26/05/2019

نقاشات "عصر التحولات"

لقراءة المادة انقر على العنوان


أشعر انك تتعمد تهوين المسألة. لو كان الأمر بهذه البساطة، لما اتفق الاسلاميون على معارضة الدولة المدنية، وما اتفق الليبراليون على معارضة الدولة الدينية. 
نعيدك الى مفهوم الدولة الدينية والدولة المدنية، يقف الليبراليون خاصة في منطقتنا ضد مفهوم الدولة الدينية، فيما يقف الاسلاميون ضد فكرة الدولة المدنية. هل نستطيع التوصل الى نظام سياسي ...
في محاضرة لك بمنتدى المرحوم د. راشد المبارك بالرياض «2 يناير 2011» ذكرت ان مفهوم الوطن الجديد يتألف من ثلاثة عناصر اساسية: ”ارض وعقد ومشاركة نشطة“. ما المقصود هنا ...
ماذا عن المتاجرة بالدين، قلت انه ليس خداعا او انه مستقل عن موضوع الخداع؟. 



الا تخشى من خداع الجمهور باسم الدين او تحت عباءته؟. انا أشعر ان كثافة الشعار الديني ربما تشير الى تحول الدين الى بضاعة يتاجر بها هذا وذاك. 
تغير النخبة تبعا لتغير الساحة والجمهور، انت تسميه تحولا وانا اسميه انتهازية.. 
حسنا انت تتحدث عن تغير في اللغة السائدة. الى أي حد يمكن الحديث عن تغيير في الذهنية والمعتقدات، اي الرؤية المدعومة بأساس ثقافي أو ديني؟. 
فيما يخص التصورات القديمة عن الدولة في التراث الاسلامي، افترض ان هذا شائع فقط بين النخبة التي ترتبط معارفها او عملها بكتب التراث. ماذا عن الجمهور العربي؟. افترض ان تصوره ...
دعني اسألك عن كتابك ”رجل السياسة: دليل في الحكم الرشيد“. تقول ان الانتقال الى الحداثة يتجسد على نحو ملموس من خلال تغير انماط الحياة، الاقتصاد، العلاقات الاجتماعية، اللغة، والسلوكيات ...
الأمثلة التي ذكرتها، تشير غالبا الى حكومات أو أحزاب حاكمة أو شريكة في السلطة، تتنافس على مغانمها. لكن كيف ينطبق نفس المنظور على أحزاب خارج السلطة، أو الاحزاب العاملة ...
فيما يخص النقطة الثانية، اي الدور المزدوج للجماعات الدينية التي تصنف نفسها ضمن المجال الاهلي، وتحاول في الوقت نفسه، استخدام الدولة. ماذا تعني بقولك انها نقيض للدولة ومشروعها؟. 
هل تعتبر صعود تيار الاسلام السياسي في اطار الربيع العربي دليلا على إفلاس التيارات الأخرى، ام على تمتع الاسلاميين بجاذبية خاصة أو حسن إدارة للصراع، يفتقر اليها غيرهم؟. 
ثمة آراء متضاربة تجاه دور الاسلاميين في الربيع العربي. تجربة تونس والعراق ومصر وسوريا وليبيا حملت بعض المراقبين على تكرار مقولة قديمة فحواها ان الجماعات الاسلامية غير مؤهلة لقيادة ...
لماذا يصعب التنبؤ بالثورة الشعبية، اليس بالامكان تحديد العوامل المشتركة بين مختلف التجارب؟. 
ثمة سؤال طالما شغل ذهني: كيف فهمت الربيع العربي؟ 
تتحدث كثيرا عن ”ديمقراطية دينية“. لديك ايضا كتاب اسمه ”الديمقراطية في بلد مسلم“. هل تعتقد حقا ان لدينا في التراث الاسلامي ما يمكن ان يشكل أرضية لنظام ديمقراطي؟ 
ذكرت في الكتاب أنه لم ترد آية واحدة في القرآن الكريم، تؤكد أن البغي طبيعة في الإنسان، سابقة على وصول البلاغ إليه. ما الفرق بين وصول البلاغ وعدمه؟. ما ...
انت تقول ان الاستدلال بفساد الطبيعة البشرية على ضرورة السلطة، قابل للسقوط بشبهة عدم اضطراد أصل الفساد في بني البشر. يمكن القول ايضا - على نفس النسق - إن ...
جادلت بشدة في الكتاب ضد القول بان ضرورة السلطة مرجعها فساد الطبيعة الأولية للبشر. لكني اجد عددا كبيرا جدا من العلماء يتبنون هذا الرأي في الماضي والحاضر. وهو أمر ...
يبدو ان حصر الولاية على الشأن العام في الفقيه المجتهد، رؤية جديدة في الحوزة العلمية. لان الروايات التي يعتمدون عليها في اثبات الرجوع الى الفقيه او طاعة أمره، تذكر ...
مادمنا في الحديث حول ولاية الامام المعصوم، يدور في ذهني دائما سؤال حول اتهام الشيعة بالغلو في الائمة، سيما بمنحهم صفات فوق بشرية. هل لديك رأي في هذا الصدد؟. 

اشرت الى جدل حول وجوب طاعة المعصوم، هل هناك خلاف فعلي في هذا؟. 
ذكرت في سياق النقاش حول الامامة أن معرفة الدين وتعاليمه، ليست مشروطة بوجود الامام. بل يمكن للانسان ان يحصل عليه بمختلف الطرق الموصلة للعلم. اذا صح هذا فما الحاجة ...
فيما يخص تعيين الحاكم او اختيار طريقة الحكم، يقال عادة ان الشارع المقدس لم يترك اي شيء هملا. وحسب تعبير المحقق البحراني فان الاخبار مستفيضة في ان كل حكم مبين ...
التجربة الإيرانية المعاصرة تتضمن دورا واسعا نسبيا للشعب في اختيار قيادته، سواء في الانتخاب المباشر لرئيس الحكومة ونواب البرلمان، او في الانتخاب غير المباشر للولي الفقيه. فهل ترى هذا ...
تتحدث عن سيادة الأمة على الدولة، فهل ترى ان رضا الشعب هو المصدر الوحيد لشرعية الحكم من الناحية الدينية، هل لهذا الرأي أساس ديني، بحيث نعتبر حكومة من هذا النوع ...
تطورت نظرية السلطة في الفقه الشيعي على مدى زمني طويل نسبيا، وكانت مراحلها المتتالية انعكاسا للمعطيات الواقعية في زمنها. هل يعني هذا ان جميع الأطروحات نتاج بشري جرى تكييفه ...
في مقدمة كتابك ”نظرية السلطة في الفقه الشيعي“ قلت أن غرض البحث هو اختبار إمكانية عرض نظرية جديدة لشرعية السلطة في الإسلام. نعلم ان هذك نظريات اخرى موازية لولاية ...
هل تنظر الى مسألة ”الدولة“ وممارسة الحكم كموضوع فقهي كي تقدم فيها بحثا فقهيا؟. 

تقول ان إقامة العدل هو الغرض الرئيس من المعالجة الدينية لمسألة السلطة، وان السعي لانجاز هذا الغرض هو معيار إسلامية الحكومة وشرعيتها. كيف تصف حكومة تسعى لهذا الغرض وهي ...
الغرض من السؤال كان استيضاح العلاقة بين مفهوم ”الحاكمية“ ومفهوم ”ولاية الفقيه“ 
الحقيقة انه كلما طرح موضع الدولة الاسلامية للنقاش، قفزت الى السطح مفاهيم جدلية مثل ”الحاكمية“ التي نادى بها سيد قطب، و”ولاية الفقيه“ و”الخلافة“ التي نادى بها ”حزب التحرير“ سابقا ...
لا زلنا بحاجة الى تحديد أدق لمفهوم الدولة الدينية. دعنا نعيد السؤال معكوسا: هل يمكن اعتبار دولة ما دينية دون أن يرأسها فقيه او دون أن تلتزم بآراء الفقهاء ...
ولاية الفقيه التي ناقشها كتابك ”نظرية السلطة في الفقه الشيعي“ تفترض سلفا ان الحكومة الشرعية هي فقط الحكومة الدينية. السؤال البديهي: هل يجب ان يرأس الدولة فقيه كي تأخذ صفة ...
لاحظت في كتابك «الحداثة ضرورة دينية» أنك لا تفصل بين التحديث والحداثة، ألا ترى أننا نحتاج لهذا الفصل والتفريق بينهما لنعي أن ما حدث في عالمنا العربي هو تحديثات ...
لا يمكن أن نتقدم دون ممارسة النقد الذاتي ولكن هناك عقبات كثيرة تقف أمامنا.. ما هي في تقديرك أبرز هذه العقبات؟ وكيف نعيد تفعيل قيمة جهاد النفس وربطها بالنقد ...
جوهر المشكلة في تقديرك هي قابلية نمط معين من الفهم الديني لإعاقة النهوض الحضاري. وترى في نمط التدين السائد في العالم الإسلامي معيقا للنهضة. أجد هذا الخطاب صادما للعقل الجمعي، ...
أين المرأة من سؤال النهضة؟ وما هي نظرتك الاستشرافية لوضع المرأة الاجتماعي في المملكة؟. ألا تحتاج المرأة إلى إعادة صياغة للوعي، نظرا لكونها من أشد حراس النسق قسوة وضراوة؟ 
تفصل ما بين التراث والدين. ولكن واقع حال ثقافتنا اليوم يمحو ذلك الخط الفاصل ما بين التراث والدين. فما هو تراث وثقافة اجتماعية صار دينا لا يمكن مقاربة حدوده الشائكة، ...
عودة للعلاقة مع الغرب الثقافي. في مطالع القرن العشرين، دعا بعض المفكرين المسلمين الى انفتاح كلي على الغرب بحجة انك لا تستطيع التقدم ما لم تندمج في تيار التقدم. ...
كأنك تقول انه لا يمكن النظر الى المسألة خارج اطار الجدل حول العلاقة مع الغرب. 
صحيح. انطلق هذا الجدل في هذا السياق، ولا يزال كذلك. وهو جدل قليل الفائدة في ...
بالعودة الى الايديولوجيا، قرأت لك مقالا يشير الى ”ايديولوجيا دينية“. فما الفرق بين الدين والايديولوجيا الدينية، وهل يمكن - في الاساس - أدلجة الدين؟. 
لست متحررا من الايديولوجيا. ولا أظنك ستعثرين على شخص في العالم كله متحرر من الايديولوجيا. الايديولوجيا هي ...
نتحدث عادة عن القهر والتدجين باعتباره فعلا تقوم به السلطة السياسية، والذي ارى ان مجتمعنا يمارس قهرا لأهل العلم والمثقفين، قد يزيد سوء عن الاول. 
من سالف الأزمان كانت علاقة المثقف بالسلطة علاقة شائكة، فهو إما متمرد عليها رافض لها، مما يعرضه للقمع، وإما مدجن طوعا أو قسرا.. هل دجن توفيق السيف؟ 
في مقالك المعنون ”الحداثة كمحرك للتشدد“ المنشور في ديسمبر 2015، اعتبرت التعصب الديني تجليا لهوية فردانية. هذا يبدو متعارضا مع الفكرة السابقة. 
الواضح ان مفهوم الفردانية غائب في التراث الاسلامي القديم، وهذا الغياب يفسر غيابه في الادبيات المعاصرة ايضا. 
الاحظ في كتاباتك ومقابلاتك ميلا واضحا للرؤية الفردانية. وهي - كما اعلم - مذمومة حتى عند الفلاسفة الاخلاقيين في الغرب فضلا عن المسلمين. 
يبدو اننا غير متفقين في هذه النقطة. فالشريعة من عند الله، فهي ارفع من القانون. انت تستطيع معارضة قانون ما، لانه من وضع البشر أمثالك، لكن لا تستطيع معارضة شريعة ...
البعض يعتقد أن الإيمان الحقيقي هو ثمرة إختيار حر غير قسري. ونعرف أن المجتمع الليبرالي يوفر الحرية الكاملة للناس كي يؤمنوا بما يطمئنوا اليه، فهو يعتبر العقيدة حقا شخصيا لا ...
تحدثت اكثر من مرة عن حرية مطلقة، بلا قيود. قلت ذلك في محاضرة عامة، ثم قلته في مقابلة تلفزيونية. هل تعتقد حقا ان الحرية يجب ان تكون مطلقة، هل تعتقد ...
تقول في احد مقالاتك المنشورة ”لو أردنا تلخيص تاريخ الانسان منذ بدايته وحتى اليوم في جملة واحدة، لقلنا انه كفاح من اجل التحرر والانعتاق“. هل هذه الجملة كافية لتلخيص الثورات ...
وبالتالي دكتور توفيق، هنا يمكن أن نتكلم عن تاريخية النص الديني في سياقات معينة أو في زمان معين أو في مكان معين، ام هناك شيء آخر؟ 
هل الأساليب المستمدة من الدين كافية لتسيير المجتمع المعاصر والدوله الحديثة؟ 
يراودني دائما سؤال: هل للشريعة الاسلامية مفهوم خاص للعدالة، ام انها تسعى لتطبيق العدالة في مفهومها المجرد. بعبارة اخرى: هل سنصل إلى العدالة لو طبقنا احكام الشرع كما نعرفها؟
واقع الامر ان فقهاء كثيرين لازالوا غير مقتنعين بمبدأ المساواة الذي تذكره. ولهذا مثلا رفض مجلس صيانة الدستور في ايران، تسجيل النساء على قوائم الترشيح لانتخابات رئاسة الجمهورية في 1997 ...
ماذا عن المثال الذي ذكرته في السؤال السابق، أي تفاوت الحقوق بين المسلم وغير المسلم، وبين المرأة والرجل. الا ترى في ذلك خلافا للعدالة المفترض كونها من اسس التشريع الديني؟
فيما يخص الاجتهاد وتجديد الشريعة. يشكو الناس احيانا من التفاوت في حقوق الانسان المقررة في الفقه الإسلامي، وتلك التي أقرتها المواثيق الدولية الحديثة. منها مثلاً تفاوت الحقوق بين المرأة والرجل ...
بالعودة إلى المسألة السابقة، أي الالزام العرفي أو القانوني بناء على احكام العقل. اجد ان الناس يلتزمون بالقانون ولو مضطرين، فما الحاجة إلى تقرير قيمة دينية لأحكام هذا القانون. اليس ...
النقطة الاخيرة، أي اعتبار كل مساهمة في عمران العالم عملا دينيا، جديرة بالاهتمام. لكني لا أظن احدا من المسلمين سيقبلها
جوابك هذا يفسر حاجة الفرد للالتزام بشريعة المجتمع أو قانونه. لكنه لم يوضح لماذا يحتاج الانسان اساسا للدين أو الاعتقاد بالدين
بالعودة إلى العقيدة، اود ان اسأل سؤالا عاما: من أين تأتي الحاجة للإعتقاد. اليس اتخاذ دين محدد أو شريعة معينة تقييد لحرية الفرد؟ 
تكملة للنقاش، أعلم ان هناك تيارا في الفكر الاسلامي يرفض فكرة الاتكال على العقل بصورة مستقلة في انشاء أحكام شرعية. هل هذا متصل بالموضوع؟ 
ماهو الفيصل بين علم الكلام القديم والجديد؟
ماذا عن الدرس الفلسفي، ارى تناقضا في التعاطي معه، فهو مبجل عند بعض العلماء ومنبوذ عند البعض الآخر؟
هل يمكن الحديث عن نهضة جديدة في علم الدين، وفي الثقافة الدينية عموما، نهضة لديها مقومات الإستمرار والتواصل... أم أن الأمر لازال غير واضح الإتجاهات؟
علم الكلام القديم يعتبر الموروث من نصوص وآراء، معيارا للمقارنة والترجيح. اما الجديد فيميل للتركيز على القيم الكبرى التي قام عليها الدين، أو أراد ...

22/05/2019

هيمنة النهج الفقهي على التفكير الديني


أستطيع القول من دون تحفظ ان الاصلاح الديني رهن بالتعامل مع ثلاث معضلات ، أولها وأصلها فيما أظن هو هيمنة النهج الفقهي على التفكير الديني ، أما الثاني ، فهو الاستسلام للنهج الاخباري في وضع القيم والأحكام ، واخيرا تحويل الاحتياط الى معيار للتدين.

أعلم ان هذه دعوى عريضة. ويعلم القاريء ان المجال المتاح لا يسمح بمجادلة مطولة حولها. ولذا سأكتفي بشرح موجز للمعضل الأول ، طمعا في إثارة الاذهان للتفكير فيه ، وهذا غاية المراد.
موضوع علم الفقه هو "فروع الدين" التي تنقسم الى عبادات ومعاملات. وغرضه استنباط الاحكام ، اي تحديد الواجب والمحرم والمكروه والمستحب. وبسبب انحصاره في هذه الدائرة ، فان تطور العلم واتساعه ، انصرف الى البحث عن مزيد من الاحكام ، اي توسيع دائرة الموضوعات الشرعية. ومع مرور الوقت بات التوسع في الاحكام ، مجالا للتنافس بين المشتغلين بعلم الفقه. حتى لو سألت احدهم عن رأي الشرع في زرع هذا النوع من الشجر او ذاك لأفتاك ، ولو سألته عن حكم هذه الرياضة او تلك لما تأخر في الجواب.
لا يكترث الفقه باحوال القلوب ، قدر ما يركز على الشكليات والافعال الظاهرة. ومن هنا فان معيار التمييز بين المتدين وغير المتدين هو السمات الظاهرية ، اي ما يظهر على الانسان وما يراه الناس في شكله الخارجي ولباسه ولغته.
في الوقت الحاضر يشكل علم الفقه بوابة الولوج الى علوم الشريعة. بل لا نبالغ لو قلنا ان مسمى علم الشريعة ، ينصرف الى علم الفقه في المقام الاول. اي ان علم الفقه يشكل الجزء الاكثر بروزا وتاثيرا من المعرفة الدينية. مع ان الموضوع الذي يختص به ، أي "فروع الدين" وهي تضم كما سلف العبادات والمعاملات ، لا تشكل غير نسبة صغيرة من مساحة المعرفة الدينية. وقد اشرت في مقال سابق الى ان آيات الاحكام التي تشكل موضوعا لعمل الفقهاء ، لا تزيد عن 500 آية ، اي نحو 8% من مجموع القرآن.
هيمنة المدرسة الفقهية على علم الدين لم تبدأ اليوم. بل أظنها بدأت في وقت ما بين القرن الثاني عشر والقرن الخامس عشر الميلادي ، حين انحسر الاهتمام بالمعارف العامة ومنها المعارف الدينية ، وانحصر في علم الفقه دون غيره. ومع الوقت ، بات مسمى المجتهد او عالم الدين او الفقيه ، يطلق على العالم في الفقه بصورة خاصة ، وانصرفت مدارس العلم الديني الى دراسة الفقه ، دون غيره من علوم الشريعة.
هيمنة النهج الفقهي تعني بالتحديد هيمنة الرؤية التي تنظر للدين باعتباره اداة تقييد لحياة الأفراد وسلوكياتهم. ونعرف ان هذا أمر يخالف هدفا عظيما للرسالة السماوية ، وهو تحرير العقول والقلوب.
لا نحتاج الى كثير من المجادلة في النتائج التي تترتب على تطبيق هذا المنهج ، فهي واضحة أمامنا ونراها كل يوم ، ولا سيما في كلام الفقهاء التقليديين وتطبيقاتهم. وهي في الجملة تطبيقات حولت الدين الحنيف الى موضوع للامتهان والسخرية ، كما تسببت في هجرانه من جانب شريحة واسعة جدا من ابنائه.
معرفة الله والايمان به والسلوك اليه والالتزام بأمره ، ليست مشروطة باتباع آراء الفقهاء ونتائج بحوثهم. فهذه لم يعرفها المسلمون الا في عصور ضعفهم وانحطاط حضارتهم. لا نريد القول بوجود علاقة سببية بين هذه وتلك ، لكن التقارن بين الاثنين لا يخلو من تأمل.
الشرق الاوسط الأربعاء - 17 شهر رمضان 1440 هـ - 22 مايو 2019 م

مقالات ذات علاقة

15/05/2019

لازم النظافة ولازم الطهارة




عقب الاستاذ مجاهد عبد المتعالي على نقاش سابق في هذه الصفحة ، قائلا ان العقل الاسلامي مطالب بالتحرر من خلطه المزمن بين ما أسماه "لازم النظافة" و"لازم الطهارة"(الوطن 11 مايو 2019). واختيار مجاهد لهذا المثال في غاية الذكاء والجمال ، لأن فعل النظافة مادي ، قابل لتوليد معنى روحي هو الطهارة. هذه المقارنة تختصر -  في ظني - مفهوم علاقة الدين بالدنيا بتمامه.

اتفق مع الصديق مجاهد ، على حاجتنا لايضاح الحد الفاصل بين ما نصنفه داخل الدين وما نعتبره خارج الدين. وهي حاجة ملحة في هذا الزمان ، وكل زمان يشهد تحول الدين والكلام باسمه الى وظيفة ومصدر عيش. ففي حالة كهذا يتبارى المدعون حراسة الدين والحديث باسمه ، بتبارون في توسيع دائرة التكاليف ، حتى لا يبقى فعل انساني خارجها. وحجتهم الثابتة هي ان دين الله شامل لكل فعل من افعال الحياة. فاذا قلت لهم ان الامر ليس على هذا النحو ، وجهوا اليك السؤال المفخخ: هل ترى ان دين الله ناقص او عاجز عن استنباط حكم في موضوع جديد؟.
ملا احمد النراقي

لتفكيك هذا التداخل وتوضيح المسألة ساعرض نقطتين: الاولى في خطأ القول بان دين الله شامل ، سيما في المعنى المتداول عند الناس ، وهو موافق للقول المأثور "ما من مسألة الا ولله فيها حكم".  أقول ان هذا نقاش قديم. وقد سبق ان دار بين فقيهين هما يوسف البحراني (ت-1772م) واحمد النراقي (ت-1828م) ، حين استدل الاول بالاية "ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء -النحل 89" والايات والاحاديث التي تماثلها. فرد عليه النراقي بان المقصود فيها ، هو تبيين ما يجب على الخالق بيانه ، او يقتضي الحال او اللطف بيانه ، لا كل شيء على نحو الاطلاق. فالبديهي ان كثيرا من امور الدنيا ، لم تبين في القرآن الكريم ولا في السنة الشريفة. وذلك لانها ليست مما يجب بيانه ، بمعنى انها خارج دائرة الشريعة والتكليف. كما ان عدم البيان لا يوجب الظن بالنقص ، فترك البيان لما ليس مطلوبا ، ليس مظنة نقص. بل لعل بيان غير المطلوب يعد تكلفا. والتكلف مما يعاب على الكامل.
النقطة الثانية:  ان غالبية الناس – ولا سيما المشتغلين بالعمل الديني – قد خلطوا بين معنيين للدين مختلفين تماما ، اولهما الشريعة كمنظومة واجبات وتكاليف تقيد حرية الفرد. والثاني الدين كمنظومة روحية تمنح الفعل قيمة. يضم المعنى الاول ما يفعله الانسان (مجبرا) لانه واجب عليه ، مثل صوم رمضان وعدم الكذب مثلا. بينما يتسع الثاني لكثير من امور الدنيا دون ان يولد الزاما او حرجا على الانسان. بل ربما زاده حبا لعالمه وارتباطا به. من ذلك مثلا ان تزرع شجرة في حديقة بيتك او في الصحراء ، وتستذكر في نفسك ان هذا مما يحبه الله. هذا يسمى بالنية وهي المدخل الى توليد المعنى في الفعل. ومثله ان تساعد جارك الفقير ، لانك تحبه او لانك ترغب ان يكون محيطك الاجتماعي محبا لك. لكنك تستذكر أيضا ان احب الناس الى الله انفعهم للضعفاء من خلقه. أفعال كهذه دنيوية بحتة وغير واجبة بالمعنى الفقهي. لكن استذكار معناها الروحي يحولها الى طريق لنيل رضا الله سبحانه ، فتصبح افعالا دينية.
اظن هذا كافيا لبيان الخيط الواصل بين "لازم النظافة" و"لازم الطهارة" ، اي بين الديني والدنيوي.
الشرق الاوسط الأربعاء - 10 شهر رمضان 1440 هـ - 15 مايو 2019 مـ رقم العدد [14778]

08/05/2019

كيف تتقلص دائرة الشرعيات؟

انه خيار يبدو بسيطا. لكن عاقبته عسيرة جدا. ولهذا يتجنب غالبية الناس المخاطرة به. موضوع هذا الخيار هو الفكرة التي طرحتها في الاسبوع الماضي ، اي دعوى أن للانسان دورا في انشاء القيم الدينية وصياغتها وتعديلها.

وقد عالجت الفكرة من زاوية مألوفة نوعا ما ، وهي كون العقل مصدرا للتشريع ، موازيا للمصادر الثلاثة الاخرى (الكتاب والسنة والاجماع). وقلت يومئذ ان القبول بدور العقل هذا ، والقبول بالعلم (البشري) اداة لتشخيص موضوعات القيم والتعاليم الدينية ، يعني – بالضرورة – ان الانسان شريك في وضع الاحكام الشرعية والقيم الدينية.

الذين يتبنون هذه الفكرة ، يرونها تعبيرا عن منطق الامور ، وليست خيارا نأخذه او نتركه. فحتى الذين يرفضون  دور العقل كمصدر مستقل للقيم الدينية ، مضطرون للقبول به كوسيط لتفسير مفهوم الحكم الشرعي وتحديد  موضوعه وكيفية تطبيقه.

من المفهوم ان كلا الفريقين يتحاشى الذهاب بالمسألة الى نهاياتها المنطقية. وبيانها على الوجة الآتي: النهاية المنطقية لقبول الدور التشريعي للعقل ، هو القبول بتهميش كبير او صغير لدائرة الاحكام التي ورد فيها نص في القرآن والسنة. لأن موضوعاتها زالت من الوجود او تغيرت بشكل جذري ، ووضع احكام جديدة لم ترد سابقا في اي نص.

اما النهاية المنطقية لرفض ذلك الدور ، فهي القبول بعدم وضع اي حكم جديد ، بالوجوب او بالتحريم ، على اي موضوع لم يذكر في الكتاب والسنة. لأن وضع الاحكام – حسب هذه الرؤية – حق لصاحب الشريعة (اي الرسول عليه الصلاة والسلام) دون غيره. وهذا يعني ان "جميع" المسائل الحديثة ، او ما يسمى بالنوازل ، تقع من حيث الاختصاص ، خارج نطاق التشريع. فلا يصح السؤال عنها ولا يجوز للفقهاء وضع احكام تخصها. كما لا يجوز لهم قياس مسألة جديدة على سابقة لها ، او حكم في موضوع على حكم قبله. لأنه من أنواع الاجتهاد ، الذي يؤدي – بالضرورة – الى ضم مسائل جديدة الى دائرة الشرعيات ، وابتكار حكم لها لم يرد في الكتاب والسنة. وهذه – وفق التعريف الدقيق – من وظائف الرسول لا الفقيه.

نعرف ان مجموع آيات الأحكام – وفق المشهور عند الفقهاء - لا يتجاوز 500 آية ، وان أحاديث الاحكام لا تزيد في أكثر التقادير  عن 1200 حديث. وهو نقل ابي يعلى محمد بن الحسين الفراء عن الامام احمد بن حنبل. الالتزام الدقيق بما ورد عن الرسول ، يستوجب ان لا يزيد العدد الأقصى للاحكام الشرعية ، بما فيها من واجبات ومحرمات ، عن مجموع الايات والاحاديث المذكورة ، اي نحو 1700 حكم.

ويترتب على هذا ان كل موضوع لم يسبق ان ورد فيه حكم ، سيبقى خارج دائرة التشريع ، وانه ليس للفقهاء من دور سوى تذكير الناس بالموضوعات التي لا تزال قائمة ، ولم تخرج من دائرة الحياة. لكن هذا المسار سيؤدي مع مرور الوقت الى تقلص الشريعة الى العبادات فقط. لأن غالبية موضوعات الاحكام الاخرى ، تتغير مع تحولات الحياة والمصالح العامة ، فتخرج احكامها من دائرة الاستعمال وتصبح مجرد ارشيف.

اظن ان هذا الشرح قد قدم صورة واضحة عما يترتب – منطقيا - على اعتراض المعترضين على دور العقل ، اي دور الانسان في انشاء القيم الدينية وصياغتها وتعديلها.

نعلم ان كلا الخيارين سيؤدي الى خروج الكثير من قضايا الشريعة من دائرة الحياة. وهذا امر مشكل. لكن الواضح ان القبول بدور الانسان في انشاء التشريع ، هو الاقرب الى مقاصد الشريعة ومصلحتها من القول الآخر.

 الشرق الاوسط الأربعاء - 3 رمضان 1440 هـ - 08 مايو 2019 مـ رقم العدد [14771]

https://aawsat.com/node/1712131

01/05/2019

ماذا يختفي وراء جدل العلاقة بين العلم والدين

|| النقاش حول دور العلم والعقل ، يتناول في الجوهر دور الانسان في صياغة وتعديل الفكرة الدينية||

مقالة الاستاذ نجيب يماني المعنونة "بل العقل سابق للنص" المنشورة في عكاظ 29 ابريل 2019 ، مثال على المراجعات الراهنة في التفكير الديني ، ولا سيما القيم المعيارية السابقة للاحكام الشرعية والضابطة لصحتها.
وقد استاثرت مكانة العقل في الاسلام وفي تشريع الاحكام ، بنصيب الأسد من هذه النقاشات. لكني أظن اننا قد تقدمنا خطوات صغيرة فحسب ، نحو استعادة العقل لهذا الدور. وهذا بدوره يستدعي التساؤل عن سبب التأخر ، مع كثرة النقاش حوله ، وسعة الشريحة المؤمنة بالحاجة اليه.
ويظهر لي ان هذا جزء من مشكلة عميقة جدا. لكنها من نوع المشكلات التي لا يطيق الناس نقاشها بانفتاح ، أعني بها علاقة الانسان بالدين ، والتي يتفرع عنها بطبيعة الحال علاقة العلم والعقل بالدين.
دعنا نبدأ من الفرع كي نفهم الأصل. فقد سالت انهار من الحبر في مناقشة العلاقة بين الاثنين. اما في الغرب فالفرضية السائدة في غالب الدراسات ، هي التفارق بين عالمي الدين والعلم. اما في العالم الاسلامي فاتخذ البحث مسارا تبجيليا واعتذاريا. 
كان محور المسار التبجيلي هو التأكيد على ان الاسلام رفع من قيمة العلم وكرم اهله ، وانه لا تفارق بينهما. وركز المسار الاعتذاري على التشكيك في قيمة العلم وقطعيته ، بالقول مثلا ان نتاج العلم ليس احكاما يقينية ، بل نظريات محتملة التغيير ، وان العالم لا يخلو من قضايا تتجاوز ما يستطيع عقل الانسان ادراكه ، وامثال هذا من الاعتذارات ، التي  غرضها الرد على دعوى عدم التوافق بين الدين والعلم.
هذا المنهج في النقاش ، بمساريه التبجيلي والاعتذاري ، عتم على العنصر المحوري في القصة كلها ، أعني به دور الانسان في صياغة وتعديل الفكرة الدينية. نعلم طبعا ان العلم نتاج بشري ، وان الجدل بشانه ، وكذا الجدل بشان العقل ودوره ، يتناول - في حقيقة الامر - دور الانسان وعلاقته بالدين. تبدأ هذه العلاقة بسؤال: هل جاء الدين من أجل الانسان ام خلق الانسان من اجل الدين؟. ثم: هل الدين مبني على اساس منطقي ، اي متوافق مع عقل الانسان ، وبالتالي هل القضايا الدينية مما يمكن للانسان استيعابه ، ام تنتمي لعالم آخر يتجاوز المنطق البشري.
فاذا كان متوافقا وقابلا للفهم ، فهل يمكن – او يسمح – للعقل بالتدخل في تعديله ام هو ممنوع عليه. واذا كان مما يتجاوز قابليات الانسان ، فكيف يكون الانسان ملزما به ، ونحن نعلم ان فهم الامر واستيعابه شرط للتكليف به ، والا كان من نوع تكليف ما لايطاق ، المخالف لأصل العدل.
هذه المجادلة توضح اذن ان النقاش حول دور العلم والعقل ، يتناول في الجوهر دور الانسان في صياغة وتعديل الفكرة الدينية. فاذا قلنا بان للانسان دور حاسم وتام في تصميم وصياغة الفكرة الدينية ، سيرد علينا بان هذا سينتهي الى نزع الصفة الالهية عن الدين ، وجعله بشريا تماما. واذا قلنا ان للانسان دور جزئي ثار سؤال: من يضع الحدود.
ثمة اسئلة اخرى لا يتسع لها المجال. لكني اود الاشارة قبل الختام الى ان دور الانسان ، رغم كثرة الجدل ضده ، لازال اقرب الى روح الدين ، واقرب الى منطق الحياة ايضا ، من القول بعدمه. لكن هذا يحتاج الى حديث أوسع ،  قريبا ان شاء الله.
الشرق الاوسط الأربعاء - 25 شعبان 1440 هـ - 01 مايو 2019 مـ رقم العدد [14764]

مقالات ذات صلة

 الحداثة كحاجة دينية (النص الكامل للكتاب)

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...