ، ماركسية كانت او اسلامية او قومية او ليبرالية ، تتبنى ايديولوجيا من نوع ما ، ايديولوجيا بمعنى منظومة قيم ومسلمات مسبقة تعتبرها صحيحة دائما او غالبا ، وترجع اليها في الحكم على الاشياء وتقدير قيمتها. الانسان الذي لا ايديولوجيا له هو التكنوقراطي او البيروقراطي الذي يتبع فقط وفقط التعليمات الموجهة اليه من فوق. انه اذن لا يتخذ قرارا ولا يحدد قيمة لشيء ، بل يطبق على موضوعات عمله مسطرة صممها اخرون.
لا يحتاج الإنسان إلى انكار الايديولوجيا، بل يحتاج إلى:
أ-الوعي بأنه يحمل ايديولوجيا تؤثر على أرائه وأحكامه. ونتيجة لذلك فان آراءه ليست معيارية او موضوعية في كل الأحوال
ب- الوعي بان الايديولوجيا - حتى لو اعتقد بصحتها – تلعب أحيانا دور حجاب الحقيقة، أي أنها تظهر الأشياء للعين والعقل بخلاف ما هي عليه في الواقع الخارجي
ج- الوعي بالفارق بين وظيفتي الايديولوجيا والعلم. وظيفة العلم هي وصف الأشياء وتفسير أحوالها، أما وظيفة الايديولوجيا فهي الحكم على تلك الأشياء والأحوال وتحديد قيمتها، أي إيجاد علاقة بينها وبين الشخص.
د- بالنسبة للسياسيين خصوصا في الحكومات الجديدة، فانهم يحتاجون للوعي بانهم موظفون عند الشعب ، وليسوا حملة رسالة. وظيفتهم هي ادارة المصالح العامة والتعارضات وتمثيل المجتمع. ومن هذه الزاوية فان القيم والمفاهيم التي يطبقونها يجب ان تكون مرضية ومقبولة من قبل رب عملهم ، اي المجتمع . دورهم هو خدمة رب العمل وليس التحكم في حياته او الزامه بما لا يريد.


1 يوليو 2012

مقالات ذات علاقة

26/06/2012

اربع سنوات ونصف على اقرار نظام الجمعيات الاهلية

في ديسمبر 2007 اقر مجلس الشورى "نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية" بعد شهور من المداولات. خلال ذلك العام حظي المشروع بمناقشة العديد من كتاب الراي في الصحافة المحلية. والحق ان ما نشر من مواده يمثل بداية معقولة ، رغم بعض التحفظات.
مجلس الشورى السعودي
على اي حال ، فقد تصرمت اربع سنين ونصف منذ ارسال المشروع الى مجلس الوزراء كما يقتضي مسار التقنين. هذا الزمن الطويل يثير قلق النخبة الوطنية من ان المشروع المنتظر، ربما اصبح ضيفا ثابتا في الارشيف.
كان مقدرا ان يؤسس نظام الجمعيات الاهلية اطارا قانونيا لمجتمع مدني نشط في المملكة. قبل عقدين من الزمن لم يكن في المملكة سوى الجمعيات الخيرية التي تكفل الفقراء. اما اليوم فهناك – اضافة الى هذه - عشرات من الجمعيات العلمية والحرفية ، وجمعيات الشباب والطلاب ، ومجموعات الدفاع عن حقوق الانسان ، فضلا عن جماعات الارشاد والمساعدة الثقافية ، والعناية بالبيئة والتراث وغيرها.
تمثل هذه المجموعات رافدا مهما في التنمية الاجتماعية. ويمكن لها ان تلعب دورا اكبر في تطوير الكفاءات ، ومساعدة الدولة في استنهاض المجتمع ، وحماية مكاسب التنمية ، وتطوير الادارة الرسمية ، وعقلنة الثقافة ، واشاعة قيم الحوار والتفاهم بين الاطياف الاجتماعية المختلفة.
يعرف الاجتماعيون ان منظمات العمل التطوعي تلعب دورا فعالا في عقلنة المطالب والجدالات المحلية ، وتحويل انشغالات الجمهور من هموم (في المعنى السلبي)  الى فرص (في المعنى الايجابي) ، وفي تخفيف الاستقطاب والتحيز ، فضلا عن اغناء وترسيخ الهوية الوطنية الجامعة. لكن هذا يتطلب اولا وضع الاطار القانوني الذي يسمح بانشاء المؤسسات وينظم عملها. من دون اطار قانوني واسع ، تتحول مؤسسات المجتمع المدني الى عمل تحت الارض ، موجود ومؤثر ، لكنه يميل الى الخفاء والاستتار.
اظن ان الهواجس الامنية هي التي عطلت صدور نظام المؤسسات الاهلية كل هذه السنوات. ولا ارى اي سبب قانوني او اداري او سياسي يعطل مثل هذا النظام المهم. لكن ايا كان الامر، فالمنطق يقتضي اعادة النظر في ذلك العامل او اي عامل اخر وراء التعطيل.
ثمة  اجماع بين المثقفين ونخبة المجتمع على ان تقنين المجتمع المدني هو واحد من ابرز تجليات الاصلاح الذي ينشده الجميع . وهو وسيلة لادارة التحولات الاجتماعية على نحو سلس ومفيد. ومن هنا فقد علقت على النظام امال عريضة.
الحاجة الى مؤسسات المجتمع المدني تزداد يوما بعد يوم . وثمة كثير من الناس ينشئون مجموعات عمل تطوعي. لا يريد احد ان تبقى هذه المؤسسات خارج اطار القانون. لكني لا اظن الناس سينتظرون الى ما لا نهاية.
مسارعة الدولة الى فتح المجال العام للاذكياء والنابهين والناشطين ، ستوفر عليها مؤونة مراقبة العاملين خارج اطار القانون . وسوف تريح نفسها من اجواء الارتياب التي ترافق اي نشاط عام غير مقنن. لكل الاسباب السابقة ، ادعو حكومتنا الى المسارعة في اصدار نظام المؤسسات الاهلية. فهو سيعين على حل العديد من المشكلات ، لكنه – ايضا – سيعزز الامل في ان قطار الاصلاح مازال على السكة.
نشر (مع تعديلات قليلة من الرقيب) في الاقتصادية 26 يونيو 2012

12/06/2012

حان الوقت كي يقيم المثقفون نواديهم المستقلة

أزمة في النادي الادبي بجيزان ، وازمة في نادي مكة المكرمة ، وقبلهما ازمة مماثلة في نادي المنطقة الشرقية. وربما نسمع قريبا عن ازمات في نوادي اخرى.
 هل يستحق الامر مناقشة صريحة لدوافع التازم في النوادي الادبية؟. هل هو مجرد خلاف شخصي على الرئاسة كما يوحي بعض اطراف النزاع . ام ان ما يظهر على السطح ليس سوى الدمامل الصغيرة التي تشير – دون تصريح – الى علة تستشري في الداخل؟.
الادب والدولة عالمان مختلفان. هذا هو جوهر المشكلة.  اقيمت النوادي الادبية يوم كان البعض يشعر بحاجة الى "رعاية" الحكومة لكل نشاط اهلي ، او "رقابة" الحكومة على كل نشاط اهلي. ولان الحكومة هي المخرج والمنتج ، فقد تحول النادي الى ما يشبه هيئة حكومية.
 وهذا هو المازق الكبير. الادارة الحكومية عالم مستقر لا يحتمل التغيير ولا يقبل الجدل. انه – كما وصفه احد تلاميذ ماكس فيبر – عالم اوراق ، كل جديد فيه مبني على قديم ، كل ورقة ترجع بالضرورة الى ورقة سابقة وكل قرار الى قرار قبله.
اما عالم الثقافة والفكر والادب فهو على النقيض. عالم يعيش على الاختلاف والجدل والتغيير الدائم.
لا يمكن وضع حدود للفكر لانه تمظهر للخيال.  لو وضعت حدودا للخيال فقد وأدته ، ولو قيدته فقد حولته من انتاج متجدد الى تكرار لما انتجه السابقون. الحكومة عالم اتباع اما الثقافة فهي عالم ابتداع ، وشتان بين العالمين.
مع اتساع شريحة المشتغلين بالثقافة والادب في المملكة ، تفاقمت الازمة. ليس سرا ان الاغلبية الساحقة من مثقفي المملكة ليسوا اعضاء في النوادي الادبية. وليس سرا ان معظم النتاج الثقافي السعودي يطبع خارج البلاد ، وهو يناقش ويثير الاهتمام خارج اطار النوادي الادبية. وليس سرا ان السنوات الاخيرة شهدت قيام منتديات اهلية تعقد نشاطات تزيد اضعافا مضاعفة عما تقوم به النوادي الادبية التي تمولها الدولة.
اذا اردنا مناقشة صريحة حول الازمات المتنقلة بين النوادي الادبية ، فهذا هو السؤال الاول: لماذا لا يرغب مثقفو البلاد في العمل ضمن هذه النوادي ؟ ولماذا لا يشكل نشاط النادي غير جزء هامشي من الحراك الثقافي على المستوى المحلي والوطني؟.
اعضاء نادي الشرقية ،  مثل اعضاء نادي مكة ونادي جيزان يطالبون وزارة الثقافة والاعلام بالتدخل. حسنا . لقد كانت الوزارة المنتج والمخرج طيلة السنوات الماضية ، فلماذا لم ينجح الفيلم ، ولماذا غاب الجمهور؟.
جوهر العلة في النوادي الادبية هو خضوعها لاشراف دائرة رسمية. ومطالبة الوزارة بالتدخل يشبه قول الشاعر "وداوني بالتي كانت هي الداء".
نعرف انه لا يمكن اختلاق وظيفة رسمية اسمها "كاتب" او "اديب" او "مفكر" او "ناقد" . كذلك لا يمكن تصنيع حياة فكرية او ادبية في دائرة رسمية او تحت اشراف دائرة رسمية.
اعتقد ان الحل الجذري هو تخلي الوزارة عن ولايتها على النوادي والاكتفاء بدور الداعم والحامي. يجب ان يتحول النادي الى مؤسسة اهلية كاملة. ويجب ان يسمح بفتح نوادي مماثلة ومنافسة ، سواء قررت الحكومة دعمها او اعفت نفسها من هذا العبء.
حان الوقت كي يشعر مسؤولو الوزارة بان حيوية الثقافة في المملكة تتوقف على تحرر المثقفين من وصاية الموظفين. وحان الوقت كي يشعر المثقفون انهم قادرون على تدبير امورهم وحل مشكلاتهم ولو بالخروج من هذا النادي واقامة ناد منافس.
الاقتصادية 12 يونيو 2012

مقالات ذات صلة

اربع سنوات ونصف على اقرار نظام الجمعيات الاهلية

حان الوقت كي يقيم المثقفون نواديهم المستقلة

سجالات الدين والتغيير في المجتمع السعودي (كتاب) 

في الطريق الى المجتمع المدني

كي تستمر المنتديات الأهلية رافدا للحياة الثقافية

مجتمع العقلاء

المجتمع المدني كاداة لضمان الاستقرار

مكانة العامة في التفكير السياسي الديني: نقد الرؤية الفقهية التقليدية للسلطة والاجتماع السياسي

من المبادرات الثقافية الى الحياة الثقافية

من المجتمع الطفل الى المجتمع المدني: تأملات في معاني اليوم الوطني

المؤتمر الاهلي الموازي لقمة الكويت الخليجية

اليات التفاوض الجماعي كوسيلة لضمان رضى العامة

05/06/2012

التحدي الذي يواجه الاخوان المسلمين

سواء فاز المرشح الاخواني او مرشح العسكر في الانتخابات الرئاسية المصرية الوشيكة ، فالمؤكد ان الاخوان سيشكلون الحكومة القادمة ، نظرا لهيمنتهم على البرلمان. هذا يضعنا امام تجربة فريدة. سيكون على الاسلاميين القادمين الى السلطة مواجهة اشكالات عديدة ، نشير هنا الى اثنين منها: الطائفية والسياحة.
منذ عهد الرئيس الاسبق انور السادات ، شكا الاقباط المصريون من سياسة تمييز رسمي معلنة حينا ومكتومة في اغلب الاحيان ، جعلتهم – بحسب منطق الامور – مواطنين من الدرجة الثانية. كانت السلطة - يومئذ - علمانية فلم يكن بالوسع اتهامها بالتحيز الديني.
اما اليوم فان على حكومة خرجت من صناديق الانتخاب ان تقدم نموذجا مختلفا. نموذج يتعامل مع المسلم والمسيحي باعتبارهم مواطنين لا اتباع ديانات. لم استغرب الميل الجارف عند الاقباط للتصويت ضد مرشح الاخوان. فالتراث الذي ينتمي اليه ، والثقافة السائدة في بيئته الاجتماعية ، تنظر لكل مختلف باعتباره ادنى شأنا. ولهذا لا يلام "المختلف" اذا شعر بالقلق على مستقبله ، حتى لو كان ماضيه سيئا وبغيضا.
تقول بعض التقارير ان المرشح الاخواني وعد بتعيين قبطي نائبا للرئيس. وهذه خطوة ستكون مؤثرة بالتاكيد في تطمين هذه الشريحة. لكنها خطوة واحدة فحسب. يتوجب على حزب العدالة والتنمية ومرشحه ان يقدم وعدا قطعيا باصلاح القانون على نحو يحول دون التمييز بين المصريين ، والغاء جميع اللوائح والتعليمات التي تجيزه او تسهل ممارسته.
التحدي الثاني الذي يتوجب على الاخوان مواجهته هو الاقتصاد. سيكون على رجال الحكومة الجديدة ممارسة ضغط شديد على انفسهم حين يضعون السياسات الخاصة بحماية وتشجيع السياحة مثلا. يساهم هذا القطاع بنحو 12% من الناتج القومي الاجمالي  ، و نحو 20% من الدخل الخارجي للبلاد ، وهي توفر نحو 4 ملايين وظيفة.
لم يكن قطاع السياحة محبوبا عند الاسلاميين . وقد نظروا اليه دائما كبؤرة للفساد . لكنهم مضطرون اليوم الى التعامل معه كمورد اقتصادي يستحيل الاستهانة به ، اذ يستحيل عمليا التعويض عنه في المدى القصير والمتوسط.
افترض ان الحكام الجدد مؤمنون بالواقعية السياسية . فهم بالتاكيد يعرفون ان العمل في السلطة لا يشابه الحديث في المساجد وحلقات التربية الحركية. لكن هذه لن تكون مهمة سهلة. فلديهم جمهور سبق اقناعه بان "الحكم الاسلامي" سياتي بالمن والسلوى ، وسيكون "نظيفا" من كل مكروه. ويظن كثير من هذا الجمهور ان مهمة كهذه لا بد ان تتحقق في اسابيع اذا امتلكت صولجان الحكم.
خلاصة القول ان الاسلاميين المصريين ، ومن يتاثر بهم خارج الحدود ، يبنون قصورا من الامال. لكنهم سيواجهون تحديات صعبة ، وقد تكون قاتلة. لهذا فمن الخير لهم ان يضعوا في اعتبارهم اسوأ السيناريوهات ، وان يتحاشوا الانفراد بالقرار ، كي لا يتحملوا وحدهم ثمن الاخفاقات ، وبعضها متحقق دون شك ، في هذه الظروف التي تتسم بانعدام اليقين.



الاقتصادية 5 يونيو 2012

29/05/2012

مصر ما زالت متدينة لكنها خائفة من التيار الديني



ذهلت حين سمعت أن الفريق أحمد شفيق حصد 24 في المائة من أصوات الناخبين المصريين. كان الأمر بسيطًا ومفهومًا لو ذهبت هذه الأصوات لعمرو موسى أو حمدين صباحي، لكن التصويت الكثيف لأحمد شفيق يكشف عن تأزم غير اعتيادي يجري تحت السطح. فهم هذا التأزم ربما يساعدنا أيضًا على كشف السبب الذي جعل الثورة اليمنية تنتهي بإعادة إنتاج النظام القديم بدل إرساء جمهورية جديدة. وهو قد يساعدنا على فهم تلكؤ العالم في اتخاذ موقف يدفع الأزمة السورية إلى خط النهاية المأمولة.
كنت أظن أن دول العالم ما عادت تخشى وصول الإسلاميين إلى السلطة، لكن ما جرى في ليبيا بعد سقوط القذافي، وما يجري في لبنان وسورية اليوم، يقدم مبررات إضافية على أن قلق دول المنطقة والعالم ليس مجرد ''إسلاموفوبيا'' كما كان يقال في السنوات الماضية.

ليس سرًّا أن الثورة اليمنية فتحت الباب أمام سيطرة تنظيم القاعدة على عدد من المحافظات. وليس سرًّا أن عددًا من المحافظات الليبية يخضع لجماعات دينية محلية تتبع اسميًّا فقط حكومة طرابلس. وليس سرًّا أن مراقبين عديدين يتحدثون عن احتمال مماثل في سورية ولبنان.

Mohamed Morsi-05-2013.jpg
التيار الديني كان هو القاسم المشترك في كل هذه الحوادث. هذا يثير سؤالاً جديًّا: هل يسهم الصعود الحالي للتيار الإسلامي في تصحيح مسار الدول العربية، أم يؤدي إلى تفكيك الإجماع الوطني والتمهيد لظهور دويلات الطوائف؟
تصويت المصريين لمصلحة أحمد شفيق بعد أشهر قليلة من إسقاط النظام الذي كان جزءًا منه، يشير إلى قلق عميق ينتاب المصريين. لعل الناس أرادوا الإسلاميين في الحكومة لأنهم يثقون بنزاهتهم، لكنهم يخشون تسليمهم القوات المسلحة. وهذا ما سيحصل لو أصبح مرشح الإخوان رئيسًا للجمهورية. الجيش- بالنسبة لعامة الناس- يمثل الملجأ الأخير فيما لو سارت الأمور في الطريق الخطأ.

يقول محللون إنه لو عقدت الجولة الثانية للانتخابات المصرية اليوم، فإن أحمد شفيق سيكون الرئيس القادم وليس مرشح الإخوان محمد مرسي. ولهذا السبب فإن على التيار الإسلامي المصري أن يبذل جهدًا استثنائيًّا لتطمين الناس. هذا لا يتحقق بالكلام في التلفزيون، ولا بإصدار تعهدات أحادية، بل باتفاقات محددة مع الأطراف السياسية الفاعلة، تتضمن التزامات علنية تعالج أسباب قلقهم.

أبرز نقاط ضعف الإخوان في الأشهر القليلة الماضية هو استهانتهم بقوة الآخرين، وتعزز هذا مع سيطرتهم على البرلمان. هذا يجعلهم اليوم أمام خيارات مريرة: لو فاز أحمد شفيق فسيقول الناس إن الإخوان هم الذين مهدوا له الطريق. ولو عالج الإخوان خطأهم وتحالفوا مع القوى السياسية، ونجح مرشحهم، فسوف يكون– في المرحلة الأولى على الأقل– رئيسًا ضعيفًا، الأمر الذي سيعطل عودة مصر إلى مكانتها السابقة كدولة محورية في النظام الإقليمي.

إذا كان ثمة درس على الإسلاميين أن يتعلموه من التجربة المصرية، فهو بالتأكيد درس التواضع. تستطيع السيطرة على كل شيء، وربما تشعر بالفخر ويشعر أتباعك بخيلاء القوة، لكن ليس كل انتصار في السياسة يستحق العناء. بعض الانتصارات تدفع تكلفتها بعد أن تتحقق، وهي تكلفة قد تكون أعلى كثيرًا من قيمة الانتصار ذاته.

الاقتصادية   2012 مايو 29

مقالات ذات صلة:

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...