‏إظهار الرسائل ذات التسميات سيادة القانون. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات سيادة القانون. إظهار كافة الرسائل

18/09/2009

تفكيك التطرف لتفكيك الارهاب-2


 يعتقد كثيرون ان اليمن قد تحول فعليا الى منطقة تجمع لتنظيم القاعدة ، وان منطقة الخليج قد تشهد موجة جديدة من الارهاب شبيهة بتلك التي عرفناها قبل اقل من عقد من الزمن. المحاولة الفاشلة لاغتيال مساعد وزير الداخلية السعودي الامير محمد بن نايف اعادت التذكير بان المنطقة لا زالت هدفا لشبكات العنف الذي ظننا انه قد تراجع في العامين الماضيين . المؤكد ان معظم اهل الخليج متفقون على ادانة التوسل بالعنف المسلح لاي غرض سياسي او ديني  او اجتماعي .  لكن هذا التوافق لا يكفي لمواجهة الموجة الجديدة المحتملة . اعتقد اننا لم نفعل في السنوات الماضية ما يكفي للقضاء على بؤر الارهاب وتفكيك البيئات الاجتماعية التي تولده او تحتضنه . هذا التقصير يتجلى في عنصرين مهمين : اولهما هو التقصير في تحقيق العدالة الاجتماعية الضرروية لفرض هيبة القانون ، والثاني هو الموقف السلبي او الانهزامي تجاه انتشار التطرف الديني في المنطقة ، بل واستعماله احيانا لاغراض سياسية مؤقتة.
كنت اعتقد ولا ازال ان ضعف الحكومة  يوفر فرصة ثمينة للخارجين عن القانون . الحكومة قد تكون ضعيفة حتى وهي ترفل في السلاح من قمة راسها الى اخمص قدميها . قوة الحكومة ليس بعدد جنودها ولا بحداثة اسلحتها بل بقدرتها على ترسيخ هيبة القانون . الاغلبية الساحقة من الناس يميلون للقبول بالقانون والخضوع له لانهم يريدون العيش في سلام . واذا احترموا القانون فسوف يتعاونون مع الحكومة التي تطبقه ، وعندئذ سوف تتحقق مقولة "كل مواطن غفير" . اما اذا كان القانون ظالما او لم يطبق على الجميع بالتساوي ، او كانت الحكومة بذاتها غير عادلة في توزيع الموارد العامة والفرص ، فان معظم الناس سيجدون تبريرا للتهرب من القانون وسوف يميلون الى التستر على اعداء القانون والخارجين عنه . جميع الذين درسوا مشكلات الارهاب والعنف المسلح في السنوات الاخيرة حذروا من "البيئة المساعدة للعنف" اي القاعدة الاجتماعية التي يحتمي بها الارهابيون . وقد راينا امثلة عنها في لبنان والعراق وباكستان والكثير من الدول التي شهدت موجات ارهابية في السنوات الاخيرة . الفقر والجهل بيئات مولدة للارهاب ، لكن انعدام العدالة الاجتماعية تظل اسوأ لان الناس يستطيعون معالجة الفقر والجهل بانفسهم ، لكن الناس لا يستطيعون تحقيق العدالة في توزيع الموارد والفرص . الحكومة هي الجهة الوحيدة القادرة على تحقيق هذه المهمة التي يتجاوز حجمها ومتطلباتها طاقة الافراد العاديين . ابرز تجسيدات العدالة الاجتماعية هو المساواة بين الجميع في الفرص والاعباء . المساواة تجعل القانون محترما ومطلوبا ومحميا من قبل عامة الناس ، لان القانون هو الوسيلة التي تضمن لهم العدالة .

بعبارة اخرى فان سيادة القانون لاتتحقق اذا فرضت الدولة نظامها او اجبرت الجميع على الطاعة والخضوع . سيادة القانون تتحقق اذا اعتقد جميع الناس او اغلبيتهم الساحقة بان ما تفرضه الدولة عليهم سيؤمن مصالحهم وسيعطيهم فرصا متساوية ، اي سيكون الطريقة التي تطبق الدولة من خلالها مبدأ العدالة الاجتماعية.  

مقالات ذات علاقة

إشارات على انهيار النفوذ الاجتماعي للقاعدة

اعلام القاعدة في تظاهرات عربية

تحولات التيار الديني – 5 السلام مع الذات والسلام مع العالم

عن طقوس الطائفية وحماسة الاتباع

فلان المتشدد

خديعة الثقافة وحفلات الموت

ما الذي نريد: دين يستوعبنا جميعاً أم دين يبرر الفتنة

اتجاهات في تحليل التطرف

ابعد من تماثيل بوذا

ثقافة الكراهية

تجريم الكراهية

تجارة الخوف

في انتظار الفتنة

كي لا نصبح لقمة في فم الغول

تفكيك التطرف لتفكيك الإرهاب-1

تفكيك التطرف لتفكيك الارهاب-2

الحريات العامة كوسيلة لتفكيك ايديولوجيا الارهاب

العامل السعودي


غلو .. ام بحث عن هوية

19/02/2009

على الدولة ابقاء الامل في التغيير


 لا يتوجب على الدولة ان تعطي كل فرد ما يريد ، ولا يتوجب عليها ان تضمن الرضى الشخصي لكل مواطن عن اعمالها . لكن يتوجب عليها بالتاكيد ان تبذل الغالي والنفيس كي تحافظ على الامل في التغيير . الامل في التغيير هو الذي يجعل عامة الناس مستعدين للتعاون مع الدولة وراغبين في تحمل مسؤولياتهم كمواطنين مهما كانت ثقيلة او بغيضة. حين يتلاشى الامل ويحل اليأس في نفوس الناس تخرج الدولة من قلوبهم ، وتصبح القلوب جاهزة لتلقي بدائل اخرى ، لان الانسان لا يستطيع العيش من دون انتماء او من دون امل في شيء ولو كان خرافة.
في بعض الحالات يتولد اليأس لان مواطنا فشل في استعادة حقه من خلال الاطارات القانونية. وينتج عن ذلك تلاشي هيبة القانون والدولة ، وتنامي الشعور بان البلاد قد تحولت الى غابة لا يستطيع العيش فيها الا من يأخذ حقه بيديه . حين يشعر الناس بان الامر على هذا النحو سيبحثون عن مصادر قوة خاصة ، فمنهم من يلجأ الى قوة المال ، كأن يدفع رشوة للوصول الى حقه . واذا نجح في ذلك فسوف يدفع رشوة ثانية لاستلاب حق الاخرين.

في حالات اخرى يتولد اليأس لان الدولة لم تف بوعود سابقة للاصلاح . ومع تكرار ذلك او تطاول الفارق الزمني بين اصدار الوعد وبين الوقت المتوقع للوفاء به ، سوف يتبلور شعور بان الدولة تعاني من خلل بنيوي يمنعها من الوفاء بوعودها وان هذا الخلل ليس قابلا للعلاج . وبالتالي فان كل امر آخر يعتمد عليه سيبقى وعدا فارغا او مستحيل التنفيذ.  حين يشعر الناس بان الامر على هذا النحو فسوف يبحثون عن كبش فداء يلقون عليه بالمسؤولية عن العجز او الخلل . بعض الناس يركزون انظارهم على اصحاب القرار وسينظرون اليهم باعتبارهم غير متعاطفين مع مطالب المواطنين وحاجاتهم . او ربما سينظرون اليهم كاشخاص ضعفاء وجدوا انفسهم في مكان لا يستحقه غير الاقوياء.

في حالة ثالثة يتولد اليأس لان الدولة او بعض اجهزتها تمارس تمييزا واضحا وقابلا للملاحظة والاثبات بين الشرائح او الطبقات المختلفة . او حين تتباطأ الدولة في تصحيح الفوارق بين تلك المجموعات ، او تتهاون في منع التمييز الذي ربما تمارسه فئة قوية ضد الفئات الضعيفة .. الخ . ويحدث هذا عادة في الاقطار التي يتألف شعبها من مجتمعات متعددة ذات انتماءات عرقية او ثقافية او طبقية متفاوتة ، او حين يكون في البلاد اقليات لا تستطيع التمثل بصورة مناسبة في جهاز الدولة الاداري والسياسي ، بسبب الحواجز اللغوية او الدينية او المعيشية او العرقية التي تميزها عن الاكثرية.

 في كل هذه الحالات يتبلور الشعور الاقلاوي لدى تلك الشريحة من المواطنين التي تعاني من التمييز . الشعور الاقلاوي – نسبة الى الاقلية – ليس بالضرورة دليلا على ان هذه المجموعة او تلك تقل عن غيرها من حيث العدد ، بل هو حالة ذهنية مصدرها الاساس هو الانفعال بالمحيط ، لكنها تتطور الى حالة ثقافية وسلوكية متعددة الاوجه والمبررات ، قابلة للتمظهر في سلوكيات فردية او جمعية ذات طابع انعزالي او عدواني في العموم.

ربما تكون هذه الحالة هي اخطر الحالات الاجتماعية في الوقت الحاضر ، بالنظر الى الاتجاه السائد في العالم اليوم ، والذي يطلق عليه الباحثون الاجتماعية "انفجار الهوية". وهو تعبير عن اتجاه متعاظم لدى المجموعات البشرية المتمايزة عن غيرها بعرق او ثقافة او انتماء خاص ، الى التعبير المركز ، بل والمتشدد احيانا ، عن ذاتها وخصوصياتها ، والتركيز على الفوارق التي تفصلها عن غيرها . هذه الحالة خطرة جدا لانها قد تغذي يأسا من الوحدة الوطنية ينقلب الى رغبة في الانفصال الاجتماعي وتاكيد على التمثيل الخاص مقابل التعبيرات الوطنية او التمثيل ذي الطابع الوطني .

لكل من الحالات الثلاث مخرجات متفاوتة الخطورة ، لكن ابرز مخرجات الحالة الاولى هو شيوع الفساد المالي والاداري وتطبيعه . وابرز مخرجات الحالة الثانية هو تبلور الاتجاهات العنفية والانشقاقية المتطرفة ، كما ان الحالة الثالثة تنتهي عادة الى تطلع الى الخارج باعتباره مصدرا محتملا للتعاطف والتاييد.

كل هذه المخرجات خطيرة ومخربة ، لكنها جميعا قابلة للعلاج ، ليس بالوعظ والارشاد وليس بالشجب والتنديد ، بل باعادة الامل الى نفوس الناس . ربما يتوقف الامر على مبادرات فعالة او ربما يتوقف على اجراءات ذات قيمة رمزية ، تعيد للناس الامل بان حكومتهم لم تنسهم وانها ليست عاجزة ولا فاشلة.

06/02/2008

المجتمع السري


يقول باحثون إن الاقتصاد السري في مصر يعادل تقريبا ثلث الناتج القومي الإجمالي. والاقتصاد السري هو وصف للنشاطات التجارية التي لا تخضع للتنظيم الرسمي، وهي واسعة في مصر بسبب ضيق الإطارات القانونية والمؤسسية، لا سيما التعقيدات البيروقراطية وتعسف إدارات الضرائب، والقوانين المعيقة. حالة الاقتصاد السري في مصر هي نموذج لظاهرة عامة في العالم العربي تتلخص في التباين بين القدرة الاستيعابية للإطارات النظامية من جهة وبين مستوى الحركية والنشاط الاجتماعي من جهة أخرى.
سوق شعبي في القاهرة
يمكن تشبيه العلاقة بين الحركية الاجتماعية والتنظيم القانوني بالعلاقة بين ماء النهر ومجراه، إذا كان مجرى النهر واسعا ومرنا فسوف يستوعب كل ما يصب فيه من مياه وسوف يقوده إلى الجهات الصحيحة والمفيدة، واذا كان المجرى ضيقا، فإن الماء الزائد سوف يفيض على جوانب المجرى أو يشق طرقا جديدة بعيدة عن مجرى النهر، أو يتحول إلى فيضان. قد تكون المجاري الجديدة مفيدة للأراضي العطشى وقد تكون مضرة، مثلما هو الفيضان الذي قد يفيد وقد يدمر ما يجد أمامه. في كل الأحوال فإن عجز الإطارات القانونية والمؤسسية عن استيعاب الحراك الاجتماعي سوف يؤدي بالضرورة إلى قيام مسارات ومؤسسات ونشاطات اجتماعية غير خاضعة للتنظيم الرسمي وغير قابلة للإدارة، يصفها الباحثون الاجتماعيون بالمجتمع السري مثلما يصفون التجارة غير المنظمة بالاقتصاد السري.
المجتمع السري ليس بالضرورة مجهولا او مكتوما، فالناس جميعا أو شريحة منهم على الأقل تعرف بوجوده وتمارسه وتستريح إليه، بل وتعتبره سياقا حياتيا اعتياديا مثلما النشاط المؤطر قانونيا هو نشاط حياتي اعتيادي. الفارق بين الاثنين يكمن تحديدا في وجود إطار رسمي ينظمه، لا أكثر ولا أقل. سواء عرف البيروقراطيون بوجود المجتمع السري أو غفلوا عنه، وسواء استعظموه او استهانوا به، فإن فعله وتأثيره في نفوس الناس وفي حياتهم، لا يقل عن فعل المؤسسة الرسمية وتاثيرها. وعلى أقل التقادير فإنه يؤثر في جوانب من حياة الناس لا تصل إليها يد المؤسسة الرسمية.
وفي العادة فإن الدوائر الرسمية في جميع الدول تسعى للتعرف إلى تلك النشاطات. يحركها في هذا السعي القلق الأمني، أو الرغبة في التنظيم والإدارة. لهذا يمكن القول إن الدوائر الرسمية تعرف غالبية النشاطات الأهلية غير المنظمة، معرفة كاملة او جزئية. ومن المفترض ـ نظريا على الأقل ـ أن تقود المعرفة بها الى المرحلة التالية، أي تنظيم تلك النشاطات وتأطيرها. وهنا تكمن المشكلة التي تعانيها معظم الدول العربية، أعني التباطؤ والتلكؤ في توفير المتطلبات اللازمة لتأطير النشاط الأهلي، بل وفي بعض الأحيان تنميطها جميعا كمشكلات أو تهديدات، بدل النظر إليها كفرص وعلامات صحة في المجتمع.
لعل منتديات الانترنت هي أكثر أشكال المجتمع السري شيوعا في الوقت الراهن، ويكشف العدد الكبير من هذه المنتديات عن شريحة ضخمة من الاهتمامات والهموم والنقاشات الدائرة في المجتمع. والحقيقة أنها قد أصبحت موردا رئيسيا للأفكار والمعلومات لمعظم المهتمين بالرأي العام والمشتغلين بالشأن العام. منتديات الانترنت هي شكل واحد فقط من أشكال المجتمع السري، وربما أكثرها إثارة للاهتمام. لكن الى جانبها ثمة أشكال عديدة أخرى للنشاط الأهلي، بعضها أكثر نضجا ولعله أعمق تأثيرا. هذه الأشكال وتلك هي نماذج أولية لتيارات جديدة في المجتمع، أو هي تعبيرات عن تيارات قائمة فعالة في المجال العام.
سواء أعجبتنا هذه التعبيرات أم أزعجتنا، فهي تمثِّل في مجموعها حقيقة المجتمع في لحظته الراهنة. حقيقة المجتمع كنطاق واسع ومتنوع، وهو يزداد تنوعا واتساعا مع مطلع كل شمس. إذا تخلى المجتمع عن ركوده وبدأ في الحركة، فإن الحركة بذاتها تفرز أنواعا من النشاط معظمه جديد وغير مألوف. المجتمعات الحية هي التي تسارع إلى الإقرار بحقيقة ذاتها وما تنطوي عليه من تنوع وتغير ، فتبادر إلى توسيع إطاراتها وتنظيماتها القانونية والمؤسسية كي تستوعب الوافدين الجدد إلى الحياة العامة. بينما ترفض المجتمعات الخاملة أو اليائسة الاعتراف بالجديد والتعارف معه حتى لو امتلأت الساحة بوجوده وفعله.
 عكاظ 6 فبراير 2008  العدد : 2425
https://www.okaz.com.sa/ampArticle/161781

مقالات ذات علاقة

23/01/2008

البيروقراطية والإدارة


 في العالم اليوم موجة جديدة عنوانها "تطبيق معايير الإدارة الصالحة". تستهدف هذه الفكرة وضع نظام محدد لاختبار وتقييم كفاءة الادارة العامة واهليتها لتحقيق اغراضها. انها بعبارة اخرى محاولة للاجابة على سؤال: كيف تحقق الادارة هدفها المحوري -اي خدمة المجتمع- على اكمل وجه؟.
في ما مضى من الزمن كان يقال انه لا يمكن وضع مقاييس مالية لتقييم كفاءة البيروقراطية الرسمية، لأنها لا تستهدف الربح بل الخدمة العامة. والخدمة العامة بطبيعتها انفاق من دون عائد فوري او ملموس. بخلاف الادارة التجارية التي تستهدف مباشرة زيادة الارباح من خلال زيادة الانتاج وتخفيض الكلف، والتي لهذا السبب يمكن قياس كفاءتها بالرجوع الى حجم الارباح وحجم الخسائر. لكن اقطاب الموجة الجديدة، وابرزهم -ربما- البنك الدولي، يرون جانبا آخر للمسألة. الادارة، ايا كانت طبيعتها، عمل انساني قابل للقياس والتقييم بالرجوع الى اهداف معينة ومسار عمل معين.
في بداية القرن الماضي شدد ماكس فيبر على اهمية البيروقراطية ودورها في عقلنة السياسة وتحديث الحياة العامة. واشار خصوصا الى العنصر الجوهري في البيروقراطية، اي اعتمادها على القوانين والتعليمات المكتوبة، الامر الذي يسهل المتابعة والمحاسبة ويخفف من الطابع الشخصي في العمل العام. نحن اليوم في عالمنا العربي نضيق من بطء البيروقراطيين وترددهم، لكن هذا افضل على اي حال من ادارة مفككة يعمل كل رئيس فيها بحسب مشتهياته واهوائه، وربما مصالحه وتوجهاته الشخصية.
لكننا مع ذلك بحاجة الى وضع نظام يحول دون تحول الادارة من صورتها المثالية كوسيلة لخدمة الجمهور، الى مؤسسة خاصة للافراد النافذين او ذوي المصالح. او ربما تحولها من وسيلة لتسهيل وتطوير الخدمة العامة الى عائق يسد ابواب الخير على الناس باسم القانون او باسم المصلحة العامة. ولهذا السبب بالتحديد ظهرت الموجة الجديدة التي تسعى لنزع الصورة السلبية التي ارتسمت في اذهان الناس عن البيروقراطية وقدرتها الفائقة على التعطيل والاعاقة. في فبراير 2005 استضاف الاردن مؤتمرا شاركت فيه 16 دولة عربية، لمناقشة العلاقة بين الادارة والتنمية. وكشفت مناقشات المؤتمر عن خسائر بمئات الملايين يتكبدها العالم العربي بسبب سوء الادارة. وضرب المشاركون امثلة كثيرة على تلك الخسائر، ومن بينها تعطيل استثمارات محلية واجنبية كانت ستوفر فرص عمل جديدة، وبينها ايضا مشروعات حكومية كانت سترفع الدخل القومي وتحسن مستوى المعيشة، وصولا الى ابطاء او اعاقة تحديث قطاعات الخدمة الحكومية.
حاولت مؤسسات عديدة وضع معايير للإدارة الصالحة، من بينها البنك الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وبرنامج الامم المتحدة الانمائي، واخيرا منتدى التنمية في مؤتمره الخامس والعشرين الذي انعقد في البحرين مطلع 2004. بالنسبة لهذه المؤسسات جميعا فان الاهداف الكبرى للادارة الحكومية هي: الارتقاء بمستوى معيشة المواطنين، حماية حقوقهم المدنية والمعالجة العقلانية للمشكلات التي تظهر في البيئة الاجتماعية. وبناء على هذه الاهداف فإن كل عمل مضاد او معطل لواحد منها يعتبر فسادا.
تختلف المعايير التي وضعتها كل من المؤسسات المذكورة عن بعضها في جوانب محددة، لكنها تتفق على مبادئ اساسية، من بينها: الشفافية، اي جعل عمل الادارة علنيا وقابلا للكشف لعامة المواطنين، واخضاع كل الاعمال للمساءلة والمحاسبة بغض النظر عن شخص المدير او رتبته، ووجود هيئات محايدة يرجع اليها المواطنون عند التنازع مع المؤسسات الحكومية. وأظن أن أبرز مشكلات الادارة في البلاد العربية هو افتقارها للحياد. ومن المؤسف ان هذا الجانب لم يتعرض للنقاش والدراسة بشكل مركز وموضوعي. الادارة العامة غرضها الخدمة العامة، ويجب ان يتم هذا من دون التفات الى أي جانب. بعبارة أخرى فإنه ينبغي التأكيد على ضرورة أن تكون محايدة، لأن حيادها واجب وضرورة وإلا دخلت في نفق الفساد، مهما حاولت اتقاءه.
  عكاظ 23 يناير 2008  

27/08/2007

مجتمع الأحرار.. ومفهوم الحرية



شيوع الحريات الفردية والعامة لا يؤدي الى الفوضى ولا يؤدي الى التحلل من الضوابط الاخلاقية كما يجادل التقليديون. الانسان بطبعه ميال الى المسالمة والتعقل والتعاون مع اقرانه. وحتى في حال التنافس فانه مستعد للتوافق على ترتيبات تتيح له وللغير الحصول على حقوق أو مكاسب متساوية. هذه فطرة الله التي فطر الناس عليها، وهذا ما ثبت من تجارب الامم التي آمنت بالحرية وطبقت مقتضياتها. وهي تجارب تكررت على مدى زمني طويل، مما يؤكد سلامة الاساس الذي قامت عليه. مجتمع المواطنين الاحرار اقرب الى المسالمة والمساومة والتعاون من مجتمع العبيد والمقهورين.

liberalism
لكن الحرية في مجتمع مدني يحكمه القانون ليست مثل الحرية في مجتمع الغابة. فالمجتمع المدني يقوم على مبادئ وقيم وضوابط تجعل الحرية ممكنة وفعالة ومنزهة في الوقت نفسه عن الفوضى والتفلت. تلك المبادئ ليست قوانين قمع، بل تقاليد حياة وتوافقات بين الناس تشكل قاعدة لما يعرف في علم السياسة بالاجماع الوطني. من تلك المبادئ مثلاً:
أ) توضيح الحدود الفاصلة بين المجالين الشخصي والعام. يتمثل المجال الاول في عدد من الحقوق الثابتة للفرد بغض النظر عن أي قانون أو تعاقد، وابرز هذه الحقوق هي حق الحياة، حرية الرأي، وحق التملك. في هذا الحريم لا سلطة لاي جهة على الفرد سوى سلطة ضميره. كما لا يجوز وضع قوانين مقيدة له، مثل تحديد ما ياكل الانسان وما يشرب وما يقرأ وكيف يفكر.. الخ. القانون الوحيد الذي يجوز اتخاذه في هذا الصدد هو القانون الذي يكفل ويحمي الحريم الشخصي ويمنع خرقه أو التدخل فيه.
 أما المجال العام فيتمثل في مساحة العمل والتفاعل المشتركة بين المواطنين، التي يحصلون فيها على حقوق اضافية (مدنية) تقابلها واجبات ومسؤوليات عليهم تجاه بقية اعضاء المجتمع. وهي الثمن الذي يدفعه الفرد مقابل التمتع بفضائل الحياة الاجتماعية. يلعب القانون وسلطة الدولة دورا هاما في تحديد وتنظيم هذا المجال. ويجب على المواطنين الالتزام بالحدود والضوابط التي يقررها القانون، لانها الوسيلة الوحيدة لكي يحصل كل منهم على حقوق متساوية مع الغير.
ب) لكل فرد حق ثابت في التعبير عن رأيه في مجتمعه وطريقة عمله واستراتيجياته وما يسعى اليه من اهداف، سواء جاء رأيه متوافقا مع الراي السائد أو مختلفا معه. ويكفل القانون لكل فرد حق التعبير عن ارائه تلك من خلال الاطر القانونية السلمية.
ج ) يتألف المجتمع من افراد متكافئين، ولا يوجد فرد في هذا المجتمع اعلى قيمة أو ارفع مكانة من الاخر، على نحو يتيح له سلطة الزام الاخرين برأيه أو قناعاته أو اخلاقياته أو القيم التي يؤمن بها أو طريقة العيش التي ينتهجها. جميع القيم تعتبر شخصية، يلتزم به من اراد، من دون فرض أو الزام، مالم تتحول الى قانون عام.
يقوم المجتمع المتسالم على قيم توافقية، بمعنى ان الالتزام بها قائم على الاقناع والرغبة الفردية وليس الالزام الخارجي من جانب الفرقاء الاقوى في المجتمع. وعلى هذا الاساس تقوم المساواة بين الرجال والنساء في الحقوق والواجبات ورفض الرق وعبودية البشر ورفض استغلال الغير أو حرمانه من ثمرات جهده.
د) مع احترام القناعات والمبادئ والاعراف السائدة في المجتمع، فان أي قيمة أو عرف أو فكرة أو مبدأ لا يكتسب قوة القانون ولا يجوز الزام الافراد به الا اذا جرى اقراره من خلال المؤسسات المكلفة بوضع القوانين والتشريعات، أي تلك التي لها حق قانوني في وضع الزامات أو قيود على حرية المواطن.
على انه لا بد من التذكير بان نطاق تطبيق القانون محصور في المجال العام، فلا يجوز فرض قوانين تنطوي على تدخل في الحريم الخاص للافراد مثل فرض رؤية محددةة، أو طريقة في الحياة أو اللبس أو المأكل، أو طريقة في التفكير والتعبير عن الافكار، أو تحديد لحق الملكية أو العمل أو التصرف العقلائي في الاملاك الخاصة.
بناء على هذا فليس من حق أحد أن يلزم عامة الناس بنظام قيم محدد أو قناعات معينة أو اجتهاد خاص أو منظومة من الاخلاق والقيم ولو كانت في رأيه فاضلة أو صحيحة. فهذه الامور كلها متروكة للافراد وهم يختارون ما شاؤوا ويتحملون المسؤولية عما تقود اليه خياراتهم الشخصية.

على ضوء هذه المبادئ الاربعة وصف المجتمع المدني المحكوم بالقانون بأنه مجتمع تعاقدي توافقي، يرتبط افراده بخيوط متينة من المصالح المشتركة والافهام المشتركة حتى لو تباعدوا في النسب أو المذهب. هذا النظام الاجتماعي هو اذن تعبير عن وحدة اختيارية بين افراد متكافئين وليس جبرا عليهم ولا سجنا لعقولهم وابدانهم. من هذه الزاوية فان النظام الاجتماعي هو ثمرة لمجموع ارادات الافراد الذين وجدوا مصلحتهم في العيش معا، وبالتالي فان الهوية الاجتماعية، هي حصيلة اشتراك الافراد جميعا في تقرير ما هو اصلح لحياتهم.
http://www.okaz.com.sa/okaz/osf/20070827/Con20070827135158.htm
 عكاظ - الإثنين 14/08/1428هـ ) 27/ أغسطس /2007  العدد : 2262

13/08/2007

الحرية التي يحميها القانون والحرية التي يحددها القانون

يقال احيانا ان اعظم الافكار قد يكون اكثرها بساطة اذا قيل في الوقت المناسب. والوقت المناسب هو الظرف الذي يحتاج الناس فيه الى جواب عن سؤال محدد او حل لاشكالية محددة. واظن ان مفهوم الحرية الذي عرضه ايزايا برلين في منتصف الخمسينات من القرن العشرين ، هو واحد من هذا النوع من الافكار التي قدمت اجابة بسيطة عن سؤال اكثر بساطة ، لكنها حظيت باستقبال حافل بين اهل الفكر والسياسة على السواء.

 هتلر يخطب في حشد ضخم في 1933 

لا بد ان جميع القراء قد سمعوا بالعبارة التي يكثر تردادها، وفحواها انه لا توجد حرية مطلقة، وانه لا بد من تقييد الحريات الفردية بالقانون او الاخلاق.. الخ. هذه الفكرة بذاتها كانت موضع انشغال الناس في اوربا في السنوات القليلة التي تلت الحرب العالمية الثانية. قبل الحرب مال معظم مثقفي اوربا الى نموذج الدولة الليبرالية الكلاسيكية، التي لا تتدخل في حياة الناس ولا في السوق الا في اضيق الحدود. لكن هذه الفكرة تراجعت بعد الحرب الى حد كبير بالنظر الى عاملين:

 اولهما الدمار الهائل الذي شهدته مختلف البلدان، مما استوجب جهدا منظما وجمعيا لاعادة الاعمار، وهذا يستدعي بطبيعة الحال تخطيطا وادارة مركزية لتوزيع الموارد.

 اما السبب الثاني فهو تفاقم الاتجاه الى التخطيط المركزي في اوربا الشرقية والصين، وهو اتجاه حقق في تلك الحقبة المبكرة بعض النجاحات الملموسة على المستوى الاقتصادي لفتت أنظار الاوربيين. معظم المثقفين كان واعيا بجوهر المشكلة المطروحة. على احد الجانبين هناك بلد يحتاج الى اعادة بناء وبالتالي حكومة قوية وقادرة على التدخل.

 وعلى الجانب الثاني، كان ثمة قلق من ان القبول بتدخل الدولة في السوق وفي حياة الناس سوف يحولها الى «غول» عصري، يبتلع الحريات المدنية ويقيم نظاما تحكميا شديد الوطأة، شبيها بالغول السياسي الذي كتب عنه توماس هوبز في القرن السابع عشر.

ولم يكن كثير من هؤلاء المثقفين قلقا على حريته فقط، بل كان قلقا من ان منح الدولة سلطات غير محدودة، قد يدفعها الى الطغيان وربما الدخول في حروب جديدة، مثلما فعلت حكومة هتلر، التي استغلت سلطاتها المطلقة فورطت المانيا في حرب ضروس اكلت الاخضر واليابس. ولو لم يكن الامر على هذا النحو لاستطاع المجتمع الالماني معارضة اتجاه الحكومة العدواني واعاقة انزلاقها نحو الحرب. 

كان السؤال الذي شغل الناس يومئذ

هل نغامر بمنح الدولة سلطات مطلقة لاعادة تنظيم حياتنا وازالة آثار الحرب ؟. أي: هل نقدم المصلحة المادية الواضحة على الحريات المدنية، ام نحافظ على هذه الحريات ولو ادى الامر الى تعطيل الاعمار؟. من الواضح ان غالبية الناس سوف تميل الى الخيار الاول، لان ضغط حاجات الحياة اليومية اشد من ان يقاوم. لكن المثقفين وقادة الرأي نظروا الى نهاية المسألة وليس بدايتها. 

قدم ايزايا برلين حلا بسيطا، خلاصته التمييز بين مفهومين للحرية سلبي وايجابي. ينطبق المفهوم السلبي للحرية على المساحة الخاصة بالحياة الشخصية التي يتصرف الفرد فيها وفقا لقناعاته الخاصة ومن دون تدخل احد، سواء كان شخصيا او قانونيا. من ذلك مثلا حرية التفكير والتعبير والاعتقاد، وحرية الانسان في العيش والعمل كما شاء طالما لم يزاحم الغير. 

طبقا لرأي برلين فان هذا النوع هو التجسيد الابسط لمفهوم الانسانية، ويعد حرمان الانسان منه انتقاصا من انسانيته. ولهذا وجب ان يحمى بالقانون لا ان يحدد بالقانون. فلا يجوز اصدار قانون يحد من حريات الناس الشخصية التي اودعهم الله اياها يوم خلقهم. اما الحرية الايجابية فيتجلى تطبيقها في المساحة التي يشترك فيها الفرد مع غيره من ابناء المجتمع. 

بعبارة اخرى فهي منظومة الحقوق والحريات التي يحصل عليها الفرد بالاتفاق مع بقية اعضاء الجماعة، وهي لهذا السبب حرية يقررها القانون وتوضع حدودها بالتوافق والتراضي. قال برلين انه يمكن للمجتمع منح الحكومة حق التدخل في المجال الثاني شرط التزامها بحماية الاول والامتناع عن اختراقه. 

 قد يكون من العسير تحديد فاصل دقيق بين المساحتين، لكن ما يمكن قوله هنا هو ان لكل فرد شريحة من الحريات الاساسية التي ينبغي احترامها على الدوام وفي جميع الظروف، لانها شرط للانسانية. واظن ان هذا يوضح المجال الذي يجوز فيه تحديد الحرية من دون ان يعد التحديد طغيانا، وذلك الذي لا يجوز للمجتمع الاقتراب منه لانه حرم خاص للفرد يفعل فيه ما يشاء، ولا يخضع لغير رقابة ضميره ومن فوقه رب العالمين.

 عكاظ الإثنين 30/07/1428هـ ) 13/ أغسطس /2007  العدد : 2248

https://www.okaz.com.sa/article/124632              
مقالات ذات علاقة 

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...