28/10/2020

الدرس الباريسي

 


يبدو ان حادثة النحر الباريسية الشهيرة ، تتحول بالتدريج الى قضية ساخنة في العديد من مجتمعات المسلمين ، في شرق العالم وغربه. وللتذكير فاننا نتحدث عن قيام مسلم من اصل شيشاني بنحر معلم في ضاحية  كونفلان سان-اونورين ، شمال غرب العاصمة الفرنسية ، بعدما عرض على طلابه رسوما كاريكاتورية للنبي محمد (ص) اثناء درس قيل انه تناول حرية التعبير. وجرت الحادثة في منتصف سبتمبر ، وكانت مناسبتها انعقاد المحكمة الخاصة بمهاجمي مجلة "شارلي ابدو" التي كانت قد نشرت الرسوم المذكورة في يناير 2015.


ويبدو ان انباء ذلك الدرس قد تفاعلت بين المهاجرين المسلمين ، الذين اعتبروه اهانة لهم ولدينهم. ولا شك ان بعضهم قد تحدث عن ضرورة الانتقام و "تلقين المعلم درسا" يكون عبرة لغيره. ولعل هذا الشاب الشيشاني البالغ 18 عاما ، رأى نفسه مدعوا للقيام بما رآه دور البطل دفاعا عن سيد الخلق.

نعرف ان الرئيس ماكرون ندد بما اسماه "الارهاب الاسلامي" وان الحكومة الفرنسية اتخذت موقفا متشددا ، فاوقفت عدة اشخاص يشتبه في علاقتهم بالقاتل ، كما اغلقت مسجدا وجمعيات تقول انها تتبنى مواقف متطرفة. وقد نظمت جنازة رسمية للمعلم القتيل ، وتم تكريمه ، والتأكيد على التزام الحكومة بحق الناس جميعا في حرية التعبير ، بما فيها الحق في نشر تلك الرسوم ، التي اعتبرها المسلمون مثيرة للكراهية.

من المفهوم ان حادثا مثل هذا سيؤدي لانقسام في المواقف ، بين المسلمين من جهة والاوروبيين من جهة اخرى. سوف يتمسك الطرف الاول بحجة ان المس بالمقدسات ، لا تحميه القوانين الضامنة لحرية التعبير ، لأنه يثير البغضاء ويضر بالسلام الاجتماعي. ولعلهم يقارنونه بالقوانين التي تحرم معادة السامية او تبجيل النازية مثلا  ، والتي وضعت على نفس الارضية.

في المقابل سوف يتمسك الاوروبيون بان ابداء الرأي في المقدسات الدينية جزء من حرية التعبير ، وان اعتبارها مثيرة للبغضاء فرع عن شعور ارادي ، يتوجب على المسلمين التحرر منه ، لانهم لا يستطيعون العيش في كانتونات ثقافية مغلقة ، بينما يتسارع الانفتاح في العالم وتتواصل الثقافات والهويات. كما سيقولون بطبيعة الحال ان معاقبة المجرم يجب ان تمر  من خلال الاطر القانونية ، اي الشكوى للقضاء او البرلمان ، وليس بحمل السكين ونحر المذنب وسط الشارع. ولو قبل المجتمع بهذا العلاج ، لما أمن احد على حياته او املاكه.

انني اتفهم كلا الرايين ، كلا من زاوية والى حد. لكني اود اضافة نقطتين آخريين ، تتعلق أولاهما باندماج المسلمين الذين استوطنوا اوربا بشكل نهائي. فهل يريدون البقاء على حاشية المجتمع الاوربي ام يسعون لكي يكونوا جزء مؤثرا فيه؟. ان هذا يرتبط جوهريا بتقبلهم لقيم هذا المجتمع واعرافه ، وبعضها عسير ، لكنه ضروري ان ارادوا الاندماج.

اما النقطة الثانية فتتعلق بموقف المسلمين ككل ، من اشكال النقد المختلفة ، التي تاتي من وسطهم او من خارجهم. الى اي حد نتقبل النقد والسخرية والنقض ، مع تاكيدنا على حقنا في الرد والمعارضة؟. وكيف نفكر في اشكالات العلاقة مع الذين يعارضوننا في الاسس والجوهر وليس فقط في الرأي ، كحال الذين يسخرون منا دون ان يقاتلونا او يخرجونا من ديارنا؟.

هل نضع المقاتل بالدبابة ، مع الساخر  بالريشة او القلم على قدم المساواة؟.

اظن اننا كمسلمين بحاجة ماسة للنقاش في هذا ، كما ان مسلمي اوربا احوج منا الى التفكير في النقطة الاولى.   

الشرق الأوسط الأربعاء - 12 شهر ربيع الأول 1442 هـ - 28 أكتوبر 2020 مـ رقم العدد [15310]

https://aawsat.com/node/2590131

مقالات ذات صلة

حرب الرموز

اليوم التالي لزوال الغرب

الاسئلة الباريسية

داريوش الذي مضى

الشيخ القرني في باريس

داريوش الذي مضى

الشيخ القرني في باريس

ابعد من تماثيل بوذا

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...