‏إظهار الرسائل ذات التسميات الاقتصاد. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الاقتصاد. إظهار كافة الرسائل

08/06/2009

الطريق الليبرالي


طريق التنمية الشاملة لم يعد خيارا بل ضرورة لاستيعاب تطلعات الجيل الجديد، مثلما كانت التنمية الاقتصادية في وقتها ضرورة للإقلاع من الفقر المادي والثقافي. اتجه العالم إلى التفكير في التنمية كمسار متكامل ومتصاعد، وظهرت في هذا الإطار نظريات تتحدث عن التنمية الشاملة والتنمية المستدامة ، بعدما كان التفكير مركزا على تحديث الاقتصاد. نعلم اليوم أن تحديث الاقتصاد يؤدي بالضرورة إلى تعزيز النزعات الليبرالية في المجتمع.

الليبرالية كسلوك ورغبة عامة ، ليست أيديولوجيا كما تصورها النقاشات المدفوعة بتوجهات أيديولوجية. من المؤسف أننا لم نستطع تجاوز الفرضيات السقيمة التي تناولت الليبرالية كمذهب متناقض مع التقاليد أو بديل عن الدين. هذا النوع من النقاش غيب الحقيقة التي نستطيع مشاهدتها عيانا كل يوم وفي كل مكان ، حقيقة أن الناس جميعا يرغبون في أن يعترف بهم كأفراد أكفاء ، قادرين على تقرير طريقة حياتهم وتحمل المسؤولية الأخلاقية والقانونية التي تترتب على خياراتهم.

جوهر الليبرالية هو تقدير قيمة الفرد باعتباره إنسانا حرا عاقلا ومسؤولا.

قد لا أكون مبالغا لو قلت إن أغلبية الناس سوف يذهبون في هذا الاتجاه ، لو خيروا بينه وبين المنهج القديم الذي ينكر على الفرد هويته المستقلة ، ويعتبره مجرد امتداد بيولوجي لعائلته أو قبيلته أو طائفته أو جنسه ، المنهج الذي يعتبر الفرد عاجزا عن سلوك طريق الإحسان ما لم يخضع لمراقبة مرشد ، أو آثما بطبعه ما لم يقيد أحد يديه وعقله كي لا يبغي على الغير.

الاقتصاد الجديد يخلق فرصا ويفتح أبوابا أمام الجيل الذي استوعبه وتعامل معه واستفاد منه. هذه الفرص هي أدوار ومسارات تأثير تختلف عما اعتاد عليه المجتمع التقليدي. نحن إذن إزاء نظام اجتماعي يولد وينمو تدريجيا. الطريق الصعب هو استيعاب هذه الحقيقة وإعادة هيكلة النظام الاجتماعي القائم ، على نحو يستوعب القادمين الجدد. الطريق السهل هو إنكار هذه الحاجة ، والاكتفاء بالفرجة على ما يحدث من تحولات. الطريق الأول صعب لأنه يتطلب اتخاذ قرارات غير معتادة ، والتنازل عن أعراف ترسخت واعتادها الناس لزمن طويل. الطريق الثاني سهل لأن الإهمال هو أسهل المواقف.

لكن عواقب الإهمال قد تكون كارثية. يؤدي الإهمال إلى قيام نظام اجتماعي مزدوج كما لاحظ سعد الدين إبراهيم: يرغب الناس في نمط حياة حديث، لكنهم يتظاهرون بالالتزام بالتقاليد. يتحول هذا التظاهر في أحيان كثيرة إلى نوع من التكاذب الجماعي. يشعر الناس أحيانا بأنهم محتاجون إلى التظاهر كي يسهلوا حياتهم. يتحدث شخص ما عن فضائل التقاليد ، وهو يعلم أنه غير صادق ، لأنه شخصيا يفضل نمط معيشة حديثا ومنهج عمل حديثا. الذين يستمعون إليه يشعرون بذات الشعور ويفهمون أنه غير صادق ، ولعله يفهم أيضا أنهم يستمعون إليه وهم يضحكون في دواخلهم على مبرراته.

بدلا من هذه الازدواجية ، فإن الطريق السليم ، مهما كان صعبا ، هو تشجيع الناس على التعبير عن حقيقة ما يحبون ، حتى لو تعارض مع التقاليد والعادات الجارية أو مع اللغة السائدة في التخاطب. يجب أن نقبل بحق الفرد في أن يكون كما يريد، ثم نضع القانون الذي يوضح الحدود النهائية ، التي ينبغي للفرد رعايتها حين يعبر عن إراداته.

تحرير الفرد من قلق الرقابة الاجتماعية ، هو أحد المبادئ الكبرى لليبرالية. لكن الليبرالية لا تتحدث عن أفراد منعزلين أو حشود في غابة ، بل عن مواطنين في مجتمع يحترم القانون. القانون في مجتمع حديث يعتبر ضرورة لحماية الحريات وموازنتها مع المسؤوليات التي تترتب على ممارستها. الليبرالية إذن ليست دينا يتوازى مع الأديان ولا هي أيديولوجيا مغلقة ، تأخذها كلها أو تطرحها كلها.

الليبرالية تعبير عن رغبة الإنسان في استعادة هويته الخاصة ، وتحرير ذاته من العقد والأعراف والرقابة. قد لا يكون هذا الأمر محبوبا في مجتمعات كثيرة ، لكنه محطة في طريق بدأنا السير فيه فعلا ، فبلغنا تلك المحطة أو نكاد.

   https://www.okaz.com.sa/article/268087                عكاظ 8 يونيو 2009

30/03/2009

ارامكو واخواتها : الشفافية الضرورية في قطاع الاعمال


؛؛ الازمة المالية العالمية 2007-2009 ضربتنا في العمق لكن الحكومة والشركات الكبرى بقيت صامتة. نحن لانعرف كيف تؤثر هذه المشروعات على حياتنا ومستقبلنا؛؛

ثمة مسلمة في الاقتصاد الحديث فحواها ان الشركات المطروحة في سوق الاسهم ، وكذلك الشركات المملوكة للدولة مطالبة بالاعلان بصورة منتظمة عن استراتيجياتها ، مشروعاتها ، ميزانياتها ، ووضعها الفعلي في السوق ، بما فيه الصعوبات التي تواجهها ، وتوقعات الادارة عن المدى الزمني المتوقع لتجاوز تلك الصعوبات. شركات الكهرباء والمواصلات والاتصالات والشركات الكبرى مثل شركة سابك وامثالها تدير مشروعاتها بغرض الربح ، الخاسر والمستفيد هو بالدرجة الرئيسية حامل الاسهم . لكن تاثير عملها يتجاوز ملاك الاسهم الى مستعملي منتجاتها. خاصة المنتجات الضرورية للمعيشة والعمل. تخيل ماذا سيحصل لو نقلت شركات الطيران خدماتها الى دولة اخرى بناء على معايير تجارية بحتة . او قررت شركة الكهرباء – لنفس السبب – بيع منتجها ، اي الطاقة الكهربائية لمدينة محددة لانها تجني ارباحا اكثر ، او استغنت شركة سابك عن موظفيها المحليين واستبدلتهم جميعا بموظفين اجانب لتوفير نفقات التشغيل . كل هذه الاحتمالات مقبولة اذا نظرنا الى الجانب التجاري البحت ، اي الربح والخسارة بالمعنى السوقي البحت .

لكننا نعلم ان قرارات من هذا النوع لا تتخذ ابدا خشية التاثير السلبي على حياة الناس الذين قد لا يكونون ملاكا لاسهم الشركة لكن حياتهم ترتبط بصورة او باخرى بوجودها . ولهذا السبب تتدخل الحكومة فيما يتجاوز ادارة التعارض بين المصالح او حماية المبادرة الحرة . تتدخل الحكومات انطلاقا من كونها وكيلا عن المجتمع وممثلا للمصلحة العامة .

يقودنا هذا الى زبدة الكلام . حيث يمر العالم بازمة مالية هائلة . وهي تؤثر في كل بقعة وفي كل قطاع . ونحن نتاثر بها بصورة مباشرة شئنا ام ابينا. الازمة الاقتصادية العالمية هبطت باسعار البترول من 145 دولارا الى ما دون 40 دولارا ، وهبطت معها مداخيلنا الى ثلث ما كانت عليه قبل عام. قلة الدخل ستوقف او تؤجل مشروعات حكومية . كما ان شركة مثل ارامكو ستلغي او تؤجل المئات من مشروعاتها التي يعمل فيها او يستفيد منها مئات الالوف من الناس . الازمة نفسها ستهبط بالطلب على منتجات شركة سابك وشركات البتروكيمياء والمصافي ومنتجي مواد البناء ... وو..الخ . تاثير الازمة العالمية سيطال الملايين من الناس اذا لم نقل جميع الناس . وقد بدأت هذه التاثيرات في الظهور منذ اواخر العام الماضي ولا تزال.

لكن الملاحظ في الجملة ان جميع هذه  الشركات لا تخبر الناس عن تقديراتها الخاصة . المواطنون السعوديون لا يعرفون العمق الحقيقي لتداعيات الازمة على الاقتصاد السعودي ، ولا يعرفون كيفية تاثيرها على معيشتهم ومشروعاتهم المستقبلية . الطلبة الذين يفكرون في اختيار تخصصات جامعية لا يعرفون اي تخصص سيكون مطلوبا بعد اربع سنوات . وصغار المستثمرين الذين يفكرون في مشروعات جديدة لا يعرفون اي القطاعات سيستفيد من الازمة الراهنة ، او ايها سيكون مؤمنا نسبيا ضد انعكاستها . والذين يملكون اسهم في شركات مثل سابك وامثالها لا يدرون التاثير الفعلي للازمة على شركتهم وكيف سيجري الامر خلال السنوات الثلاث القادمة .

زبدة القول اذن ان هذه الشركات ، المملوكة للدولة او المملوكة للقطاع الخاص ، ليست مجرد وحدات تجارية محدودة التاثير ، بل تنعكس اعمالها على حياة الالاف من الناس ممن يملكون اسهمها وغيرهم. واذا كان هذا الامر صحيحا فهي مطالبة بمكاشفة الراي العام بحقيقة الوضع الذي تمر فيه ، وعمق التاثير الذي خلفته الازمة المالية العالمية على اعمالها ، وانعكاس هذا على الاقتصاد المحلي ومعيشة الناس. ليس من حق مديري هذه الشركات التسلح بمقولة ان الشركة تقدم تقاريرها السنوية للمساهمين ، فثمة الاف من الناس خارج هذه الدائرة تتاثر معيشتهم سلبيا وايجابيا بوجودها وعملها . وهو تاثير لا ينتظر التقرير السنوي ، بل يحصل اليوم وغدا وبعد غد وفي كل يوم .

لكي تستقر معيشة الناس فاننا بحاجة الى تمكينهم من المساهمة في تحمل اعباء حياتهم ، وهذا يتطلب بصورة قطعية معرفتهم لما يجري اليوم وما سيجري غدا كي يدبروا انفسهم قبل ان يجدوا انفسهم محاصرين بلا حول ولا قوة ولا قدرة على مبادرة او تصحيح.





عكاظ 30-3-2009 

06/02/2008

المجتمع السري


يقول باحثون إن الاقتصاد السري في مصر يعادل تقريبا ثلث الناتج القومي الإجمالي. والاقتصاد السري هو وصف للنشاطات التجارية التي لا تخضع للتنظيم الرسمي، وهي واسعة في مصر بسبب ضيق الإطارات القانونية والمؤسسية، لا سيما التعقيدات البيروقراطية وتعسف إدارات الضرائب، والقوانين المعيقة. حالة الاقتصاد السري في مصر هي نموذج لظاهرة عامة في العالم العربي تتلخص في التباين بين القدرة الاستيعابية للإطارات النظامية من جهة وبين مستوى الحركية والنشاط الاجتماعي من جهة أخرى.
سوق شعبي في القاهرة
يمكن تشبيه العلاقة بين الحركية الاجتماعية والتنظيم القانوني بالعلاقة بين ماء النهر ومجراه، إذا كان مجرى النهر واسعا ومرنا فسوف يستوعب كل ما يصب فيه من مياه وسوف يقوده إلى الجهات الصحيحة والمفيدة، واذا كان المجرى ضيقا، فإن الماء الزائد سوف يفيض على جوانب المجرى أو يشق طرقا جديدة بعيدة عن مجرى النهر، أو يتحول إلى فيضان. قد تكون المجاري الجديدة مفيدة للأراضي العطشى وقد تكون مضرة، مثلما هو الفيضان الذي قد يفيد وقد يدمر ما يجد أمامه. في كل الأحوال فإن عجز الإطارات القانونية والمؤسسية عن استيعاب الحراك الاجتماعي سوف يؤدي بالضرورة إلى قيام مسارات ومؤسسات ونشاطات اجتماعية غير خاضعة للتنظيم الرسمي وغير قابلة للإدارة، يصفها الباحثون الاجتماعيون بالمجتمع السري مثلما يصفون التجارة غير المنظمة بالاقتصاد السري.
المجتمع السري ليس بالضرورة مجهولا او مكتوما، فالناس جميعا أو شريحة منهم على الأقل تعرف بوجوده وتمارسه وتستريح إليه، بل وتعتبره سياقا حياتيا اعتياديا مثلما النشاط المؤطر قانونيا هو نشاط حياتي اعتيادي. الفارق بين الاثنين يكمن تحديدا في وجود إطار رسمي ينظمه، لا أكثر ولا أقل. سواء عرف البيروقراطيون بوجود المجتمع السري أو غفلوا عنه، وسواء استعظموه او استهانوا به، فإن فعله وتأثيره في نفوس الناس وفي حياتهم، لا يقل عن فعل المؤسسة الرسمية وتاثيرها. وعلى أقل التقادير فإنه يؤثر في جوانب من حياة الناس لا تصل إليها يد المؤسسة الرسمية.
وفي العادة فإن الدوائر الرسمية في جميع الدول تسعى للتعرف إلى تلك النشاطات. يحركها في هذا السعي القلق الأمني، أو الرغبة في التنظيم والإدارة. لهذا يمكن القول إن الدوائر الرسمية تعرف غالبية النشاطات الأهلية غير المنظمة، معرفة كاملة او جزئية. ومن المفترض ـ نظريا على الأقل ـ أن تقود المعرفة بها الى المرحلة التالية، أي تنظيم تلك النشاطات وتأطيرها. وهنا تكمن المشكلة التي تعانيها معظم الدول العربية، أعني التباطؤ والتلكؤ في توفير المتطلبات اللازمة لتأطير النشاط الأهلي، بل وفي بعض الأحيان تنميطها جميعا كمشكلات أو تهديدات، بدل النظر إليها كفرص وعلامات صحة في المجتمع.
لعل منتديات الانترنت هي أكثر أشكال المجتمع السري شيوعا في الوقت الراهن، ويكشف العدد الكبير من هذه المنتديات عن شريحة ضخمة من الاهتمامات والهموم والنقاشات الدائرة في المجتمع. والحقيقة أنها قد أصبحت موردا رئيسيا للأفكار والمعلومات لمعظم المهتمين بالرأي العام والمشتغلين بالشأن العام. منتديات الانترنت هي شكل واحد فقط من أشكال المجتمع السري، وربما أكثرها إثارة للاهتمام. لكن الى جانبها ثمة أشكال عديدة أخرى للنشاط الأهلي، بعضها أكثر نضجا ولعله أعمق تأثيرا. هذه الأشكال وتلك هي نماذج أولية لتيارات جديدة في المجتمع، أو هي تعبيرات عن تيارات قائمة فعالة في المجال العام.
سواء أعجبتنا هذه التعبيرات أم أزعجتنا، فهي تمثِّل في مجموعها حقيقة المجتمع في لحظته الراهنة. حقيقة المجتمع كنطاق واسع ومتنوع، وهو يزداد تنوعا واتساعا مع مطلع كل شمس. إذا تخلى المجتمع عن ركوده وبدأ في الحركة، فإن الحركة بذاتها تفرز أنواعا من النشاط معظمه جديد وغير مألوف. المجتمعات الحية هي التي تسارع إلى الإقرار بحقيقة ذاتها وما تنطوي عليه من تنوع وتغير ، فتبادر إلى توسيع إطاراتها وتنظيماتها القانونية والمؤسسية كي تستوعب الوافدين الجدد إلى الحياة العامة. بينما ترفض المجتمعات الخاملة أو اليائسة الاعتراف بالجديد والتعارف معه حتى لو امتلأت الساحة بوجوده وفعله.
 عكاظ 6 فبراير 2008  العدد : 2425
https://www.okaz.com.sa/ampArticle/161781

مقالات ذات علاقة

13/12/2006

معالجة الفقر على الطريقة الصينية

 

||النموذج الصيني» يماثل نظيره الغربي في استقلال السوق (نسبيا) وحاكمية القانون والمساواة بين الناس ومنع استغلال السلطة||

نهضت الصين ولم يهتز العالم كما توقع الان بيرفيت في منتصف السبعينات. لكن التجربة الصينية في التنمية تتحول بالتدريج الى نموذج معياري في الاصلاح الاقتصادي والتحديث منافس للنموذج الكلاسيكي الذي تتبناه الولايات المتحدة الامريكية والمؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي. يتفق النموذجان في معظم المفاهيم القاعدية لفكرة التنمية، ولا سيما المعايير والمؤشرات الدالة على درجة التطور الاقتصادي، وكذلك العوامل المؤثرة في الانتقال من عصر التقاليد الى الحداثة، والأهداف الكمية لعملية التنمية.
الطبعة الاولى الفرنسية للكتاب
 لكنهما يختلفان في الاسلوب ويختلفان في المعايير غير الاقتصادية للنمو. الاسلوب الرئيسي لتحديث الاقتصاد في النموذج الكلاسيكي الغربي هو «العلاج بالصدمة»، الذي يقول ببساطة: دع آليات السوق تقرر مساره حتى لو تضرر البعض. يقوم هذا النموذج على مبدأ عميق الجذور في الفلسفة السياسية الحديثة فحواه ان عامة الناس اقدر من الحكومات على تحسين مستوى معيشتهم. الانسان بطبعه ميال الى توسيع مصالحه واملاكه وارباحه، ومن الافضل للحكومة ان تبتعد قليلا عن السوق وتفسح المجال للناس كي يتنافسوا من اجل الربح.
عندئذ سيبتكر هؤلاء الناس طرقا افضل للعمل والانتاج. لا يحتاج السوق الى قرارات حكومية لتحديد ما هو مطلوب وما هو متوفر، السوق نفسه يوازن بين العرض والطلب ويقرر مستوياته ونوعيته.
طبقا لهذه النظرية فان النجاح بالمعنى الاقتصادي مرتبط بالربحية.
 وقد اكتشف العالم سلامة هذا المفهوم الى حد كبير. ثمة قطاعات كانت تعتبر في الماضي موضوعا لسيادة الدولة وسلطانها، مثل التعليم والصحة العامة والامن والصناعات العسكرية والمواصلات.. الخ. لكن ظهر اليوم ان هذه القطاعات ستكون اقدر على النجاح والتطور اذا تركت للناس يديرونها في سبيل الربح. لا ينحصر تاثير السوق في زيادة الثروة والاستثمار، بل يتعداه الى تغيير هيكل العلاقات الاجتماعية، ولا سيما اعادة صياغة التراتب بين الناس وفق معايير الكفاءة والجهد الشخصي بدلا من الانساب والانتماءات السابقة للولادة.
 من هنا فان المجتمع الحديث، أي المجتمع الذي يدير معيشته على اساس مفاهيم السوق الحرة، سيكون اقدر من المجتمع التقليدي على ابتكار الاطارات اللازمة لاستيعاب الاجيال الجديدة من الافراد الاكفاء والطامحين سيما الذين يأتون من خلفيات اجتماعية متواضعة.
ابتعاد أية حكومة عن السوق لا يعني بالضرورة تخليها عن سلطاتها، بل اقتصارها على دور الحكم المحايد، او مدير اللعبة الذي يشرف على حسن تطبيق قوانينها ومنع العدوان. وعلى هذا الاساس فان تنمية الاقتصاد تتطلب – حسب هذا النموذج – التزاما قويا من جانب الحكومة بفرض قانون واحد يتسع للجميع ويتساوى امامه الجميع، ويتطلب مساواة مطلقة بين الناس في عرض الفرص والموارد والامكانات، خاصة تلك التي تعتمد على المالية العامة، كما يتطلب التزام السياسيين ورجال الدولة بالترفع عن ممارسة التجارة او استخدام نفوذهم للحصول على مكاسب تجارية.
يقوم «النموذج الصيني» على نفس هذه المفاهيم، ولا سيما ابتعاد الحكومة عن السوق وحاكمية القانون والمساواة بين الناس ومنع استغلال السلطة. لكنه يدعو في الوقت نفسه الى دور اكبر للحكومة في توزيع النمو من خلال توجيه الموارد المالية الحكومية الى المناطق الاكثر فقرا، وتحملها عبء الدراسات الضرورية لاستنباط موارد جديدة في هذه المناطق. بعبارة اخرى فانه يفصل بين المناطق الجاذبة للاستثمار التي ستنمو اوتوماتيكيا اذا افسحت الحكومة المجال امام القطاع الخاص المحلي والاجنبي، والمناطق النائية التي تفتقر الى عناصر الجذب الاستثماري، ويعطي للحكومة دورا اكبر في هذه المناطق، سواء على مستوى التخطيط او التمويل.
في الحقيقة: النجاح الاعظم الذي حققته الصين يرجع الى هذا التقسيم العقلاني الذي ركز على استئصال الفقر من دون التدخل المفرط في السوق. طبقا لتقرير اصدره صندوق النقد الدولي في العام الماضي فان الصين حققت ما يشبه المعجزة على صعيد مكافحة الفقر في عصر خلا تقريبا من المعجزات. عند انطلاق برنامج الاصلاح في 1978 كان 53 بالمائة من الصينيين في خط الفقر او دونه. لكن هذا الرقم انخفض الى 8 بالمائة فقط في العام 2003.
 ولم يتحقق هذا النجاح من خلال الدعم المباشر للفقراء او تحول الحكومة الى جمعية خيرية، بل من خلال التنظيم العقلاني للاقتصاد والتوزيع العادل للموارد، وهذا ما نفهمه من الارتفاع الاستثنائي للناتج الوطني الصيني الاجمالي خلال الفترة المذكورة من 44 بليون دولار الى 1425 بليون دولار، بمعدل سنوي يفوق 9 بالمائة، وهو ما يزيد عن أي معدل تحقق في أي بلد آخر في العالم.
الكتاب المشار اليه في المقدمة: آلان بيرفيت: يوم تنهض الصين يهتز العالم ، ترجمة هنري زغيب ، منشورات عويدات (بيروت 1974)

عكاظ 13 ديسمبر   2006  https://www.okaz.com.sa/article/66512

30/05/2006

قرش الخليج الابيض


الخبر الذي لم يلفت انتباه الكثيرين يقول ان البنك الدولي قد دعا دول الخليج الى التركيز على الصناعات التصديرية بدل الافراط في الانشاءات المكلفة . ويمثل البنك وشقيقه صندوق النقد الدولي ابرز هيئة تعنى بالاقتصاد العالمي . فيما يتعلق بنصيحته لدول الخليج ، فهو يقول ببساطة ان ارتفاع اسعار البترول قد وفر لهذه المنطقة مداخيل تتجاوز ما تحتاجه لنفقاتها الفورية والقصيرة الامد . وان عليها ان تستثمر هذه الفرصة في جمع قرشها الابيض ليومها الاسود . لا نتمنى بطبيعة الحال ان نصل الى يوم اسود ، لكن الامور لا تجري دائما وفق ما يشتهي الانسان . ولم ننس بعد الازمات الخانقة التي اصبنا بها يوم تدهورت اسواق البترول في النصف الثاني من الثمانينات و ما زالت بعض آثارها مشهودة حتى اليوم .

نحن بحاجة الى التحرر من الارتهان المطلق لتصدير البترول الخام . صحيح انه يمثل حاجة للاقتصاد العالمي يستحيل الاستغناء عنها في المدى المنظور . لكن الصحيح ايضا ان اعتماد العالم على بترول الخليج يرجع في المقام الاول الى وفرته ورخص اسعاره . وفي اوائل الثمانينات نصح وزير البترول السعودي الاسبق احمد زكي يماني دول الاوبك بالمحافظة على معادلة مناسبة للانتاج والاسعار ، لان الارتفاعات المتوالية  ستؤدي في رايه الى عودة الامريكيين الى الالاف من ابار البترول التي اغلقت لارتفاع كلفة الانتاج . كما ستؤدي الى جعل مصادر الطاقة الاخرى –  المحطات النووية مثلا - اقتصادية . ونضيف هنا ان العالم يشهد توسعا في اكتشاف مصادر جديدة للبترول سواء في غرب افريقيا او في اسيا الوسطى وحتى في الصين . ونضيف ايضا ان تطور تقنيات الكشف والاستخراج قد اعادت الحياة الى عدد من الحقول التي اعتبرت ناضبة في خليج المكسيك وامريكا الشمالية . هذه التطورات ستقلل من القدرة التنافسية لبترول الخليج ، لا سيما اذا حافظت الاسعار على معدلاتها الحالية المرتفعة .

المشكلة ليست هنا ، فكل سلعة في العالم تواجه منافسة من سلع اخرى مماثلة او بديلة . المشكلة ان مسارا من ذلك النوع قد يوصلنا الى نقاط ارتكاز حرجة . قبل ربع قرن على سبيل المثال كنا قادرين على تدبير امورنا بتصدير خمسة ملايين برميل بسعر عشرين دولارا للبرميل . لكننا لا نستطيع اليوم تدبير امورنا حتى مع مضاعفة الرقمين . ليس فقط لان عدد سكان المنطقة قد تضاعف ، بل لان نوعية حاجاتهم وكلفة حياتهم قد اختلفت وتضاعفت بنسب اعلى . ويعرف دارسو الاقتصاد السياسي ان نقطة الاشباع الحدي للحاجات تتصاعد بالتدريج بحسب قدرة الفرد على تلبيتها . وما يعتبر في وقت ما كماليا يتحول اذا تم الحصول عليه الى ضروري ، وبالتالي فان كلفة المعيشة تتصاعد بانتظام ، ويمكن للقاريء ان يقارن بين كلفة حياته الان وكلفتها قبل عشرة اعوام كي يتلمس هذا المعنى . خلاصة القول اذن ان مداخيل البترول لا يمكن ان تستمر في التصاعد الى ما لانهاية ، وان اي مستوى تصل اليه سيتحول بالتدريج الى نقطة ارتكاز لكلفة المعيشة او نقطة اشباع حدي للحاجات الحيوية . وهذا سيعيدنا من جديد الى نفس المشكلة التي واجهناها في النصف الثاني من الثمانينات ، اي قصور الموارد عن تلبية الحاجات .
الخيار الذي يبدو بديهيا هو الاتجاه الى الصناعة كمحور لتنويع قاعدة الاقتصاد الوطني . ويمكن النظر اليها من زاويتين : الانتاج المحلي يمثل وسيلة للتخفيف من عبء الواردات ، اي اعادة تدوير النفقات ضمن حدود الاقتصاد المحلي ، وبالتالي تكرار الاستفادة من راس المال . والزاوية الثانية هي زيادة عائدات التصدير . على سبيل المثال فان تصدير برميل من البنزين او الديزل يعود باضعاف قيمة تصدير برميل من الزيت الخام ، والامر نفسه يقال عن تصدير المواد البتروكيمياوية الوسيطة المصنعة من مصادر بترولية .

طرح هذا الموضوع تكرارا في السنوات الماضية ، لكن لسبب ما فانه لم يحظ باهتمام السياسيين واصحاب القرار . ويبدو هؤلاء اكثر شوقا الى الانفاق على بناء العمارات والمطارات الضخمة منهم الى بناء المصانع وتوسيع قاعدة الانتاج الوطني . هناك من يقول بان دول الخليج عاجزة عن التصنيع لانها تفتقر الى الخبرات التقنية ، او لان شعوبها كسولة او لانها مصابة بمرض تفضيل الاجنبي على المحلي . وكل هذه المبررات هي انطباعات شخصية وليست نتاج بحث علمي . ولعل تجربة الصناعة في السعودية هي اكبر دليل على سقم هذه الاقوال ، فهي على رغم محدوديتها تمثل دليلا على القابلية الهائلة للتطور في هذا الطريق . وخلال السنوات العشر الماضية تحولت شركة سابك ، وهي محور صناعة البتروكيمياويات السعودية ، الى مصدر عالمي معروف للمواد الصناعية الوسيطة ، وحافظت على صادرات سنوية تقدر بمئات الملايين . ويمثل الموظفون السعوديون اكثر من نصف قوة العمل في هذه الشركة العملاقة . ونجاح هذه الشركة ونظيراتها دليل على ان طريق الصناعة ممكن ومثمر وقادر على تحقيق نجاحات.

توفير القرش الابيض لليوم الاسود لا يعني تخزين الاموال في البنوك ، وليس شراء استثمارات في خارج المنطقة كما يفعل بعض الاثرياء وشركات الاستثمار.  اذا اردنا النظر الى الموضوع من زاوية وطنية بحتة ، فان توفير القرش الابيض يعني توسيع وتنويع قاعدة الانتاج الوطني وزيادة مصادر التمويل المحلي ، للخلاص من الارتهان الحالي لاسواق البترول واسعاره وازماته .


07/12/2005

كي نتخلص من البطالة

مشكلة البطالة التي تواجهها دول الخليج واحدة من مشكلات كثيرة ترجع الى سبب واحد ، يتمثل في انعدام التاسيس النظري المناسب للنظام الاقتصادي في اقطار الخليج. لو وجدت نظرية عامة للاقتصاد فان استراتيجيات العمل الاقتصادي ، وبالتالي القرارات الحكومية ذات العلاقة سوف تاتي منسجمة، متناغمة ومتكاملة. وفي غياب هذه النظرية، فان كل قرار سوف يبنى على قاعدة منفردة ، بل وربما متعارضة في بعض الاحيان مع القواعد التي بنيت عليها قرارات سابقة، او متعارضة مع الاعراف السائدة في قطاع الاعمال مثل هذا التعارض لا بد ان يؤدي الى اشكالات غير مريحة: تعطيل القرار مرة وتعطيل النشاط الاقتصادي مرة اخرى.

هذا الاستنتاج ليس مجرد فرضية بل هو واقع محسوس ولعل اخر الامثلة عليه هو الاقتراح المقدم من بعض وزراء العمل الخليجيين ، وفحواه تحديد الفترة القصوى التي يسمح للعامل الاجنبي بالبقاء في المنطقة. وهو قرار غير منطقي وغير قابل للتطبيق، ولهذا فقد واجه معارضة فورية من جانب قطاع الاعمال كما ظهر في بيان غرفة تجارة الرياض مثلا.

الفرضية المعتادة ترجع مشكلة البطالة الى قلة فرص العمل، وهذا بدوره يرجع الى ضآلة حجم الاستثمار الحكومي او الاهلي. لكن دول الخليج لا تعاني من قلة المال. حتى في سنوات العسر الاقتصادي الماضية كان الحجم الاجمالي للاستثمار قادرا على توفير فرص عمل كافية. لكننا وجدنا ان معظم هذه الفرص ذهبت الى عمال وافدين. والسبب في ذلك كما يبدو لي هو عدم التوازن بين مستويات الفرص المتاحة. الشريحة الاعظم من الفرص تتعلق بوظائف قليلة العائد ولا تحتاج في العادة الى كفاءات كبيرة كما ان الشريحة العليا من الوظائف هي بطبيعة الحال ضيقة ولا تستوعب سوى نسبة صغيرة جدا من المؤهلين، وهي على اي حال ليست رهانا جديا للاغلبية الساحقة من طالبي العمل.

 اما النقص الحقيقي فهو في الوظائف المتوسطة التي تعادل عائداتها الاساسية ضعف المتوسط العام لكلفة المعيشة. ان الشريحة الاوسع من سكان الخليج ينتمون الى الطبقة الوسطى من حيث الكفاءة العملية ومستوى المعيشة ولهذا فان الوظائف المتوسطة هي خيارهم الطبيعي.

كانت امارة دبي هي الوحيدة في الخليج التي وضعت نظرية عامة لاقتصادياتها حين قررت ان الخدمات المالية والتجارية سوف تكون محور حياتها الاقتصادية. وبناء عليه فقد اعادت صياغة كامل منظومتها القانونية والادارية لخدمة هذا الاتجاه، ووجدنا كيف حققت نتائج مدهشة في فترة قصيرة. ولهذا فان هذه الامارة هي الوحيدة بين نظيراتها في الخليج التي لا تتحدث عن بطالة، بل عن فرص عمل متزايدة.

لو اردنا وضع نظرية كلية فلا بد ان تقوم على اعتبار البترول المحور الرئيس لاقتصاديات الخليج، ذلك ان الاحتياطي المتوفر والمتوقع سوف يكفي لما لا يقل عن نصف قرن. ويمكن لنا بالاعتماد على البترول وحده توفير فرص عمل كافية اليوم وغدا، بشرط ان يتحول الى صناعة متكاملة. رغم ان تصدير البترول يمثل في الوقت الحاضر المورد الاول والحاسم للدخل القومي، الا انه لم يتحول بعد الى عصب للحياة الاقتصادية. بكلمة اخرى فان صناعة البترول لا زالت محصورة جغرافيا في مناطق محددة وموضوعيا في قطاعات محددة، اما باقي القطاعات الاقتصادية فهي مجرد عالة على صادرات البترول وليست جزءا متفاعلا معها.

 ولهذا فان احد اغراض النظرية هو تنسيج صناعة البترول في كل اجزء الدورة الاقتصادية وتحويل هذه الدورة الى منظومة متفاعلة تدور حول الاستفادة القصوى من ذلك المورد. ويتحقق ذلك من خلال مسارين: الاول هو التحول من تصدير البترول الخام الى تصدير المشتقات البترولية والمنتجات الثانوية، والثاني هو التوجه نحو الاكتفاء الذاتي في التجهيزات والتقنيات المتعلقة بصناعة البترول. ونشير هنا الى الدعوات الملحة التي اطلقها اقتصاديون واكاديميون خلال العقود الثلاثة الماضية، لاستثمار العائدات البترولية في تنويع قاعدة الانتاج الوطني. هذه الدعوات تجاري قاعدة معروفة في علم الاقتصاد فحواها ان الاعتماد على تصدير المواد الخام يجعل المصدر اسيرا للمشتري، كما ان الاقتصار على محصول واحد يقلص مستويات الامان

فيما يتعلق بالمسار الاول فان التحول الى تصنيع البترول يتوقف على التوسع في انشاء مصانع التكرير والبتروكيمياويات وتتمتع دول الخليج بميزة استثنائية على غيرها من دول العالم هي توفر رؤوس الاموال اللازمة لهذه الصناعات التي تحتاج الى استثمارات ضخمة. التوسع في هذه القطاعات سوف يضاعف عائدات التصدير، ويوفر عددا كبيرا من الوظائف الجديدة، كما سيرفع المستوى العملي والتقني للبلاد في الحقيقة فان دول الخليج قادرة على التحول الى موفر رئيسي لمشتقات البترول والمواد الوسيطة للصناعات الكيميائية في العالم، مثل ما هي اليوم الموفر الرئيسي للبترول الخام ومع هذا التحول فان موقعها في السوق العالمي سوف يتعزز وسوف يوفر حماية اضافية لاقتصادياتها من تقلبات الاسواق الدولية.

اما بالنسبة للمسار الثاني، فان جانبا هاما من عائدات البترول الخليجي يذهب من جديد الى الدول المستهلكة ثمنا لاستيراد التجهيزات والتقنيات التي تحتاجها هذه الصناعة من المؤسف اننا لا نملك حتى الان قاعدة علمية مناسبة لتطوير التقنيات التي نحتاجها، كما لا نملك قاعدة صناعية توفر ما نحتاجه من عتاد وتجهيزات، على الرغم من وجود العديد من الكليات الجامعية المتخصصة والالاف من الشباب الذين درسوا في التخصصاات ذات العلاقة في الجامعات الاجنبية. واظن ان السبب وراء هذا النقص هو انعدام التاسيس النظري الذي اشرنا اليه.

لو ذهبنا في هذين المسارين، فان عائدات البترول سوف تقفز الى اضعاف العائدات الحالية، كما انها ستوفر فرص عمل ليس في مواقع الانتاج فقط، بل في كل مستويات الاقتصاد الوطني. ان صناعة البترول توفر اليوم اقل من عشرة بالمائة من الوظائف، اما النسبة الاعظم فهي ناتج ثانوي لعائدات التصدير. مع التحول المشار اليه فان صناعة البترول قادرة على مضاعفة الفرص الوظيفية، كما ان تضاعف العائدات سوف يلبي البقية الباقية ويزيد.

قلنا في البداية ان مشكلة البطالة تتعلق بالشريحة المتوسطة من الوظائف. ونضيف هنا ان طلاب هذه الشريحة سيكونون ابرز المستفيدين من التحول المطلوب. اذا نظرنا الى صناعة البترول والبتروكيمياويات الحالية فسوف نجد ان معظم وظائفها تنتمي الى هذه الشريحة. وبطبيعة الحال فان التوسع فيها سيقود بالضرورة الى توسع مواز في فرص العمل لهذا نعود الى القول بان مشكلة البطالة يمكن ان تختفي تماما من دول الخليج لو وضعت نظرية مناسبة للعمل الاقتصادي، نظرية تتواصل مع الامكانات القائمة فعلا وتبني عليها.

18/10/2005

ظرف الرفاهية واختصار الكلفة السياسية للاصلاح

 لا يستطيع المال حل جميع المشكلات لكنه يستطيع بالتاكيد ايجاد الظرف الملائم لتيسير الحل. في ظل ندرة الموارد فان النقاط الضعيفة في النظام الاجتماعي تميل الى التأزم وتظهر على السطح في صورة معضلات مثل البطالة والفقر وتقلص الفرص وغيرها . وبالعكس من ذلك فان وفرة الموارد توفر وظائف جديدة  كما تعزز الامل في نفوس الناس بامكانية تحقيق الاهداف الحيوية. ما نلاحظه اليوم من انشغال مفرط للجمهور بسوق الاسهم وغيرها من قنوات الاستثمار هو مؤشر على تراجع فعلي  للمشكلات التي سادت خلال السنوات الماضية وشكلت موردا متجددا للشكوى سواء في الصحافة او في الملتقيات الاجتماعية . تجدد الامل نشهده ايضا في الارتفاع الكبير للانفاق الفردي كما يظهر في عودة الازدهار لسوق البناء والانشاء التي يقدر بعض التجار الزيادة فيها بنحو 40 بالمائة قياسا الى العام الماضي .

يعرف اهل السياسة مثل هذا الظرف بظرف الارتخاء السياسي ، وهو على وجه التحديد الفترة الزمنية التي يسود فيها التفاؤل بين الناس ويتحدثون عن آمالهم ومكاسبهم اكثر مما يتحدثون عن احباطاتهم ومشاكلهم . بالنسبة للقادة السياسيين فان هذا الظرف هو الفرصة المثالية للقيام بالتغييرات المثيرة للجدل . في العادة فان الشعور بالحاجة الى تغييرات اساسية في النظام الاجتماعي او الاستراتيجيات السياسية الكبري يتولد في ظروف الازمة . ذلك ان الازمة بذاتها هي دليل على وجود خلل ما او قصور ما يحتاج الى علاج . لكن في الوقت نفسه فان معظم السياسيين لا يميل الى التغيير في ظرف الازمة ، خشية ان يثير ردود فعل معاكسة ، ربما تعمق التازم بدل ان تعالجه.  والسر في ذلك واضح ، ففي ظروف الازمة (الاقتصادية او السياسية او الاجتماعية)  يميل الناس الى الارتياب والسلبية .

 واذا كان التغيير المنشود مخالفا لرغبات شريحة اجتماعية ما ، فلعلها تتخذه مبررا جديدا للتاكيد على شكوكها السابقة . وقد شهدنا في بلاد عربية واجنبية كثيرة ، ان محاولات الاصلاح الاقتصادي مثلا قد اثارت غضبا عارما بين شرائح عريضة من المجتمع ، رغم القناعة الكاملة من جانب المخططين بانها الحل الانجع للازمات والمشكلات التي تواجه تلك الشريحة بالذات. ولعل احدث الامثلة على ذلك هو الاضطرابات التي شهدتها اليمن في اواخر يوليو الماضي بعد قرار الحكومة الغاء الدعم على المشتقات البترولية ، الامر الذي ادى الى رفع اسعارها في السوق المحلي . هذه الاضطرابات التي ذهب ضحيتها قتلى وجرحى هي مثال على نوعية ردود الفعل التي يمكن ان تثيرها سياسات الاصلاح الحكومية . الاصلاحات الاقتصادية تثير غضب الشارع وربما تفجر احتجاجات عنيفة ، اما الاصلاحات السياسية فتثير ردود فعل غاضبة في داخل الحلقات القريبة من مراكز القرار ، اي ضمن النخبة التي تشارك في السلطة السياسية او تؤثر فيها مباشرة . ولهذا فهي - رغم لينها النسبي قياسا الى غضب الشارع - تولد تاثيرا اكبر على اصحاب القرار . ذلك انها تنطوي على تهديد جدي بتفكك نظام العلاقات الداخلية او تضعضع الاجماع الذي يتكيء عليه النظام السياسي . في الحقيقة فان السبب الرئيسي لتردد الكثير من الحكومات العربية في تبني اصلاحات جذرية وواسعة النطاق يرجع الى القلق من تخلخل البيت الداخلي للنخبة السياسية العليا ، او خسارة القوى الاجتماعية التي تحتاج النخبة الى دعمها .

في ظل ظروف الازمة تتحاشى النخبة الاقدام على اصلاحات ذات معنى ، خشية ان تستغل من جانب القوى الاهلية الغاضبة في فرض مراداتها ومطالبها .  ان ظرف الازمة هو ظرف عدم استقرار ، وربما يؤدي الاقدام على  خطوات مثيرة للجدل الى المزيد من عدم الاستقرار . وعلى العكس من ذلك فان ظرف الرخاء الاقتصادي  يقود بالضرورة الى ارتخاء اجتماعي وسياسي ، وهو ظرف يسود فيه الامل والتطلع الى الاحسن . وبالتالي فان الاكثرية الساحقة من الناس تميل الى القبول بالتجديد والتغيير ، بل وتحتمل حتى التغييرات التي لم تكن ترضى بها في ظروف اخرى. كما تميل الى المهادنة والقبول بالحلول الوسطى والتوافقات . والسر في ذلك يرجع الى ان الرخاء المعيشي وتوفر الموارد يولد في داخل الانسان نوعا من الاستقرار والسلام النفسي ، والميل الى التعامل او المداهنة مع الغير بدل الارتياب فيهم . الامان المعيشي يعزز الامل في المستقبل . في ظل هذا الظرف فان المجتمع سيكون اكثر استعدادا للقبول بالتعاون مع السلطة بدل استثمار الاصلاحات في الانتقاض عليها . ولهذا السبب فان ظرف الارتخاء هو الفرصة المثالية للاقدام على اصلاحات سياسية كبيرة ، لانها سوف لن تستثمر في الانقضاض على السلطة كما تخشى النخبة عادة .

وفي اعتقادي ان ظرف النشاط الاقتصادي الذي تشهده حاليا دول المشرق العربي ،  ولا سيما الدول الخليجية هو الفرصة المثالية للقيام بالتغييرات التي طال الحديث عنها ، اي تلك التغييرات الضرورية لتحديث نظام الادارة السياسية والهندسة الاجتماعية وانماط المعيشة والانشغالات الثقافية والعلمية . ليس من الصالح التسويف والتاجيل لاننا لا ندري ان كانت حقبة الرخاء الحالية سوف تستمر سنوات طويلة ام انها سوف تتلاشى بعد عامين او ثلاثة . نقول هذا وخلفنا تجربة الثمانينات من القرن الماضي حين قفزت اسعار البترول الى خمسة اضعافها خلال خمس سنين ثم عادت فهوت من جديد مخلفة وراءها ازمات وضيق معيشة ومشكلات على اكثر من صعيد . ان الاستثمار الامثل للثروة المتوفرة اليوم يكمن في اصلاح الخلل المزمن في نظامنا الاجتماعي كي يكون اقدر على مجابهة التحديات المختلفة التي تتوجه اليه من كل صوب ، سواء التحديات المرتبطة بتراجع الدخل الوطني او تغير الظرف السياسي الاقليمي او الدولي او تغير الثقافة والسلوكيات بسبب الانفتاح المتزايد في العالم .
الايام 18 اكتوبر 2005

05/07/2005

كي نتحول الى دولة صناعية


يستغرب الزميل عبده خال ان المملكة لا زالت – بعد سنوات طويلة من تدفق البترول – دولة غير صناعية. واظن ان بعض الناس سيجيب الزميل بسؤال آخر : هل قررنا التحول الى دولة صناعية وفشلنا ؟.
ان ابرز المشروعات الصناعية القائمة اليوم هي ثمرة الخطط التي وضعت في النصف الثاني من السبعينات. ولو اعتبرت تلك بداية واستكملت بمشروعات جديدة من نفس الحجم ، فلربما كانت المملكة اليوم دولة شبه صناعية. في ظني ان عدم التوجه الى الصناعة كخيار رئيسي للاقتصاد الوطني هو ثمرة لغياب فلسفة شاملة للاقتصاد.

بكلمة اخرى : نحن لا نعرف على وجه التحديد ما هو قطب النشاط الاقتصادي في هذه البلاد . ثمة دول قررت فعلا خيارها العام ، ولهذا فقد وجهت سياسات الدولة وخطط عملها كي تخدم هذا الخيار ، وحققت نجاحا لا ينكر. لبنان مثلا يتمتع بقابلية للانتاج الزراعي والصناعي ، لكنه اختار السياحة كقطب لاقتصاده ، وخلال السنوات العشر الاخيرة صبت الحكومة جل جهدها ومواردها لتحويل هذا النشاط الى مولد اول للموارد وفرص التشغيل وقد نجحت في ذلك نجاحا باهرا.

 اما امارة دبي فقد اختارت الخدمات المالية والتجارية كقطب لاقتصادها ، فتحولت خلال عقد من الزمن الى مصنع هائل للمال والوظائف ونمت بشكل لا يحتاج الى وصف. ان لبنان اليوم هو مركز سياحي في المقام الاول ، بينما دبي هي مركز تجاري. بعبارة موجزة فان التحول الى دولة صناعية - اذا كان هذا هو المثال الافضل – يتوقف على قرار باعتبار الصناعة قطبا للاقتصاد الوطني ، ومن ثم اعادة توجيه الموارد المالية ومناهج التعليم والتدريب ، والعلاقات الخارجية ، اضافة الى اصلاح القوانين والمقررات الرسمية ، لكي تخدم جميعها هذا التحول .

معروف لدى الجميع ان تصدير البترول هو المصدر الاول للدخل الوطني ، كما ان النشاطات المرتبطة باستخراجه وتصديره تمثل فعليا قوة التشغيل الرئيسية لليد العاملة والى حد ما حركة السوق. وفي ظني ان صناعة البترول يمكن ان تكون القاعدة الرئيسية لاي خيار اقتصادي مستقبلي. فيما عدا نسبة صغيرة جدا تستهلكها الصناعات المحلية فان الجزء الاكبر من البترول يصدر خاما الى الاسواق العالمية. ولا يحتاج الامر الى خبراء لفهم ان القيمة المضافة الناتجة عن تكرير الخام او استعماله مدخلا للصناعات التحويلية تعادل اضعاف قيمة الخام . برميل البترول الذي يتحول الى منتج وسيط او نهائي في الجبيل يوفر اضعاف قيمته الاولية ، لا سيما اذا اخذنا بعين الاعتبار القيم الاضافية مثل توفير فرص العمل وتنشيط الاقتصاد المحلي وتوطين التقنية ، وهي جميعا مما نفقده اذا اقتصرنا على تصدير البترول الخام.

اذا اعتبرنا الصناعة البترولية قطب الاقتصاد الوطني ، فيجب ان ننظر ايضا الى الصناعات المساندة. تستهلك صناعة البترول ما يعادل عشرات الملايين من المواد المصنعة والمعدات والالات المختلفة كل يوم ، وفي ظني ان اختيار هذه الصناعة كقطب للاقتصاد ينبغي ان ياخذ في الاعتبار اقامة نطاق من الصناعات المساندة ، اي تلك التي توفر قطع الغيار والالات والمواد التي تحتاجها صناعة البترول .

خلاصة القول ان التحول الى دولة صناعية يتوقف على قرار باعتبار الصناعة قطبا اول للاقتصاد الوطني ، واظن ان التركيز على الصناعات المرتبطة بالبترول يمكن ان يكون قاطرة قوية لحركة من هذا النوع. خاصة واننا نملك المقومات الاساسية لهذا التحول اذا قررناه .
يوليو 2005

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...