03/07/2019

هكذا انتهى زمن الفضائل



ورد في بعض المصادر ان علي بن ابي طالب أمر القائم على بيت المال ، بتسجيل نصراني على قوائم العطاء ، بعدما عجز عن العمل وبات في حاجة للعون. فسئل في ذلك فقال "استعملتموه فلما عجز اسلمتموه؟". ونقل ايضا ان عمر بن عبد العزيز أمر بنثر الحبوب على رؤوس الجبال ، كي لا تموت الطير من الجوع ، بسبب الشتاء القارس وقلة الارزاق. ولم أعثر على مصدر قديم لهذه القصة ، لكنها منتشرة من دون اسناد.

ثمة في التراث قصص كثيرة مثل هاتين. وهي تنقل في سياق التذكير بفضائل أصحابها ، او في سياق الاشادة بفضائل الاسلام واخلاقياته بشكل عام. ولا شك ان في الاسلام وأحكامه مثل هذا وفوقه. كما ان أشخاصا مثل علي وعمر ، ممن يشار اليهم بالبنان حين يجري الحديث عن مكارم الاخلاق.

دعنا نقارن مضمون هذه القصص بنظائرها في المجتمعات المعاصرة. نعرف ان جميع الدول تقريبا لديها نظام للضمان الاجتماعي للافراد ، في حال العجز او التعطل او المرض. وهي انظمة يستفيد منها كافة الناس ، دون حاجة لاستئذان المدير او الوزير او الخليفة ، او حتى علمه بالحالة.
كما ان لدى المجتمعات المعاصرة انظمة لحماية عناصر النظام البيئي كلها ، من حيوان ونبات وطير ومسطحات مائية وغيرها. وترصد الدولة ميزانيات سنوية وتقيم ادارات متخصصة لتنفيذ هذه المهمة ، ومن ضمنها التحقق من توفر الماء والغذاء في المسارات التي تسلكها الطيور المهاجرة.  اما في الدول الصناعية فهناك جماعات أهلية ضخمة مثل منظمات السلام الاخضر=Green Peace ، التي تقوم بحملات واسعة جدا ، لاجبار الحكومات والشركات على احترام التنوع البيئي ، والمحافظة على الحيوانات والطيور ، حتى في قلب المحيطات والغابات والصحارى.
مرادي من العرض السابق ليس التهوين من قيمة القصص المذكورة ، بل إيضاح بعض وجوه التحول في ثقافة البشر ، وتوقعاتهم وعلاقتهم مع حكامهم. تخيل لو ان الضمان الاجتماعي او صيانة النظام البيئي بقي مشروطا بموافقة رئيس الدولة شخصيا ، فكيف سيكون رد فعل الناس؟ هل سيعتبرونه من فضائل الاسلام وفضائل الحاكم ، ام يعتبرونه اجراء سخيفا ومضيعة للوقت؟.
الذي تغير هو .. أ) ان الناس ما عادوا يعتبرون تلك الاعمال فضائل للدين أو الحكومة ، بل واجبات على المجتمع ككل. ب) لم يعد مقبولا ايكال القضايا العامة الى الارادات الشخصية للرئيس ، بل بات مطلوبا ان تدار في إطار قانوني-مؤسسي ، بحيث تجري كل يوم ، ضمن منظور طويل المدى.
يعتقد ديفيد ميلر ، عالم السياسة البريطاني المعاصر ، ان هذا الاختلاف يشير الى تحول في معنى الاخلاق والفضيلة بذاتها. اي ان كثيرا مما كان بالامس فضيلة يمتدح القائم بها ، تحول اليوم الى واجب يلام الحاكم لو اغفله او قصر فيه. وهو يضرب مثالا بآداب النخبة في اوائل القرن التاسع عشر ، كما صورتها الروائية الشهيرة جين اوستن. قدمت اوستن صورة جميلة للنبلاء الذين تواضعوا قليلا ، وتعاملوا باحسان مع فلاحيهم وخدمهم ، وهو خلاف المتوقع في ذلك الزمان. لكنا نعلم ان تواضع الوجيه وحسن تعامله مع خدمه والعاملين عنده ، لم يعد – في  هذا الزمان - فضلا منه يستوجب الاشادة ، بل واجبا يلام او ربما يعاقب لو تركه.
ينعكس هذا التحول على العلاقات داخل المجتمع ككل. وعلى القانون والتشريع ، فضلا عن الاعراف والتقاليد. وهو حديث نعود اليه في وقت لاحق. 
الشرق الاوسط الأربعاء - 29 شوال 1440 هـ - 03 يوليو 2019 مـ رقم العدد [14827]
https://aawsat.com/node/1794951

مقالات ذات صلة
فكرة المساواة: برنارد وليامز
المساواة والعدالة : ديفيد ميلر
من دولة الغلبة الى مجتمع المواطنة: مقاربة دينية لمبدأ العقد الاجتماعي


19/06/2019

دعوة التجديد بغيضة.... ولكن



اعلم – مثل كثير من القراء – ان الدعوة المعاصرة للتجديد الفكري والفقهي ، لا تلقى ترحيبا في الوسط الديني. بل لا أبالغ لو قلت انها تواجه بنوع من الارتياب والتشكك ، في مبرراتها وتوقيتها والجهات التي تتبناها ، والقضايا التي تطرحها كامثلة عن الحاجة الى التجديد.
"تجديد الدين" مصطلح مألوف في أدبيات المدرسة الفقهية التقليدية. لكنه مختلف عن المفهوم الذي يثير النقاش في عالم اليوم. الاسئلة التي يطرحها المفهوم الجديد ، والشواغل التي تشغل المهتمين به ، لاتماثل تلك التي تشغل رجال المدرسة  التقليدية. دعاة التجديد في الفكر الديني اليوم ، لا ينتمي غالبيتهم الى طبقة رجال الدين ، بل الى نخبة ثقافية تشكلت قناعاتها أو تطورت في إطارات العلم الحديث. ومن هنا فان مجالات اهتمامها تشكلت في سياق انتقال المجتمع او الاقتصاد الى الحداثة. هذا يعني – ضرورة - أن هذه  النخبة تنتمي ، من حيث التصنيف الاجتماعي ، الى دوائر
مصالح حديثة نوعا ما ، متعارضة مع تلك التي تنتمي اليها المنظومة التقليدية.  
تباين النسق الاجتماعي/المعرفي ، واختلاف دوائر المصالح ، أضاف نقاش التجديد الى مسار الصراع الذي لا يخلو منه مجتمع في طور النمو ، بين دعاة الحداثة وحماة التقاليد. وبالنظر لهذا السياق ، فليس متوقعا ان ينحصر الجدل حول تجديد الدين في المستوى النظري ، او صراع الافكار ، بحسب تعبير المرحوم مالك بن نبي.

التقليديون يصفون دعاة التجديد بالعلمانية والتميع. كما ان دعاة التجديد يتهمون التقليديين بالفشل في استيعاب جوهر التحدي الذي يواجه الاسلام المعاصر.
 
اني اتفهم الاسباب التي تدعو المؤسسة الدينية التقليدية الى الارتياب في دعاة التجديد ،  افكارهم واغراضهم وطرقهم. اعلم ان هذا يحصل دائما ، لان نجاح الدعوة الجديدة ، يقود عادة الى تغيير التوازنات الاجتماعية ، ومعها منظومات عريقة من مصادر القوة والنفوذ والقيم. اذا اردت التحقق من صحة هذا الاستنتاج ، فابحث عن الاشخاص الذين كانوا اغنياء او وجهاء قبل اندماج مجتمعاتنا في الاقتصاد الحديث ، وقارنهم بنظرائهم الجدد: اين أولئك وأين هؤلاء؟.  
 
غرضي في هذه السطور هو دعوة التيار الديني مجملا الى تقبل فكرة التجديد ، باعتبارها حراكا متواصلا لا يتوقف في زمن ، ولا يرتبط بشخص بعينه او قضية بعينها. التجدد والتحول سمة للحياة الطبيعية ، بل هو ضرورة لها. إذا اردنا للدين الحنيف ان يبقى فاعلا في حياة اتباعه ، متفاعلا مع حياة العالم ككل ، فهو بحاجة الى مواكبة التحولات التي تجري في هذا العالم ، ولو اقتضى ذلك التضحية بالكثير مما ألفته النفوس ، واعتادت عليه أو استراحت اليه. اريد توجيه هذه الدعوة بالخصوص الى عامة المؤمنين ، الذين يهمهم إبراء ذمتهم من اي خلاف لأمر الله ، كما يهمهم – في الوقت نفسه – ان لا يتخلفوا عن مسيرة المدنية  المعاصرة ، ومن هنا فهم أصحاب مصلحة في التجديد ، بل هم في حاجة ماسة اليه.
أعلم انه ليس سهلا على المؤسسة الدينية الرسمية في أي بلد ، والقوى الاجتماعية التي تؤازر رجال الدين عموما ، ليس سهلا عليها التنازل عن افكار ألفتها وارتاحت اليها ، وتشكلت في أفقها وعلى أرضها علاقات ومصالح ومسلمات. بل ليس سهلا عليها ان تذهب الى هامش المجتمع ، بعدما سكنت قلبه سنوات طويلة.
هذا ليس بالامر السهل. لكني لا أظن ان أحدا يملك الخيار. يمكن تأخير التجديد سنة او سنوات. اما ايقافه فهو رابع المستحيلات كما يقال.

الشرق الاوسط الأربعاء - 15 شوال 1440 هـ - 19 يونيو 2019 مـ رقم العدد [14813]


مقالات ذات علاقة

نقد التجربة الدينية

12/06/2019

اجماع العلماء ... الا ينشيء علما؟




||لا نأخذ براي الفيلسوف في أمور الدين. لكننا نستمع اليه لتوسيع معارفنا الدينية وغير الدينية. كما اننا لا نأخذ الراي الفلسفي من الداعية او القائد ، فدوره هو تعزيز التقليد ، اي تاكيد ما هو مستقر||
لطالما لفتت نظري الأفكار القيمة التي قدمها علماء الطبيعة ، حينما كتبوا في الفلسفة ، أو قدموا آراء تندرج بطبيعتها في اطار الفلسفة. ان اطلاعي في هذا الحقل محدود. لكن عددا ملحوظا من الفلاسفة الذين قرأت لهم ، جاؤوا الى الفلسفة من الفيزياء على سبيل المثال. هكذا كان اينشتاين وكارل بوبر وتوماس كون. وكثير غيرهم. يشغل ذهني سؤال العلاقة بين الفلسفة وعلم الطبيعة ، ويؤلمني انني فقير في هذا الجانب وعاجز عن تفصيح الاسئلة ، فضلا عن تقديم اجوبة.
ستيفن هيل
ستيفن هيل
ما دعاني لاستذكار هذا الموضوع اليوم ، مقال لعالمة الكيمياء السعودية د. غادة المطيري ، عنوانه "إجماع الآراء لا يصنع علما". استعرض المقال بعضا من معاناة ستيفان هيل ، وهو عالم روماني – الماني ، برهن بما يقطع الشك ، على ان اتفاق مئات العلماء على رأي بعينه ، لا يحول هذا الرأي الى حقيقة.
كان هيل اول من أثبت امكانية تجاوز الحدود التي رسمتها "معادلة آبي" اي مجموعة الحسابات التي وضعها المخترع الالماني ارنست كارل آبي في 1873 حول الحدود النهائية لقدرة الميكروسكوب. واعتبرت منذئذ ، حقيقة موضوعية لا يمكن مخالفتها.
قضى هيل سنوات طويلة ، يواجه السخرية والتهميش في المجتمع العلمي ، لأن ادعاءاته "تخالف المنطق السائد ، أي الرأي الذي اجمع عليه العلماء طيلة قرن ونصف". لكنه في نهاية المطاف نال التقدير الذي يستحقه ، ، ومنح جائزة نوبل للكيمياء في 2014.
حسنا.. ما الذي يدعونا لهذا الحديث اليوم؟ يواجهني دائما سؤال: هل يصح الأخذ برأي لباحث أو مفكر معاصر ، وترك آراء اجمع عليها المئات من مفسري القرآن والفقهاء طيلة قرون؟ 
تنطوي في هذا السؤال ثلاثة موضوعات مختلفة تماما. لذا سنحتاج الى استيضاح ما الذي يشغل بال السائل قبل مواصلة النقاش. أ) فلعل السؤال متعلق بالمنهج ، يمكننا قوله بصيغة اخرى: اتفاق العلماء على رأي بعينه ، الا يعطيه صفة العلم القطعي أو الموضوعي؟. ب) وقد يكون السؤال متعلقا بالحكم (التكليف الشرعي) ، اي: اذا احتجت لاستبيان تكليفي الشرعي ، فهل آخذ برأي يتبناه شخص واحد او عدد قليل ، ام أختار الرأي الذي  يتفق عليه اكثر العلماء؟.
ت) اما الموضوع الثالث فيتعلق بالاطمئنان او الانعكاس النفسي للعلم. وهو يتضح في سؤال: لو قبلنا بتعدد الاراء في امور الدين وتغيرها بين حين وآخر ، الا يؤدي هذا الى اضعاف حالة الاطمئنان الضروري للتدين؟. 
اعتقد ان كل من يريد التفكير في أمور الدين ، يحتاج لفهم الفارق بين الموضوعين الأول والثاني: العلم والحكم. فالحكم لا تأخذه من عشرات العلماء ، بل من عالم واحد تطمئن إليه. وقد يكون أقل تمرسا وخبرة من سواه.  مثلما تختار الذهاب الى طبيب أقل شهرة أو خبرة من غيره ، لأنك ترتاح الى طريقته في العمل او مقاربته للمشكلات.
الاجماع على رأي يزيد قيمته العلمية ، ويجعله مطمئنا اكثر. لكنه لا يلغي احتمالات وجود رأي أصوب منه أو أكثر تقدما. ان تثبيت الاطمئنان هو دور الداعية والقائد. اما العالم فدوره تفكيك الاطمئنان وإثارة الاسئلة ، أي توسيع دوائر الشك. نحن لا نتبع العالم في أمور الدين. لكننا نستمع اليه لتوسيع معارفنا الدينية وغير الدينية. كما اننا لا نأخذ العلم من الداعية او القائد ، فدوره هو تعزيز التقليد ، اي اتباع ما هو مستقر ، وليس الابداع او الابتداع. العالم دليل الى المستقبل بقدر ما الداعية او القائد تاكيد لحضور التاريخ.
مقالات ذات علاقة


الشرق الاوسط الأربعاء - 8 شوال 1440 هـ - 12 يونيو 2019 مـ رقم العدد [14806]


05/06/2019

الشيخ المجهول ، بطل ليفربول


وفقا لدراسة نشرت الاسبوع الماضي ، فان رياضيا بارعا يمكن ان يؤثر في الراي العام ، بما يفوق مئات من رجال الدين والدعاة المحترفين. عنوان هذه الدراسة "هل يمكن للتركيز على الشخصيات المشهورة ان يخفض التعصب؟". وشارك فيها اربعة باحثين برعاية مختبر سياسات الهجرة بجامعة ستانفورد. ركز الباحثون على بروز محمد صلاح ، لاعب كرة القدم الشهير في نادي ليفربول ، وكيف أثر على موقف مشجعي الفريق ومتابعيه بشكل عام ، تجاه الاسلام والمهاجرين. وقد اختير صلاح بالتحديد ، لان هويته صريحة: اسمه وشكله ، فضلا عن مجاهرته برموز دينية معروفة ، مثل سجوده في الملعب بعدما سجل اهدافا نادرة.

اعتمد البحث على مجموعة كبيرة نسبيا من مصادر المعلومات والمؤشرات ، مثل السجلات الشهرية لجرائم الكراهية (التي يكون للدين تاثير فيها) في 936 مقاطعة. كما قام الفريق بفحص 15 مليون تغريدة نشرها مشجعو كرة القدم في بريطانيا ، وتحتوي على مواقف ذات علاقة بالمسلمين ، فضلا عن مسح لعينة ضمت 8060 من مشجعي نادي ليفربول ، فيما يخص موقفهم من الظاهرة المعروفة بالاسلاموفوبيا.
تقول الدراسة ان جرائم الكراهية في منطقة مرسي سايد ، موطن نادي ليفربول ، قد انخفضت بنسبة 19%  ، بينما لم يلاحظ تغيير على انواع الجرائم الاخرى. وجدت الدراسة ايضا ان التغريدات المعادية للمسلمين ، التي ينشرها مشجعون للنادي ، قد انخفضت بما يقارب النصف.
خلاصة الفكرة التي تؤكد عليها الدراسة هي ان الازمات الواسعة النطاق ، اي تلك التي يكون الجمهور طرفا مؤثرا فيها ، يمكن ان تعالج من خلال تغيير المقاربة ، ولاسيما اعتماد ما يسمى الدبلوماسية الشعبية ، في مختلف تجلياتها.
في نفس الوقت تقريبا (1 يونيو 2019)، اعلنت رابطة العالم الاسلامي عن "وثيقة مكة" التي تبناها نحو الف من علماء المسلمين اجتمعوا في مكة المكرمة. شكلت الوثيقة ما يمكن اعتباره رسالة مصالحة بين المسلمين من جهة ، وبين المسلمين وغيرهم من الامم ، من جهة ثانية.
من يتأمل محتوى هذه الوثيقة سيجد انها ليست الاولى التي يصدرها علماء المسلمين من حيث لغة الخطاب والمبررات المطروحة. لكنها كسابقاتها ، اغفلت أيضا تحديد خطط العمل والجهات التي ستتولى ادارة المهمة. ونعلم ان اي دعوة لا تتحول الى برنامج عمل ، ولا يتحدد المسؤول عن تنفيذها ،  فانها على الاغلب ستنتهي كخبر تنشره الصحف في اليوم التالي ، ولا شيء أكثر.
لقد تعمدت افتتاح المقال بتفصيل القول في ما اظنه نموذجا مختلفا في علاج ابرز القضايا التي تناولتها وثيقة مكة ، اي الاسلاموفوبيا. جوهر هذا النموذج هو ازاحة العلاقة من زاوية المواجهة والنقاش المباشر ، ولا سيما التركيز على الجانب الديني/الثيولوجي ، الى زوايا مشاركة ، والتركيز خصوصا على ما يمكن للمسلمين ان يتفاعلوا فيه مع غيرهم باعتبارهم بشرا ، لا باعتبارهم اصحاب أديان او مبشرين. قضايا مثل العلم والادب والفن والرياضة واستئصال الفقر وحماية البيئة الكونية وامثالها ، تشكل في رأيي نقاط التقاء ، ويمكن للعمل المشترك فيها ان يوصلنا الى نتائج افضل واوسع نطاقا.
اذا كان لي من كلمة اوجهها لعلماء المسلمين المهتمين بتحسين العلاقة بين المسلمين انفسهم ، او بينهم وبين غيرهم ، فسأقول لهم: دعوا هذه المهمة لغيركم ، اي الشباب والباحثين والفنانين والرياضيين والناشطين البيئيين ، فهؤلاء سيفتحون مسارات لا تقدرون عليها ولا تعرفونها. انظروا الى تجربة بطل ليفربول ، فهي عبرة لمن يعتبر.
الشرق الاوسط الأربعاء - 1 شوال 1440 هـ - 05 يونيو 2019 مـ رقم العدد [14799]

29/05/2019

هيمنة الاتجاه الاخباري على الفقه

|| لم يعد للعقل دور مستقل. فقهاء اليوم يبحثون عن حلول لمشكلات الحياة الحديثة في كتب الحديث وفي تراث اسلافهم ، رغم علمهم بان هذا حل مستحيل||
تأسس علم الفقه في القرن الثاني للهجرة ، حين وجد المسلمون أن ما وصلهم من حديث الرسول لا يغطي المسائل الجديدة. وصور ابو الفتح الشهرستاني هذا المعنى بقوله ان "الحوادث والوقائع .. مما لا يقبل الحصر والعد. ونعلم قطعا أنه لم يرد في كل حادثة نص... والنصوص إذا كانت متناهية والوقائع غير متناهية ، وما لا يتناهى لا يضبطه ما يتناهى ، علم قطعا أن الاجتهاد والقياس واجب الاعتبار".
مسجد وضريح الامام الشافعي-القاهرة
مسجد وضريح الامام الشافعي-القاهرة
والمشهور ان الامام الشافعي (ت 204ه) هو الذي وضع القواعد الأولية للاجتهاد واستنباط الاحكام في كتابه"الرسالة". أما أول من مارس الاجتهاد فالمشهور انه الامام ابو حنيفة النعمان وتلاميذه (ت 150ه). ومنذئذ انقسم المشتغلون بالفقه الى فريقين: الفريق الذي يسمى اهل الرأي او الاصوليون ، وهو يدعو للبحث عن قواعد عامة نستفيدها من النصوص ، ونجعلها مرجعا لتكييف الحوادث الجديدة ، ان تطلبت حكما شرعيا. مقتضى هذا الرأي في نهاياته المنطقية ، ان الشريعة ليست مجموعة احكام مدرجة في نصوص ، بل منهج وفلسفة عمل ، جرى توضيحها من خلال امثلة واحكام في قضايا ، ذكرت في القرآن او حديث الرسول. وان الاعتماد الكامل على الادلة العقلية ، سيضمن جعل التشريع متجددا مستجيبا لعصره. هذا يقتضي بطبيعة الحال ان تخضع احكام الشريعة للمراجعة المستمرة. ولذا يتوقع ان يختلف الحكم في الموضوع الواحد ، بين زمن وزمن وبين مكان وآخر ، اذا اختلفت البيئة المادية او الثقافية لموضوع الحكم.
اما اهل الحديث ، ويطلق عليهم ايضا الاخباريون ، فهم يأخذون برؤية انكماشية نوعا ما ، تحصر التشريع في حدود المنصوص ، وتمنع انشاء الزامات شرعية اعتمادا على اجتهاد مستقل. ومقتضى هذا الراي في نهاياته المنطقية ، هو ان قبول اصل الدين والشريعة ، يعني الاقتصار على ماحدده الشارع ، وعدم التصرف بموازاته على اي نحو ، حتى لو كان صلاح التصرف ظاهرا للعيان.
تختلف الحجة القيمية بين الفريقين. إذ يرى الاصوليون ان الدين غرضه صلاح الدنيا. ومن صلحت دنياه ، نجا في الآخرة. بينما يرى الفريق الثاني ان غاية الخلق هي عبادة الخالق وان غرض الدين هو النجاة في الاخرة ، على النحو الذي عرفه التنزيل الحكيم. ولذا فواجب المؤمن هو الاعداد للآخرة ولو على حساب الدنيا.
ويتضح مما سبق ان الاتجاه الاول (الاجتهاد) اكثر قابلية للتفاعل مع التطور المادي والثقافي للمجتمع. لكن انتشاره سيفضي الى تلاشي الفاصل بين الديني والدنيوي ، وضمور ما يسمى بالصبغة الدينية للحياة. اما الاتجاه الثاني (الاخباري) فهو يميل الى نوع من الثنائية الحيوية ، حيث يتعايش الديني والدنيوي ، كلا في مجال خاص به. وفي هذا الاطار يعمل اهل الفقه على ابراز الصبغة الدينية والتاكيد على خطوط الفصل بين العالمين.
رغم ان ظهور الاجتهاد كان تعبيرا عن حاجة المسلمين لتطوير حياتهم الدينية ، الا انهم – لأسباب عديدة – تراجعوا عنه مبكرا ، وهيمن الاتجاه الاخباري بشكل صريح او ضمني. وفي وقتنا الحاضر لم يعد للعقل دور مستقل. بل اصبح تابعا ثانويا. ولهذا تجد الفقهاء يبحثون عن حلول لمشكلات الحياة الحديثة في كتب الحديث او في تراث اسلافهم ، رغم علمهم بان الحل مستحيل ، ما لم نعط العقل دورا مستقلا موازيا للكتاب والسنة. لكن قرارا مثل هذا يتطلب تعديلا في التصور الاساسي او الفلسفة التي ينطلق منها الفقيه ، على النحو الذي شرحته آنفا.
الشرق الاوسط الأربعاء - 24 شهر رمضان 1440 هـ - 29 مايو 2019 مـ رقم العدد [14792]
https://aawsat.com/node/1743631

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...