‏إظهار الرسائل ذات التسميات الحداثة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الحداثة. إظهار كافة الرسائل

16/01/2013

(كتاب) الحداثة كحاجة دينية

هذه مرافعة على شكل حوار بين عقلين حول واحد من اهم الاسئلة في واكثرها اثارة للحرج في ثقافتنا الدينية المعاصرة ...
 سؤال: كيف ينهض المسلمون من سباتهم المزمن ، وكيف يعودون الى قطار الحضارة بعدما نزلوا او انزلوا منه.
هي سلسلة من التساؤلات يتلو كلا منها ما يشبه الجواب ، لكنه جواب مؤقت ، اذ لا يلبث ان يثير سؤالا اخر يتلوه جواب اولي وهكذا. فالغرض اذن ليس تقديم اجوبة نهائية. ... هذه المرافعة تحاول اثارة ذهن القاريء ومجادلته ودفعه للتفكير في السؤال.
 في ظني ان تفكيك وتفصيح سؤال النهضة هو بذاته الجواب عليه .

للقراءة براحة اكثر اضغط هنا

04/12/2012

طريق الشوك


تحديث الخطاب الديني لا يعني تحديث شكله او وسيلة عرضه، اي اعادة انتاج الخطاب القديم في قوالب جديدة. هذا ليس تجديدا ، بل مهمة "علاقات عامة". هذا عمل يطيل حياة الثقافة العتيقة، فيجعلها قابلة للعرض سنوات اضافية ،  لكن من دون ان تكون مفيدة للناس او مؤثرة في حياتهم ، تماما مثل المخطوطات والاواني الاثرية التي يرممها اصحاب المتاحف بين حين واخر.
علي شريعتي(1933-1977)
تحديث الخطاب الديني يستدعي مراجعة عميقة ، تتضمن بالتاكيد استبعاد تلك المفاهيم التي لم تعد معقولة او متناسبة مع تطور الفكر الانساني وتجربة الانسان المعاصر.
اشكالية التخلف تكمن في اضفاء القداسة على الموروث، ورفعه فوق الجديد والمبتكر. ثم اعتبار الماضي مرجعا للحاضر ومعيارا للحكم بسلامته او عواره. هذا يقود بطبيعة الحال الى اغتراب عن الحاضر والفة للماضي ، وانكار للبشر والاشياء التي يعايشها الانسان ، ومبالغة في تقدير قيمة ما مات وانتهى زمنه.
تجديد الفكر الديني لا يتحقق بتغيير وسائل توصيله وعرضه. يستهدف التجديد – اولا وقبل كل شيء- الانعتاق من قيود الحقب التاريخية التي توقف عندها الفكر الاسلامي ، وتقديم خطاب عصري يجيب على الاسئلة والتحديات التي تواجه المجتمع المسلم في عصره الحاضر. خطاب منبعث من حاجات العصر متفاعل مع هموم انسانه.
تجاوز قيود التراث القديم مهمة عسيرة دون شك. لكنها ليست الوحيدة التي تجابه الاصلاحيين. ثمة معضلات اخرى تزيد في عسر الطريق ، من بينها قهر العامة وقيود العرف والتقاليد السائدة. لو كانت الامر سهلا، لاخذ به جميع الناس. اختيار هذا الطريق العسير ، والصبر على اذاه هو الذي يميز الفاتحين عن افواج الناس.
 لا يحتفظ التاريخ باسماء الملايين الذين شاركوا في التحولات او استفادوا منها. بل يذكر القلة التي ابدعت تلك التحولات او تقدمت الناس اليها. عاصر ابن خلدون مئات من اهل العلم ، لكننا نذكر ابن خلدون دون غيره، لانه تصدى لحقل من حقول العلم متمايز عما انشغل به انداده. وعاصر اينشتاين مئات من الفيزيائيين والفلاسفة. ترى كم اسما من اسماء اولئك الناس يذكر اليوم حين نتحدث عن علم الفيزياء والفلسفة؟. ارسطو وابن خلدون وابن رشد وماكس فيبر واينشتاين وعلي شريعتي وامثالهم، اصبحوا علامات مضيئة في تاريخ البشرية، لانهم سلكوا درب الرواد ، فخرجوا على السائد والمعتاد ، وتحملوا في درب الريادة اشكالا من العسر والعنت من جانب حراس القبور وحراس المتاحف.
التغيير والتجديد هو طريق الغرباء ، الذي يسلكه قلة من الناس يحتملون الدروب الصعبة. اكثر الناس تجدهم في الطرق المألوفة المأهولة المعبدة التي لا غريب فيها ولا مختلف. رواد الطريق الاول هم صناع مستقبل العالم ، اما الطريق الثاني فرواده مجرد مستهلكين لما يجدونه في المخازن من بضاعة السابقين.

الاقتصادية 4 ديسمبر 2012

مقالات ذات علاقة





07/07/2011

"شراكة التراب" كتطبيق لمبدأ العدالة الاجتماعية

؛؛ جوهر مبدأ المواطنة هو "الشراكة في التراب". جميع اعضاء المجتمع ، سواء ولدوا فيه او انتموا اليه لاحقا ، شركاء في ملكية الارض التي يقوم عليها هذا المجتمع وتخضع لنظامه؛؛


في كل مجتمعات العالم ثمة صراع مستميت للتخلص من عصر التقاليد والانتقال الى الحداثة. هناك بالطبع من يرمي الحداثة باسوأ الاوصاف ويحذر منها ، لكن جميع الناس في جميع بلدان العالم يتطلعون الى منظومة القيم التي تبشر بها الحداثة ، مهما كان رأيهم في الثمن الذي سيدفع مقابلها . ابرز وعود الحداثة هي تحويل العدالة من تطلع مثالي الى منظومة قانونية ومؤسسية ، وصولا الى ارساء نظام قانوني متكامل يكفل المساواة للجميع في الحقوق والواجبات ، وينهي جميع اشكال التمييز ، على المستوى القانوني وعلى مستوى السياسات.


تبدو فكرة التكافؤ والمساواة جميلة وجذابة ، لكنها على اي حال ليست سهلة المنال. اعتادت مجتمعاتنا على فكرة التمييز والتمايز قرونا طويلة . وحين نتحدث اليوم عن تغيير هذه العادة ، فلن يكون التحول بسهولة الكلام عنه.  فهناك من يؤمن ايمانا عميقا بان السلطة والموارد العامة هي امتياز تختص به الفئة المميزة ، سواء كانت عرقا او قبيلة او دينا او مذهبا سياسيا او غير ذلك. ولا يجد هؤلاء حرجا في الدعوة الى نظام اجتماعي ذي هيكلية مزدوجة يسمح لمختلف الناس ان يعيشوا في ظله ، لكن من دون التمتع بالمساواة في الحقوق والامتيازات.

 الانتقال الى عصر الحداثة يعني – على المستوى السياسي – تبني القيم الكبرى للنظام السياسي الحديث ، ومن بينها خصوصا مبدأ المواطنة  كارضية ومعيار لتنظيم العلاقة بين ابناء البلد الواحد . جوهر مبدأ المواطنة هو "الشراكة في التراب". طبقا لهذا المفهوم فان جميع اعضاء المجتمع ، سواء ولدوا فيه او انتموا اليه لاحقا ، شركاء في ملكية الارض التي يقوم عليها هذا المجتمع وتخضع لنظامه. ويطابق هذا المفهوم الى حد كبير فكرة "الخراج" المعروفة في الفقه الاسلامي القديم ، والتي تؤكد على ملكية عامة المسلمين للموارد الطبيعية ملكا مشاعا.

بناء على هذا المفهوم فان الناس يولدون متساوين متكافئين ويبقون كذلك طيلة حياتهم . لا لأن احدا أقر لهم بهذه الصفة ، بل لكونهم شركاء في ملكية النظام الاجتماعي بمجمله ، لا منا من احد ولا منحة ، بل لطفا من الخالق ونعمة مهداة لعباده. ومن هنا فان اي عضو في هذا النظام لا يستطيع الغاء عضوية الاخر ، لأنها حق مترتب على ملكية مشروعة. كما لا يستطيع حرمانه من الحقوق والامتيازات المترتبة على شراكته في الملك ، مثل المشاركة في المناقشات واتخاذ القرارات المتعلقة بهذا الملك وكيفية ادارته .. الخ .

فيما يتعلق بالتنظيم القانوني ، فان ابرز تجليات العدالة فيه هي عمومية القانون ، اي تطبيقه على الجميع بغض النظر عن اشخاصهم او مكانتهم . وعكسه هو اعفاء البعض من الالتزمات التي يخضع لها بقية الناس ، او منحهم ميزات اضافية تفوق ما يستحقونه في الحالات الاعتيادية ، على وجه يؤدي الى حرمان الاخرين او انتقاص حقوقهم. ومن تجليات العدالة وعمومية القانون نشير خصوصا الى تساوي الفرص في الحصول على المناصب العامة والموارد المالية المتاحة لعامة الناس، وحرية الوصول الى مصادر المعلومات التي تؤثر سلبا او ايجابا في تحسين فرص المنافسة العادلة .

وكانت المدرسة الليبرالية تدعو في الاصل الى دور حيادي تماما للدولة ، بمعنى ان لا تمنع احدا من شيء ولا تعطي احدا شيئا . لكنها في المقابل تحرم الدولة من القيام باي عمل ذي طبيعة تجارية او تحقيق الارباح . بل ان احد كبار المنظرين شبه دور الدولة بالحارس الليلي ، الذي مهمته الوحيدة هو ردع العدوان وتامين الامن للجميع . لكن الرؤية الاكثر انتشارا في عالم اليوم تميل الى خط وسط بين هذه النظرية وبين نظرية دولة المنفعة العامة التي تلتزم بضمان حد متوسط من المعيشة الكريمة لجميع المواطنين . ويشمل هذا تأمين التعليم والصحة الاولية والاستثمار في الخدمات التي لا يمكن لعامة الناس ان يقوموا بها ، مثل الكهرباء والمواصلات الخ.
والمبرر الرئيس لهذه الرؤية هو ان شريحة كبيرة من المجتمع لن تستطيع الاستفادة من النظام القانوني والاداري بسبب الفقر الشديد الذي يحول دون حصول ابنائها على قسط من التعليم يؤهلهم للمنافسة ، او بسبب بعد مناطق سكناهم عن المناطق الجاذبة للاستثمار الخاص ، الامر الذي يجعلهم – بشكل طبيعي – خارج دائرة التنافس العادل على الموارد المتاحة للجميع. بعبارة اخرى فان هذه النظرية تدعو الدولة الى : أ) توفير البنية القانونية التي تضمن للجميع فرصا متساوية . ب) توفير المنظومات الادارية التي تسهل الاستفادة من تلك الفرص . ج) مساعدة المواطنين ، ولا سيما الشرائح الضعيفة بينهم ، على تخطي العوائق التي تمنعهم من استثمار الموارد المتاحة بصورة متساوية مع الآخرين.

وقد اطلق على العنصر الاخير مسمى "التمييز الايجابي" ، فهو ينطوي على محاباة لشريحة محددة ، لكن تلك المحاباة مقبولة لانها تستهدف بصورة محددة تمكين ضعفاء المجتمع من تجاوز اسباب ضعفهم وبلوغ مستوى من الكفاءة الذاتية يؤهلهم للاستفادة المتساوية من موارد البلاد المتاحة للجميع.

بصورة ملخصة يمكن القول ان فكرة العدالة الاجتماعية تتمحور حول توفير الفرص المتساوية للجميع ، ثم ضمان المنافسة العادلة بينهم على الارتقاء . وبالعكس من ذلك فان الظلم يكمن في حرمان الناس من الفرص او التمييز بينهم او محاباة البعض على حساب البعض الاخر او اغفال الشرائح العاجزة وتركها تحت مطحنة المنافسة بين الاقوياء. 


مقالات ذات علاقة 


من دولة الغلبة الى مجتمع المواطنة: مقاربة دينية لمبدأ العقد الاجتماعي


14/04/2011

الحداثة تجديد الحياة


د. توفيق السيف: الحداثة مرتبطة باستمرار الحياة وليست حجرا
الاحساء 10 مارس 2009
منال الحليفة - التوافق
لم تمنع العاصفة الرملية وظروف المناخ السيئة نخبة المثقفين من حضور واثراء محاضرة الدكتور توفيق السيف (الحداثة وتجديد الحياة) ، مما اثرى النادي بوجودهم كانت هذه الكلمات للدكتور يوسف الجبر رئيس النادي الادبي بالاحساء  قالها شاكرا للمحاضر في ختام محاضرته التي اقيمت في النادي يوم الثلاثاء 10 مارس 2009 الموافق 13/ 3 /1430هـ 
ولم يكن تواجد نخبة المثقفين في المنطقة بالمستغرب في محاضرة للدكتور توفيق السيف اذ تميز بالاسلوب السلسل المشوق المترابط العميق المبسط في ذات الوقت او كما وصفه مقدم المحاضرة الاستاذ محمد الحرز بقوله (السهل الممتنع الذي يذهب الى فكرته مثلما يذهب الطفل الى لعبته) و( يعطي الكثير حول جدية الحياة )
ابتدأ الدكتور توفيق السيف الحاصل على دكتوراه في العلوم السياسية والعضو في مركز الدراسات العربية محاضرة الحداثة بمقدمة بين فيها ان ( التفكير في الاشياء هو الذي يأتي بالعلم ) مستحثا عقول الحضور ذكورا او اناثا في تقبل ما يريد التحدث به مضيفا ( ان العلم هو نتاج عصره وليس نتاج الاشخاص ) ليدخل في تعريف الحداثة والتي اختصرها في جملة ( تجديد الحياة) او كلمة ( المعاصرة ) والتي وجدها السيف قريبة من الاجتهاد الذي يفتح ابواب تعديل الاحكام وفقا للعصر الذي نعيش فيه.
واعتبر السيف أن الزمن عامل مهم في الحداثة التي (تعني بالحاضر والاتي وتتخذ  الماضي مصدرا للقيمة )حيث الزمن مهم في تحديث وتجديد وتطوير فكرة ما وفق احتياجات معينة
ووجد السيف ان اصل الجدل حول الحداثة هي قناعة توصل اليها مفكرون اعتقدوا ان الحداثة تهدف الى تغير التقاليد باتجاه جديد اكثر انسجام متوافق مع قدرات والحاجة الراهنة وهذا خلاف اصل الحداثة التي (تعتبر تجديد الحياة على ايدي الاحياء وفق مصالحهم) وضرب السيف امثلة على حداثة رفضت ثم تبين اهميتها او فاعليتها مثل تعليم البنت سابقا او العمل في ارامكو او غيرها
وشبه السيف رفض فكرة الحداثة بمن يتحدث عن لوحة بلون واحد فقط التي  تمثل  طبيعة الحجر لا الحياة فالحداثة مرتبطة بالحياة مع استمرارها.
عن شبكة التوافق الاخبارية
http://www.altwafoq.net/index.php?/article/172425

ابرز عناصر المحاضرة

ايهما افضل سيارة حديثة ام سيارة قديمة
ايهما افضل طب حديث ام طب قديم ، فكرة قديمة ام فكرة حديثة ، اسلوب عيش حديث ام قديم ؟ .
 لو سأل اي منا نفسه هذا السؤال لاجاب بالتاكيد : الحديث افضل .. لماذا يكون الطب الحديث افضل من القديم؟
- لان الطبيب الحديث يجمع معارف القدماء ويضيف اليها ما جاء بعدها .
الحداثة ببساطة شديدة هي المعاصرة ، الزمن يصبح عنصرا في تشكيل المعرفة والتقييم.
-         هل تبدو هذه قريبة الى فكرة الاجتهاد في الدين؟ الاجتهاد الذي يعيد تشكيل المسالة على ضوء عامل الزمان والمكان والجماعة؟.
ثمة جدل واسع حول الحداثة ، وفي معظم هذا الجدل ثمة خلط غير مقبول بين تعريفها الاولي وبين تشريح مراحلها التاريخية وتطبيقاتها . ولهذا فمن المهم العودة الى اصل المسالة بدل الانشغال في تداعياتها .
اصل الحداثة هو قناعة توصل اليها مفكرون بالحاجة الى تغيير نمط الحياة والثقافة والتقاليد السائدة نحو نمط جديد اكثر انسجاما مع قدرات الجمهور وحاجاته وظروف حياته الراهنة .
التغيير ليس مهمة يسيرة ، لان الناس بطبعهم اميل الى قبول ما اعتادوا عليه. كثير من الناس ترتبط مصالحهم بالوضع القائم ، ولذا فهم يعارضون اي تغيير ربما يضعهم امام مجهول ، او يضعف من قدرتهم على ضمان تلك المصالح.
الحداثة – ببساطة – هي تجديد الحياة على ايدي الاحياء ووفقا لمراداتهم ومصالحهم . ليس شريحة معينة ولا طبقة خاصة ، بل جميع الاحياء ، جميع الناس .
وفقا للقاعدة المعروفة ، فانه اذا انتفع اكثر الناس من التغيير فان الجميع سيحصل على فرصة لمنافع جديدة ، حتى اولئك الذين كانوا يخشون من التغيير .
امثلة من واقع بلادنا ..
في اوائل القرن عارض بعض وجهاء البلاد وعلمائها تحديث التعليم خوفا من التغريب ، فما هو رأيهم الان ؟..
هل يرون وهل ترون جميعا في ما حدث منفعة ام تتمنون لو بقي الحال على ماكان في بداية القرن.
في ذلك الوقت عارض بعضهم الاذاعة والتلفزيون واخيرا البث الفضائي .. لكنهم وجدوا بعد ذلك انه يوفر  فرصا جديدة للتواصل مع جمهورهم .
على مستوى الدولة عارضوا تخصيص الخدمات العامة ، لكننا ندرك اليوم ان تخصيص الهاتف قد انهى مشكلة عويصة . عارضوا السفر الى البلدان الاجنبية ، لكننا نعرف اليوم ان هذا كان سبيلا الى تحسين حياة الناس وثقافتهم .
ما المشكلة اذن ، ولماذا اصبحت الحداثة محل جدل في مجتمعنا ؟
- هذه بعض الاسباب المحتملة :
1-    كونها جاءت في سياق الانفتاح الحضاري على الغرب
2-    لان الحراك الثقافي في مجتمعنا قائم على التلقي لا النقد
3-    لاننا مجتمع قلق ، ينظر للامور بقلبه وعقله معا ، ولهذا فهو يخلط – بصورة لا ارادية بين المعرفة والقيمة .
معالجة هذه الاسباب هي جزء من الانتقال الى الحداثة ولهذا سوف نركز عليها .
العلاقة الملتبسة مع الغرب:
هل المشكلة في الغرب ام في غرابة الحداثة.
هناك كلام كثير عن الاطار المعرفي الذي تطورت فيه فكرة الحداثة . لكني ساقترح عليكم تحليلا مختلفا للموضوع . المشكلة في ظني ليست في كون الفكرة غربية ، بل في كونها غريبة . كل الذين جربوا الحداثة مقتنعون اليوم بانها خيار افضل . ولنتذكر نفس الامثلة السابقة ونظرتنا اليوم اليها .
نعم .. فكرة الحداثة جاءت من الغرب .. لكن لماذا نناقشها من الخارج ، فنقول اننا نرفضها او نقبلها ؟.. بدل الرفض المبدئي ، دعنا نفككها ، نحذف المزعج منها ونعيد انتاج المريح والمقبول ضمن نسيجنا الثقافي الخاص. مباديء الحداثة هي القطار الذي حمل الغربيين الى الح
ضارة المعاصرة .. فهل نستطيع تكرار التجربة؟
تكرار التجربة مشروط بتبيئة الحداثة ،اي جعلها منتجا محليا متناغما مع هويتنا وحاجاتنا .
ترى هل نستطيع تبيئة الحداثة ؟
- نعم ولكننا نحتاج الى بعض التمهيدات واولها تعديل السياق الثقافي من التلقي الى النقد
الحراك الثقافي في مجتمعنا قائم على التلقي لا النقد.
ما هو الفرق بين الاستماع الى محاضرة يلقيها عالم وبين مناقشة العالم ؟
- لقد اكتشفتم جميعا هذا الفارق ، على الاقل من خلال المقارنة بين المحاضرات التي تلقى في التلفزيون وبين الحوارات التي تجريها ذات القنوات ..
الفارق بين الاثنين هو في الموقف النقدي للمحاور والمناقش .. في المناقشة يستمع الانسان الى ما يقوله المتحدث بينما يبحث عقله عن نواقص الحديث ، وحين يرد بسؤال اخر فانه سينبه المتحدث الى ذلك النقص ، ومن هنا فسوف يشترك الطرفان في التفكير وفي صناعة الفكرة . الجدل يخلق افكارا جديدة ويسمح بدخول الطرفين الى عمق الفكرة بدل الوقوف عند اطرافها .
هناك بشكل عام نوعان من الثقافة : ثقافة الاجوبة وثقافة الاسئلة . ثقافة الاجوبة هي نهايات للعلم ويميل الناس اليها لانهم يرغبون في جواب يريحهم ، اما ثقافة الاسئلة فانها طرق العلم ولا يرغب فيها اكثر الناس لانها متعبة ، فهم يعملون فيها اذهانهم ولا يصلون الى جواب اخير. بطبيعة الحال كلا النوعين ضروري ، لكن الاول ينتهي الى ما يسمى بالتقنيات ومكانه دليل استعمال الاجهزة . اما الثاني فهو العلم الحقيقي الذي يقود الانسان خطوة خطوة الى كشف الغيب.
العقل النقدي هو ابرز اعمدة الحداثة. التلقي والتلقين هو ابرز اعمدة التقاليد. العقل النقدي يعطيك سلاحا لفهم الاشياء واستيعابها، قبل الحكم عليها، اما عقل التلقين فهو يجردك من سلاحك، اي من عقلك. ورد في الاثر " اعقلوا الخبر إذا سمعتموه عقل دراية لا عقل رواية فإن رواة العلم كثير و رعاته قليل".
لماذا شاعت ثقافة التلقي والتلقين بدل ثقافة الجدل والسؤال؟
السبب في رايي هو القلق على الهوية والقلق على الوحدة . والعلة الكبرى لهذا القلق هو الخلط بين المعرفة والقيمة.
الخلط بين المعرفة والقيمة
مجتمعنا قلق ، ينظر للامور بقلبه وعقله معا ، ولهذا فهو يخلط – بصورة لا ارادية - بين المعرفة والقيمة . بعبارة اخرى : حينما نسمع عن شيء مثل الحداثة ، فان سؤالنا الاول هو : هل هي جيدة ام سيئة ؟ هل تتفق مع قيمنا ام تعارضها . وهذا سؤال سابق لوقته وغير سليم ..
السؤال الاول الصحيح هو : ماهو هذا الشيء الجديد ، ما هي مكوناته ، وهل فيه شيء يفيدنا ام لا ، وما هي خلاصة تجارب الاخرين فيه . وهل نستطيع تعديله كي يتوافق مع حاجاتنا .. 
هذه هي الاسئلة الصحيحة التي ستقود بالطبع الى فهم لماذا يكون الشيء موافقا او مخالفا لقيمنا . ونشير في هذا الصدد الى نقطتين:
الاولى :  مناقشة الجديد تحتاج الى تسامح المجتمع ازاء الافكار المختلفة والمتنوعة ، اي قبوله بالجدل في كل المسائل . نحن نكره الجدل لاننا نظن انه يؤدي الى الخلاف والنزاع ، وهذا قد يكون صحيحا ، لكننا – بسبب هذا القلق – ضحينا بالفائدة الاهم للجدل ، اي تنشيط العقول وابتكار الافكار الجديدة . ولهذا نحن نميل – بصورة لا اردية ربما – الى ايكال التفكير الى اشخاص محددين نعتبرهم نخبة القوم ، ونطالبهم بان يقولوا لنا ما ينبغي ان نأخذ به.
من ابرز اركان الحداثة هو مبدأ الفردانية ، الذي يعني ان كل فرد يجب ان يشارك في التفكير وان كل فرد يجب ان يطور معرفته من خلال المثاقفة والتامل والتجربة. الحركة الثقافية ضمن اطار الحداثة ليست نشاطا نخبويا يقوم به افراد معينون بل تجربة اجتماعية يشترك فيها الجميع.
في تجربة المجتمعات الغربية ، كانت الكنيسة تعتقد ان العلم كله موجود في مكتباتها . وبالمناسبة كانت مكتبات الكنائس الكبرى هي المكان الوحيد الذي حفظ تراث الانسان ، لكنه ايضا حدد طريقة استعماله. كان الاعتقاد السائد ان كل علم يخالف ما فهمه الرهبان من الكتاب المقدس فهو علم باطل وممنوع. فى عام 1600م تم احراق جيرانو برونو ، الذي طور فيزياء كوبرنيكوس, حيا ،  في احدى ساحات روما  ، بامر من محكمة كنسية ، لانه قال بعلم يخالف ما تاخذ به الكنيسة . بعد ذلك بثلاثة عقود من الزمن اعتمد  جاليليو على نفس الفكرة ليطور التلسكوب ، ويطرح نظرية حول كون الشمس مركز الكون . حكم على جاليليو  بالسجن المؤبد في 1633 لانه قال بما يخالف نظرية بطليموس التي تتبناها الكنيسة. لكن الكنيسة برأته في 1979. كانت فيزياء جاليليو الاساس الذي بنيت عليه فيزياء نيوتن ومن جاء بعده. ولولا نظرياته الابداعية في علم الفلك والفيزياء لما كان لدينا اليوم طيران او اتصالات فضائية.
الثانية : كي تحكم على الاشياء تحتاج الى معرفتها بدقة . وهذا يعني ان تؤخر الحكم عليها الى ما بعد المعرفة . القلق على تاثير الجديد على هويتنا وقيمنا هو الذي يجعلنا زاهدين في الاشياء الجديدة. ولهذا فاننا بحاجة الى التاكيد على الخط الفاصل بين المعرفة والقيمة كي لا نقبل بالاشياء لمجرد جمالها ولا نرفضها لمجرد غرابتها .
نقاط تكميلية :
الحداثة تقدم الجديد على القديم لكنها لا تلغي القديم بل تستثمره كمرجع .
الحداثة تقدم العلم على المعتقد والعقل على القلب ، لكنها لا تلغي المعتقد ولا القلب.
الحداثة تعتبر الناس جميعا سواء في التفكير وصناعة القيم لكنها لا تلغي دور النخبة .
الحداثة تؤمن ايمانا مطلقا بالغيب وترفض الوثنية .. ما وراء الحجاب هو فرصة تستحق البحث والتحدي.
 الحداثة تفكر في تسخير الطبيعة لا الوقوف بخوف امام صعوباتها .
كيف نفكر في الحداثة وكيف نتعامل معها :
ما الفرق بين شراء كتاب وقراءة كتاب ؟ ما الفرق بين شراء وردة او زراعة وردة ؟ بين شراء سيارة وتصميم سيارة ؟
انتم ترون ان اشخاصا كثيرين يشترون كتبا ، لكن هل يقرأونها جميعا ؟ . عشرات الناس يشترون الورود لكن كم عدد الذين يزرعونها في منازلهم ؟.
تشير هذه الاسئلة الى الفارق بين نوعين من السلوك الانساني : سلوك يدور حول امتلاك شيء وسلوك يدور حول تجربة الشيء . الذي يشترى كتابا يملك الورق ، اما الذي يقرأ فهو يخوض تجربة ثقافية ، يقوم خلالها بتعديل افكاره ، باضافة اشياء او حذف اشياء او تعديل اشياء في ذهنه . كذلك الذي يزرع الوردة ، فانه يخوض تجربة ، يقيم علاقة مع التراب والشجر والماء والالوان والزمن . يتحقق الامتلاك في لحظات ، اما التجربة فهي تحتاج الى وقت لانها تنطوي على تغيير في سلوك الانسان وفي اهتماماته وفي اولوياته ، في الاشياء التي يحبها او يكرهها. ولهذا السبب فان علاقتنا مع الغرب ملتبسة ، نحن نحب اقتناء وتملك منتجات الغرب ، لكنا لا نريد خوض تجربة العلاقة مع هذه المنتجات . الافكار والفلسفة والقوانين لا تختلف كثيرا عن السيارة والساعة والكمبيوتر .
معظم الناس يحرصون على اقتناء وامتلاك هذه الاشياء لكن قليلا منهم يرغبون في تفكيكها واعادة تركيبها او تعديلها ، اي الدخول في علاقة نقدية غرضها الفهم والاستيعاب ثم الحكم.  العلاقة النقدية هي تجربة تنطوي على محاولة للمعرفة الكاملة بالموضوع ، اي تفكيكه ثم اعادة تركيبه . وبالتالي فهم المنطق الذي يعمل وفقا له .
بدأت علاقتنا مع الغرب منذ زمن بعيد ، ولا زالت مثلما بدأت . نحن ننظر الى الصناديق التي يصدرونها الينا ، سواء كانت صناديق حديدية تحتوي اشياء اسمها سيارات ، او صناديق ورقية تحتوي اشياء اسمها افكار . ننظر اليها من الخارج ، نحاول امتلاكها ، نقبلها او نرفضها كما هي ، لكننا لا نفتحها ، لا نفككها ، لا ننظر الى ما في داخلها .
الذي يفكر في الامتلاك يريد الشيء المملوك جميلا وجذابا يتناسب مع ذوقه . ولهذا فهو يرفض كل ما لا يتناغم مع ذوقه او ميوله. والذي يفكر في التجربة قد يخوض الصعاب ويتحمل الالم حتى نهايتها. انظروا مثلا الى مفكر ينفق سنوات طويلة من عمره كي ينتج كتابا يستحق القراءة او يصمم جهازا يفيد الناس او يتوصل الى نظرية او حل لمشكلة ، مع انه شخصيا لا يستفيد منها بشيء. هذا الرجل يحركه الايمان بالتجربة لا التملك.
تذكروا راي مالك بن نبي عن الفارق بين المسلمين واليابانيين في تعاملهم مع حضارة الغرب ، اولئك ذهبوا كزبائن وهؤلاء ذهبوا كمتعلمين وتعرفون النتيجة التي توصل اليها كل من الطرفين.
خلاصة الكلام ان الحداثة ، مثل كل الافكار الجديدة الاخرى هي منتجات بشرية وليست صناديق مقدسة ، يمكن لنا ان نفتحها ونفككها ثم نعدل فيها ما نشاء ثم نعيد تركيبها على نحو ينسجم مع مراداتنا وظروفنا وتصوراتنا عن انفسنا وعالمنا. الحداثة ليست نصا منزلا ولا قطعة من الجوهر نخشى ان تنكسر اذا فككناها . نحن بحاجة الى موقف تجريبي ونقدي من الحداثة وغيرها ، كي نكتشف ما الذي يفيد وما الذي يضر فيها .

مقالات  ذات علاقة
 الحداثة كحاجة دينية (النص الكامل للكتاب)
تعقيبات على الكتاب

30/12/2010

الهجوم على الليبرالية ليس سيئا

الصحافة السعودية مشغولة هذا الاسبوع بتداعيات هجوم المفكر السعودي عبد الله الغذامي على الليبرالية والليبراليين. احاديث الغذامي هذه جاءت في سياق محاضرة عامة ثم مقابلة تلفزيونية. يرجع الاهتمام الاعلامي بهذا الموضوع الى حقيقة ان المسألة ليس مجرد جدل في الثقافة. تشهد المملكة هذه الايام صراعا شديدا بين جبهتين: تجمع الاولى شرائح وافرادا ينتمون الى التيار الديني التقليدي ، وتجمع الثانية نظراء لهم يدعون الى الاصلاح والانفتاح ، وتضم في اطارها تيارات دينية اصلاحية وليبراليين وبيروقراطيين ونشطاء سياسيين. يتهم الطرف الاول منافسه بالليبرالية وتمييع الدين والعلمانية ، بينما يتهم هؤلاء اولئك بالتعصب والانغلاق وتعطيل الاصلاح السياسي والاجتماعي.
حديث الغذامي الشديد ضد الليبرالية وانصارها تحول الى جزء من هذا الصراع الطويل والمتشعب. الغذامي كان مصنفا في الاصل ضمن التيار الحداثي وقد حاربه التقليديون في سنوات سابقة وصدرت فتاوى بتكفيره واستحلال دمه. ولهذا اعتبر هجومه الحالي على الليبراليين مكسبا سياسيا هاما احتفى به التقليديون ايما احتفاء . بينما – في المقابل – واجهه انصار الغذامي السابقون ودعاة الاصلاح بشكل عام ، بالاستنكار والرفض.

يقول الغذامي ان الليبرالية السعودية وهم ، وانه لا يوجد في هذه البلاد اتجاه ليبرالي حقيقي ولا ليبراليون مخلصون لمبادئهم. واظن ان الفكرة قد راقت لبعض الناس ، اما لانهم يضعون الليبرالية الاوربية كمعيار للمقارنة ، او لانهم ينظرون اليها كايديولوجيا منجزة ، او لانهم – ببساطة – يميلون الى جلد الذات بدلا من فهمها وتفسيرها.
اغفل حديث الغذامي محطات منهجية هامة ، مثل التمييز بين الاطار الاجتماعي/السياسي للافكار وبين حقيقتها الفلسفية او النموذجية. وقفز على شروط المرحلة الاجتماعية/الثقافية التي تحكم الموضوع محل النقاش. وفي وقت سابق جادله احدهم في هذا فرد بانه ينظرالى المسالة كناقد ومفكر يهتم بحقيقة الاشياء لا بظرفها.
خلافا لما يبدو من النظرة الاولى ، اظن ان هجوم الغذامي سيكون له مردود ايجابي. كثير من الناشطين في المجال السياسي والثقافي ، وبعضهم ينتمي الى تيارات دينية ، ينظرون الى الليبرالية كتفسير مناسب او اطار لطروحات بديلة عن تلك التي ورثناها من الاسلاف وسادت في المجتمع السعودي باعتبارها فهما وحيدا للدين وتعبيرا مفردا عن الفضيلة. يعتقد الاصلاحيون ان حقيقة الدين لا تتجلى في غياب الحرية والتعددية ، وان الفضيلة لا يمكن ان تنمو في ظرف المجتمع الشبيه بالمعسكر. تتجلى فضائل الانسان الحقيقية حين يطورها بنفسه ويختارها بين بدائل عديدة. وهذا مستحيل التحقيق في غياب الحرية وصراع الافكار وتوفر الفرص والبدائل.
الخلافات الدائرة حول الحرية وتطبيقاتها لا تنفي قيمة الحرية وضرورتها . انها – في الجوهر – شكوك في اولوية الحرية على غيرها من الخيرات الاجتماعية.  كان الماركسيون يضعونها في مرتبة متاخرة عن العدالة الاجتماعية. ويقولون بان الحرية لا معنى لها اذا كنت جائعا او فقيرا معدما. واعتبر القوميون العرب الوحدة وتحرير الارض مقدمة على الحرية الفردية. وفي وقتنا الحاضر يرتاب الاسلاميون التقليديون في عواقب الحرية ، لا سيما انفلات الزمام وتدهور المعايير والاعراف التي يرونها ضرورية لصيانة اخلاقيات المجتمع والتزاماته الدينية.
رغم قناعة الجميع بالحرية ، ورغم قناعتهم ايضا بان النموذج الليبرالي يوفر منصة مناسبة للتعبير عن تطلعاتهم السياسية والاجتماعية ، الا ان معظم هؤلاء يتردد في الاقرار بانه ليبرالي او الدعوة صراحة التي تبني الليبرالية كمنصة او اطار نظري وتفسيري لدعوة الاصلاح. سبب هذا التردد يكمن في الصورة المشوهة عن الليبرالية التي عممها التقليديون .

اقول ان هجوم الغذامي سيكون ذا مردود ايجابي ، لانه سيعجل في اخراج دعاة الاصلاح من دائرة التردد. وسنجد في الايام القادمة من يقول صراحة انه ليبرالي وان الليبرالية تمثل اطارا مناسبا لمباديء الاصلاح السياسي والاجتماعي الذي ندعو اليه. نحن ندعو الى الليبرالية ، ليس فقط لانها تتوافق - في الجوهر - مع القيم الدينية ، بل لانها ايضا تخلق الظرف الضروري لتحويل القيم الاسلامية الرفيعة من كلام نظري في الدين الى تفسير للحياة ودافع للتقدم.
شبكة مصدر 30 ديسمبر 2010

مقالات ذات علاقة 


الطريق الليبرالي http://talsaif.blogspot.com/2009/06/blog-post.html

عن الليبرالية وتوق الانسان للتحرر: اجابات http://talsaif.blogspot.com/2011/04/blog-post_28.html

الليبرالية ليست خيارا http://talsaif.blogspot.com/2004/03/blog-post_27.html

الليبرات والليبرون المكبوتون المخدوعون  http://talsaif.blogspot.com/2007/10/blog-post.html

06/07/2009

مرة اخرى : جدل الدين والحداثة


الجدل الذي رافق انتخابات الرئاسة الايرانية وما بعدها ركز الاضواء على نقاش قديم حول فرص المواءمة بين الدين والحداثة في تجلياتهما المختلفة ولا سيما السياسية منها . وصف الاستاذ مظاهر اللاجامي محاولات الباحثين في هذا الصدد بانها تلفيق ، وكتب الاستاذ في علم الاجتماع السياسي د. خالد الدخيل نقدا معمقا لكتابي "حدود الديمقراطيةالدينية" ركز على التعارض الذاتي بين الدين والديمقراطية.

انني من المؤمنين بامكانية تطوير نموذج للحداثة يستوعب الحاجات الثقافية والمادية الخاصة لكل مجتمع . توصلت الى هذه القناعة بعد سنوات من البحث والمراجعة والجدل الذي زادني – في الوقت نفسه- تفهما واحتراما لتحفظات المعترضين واسباب قلقهم . وقد عرضت شريحة واسعة من تلك الاسباب والجوانب الاشكالية في كتاب "الحداثة كحاجة دينية".

 يركز مفهوم الحداثة على دور الانسان كمصدر للقيم والمعايير والمعرفة. وهذا ينطبق على انسان المجتمعات التي ابدعت مفهوم الحداثة وتلك التي تلقته لاحقا . خلال قرن تقريبا شارك مفكرون من شتى انحاء العالم في نقد وتطوير العناصر التي يتشكل منها مفهوم الحداثة. محورية الانسان الفرد ، العقلانية ، معيارية العلم ، التعاقد والارادة الحرة كارضية لتفويض السلطة... وغير ذلك من مكونات المفهوم خضعت لنقاشات معمقة برهنت على ان الحداثة تابى – بطبيعتها – القولبة والحصر الايديولوجي .

على الطرف الاخر فان تقاليد البحث في الفكر الاسلامي تسمح بالتمييز بين القيم الاساسية للدين وبين اجتهادات المسلمين على اختلاف توجهاتهم وعصورهم . هذه المساحة هي التي سمحت دائما بوجود افهام متعددة للمبدأ الواحد واشكال متعددة من الممارسة الدينية . ثمة قيم اساسية في الدين لا يختلف عليها اثنان ، مثل العدل وكرامة الانسان والمساواة ، وثمة الى جانبها تجربة دينية تعبر فقط عن فهم مجتمع معين لتلك القيم.

نعرف بالبديهة ان فهم الانسان لفكرة ما ثم تطبيقها يتاثر بالضرورة بعوامل عديدة واحيانا متعارضة ، وبينها عوامل ذاتية مثل القدرات العلمية للفرد وتربيته العائلية ونفسيته ، وبينها عوامل اجتماعية كالثقافة العامة ومصادر المعيشة ونوعية الفرص والتحديات التي تواجه الجماعة ، ويضاف اليها طبعا المستخلصات الثقافية للتجربة التاريخية لهذه الجماعة .

من المفهوم ان نطاق وعمق تاثير هذه العوامل يختلف بين مجتمع واخر تبعا لاختلاف ظروفه الفعلية وتجربته التاريخية ، كما يختلف تلقي الافراد للفكرة نفسها تبعا لاوضاعهم الذهنية والنفسية والمادية. هذا هو المنطق الطبيعي للحياة والاشياء . ومن هنا نجد قراءات عديدة وتطبيقات متنوعة للفكرة الدينية ، تستلهم جميعا القيمة الاساسية ، لكنها تقدم تجارب متغايرة.  قد نطلق على هذا التنوع اسم الاجتهاد او تعدد القراءات او التمييز بين الثابت والمتحول ، او اي اسم شئت . لكن  الجوهري في الموضوع كله هو امكانية انتاج تجارب دينية متغايرة بين مجتمع واخر. لا اظنني بحاجة الى ادلة لاثبات هذا الادعاء لان تاريخنا والواقع الذي امامنا يكشف عن تنوع في الافهام والتطبيقات يستحيل حصره.

الرسالة النهائية لهذا التحليل هي ان افراد المسلمين والجماعة المسلمة يقومون فعلا – وهم على حق في ذلك – باعادة تشكيل حياتهم الدينية بين ظرف واخر كي تتناسب مع ثقافتهم ، حاجاتهم ، همومهم ، ظروفهم ، وتطلعاتهم ، وهذا ما اسماه هانس جورج غادامر بالافق التاريخي للفكرة.

لكل جيل حق ثابت في صوغ فهمه الخاص للفكرة الدينية وكذلك تجربته الدينية . وهذا يشمل بالتاكيد حقه في تقريب الفكرة او تطبيقاتها الى المباديء والقيم التي تبدو – في وقت معين – ضرورة للحياة ، او وسيلة للارتقاء بالحياة . بعبارة اخرى فلسنا مضطرين لسؤال اسلافنا الذين ماتوا عن امكانية التقريب بين الحداثة وقيم الدين . نحن مثلهم لدينا الحق ولدينا القدرة على الفحص والاختبار والنقد ثم الاخذ بالفكرة او تعديلها او اعادة انتاجها ضمن نسيجنا القيمي الخاص ، كما فعل الاسلاف مع الفلسفة اليونانية والفارسية والهندية وغيرها.

الاسلام والحداثة ، كلاهما يفتح الباب امام النقد والتجريب والمعالجة الهادفة الى انتاج افكار جديدة او اعادة انتاج افكار مسبقة في صيغ جديدة . وهذا هو المنطلق في القول بامكانية المواءمة بين الاسلام والحداثة وما ينتج عنهما من معايير وادوات عمل.
عكاظ 6 يوليو 2009

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...