ثمة نوعان من الانقسام في
اي مجتمع:
أ) انقسام
عمودي: حيث يتمايز الناس تبعا لهوية يرثونها من ابائهم ، مثل انتماء الفرد الى دين
او قومية او قبيلة او جنس.
ب) انقسام
افقي: حيث يتمايز الناس تبعا لهوية يكتسبونها باختيارهم ، مثل انتماء الفرد الى
حزب او حرفة او ايديولوجيا.
كل من الاوصاف السابقة يمكن
ان يشكل اساسا لرابطة اجتماعية تميز المنتمين اليها عن غيرهم. فالتمايز على اساس
العرق او القومية او اللون يمكن ان يشكل اساسا لتصور متمايز عن الذات والتاريخ ،
كما هو الحال في القوميين العرب والحركات الكردية وحركات الحقوق المدنية. وكذا
الحال في التمايزات الافقية ، فالتوافق في المهنة او الميول الايديولوجية يشكل
اساسا لاستقطاب سياسي واجتماعي ، كما في النقابات والمجموعات التجارية ، وامثالها.
كانت هذه المسالة هما شاغلا
لدارسي التنمية ، الذين لاحظوا ميل المجتمعات التقليدية للحفاظ على النوع الاول من
الانقسامات. على عكس المجتمعات الصناعية والحديثة التي يميل افرادها للتلاقي
والتجمع على ارضية توافق الافكار والمصالح.
تعتبر دراسة البروفسور
دانييل ليرنر "موت المجتمع التقليدي" واحدة من اهم التجارب العلمية التي
عالجت هذه الاشكالية ، وركزت خصوصا على قابلية "الفرد" للتحرر من قيود
الموروث ، وتجسير علاقات اكثر انفتاحا مع بقية الافراد الذين اتوا من خلفيات
متفاوتة. اهتم ليرنر باشكاليات التنمية والتحديث في الشرق الاوسط ، وقدم ملاحظات
ومستخلصات قيمة ، جعلت كتابه مرجعا رئيسيا في بابه.
وضع ليرنر معيارا رئيسيا
لتقييم استعداد الفرد - نفسيا وثقافيا - لتغيير هويته ، ومن ثم الانتقال من
دائرة العلاقات التقليدية (الانقسام من النوع الاول) الى دائرة العلاقات الحديثة
(الانقسام من النوع الثاني).هذا المعيار هو التكيف (او التقمص=empathy اذا
شئنا ترجمة حرفية) وخلاصته : ان ترى الناس مثلك ، ليسوا نفسك ولا اعداءك ، ثم ترى
نفسك مثلهم ، لست نسخة عنهم ولا عدوا لهم. هذا يؤهلك لربط مطالبك وتطلعاتك الخاصة
بمطالب الاخرين ، وتحويلها من هم فردي الى مشروع مشترك ، سواء كان سياسيا او
ثقافيا او تجاريا او حتى شراكة علمية.
نمط العلاقات القديم اساسه
تقارب عاطفي مسبق. اما نمط العلاقات الحديث فاساسه فهم مشترك ، وتوافق على
الموضوعات ، ولو جزئيا او مرحليا ، بغض النظر عن اصول الافراد وهوياتهم السابقة.
هذا التحول الثقافي/النفسي
ضروري كي نعيد بناء منظومة العلاقات الاجتماعية على ارضية اعلاء قيمة الفرد وتعظيم
الكفاءة والانجاز ، بدل المبالغة في تقدير النسب والانتماء الاجتماعي ، الذي ورثه
الانسان وليس له يد فيه. التكيف او التقمص لا يتطلب – بالضرورة – التسليم باراء
الاخرين او معاداتها. بل يتطلب فقط قابلية روحية لتفهم الاخرين وتنظيم العلاقة
معهم على اساس المصالح المشتركة او التوافقات الجزئية او المرحلية.
الاقتصادية 2
ابريل 2013 http://www.aleqt.com/2013/04/02/article_744113.html
مقالات
ذات علاقة
ثمة نوعان من الانقسام في
اي مجتمع:
أ) انقسام
عمودي: حيث يتمايز الناس تبعا لهوية يرثونها من ابائهم ، مثل انتماء الفرد الى دين
او قومية او قبيلة او جنس.
ب) انقسام افقي: حيث يتمايز الناس تبعا لهوية يكتسبونها باختيارهم ، مثل انتماء الفرد الى حزب او حرفة او ايديولوجيا.
كل من الاوصاف السابقة يمكن
ان يشكل اساسا لرابطة اجتماعية تميز المنتمين اليها عن غيرهم. فالتمايز على اساس
العرق او القومية او اللون يمكن ان يشكل اساسا لتصور متمايز عن الذات والتاريخ ،
كما هو الحال في القوميين العرب والحركات الكردية وحركات الحقوق المدنية. وكذا
الحال في التمايزات الافقية ، فالتوافق في المهنة او الميول الايديولوجية يشكل
اساسا لاستقطاب سياسي واجتماعي ، كما في النقابات والمجموعات التجارية ، وامثالها.
كانت هذه المسالة هما شاغلا
لدارسي التنمية ، الذين لاحظوا ميل المجتمعات التقليدية للحفاظ على النوع الاول من
الانقسامات. على عكس المجتمعات الصناعية والحديثة التي يميل افرادها للتلاقي
والتجمع على ارضية توافق الافكار والمصالح.
تعتبر دراسة البروفسور
دانييل ليرنر "موت المجتمع التقليدي" واحدة من اهم التجارب العلمية التي
عالجت هذه الاشكالية ، وركزت خصوصا على قابلية "الفرد" للتحرر من قيود
الموروث ، وتجسير علاقات اكثر انفتاحا مع بقية الافراد الذين اتوا من خلفيات
متفاوتة. اهتم ليرنر باشكاليات التنمية والتحديث في الشرق الاوسط ، وقدم ملاحظات
ومستخلصات قيمة ، جعلت كتابه مرجعا رئيسيا في بابه.
وضع ليرنر معيارا رئيسيا
لتقييم استعداد الفرد - نفسيا وثقافيا - لتغيير هويته ، ومن ثم الانتقال من
دائرة العلاقات التقليدية (الانقسام من النوع الاول) الى دائرة العلاقات الحديثة
(الانقسام من النوع الثاني).هذا المعيار هو التكيف (او التقمص=empathy اذا
شئنا ترجمة حرفية) وخلاصته : ان ترى الناس مثلك ، ليسوا نفسك ولا اعداءك ، ثم ترى
نفسك مثلهم ، لست نسخة عنهم ولا عدوا لهم. هذا يؤهلك لربط مطالبك وتطلعاتك الخاصة
بمطالب الاخرين ، وتحويلها من هم فردي الى مشروع مشترك ، سواء كان سياسيا او
ثقافيا او تجاريا او حتى شراكة علمية.
نمط العلاقات القديم اساسه
تقارب عاطفي مسبق. اما نمط العلاقات الحديث فاساسه فهم مشترك ، وتوافق على
الموضوعات ، ولو جزئيا او مرحليا ، بغض النظر عن اصول الافراد وهوياتهم السابقة.
هذا التحول الثقافي/النفسي
ضروري كي نعيد بناء منظومة العلاقات الاجتماعية على ارضية اعلاء قيمة الفرد وتعظيم
الكفاءة والانجاز ، بدل المبالغة في تقدير النسب والانتماء الاجتماعي ، الذي ورثه
الانسان وليس له يد فيه. التكيف او التقمص لا يتطلب – بالضرورة – التسليم باراء
الاخرين او معاداتها. بل يتطلب فقط قابلية روحية لتفهم الاخرين وتنظيم العلاقة
معهم على اساس المصالح المشتركة او التوافقات الجزئية او المرحلية.