‏إظهار الرسائل ذات التسميات العلاقة مع الغرب. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات العلاقة مع الغرب. إظهار كافة الرسائل

08/09/2021

الاسئلة التي تزيدنا جهلا


قبل تسعين عاما اصدر الامير شكيب ارسلان كتابه الشهير "لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم". ويذكر في قصة الكتاب انه جاء استجابة لنقاشات دارت في تلك الايام ، على خلفية التحدي الاوروبي للعالم الاسلامي ، في مجال العلم والاختراع والقوة العسكرية والاقتصادية وغيرها.

خلال ربع القرن الأخير ولدت أسئلة جديدة ، وتبين ان سؤال الامير شكيب أقام سياقا ، هو بذاته مشكل.  ولهذا لم نستفد منه في اثارة نقاش جاد ، بل تحول الى وسيلة تنفيس عن القهر.

شكيب ارسلان

بيان ذلك: ان سياق النقاش افترض مسبقا ان التأخر والتقدم مرتبط بالدين ، تبعا للدعوة الاوروبية الى العلمانية. وقد ردت النخبة المسلمة على هذا الادعاء ، بتنزيه الاسلام عن التخلف او التسبب فيه. وقد بدا لي من دراسة تلك النقاشات ، ان موضوع الجدل يومئذ هو "الهوية" وليس "الدين" ، اي الاسلام باعتباره عنوان انتماء ورابطة بين اتباعه. لم يكن لمسألة التقدم كبير شأن في تلك النقاشات ، فقد انحصرت في الرد على دعاوى الغرب ومساعيه للنفوذ في العالم الاسلامي. وتبعا لذلك تحول موضوع التقدم الى عنوان للجدل في موضوع مختلف تماما هو علاقة المسلمين بالغرب.

أدى الاختلاط بين هذين النقاشين ، الى اهمال تام لمسألة التقدم كموضوع مستقل ، له شروطه وحاجاته وسياقه الخاص. واظن ان هذا كان من اعظم الرزايا التي ابتلي بها العرب والمسلمون ، في حاضرهم وماضيهم. فحين تهمل مسألة التقدم ، فانك ستنصرف – شئت ام ابيت – الى تقديس الماضي ، وسيتحول حاضرك الى امتداد للماضي ، فتبقى متخشبا في موقعك من التاريخ ، بينما يتحرك البشر الى الأمام.

واضيف الى هذه الرزية ، ان العلاقة مع الغرب قد تلبست رداء الدين ، وفسرت في سياق الصراع بين الأديان ، كما استدعي التصوير الوارد في النص الديني ، كوصف نهائي لهذه العلاقة.

يعلم العقلاء ان علاقات الامم (حتى المتعادية منها) تتغير بين زمن وآخر ، تبعا لتغير الظروف والمصالح وموازين القوة. لكننا – للسبب الوارد اعلاه – جمدنا هذه العلاقة في صورة واحدة هي العداوة ، حتى ان فقهاء المسلمين اتفقوا قولا واحدا على حرمة السفر الى تلك البلاد الا لحاجة ماسة ، وليس للتعارف والتسالم والتعلم وعمران الارض ، كما  هو حكم العقل ، فضلا عما نعرفه من مقاصد الرسالة المقدسة.

حين اتطلع اليوم الى العالم من حولي ، أجد الغرب محيطا بنا من كل جانب. ولهذا تعددت صور العلاقة معه. وبسبب الفهم الموروث الذي القى عليها رداء الدين ، فقد انشغلنا بتصور اشكال العدوان الغربي ومؤامرات الغرب وخيانة الغرب ، وغير ذلك من التصويرات والتشبيهات البليغة ، التي لا تخبرنا عن واقع ولاتكشف مخفيا ، بقدر ما تعزز اوهامنا القديمة ، وتكرس عزلتنا الروحية عن عصرنا وعالمنا.

من يتشكك في صدقية هذه الدعوى ، أدعوه لمراجعة ردود فعل المسلمين على الانسحاب الامريكي من افغانستان ، وكيف تحول من موضوع للنقاش الجاد (هل هو جيد ام سيء ، هل كنا نريده ام نرفضه ، هل احسن الامريكان الى الافغان ام اساؤوا ، هل ينطوي على فرص ام تحديات.. الخ) تحول موضوعا للتندر والسخرية ، وجمع المعايب والمبالغة في تصويرها ، واستخدامها في بيان قبح الغرب عموما وامريكا خصوصا.

اليس هذا هو ما تعلمناه طيلة قرن من الزمان؟.

ترى من الذي تضرر من هذا الفهم الاعوج.... نحن الذين تجمدنا في نقطة قصية من تاريخ البشرية ، ام الغرب الذي يتحرك الى الامام بسرعة الطائرة؟.

الشرق الاوسط الأربعاء - 30 محرم 1443 هـ - 08 سبتمبر 2021 مـ رقم العدد [15625]

https://aawsat.com/home/article/3176371/

مقالات ذات علاقة

 

الاسئلة الباريسية

انقاذ النزعة الانسانية في الدين

تلميذ يتعلم وزبون يشتري

الحركة الاسلامية ، الغرب والسياسة -1

حول طبيعة السؤال الديني

 خلافة على منهاج نبوة

الديمقراطية والاسلام السياسي

ركاب الدرجة السياحية

الشيخ القرني في باريس

العولمة فرصة ام فخ ؟

قادة الغرب يقولون دمروا الاسلام ابيدوا اهله

كيف نتقدم.. سؤال المليون

مباديء اهل السياسة ومصالحهم

مشروع للتطبيق لا تعويذة للبركـة

نفوسنا المنقسمة بين عصرين

نقد المشروع طريق الى المعاصرة

وهم الصراع بين الحضارات

اليوم التالي لزوال الغرب

 


11/11/2020

عالمنا القائم على تاريخ مكذوب

 

اود ان تكون هذه السطور تكملة لمقال استاذنا د. محمد الرميحي المعنون "حرب الاسترداد الثقافية" والمنشور في هذه الصحيفة يوم السبت الماضي. تحدث الرميحي عن انفصالين متعاضدين: اولهما انفصال الفكرة الدينية عن العصر ، وانحباسها في نقطة تاريخية بعيدة جدا. اما الثاني فهو انفصال الاحكام الدينية الناظمة للمعاملات عن مبرراتها العقلية ، وارتهانها بشكل سطحي لأفهام السابقين ، مع علمنا بانها افهام مشروطة بضرورات عصورهم وحدود معارفهم.


والمفهوم ان الدافع لمقالة الرميحي ، هو  رد الفعل الواسع – والخشن نسبيا – في العالم الاسلامي ، على موقف الحكومة الفرنسية ورئيسها ، والتي فحواها انها ستواصل التزامها بحرية التعبير ، ولو تضمنت تعريضا بمقدسات دينية.

انني لا اصدق ما قاله الرئيس الفرنسي ولا اهتم به. لكن الذي يهمني – مثل استاذنا الرميحي – هو موقفنا كمسلمين من حوادث كهذه. كل حادثة هي اختبار للقيم والمفاهيم التي نتبناها ، والتي تشكل فهمنا لذاتنا ومن يجاورنا. نعلم ان العقلاء يفرحون بالتجارب لما تنطوي عليه من فرص لاستكشاف نقاط الضعف والقوة في مواقفهم أثناء الأزمات.

لقد أثار انتباهي ان الذين تنادوا للرد على الموقف الفرنسي ، دعوا للمواجهة وليس التفاوض. وهذا موقف يتكرر في أغلب الازمات ، حتى التي يكون جميع اطرافها مسلمين. ولا بد ان موقفا كهذا يثير سؤالا جديا: لماذا يميل غالبنا للنزاع بدل التفاوض ، حين تنشب الازمات؟. ولماذ يعتبر الرأي العام المسلم ، ان كل أزمة تنطوي على عدوان خارجي ، وان رد الفعل الوحيد هو الدفاع العنيف ، ماديا او كلاميا؟.. لماذا لا نفكر في خيار التفاوض وتوضيح ما نظنه خطأ لدى الطرف الآخر ، فلعلنا نهديه بالموعظة الحسنة ، او ربما اكتشفنا أن الخطأ عندنا ، في تقديرنا للموقف او فهمنا للامور ، او حتى في قيمنا وما نتبناه من رؤى. لماذا يكون رد الفعل الاول هو التنادي للصراع ، بدل التواصي بالحوار والموعظة الحسنة؟.

أعود الى تفسير الرميحي ، الذي راى اننا لا نفصل بين ما لاضرورة لتبريره عقليا ، مثل العبادات المحضة التي جوهرها التسليم للخالق ، وبين التعامل مع الناس الذي جوهره المصلحة العقلائية. لقد قيل لنا ان الصلاة مثلا عبادة عابرة للتاريخ ، فلا نضع في اعتبارنا احتمال تطورها بعد مرور 14 قرنا من تشريعها. وهذا امر محتمل (رغم اني لا اميل اليه ابدا) لكن المشكل ان هذا الاعتبار ، اي تجميد الحكم في الماضي ، قد سحب على الكثير من احكام المعاملات ، حتى التي لم يعرفها اسلافنا ولم توجد في زمنهم. النتيجة الملموسة لهذا الموقف هو تجميد الفكرة الدينية عند نقطة انطلاقها المتخيلة ، بدل جعلها تتفاعل مع عصرها الراهن وحاجات أهله.

يرى الرميحي ان الانغماس العاطفي في التاريخ ، يرجع لاعتقاد الجمهور المسلم بان اسلافهم ، قد اقاموا في زمن ما في الماضي ، نوعا من مدينة فاضلة (يوتيوبيا) ، وان هذا الاعتقاد يعوض شيئا ما عن شعورنا بالعجز إزاء تحديات العصر الراهن.

وبناء على هذا التفسير ، فهو يدعونا للتخلي عن التثقيف القائم على تسويق تاريخ مكذوب ، والتركيز بدلا منه على ايضاح حقيقة ان سلفنا كانوا بشرا عاديين ، مثل غيرهم ، حاولوا فاصابوا حينا واخطأوا حينا ، وعاشوا دنياهم مثل سائر عقلاء العالم ، ولم يكن ثمة مدينة فاضلة او مجتمع كامل في اي وقت من تاريخنا المعروف.

الشرق الأوسط الأربعاء - 26 شهر ربيع الأول 1442 هـ - 11 نوفمبر 2020 مـ رقم العدد [15324]

https://aawsat.com/node/2618086/

28/10/2020

الدرس الباريسي

 


يبدو ان حادثة النحر الباريسية الشهيرة ، تتحول بالتدريج الى قضية ساخنة في العديد من مجتمعات المسلمين ، في شرق العالم وغربه. وللتذكير فاننا نتحدث عن قيام مسلم من اصل شيشاني بنحر معلم في ضاحية  كونفلان سان-اونورين ، شمال غرب العاصمة الفرنسية ، بعدما عرض على طلابه رسوما كاريكاتورية للنبي محمد (ص) اثناء درس قيل انه تناول حرية التعبير. وجرت الحادثة في منتصف سبتمبر ، وكانت مناسبتها انعقاد المحكمة الخاصة بمهاجمي مجلة "شارلي ابدو" التي كانت قد نشرت الرسوم المذكورة في يناير 2015.


ويبدو ان انباء ذلك الدرس قد تفاعلت بين المهاجرين المسلمين ، الذين اعتبروه اهانة لهم ولدينهم. ولا شك ان بعضهم قد تحدث عن ضرورة الانتقام و "تلقين المعلم درسا" يكون عبرة لغيره. ولعل هذا الشاب الشيشاني البالغ 18 عاما ، رأى نفسه مدعوا للقيام بما رآه دور البطل دفاعا عن سيد الخلق.

نعرف ان الرئيس ماكرون ندد بما اسماه "الارهاب الاسلامي" وان الحكومة الفرنسية اتخذت موقفا متشددا ، فاوقفت عدة اشخاص يشتبه في علاقتهم بالقاتل ، كما اغلقت مسجدا وجمعيات تقول انها تتبنى مواقف متطرفة. وقد نظمت جنازة رسمية للمعلم القتيل ، وتم تكريمه ، والتأكيد على التزام الحكومة بحق الناس جميعا في حرية التعبير ، بما فيها الحق في نشر تلك الرسوم ، التي اعتبرها المسلمون مثيرة للكراهية.

من المفهوم ان حادثا مثل هذا سيؤدي لانقسام في المواقف ، بين المسلمين من جهة والاوروبيين من جهة اخرى. سوف يتمسك الطرف الاول بحجة ان المس بالمقدسات ، لا تحميه القوانين الضامنة لحرية التعبير ، لأنه يثير البغضاء ويضر بالسلام الاجتماعي. ولعلهم يقارنونه بالقوانين التي تحرم معادة السامية او تبجيل النازية مثلا  ، والتي وضعت على نفس الارضية.

في المقابل سوف يتمسك الاوروبيون بان ابداء الرأي في المقدسات الدينية جزء من حرية التعبير ، وان اعتبارها مثيرة للبغضاء فرع عن شعور ارادي ، يتوجب على المسلمين التحرر منه ، لانهم لا يستطيعون العيش في كانتونات ثقافية مغلقة ، بينما يتسارع الانفتاح في العالم وتتواصل الثقافات والهويات. كما سيقولون بطبيعة الحال ان معاقبة المجرم يجب ان تمر  من خلال الاطر القانونية ، اي الشكوى للقضاء او البرلمان ، وليس بحمل السكين ونحر المذنب وسط الشارع. ولو قبل المجتمع بهذا العلاج ، لما أمن احد على حياته او املاكه.

انني اتفهم كلا الرايين ، كلا من زاوية والى حد. لكني اود اضافة نقطتين آخريين ، تتعلق أولاهما باندماج المسلمين الذين استوطنوا اوربا بشكل نهائي. فهل يريدون البقاء على حاشية المجتمع الاوربي ام يسعون لكي يكونوا جزء مؤثرا فيه؟. ان هذا يرتبط جوهريا بتقبلهم لقيم هذا المجتمع واعرافه ، وبعضها عسير ، لكنه ضروري ان ارادوا الاندماج.

اما النقطة الثانية فتتعلق بموقف المسلمين ككل ، من اشكال النقد المختلفة ، التي تاتي من وسطهم او من خارجهم. الى اي حد نتقبل النقد والسخرية والنقض ، مع تاكيدنا على حقنا في الرد والمعارضة؟. وكيف نفكر في اشكالات العلاقة مع الذين يعارضوننا في الاسس والجوهر وليس فقط في الرأي ، كحال الذين يسخرون منا دون ان يقاتلونا او يخرجونا من ديارنا؟.

هل نضع المقاتل بالدبابة ، مع الساخر  بالريشة او القلم على قدم المساواة؟.

اظن اننا كمسلمين بحاجة ماسة للنقاش في هذا ، كما ان مسلمي اوربا احوج منا الى التفكير في النقطة الاولى.   

الشرق الأوسط الأربعاء - 12 شهر ربيع الأول 1442 هـ - 28 أكتوبر 2020 مـ رقم العدد [15310]

https://aawsat.com/node/2590131

مقالات ذات صلة

حرب الرموز

اليوم التالي لزوال الغرب

الاسئلة الباريسية

داريوش الذي مضى

الشيخ القرني في باريس

داريوش الذي مضى

الشيخ القرني في باريس

ابعد من تماثيل بوذا

 

03/04/2019

هكذا خرج العقل من حياتنا


ادهشني ان بعض الناشطين في التيار الديني ، لم يرض بالاطراء الذي نالته جاسيندرا ارديرن رئيسة الحكومة النيوزيلندية ، نظير موقفها التضامني مع مواطنيها المسلمين ، اثر فاجعة مسجد النور منتصف مارس الماضي. وقال بعض الناقدين ان موقف رئيسة الحكومة سياسي في المقام الاول. وقال آخرون ان عينها على الانتخابات ، او انه تعبير عن موقف ايديولوجي للتيار اليساري الذي تنتمي اليه ، في مقابل اليمين المتطرف الذي ينتمي اليه القاتل. وسمعت قولا طريفا لأحدهم فحواه انه كان الأولى دعوتها الى الدين الحنيف بدل امتداحها ، فلعل الله يشرح صدرها للاسلام. وأطرف منه من كتب ان السيدة الجليلة لاتستحق المدح ، لأنها "كافرة سافرة ، قبلت ولاية لاتسوغ لجنسها".
 
ورايي ان تلك الاقوال باطلة جملة وتفصيلا. في ذاتها وفي ارضيتها الفلسفية. لكن موضع اهتماهي ليس هنا. بل لأنها ذكرتني بجدل قديم اشتهر باسم "مسألة الحسن والقبح العقليين". وقد اثيرت في الاطار الاسلامي خلال القرن الثامن الميلادي ، مع انها ترجع الى ازمان ابعد بكثير. وكانت تدور حول قابلية العقل لادراك الحقيقة وتمييزها عن الوهم. 
ركز الجدل الاسلامي على سؤال: هل في الافعال معنى وقيمة ذاتية ، يمكن للعقل اكتشافها وتحديدها ، ام ان تحديد معنى الفعل وقيمته ، متروك للشارع ، ان شاء اعتبره حسنا وان شاء اعتبره قبيحا. كانت الغلبة يومذاك للراي القائل بعجز  العقل عن تحديد الوجه الشرعي للحسن والقبح. ومعنى هذا انه يمكن لعقلك اكتشاف ان العدل حسن وان الظلم قبيح ، لكنه لايستطيع القول بان هذا القبح او ذلك الحسن له قيمة ، او يمكن ان يكون اساسا لامر شرعي. هذه الفكرة هي اساس نفي العقل واستبعاده ، ليس عن دائرة التشريع فحسب ، بل عن حياة المسلمين ككل.
ان السبب الذي يدعوني للتذكير بهذا الجدل اليوم ، هو اعتقادي بأن عدم ثقة المسلمين بالعقل وقدرته ودوره ، هو الذي قاد الى الانفصال المشهود بين الدين والحياة ، بين الدين والاخلاق ، بين الدين والقانون ، وهو الذي جعل المسلمين مضطرين للعيش حياة مزدوجة: عقلانية تماما في محيط العمل ، حيث يستعملون منتجات العقلاء واجهزتهم وانظمتهم ، وخرافية كليا او جزئيا حين يعودون الى حياتهم العادية ، او يعملون في اطار تقاليدهم الثقافية وارثهم القيمي.
منذ ان اصبح العقل هامشيا في حياتنا ، فقد بات ممكنا ان يأتينا شخص ليقول: أن عقولكم لاتستطيع اكتشاف الحقائق ، أو لاتستطيع تحديد معناها وقيمتها. وحتى لو  كنتم اذكياء بما يكفي لفهم حقيقة الاشياء ، فان ذكاءكم واجتهادكم لاقيمة له عند الشارع. الشارع هو الذي يحدد قيمة الافعال ، اما انتم فدوركم مقصور على السمع والطاعة دون تفكير او مناقشة.
اني اعجب ، لان فينا من لازال يقول بان دين الله لايدرك بالعقول ، فاذا جادلته ، اعاد عليك الحجة التي عمرها مئات السنين ، والقائلة بانه لو كان الدين بالعقل فما الاساس العقلي للمسح على ظاهر القدم دون باطنه ، وما الاساس العقلي لجعل هذه الصلاة ركعتين وتلك ثلاث ركعات ، وامثال ذلك من الحجج الباردة.
إني آمل ان يشاركني القراء الاعزاء في اظهار الاسف لتعطيل العقل باسم الدين. مع علمنا جميعا بانه لولا العقل لما كان ثمة حياة ولا دين ولاتكليف ولا ثواب ولاعقاب ولا جنة ولا نار. ولعلنا نعود الى الموضوع في قادم الايام.

الأربعاء - 27 رجب 1440 هـ - 03 أبريل 2019 مـ رقم العدد [14736]
https://aawsat.com/node/1662191
  مقالات ذات صلة

الاستدلال العقلي كاساس للفتوى

تأملات في حدود الديني والعرفي

جدل الدين والتراث ، بعد آخر

حول الفصل بين الدين والعلم

حول تطوير الفهم الديني للعالم

دور الفقيه ، وجدلية العلم والحكم

الـدين والمعـرفة الدينـية

شرع العقلاء

عقل الاولين وعقل الاخرين

عن الدين والخرافة والخوف من مجادلة المسلمات

كي لايكون النص ضدا للعقل

كيف تتقلص دائرة الشرعيات؟

ماذا يختفي وراء جدل العلاقة بين العلم والدين

مثال على طبيعة التداخل بين الدين والعلم

نسبية المعرفة الدينية

نقاشات "عصر التحولات"

هكذا خرج العقل من حياتنا

هيمنة الاتجاه الاخباري على الفقه


28/03/2018

داريوش الذي مضى


لم يكن داريوش شايغان معروفا بين عامة الناس. لأنه لم يكتب أبدا لعامة الناس. ولم يكن شايغان محبوبا بين الشريحة الاوسع من مثقفي العالم الاسلامي ، لأنه حمل السلم بالعرض ، وسار في طريق لا يصمد فيه سوى زبدة الزبدة  ، كما يقول الفرنسيون.
كتب شايغان عن الحداثة الاوربية مادحا وناقدا. وكتب عن الماركسية والاسلام مثل ذلك. وقارن بين الثقافات الآسيوية وبين نظيرتها العربية والاوروبية ، باحثا عن القيم الانسانية الجوهرية ، اي تلك القيم التي تشكل مستخلصا مشتركا لتجربة البشر عبر تاريخ طويل. 
نهاية الاسبوع الماضي رحل شايغان عن عالمنا بعد جولات مضنية بين الايديولوجيات والمذاهب ، وبحث دؤوب عن نقاط التلاقي والتفارق بين الشرق والغرب ، جولات كانت جديرة بمنحه مكانة بين قلة من مفكري العالم ، الذين يستحيل ان تصنفهم على تيار ، او تضعهم في خانة مشروطة بتاريخ محدد او جغرافيا بعينها. قد تسمي هذا حيادا او تفوقا على الذات او حالة كونية. وهي صفات تنطوي على إطراء. لكن هذه الحالة بالذات تسببت في اقصائه. لأن العالم – فيما يبدو – منظم على نحو لا يترك فراغا لغير المنتمين الى تجربة تاريخية خاصة ، او دائرة مصالح معرفة جغرافيا او ايديولوجيا. ان تكون مستقلا ، يعني ببساطة ان لا تتوقع المجد قبل وفاتك ، اي حين لا تعود منافسا لأحد او قادرا على وضع الملح على جرحه.
تمتد طروحات شايغان على مساحة واسعة من الفلسفة الى الانثروبولوجيا والادب والتاريخ وعلم الاجتماع. ويثير اهتمامي بشكل خاص تحليله العميق للعلاقة بين العالم الاسلامي والغرب.
تحدث شايغان عما أسماه "نقطة التصالب" التي افضت اليها كافة الحوارات السابقة بين الشرق والغرب. حين تدخل في حوار منفتح مع طرف يعارض مبانيك الايديولوجية او الفلسفية ، فقد اوتيت فرصة غالية لاستكشاف اسباب اختلافه عنك ، اي نقاط الضعف الكامنة في بنائك الثقافي ، او نقاط القوة التي تستطيع استعارتها منه.
لكن ما جرى فعليا ان الطرفين ، الغرب والشرق ، لبس كل منهما رداء الداعية ، وحدد مهمته في اقناع الاخر بما لديه ، دون ادنى اهتمام بأن يتعلم منه. لم يتردد الغرب في استعمال القوة لفرض ثقافته كنموذج كوني وحيد. ورد عليه الشرق بتحويل الهوية الى قلعة يحتمي داخل أسوارها مما ظنه غزوا او هيمنة.
ان سعي الغرب للهيمنة ، حول العلم الى نوع من ايديولوجيا مغلقة. كما ان مقاومة الشرق أحالت الهوية الى نوع من ايديولوجيا صلبة. كان بوسع الغرب ان يتقي بعض مشكلاته ، لو تقبل فكرة ان القيم الروحية التي يزخر بها الشرق ، توفر علاجا حقيقيا لبعض أدواء الحياة. وكان بوسع الشرق ان يخرج من ركوده المزمن ، لو تقبل حقيقة ان الهوية ليست صنما مقدسا ، بل منتج بشري ، يصنعه الناس ويعيدون صياغته وتعديله حسب حاجتهم.
بسبب هذا التصالب خسرنا زمنا طويلا ، كان يمكن اختصاره لو تواضعنا وقبلنا بدور التلميذ في مدرسة الحضارة الغربية. وللسبب نفسه فوت الغرب فرصة عظيمة للنجاة من أمراض الحضارة المادية ، حين حول الفلسفة والعلم الى صنم وحيد.
نعلم اننا أفرطنا في الاعتداد بالذات ، ودفعنا ثمنا غاليا هو الضعف والتأخر. ونعلم ان ديننا خسر فرصته في التحول من ايديولوجيا لأمة واحدة ، الى مرشد للبشرية كلها. لكن ما الذي نحفل به أكثر: نجاتنا ام خسارة الغرب؟.
الشرق الاوسط . الأربعاء - 11 رجب 1439 هـ - 28 مارس 2018 مـ رقم العدد [  14365]
http://aawsat.com/node/1218906

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...