دعونا نجعل العام
الجديد موسما ممتدا للثقافة والعلم. ليس لعقد المهرجانات والنشاطات الاحتفالية، بل
لاطلاق الافكار الجديدة والتأكيد على المبادئ الكبرى للحياة الثقافية السليمة.
د. محمد الرميحي |
يمكن للحراك الثقافي ان يشكل مخرجا فعالا من حالة احتباس اجتماعي يشكو منها كثير من الكتاب واصحاب الرأي. نشاطات العام الجاري تظهر ان حالة الركود التي شهدناها في الاعوام السابقة، لم تعد قائمة، او على الاقل، لم تعد ظاهرة عامة. نحن بعبارة اخرى لا نعاني من الركود الثقافي بل من الاحتباس. والاحتباس ليس حالة عدمية، بل هو تعبير عن وجود مقيد او محصور
ما نحتاجه اليوم هو اطلاق هذه الحالة من محابسها بتوفير الفرصة للنشاطات المحلية المتباعدة والمنفصلة كي تتواصل. وعندئذ فانها سوف تتحول من دفقات محلية محدودة الاثر الى روافد في نهر يكبر ويزداد غنى وتنوعا كلما تمدد. واظن ان اقرب السبل الى ذلك هو تغطيتها من جانب الاعلام الرسمي. صحيح ان قناة «الاخبارية» قد عرضت في بعض الاحيان نشاطات من ذلك النوع. لكن الصحيح ايضا ان ما جرى تغطيته ليس سوى قطرة في بحر من مجموع المناشط الفعلية. ومما يؤسف له ان الصحافة المحلية بقيت هي الاخرى بعيدة عن هذا، كما لو ان جميع اجهزة الاعلام متفقة على تجاهل تلك الاعمال المجيدة رغم ان تلك الاجهزة تنشر مقالات تجأر بالشكوى من ضيق الحياة الثقافية وقلة الحراك، وتتفنن احيانا في السخرية من المثقفين المتهمين بعدم الفاعلية والاعتزال في الابراج العاجية، وما الى ذلك من انواع التهريج السهل.
قبل سنوات نشر المفكر الكويتي د. محمد الرميحي كتابا بعنوان «الخليج ليس نفطا»، ركز فيه على جوانب النشاط الثقافي التي تشير الى نمو انساني يوازي النمو الاقتصادي. وكان غرض الرميحي هو دفع التشنيع عن الخليجيين بالانغماس الكامل في المال والسوق والرفاهية المادية، وانحدار قيمة العقل والتفكير والثقافة، وهي اعظم سمات الانسانية الطبيعية. وينبغي القول الان ان حراكا ثقافيا واسعا وعميقا، هو الرد الاقوى على ما نشهده احيانا من استصغار او ربما تجاهل من جانب الاخرين. لكن ثماره لا تقتصر على هذا، فهو ايضا اداة فعالة لعقلنة المطالب والمشكلات والقضايا الاشكالية وموارد الجدل، سواء على المستوى الاجتماعي المحلي او على المستوى الوطني. كما انه اداة فعالة لترسيخ روحية الحوار وبناء الشخصية المتعددة الابعاد. وبعبارة اخرى فانه اداة للقضاء على التعصب والغلو والاغتراب. زبدة القول ان التغطية الاعلامية للنشاطات الثقافية المحلية سوف تسهم في الكشف عن حركة ثقافية وطنية واسعة، وسوف يسهم في تحويلها من مستوياتها الاولية الى مستويات اوسع واكثر عمقا. واظن ان المسؤولية الاولى في هذا الجانب تقع على وزارة الثقافة والاعلام. فهي مطالبة بالخروج من القوقعة التي يسمونها النوادي الادبية وجمعيات الثقافة والفنون، والانفتاح على النشاط الاهلي الحر. ليس بتوجيهه ولا بالتحكم فيه ولا حتى بدعمه، بل فقط وفقط بتغطيته، فهذا كاف لتعويمه وتعميمه وتعميقه.
وللمثقفين الافراد دور هام في هذا السياق، لكن هذا موضوع آخر ربما نعود اليه لاحقا.