كتب الزميل د. حمود ابو طالب (الوطن 24-12-2006)
شاكيا من تخلف اساليب التعليم وقلة اهتمام المعلمين والاداريين بجوانب التربية
وتطوير شخصية الطالب. واستشهد بثلاثة حوادث عومل فيها اطفال في المرحلة الابتدائية
بطريقة بعيدة تماما عن المعايير التربوية. واظن ان لدى الدكتور ابو طالب ولدى غيره
من الكتاب والآباء الكثير من الامثلة التي تجاري ما ذكره او تزيد.
د. حمود ابو طالب |
وذكرتني القصة
المنشورة بما حدث لي شخصيا في سنوات الدراسة المبكرة حين عرضت على معلم لي ورقة
كتبت عليها ابيات شعر هي اولى محاولاتي الجادة، فقد نظر الاستاذ فيها مبديا اعجابه،
لكن سحنته تغيرت فجأة، فمزق الورقة ورمى بها في وجهي قائلا: «هذه موهبة لا يستحقها
الا مهذب».
ومنذ ذلك اليوم هجرت دواوين الشعر وتأدبت فعلا فلم اقرأه ولا حاولت
نظمه. ويبدو ان قصة تمزيق الاوراق تأبى مفارقتي، فقبل بضعة ايام عاد ولدي من
المدرسة باكيا لان استاذ الرياضيات مزق ورقته امام زملائه وقال له انه ولد كسول،
فلما اتصلت بالاستاذ اخبرني ان خط الولد سيئ لا يمكن قراءته وانه فعل ذلك كي يجبره
على تحسين خطه. لكن هذا خلق لي مشكلة جديدة، فهذا الولد الذي كان حتى ايام قليلة
مضت عاشقا للرياضيات مبرزا فيها، اصبح فجأة كارها لها معرضا عن مذاكرتها متعللا
بكل علة لتجنب حضور درسها.
أقول ان هذه الامثلة واشباهها اكثر من ان
تحصى، واظن ان كل اب قد شهد واحدة منها او سمع عن بعضها. ونسمع من بعض المعلمين
والمعلمات قصصا اخرى عما يتعرضون له من معاملة مهينة على ايدي مديريهم وكيف تنعكس
على تعاملهم مع تلاميذهم، وهي أيضا غير
قليلة.
اقترح الدكتور ابو طالب على وزارة التربية
«تنظيف مرافقها من بؤر الجهل والترهل والتكلس والعقليات التي تدمر الطلاب
والطالبات». وفي هذا دعوة الى فصل المعلمين والاداريين الذين اتهموا في تلك
الممارسات. لكن ليسمح لي الاستاذ الفاضل فهذا الاقتراح لا يحل أية مشكلة، لانه
ببساطة يقتصر على علاج العيوب التي تتحول الى مشكلات مثيرة. ونعلم ان فصل موظف
حكومي ليس سهلا او متعارفا، كما نعلم ان البيروقراطية لا تحاكم نفسها فضلا عن
الادانة والعقاب.
الحل الامثل في ظني يكمن في وضع وتطبيق معايير
صحيحة للعملية التعليمية، واريد الاشارة خصوصا الى اربعة من تلك المعايير.
الاول هو سيادة القانون، والغرض منه منع
الاداريين والمعلمين من ايقاع عقوبات او اختراع الزامات ما لم يكن لها مرجع قانوني
مقبول. فالمشاهد سواء في قطاع التعليم او غيره ان كثيرا من رؤساء الدوائر يصدرون
تعليمات ملزمة وتنطوي على عقوبات من دون ان تكون لهم الصلاحية التي تخولهم بذلك.
هذا التصرف هو بذاته جناية تستوجب العقاب للمدير او الموظف الذي يخول نفسه ما ليس
حقا له، ويجبر الاخرين على الانصياع لما اراد من دون سند قانوني.
المعيار الثاني هو ربط تطبيق القانون بحقوق
الانسان، ويتضح هذا خصوصا في العقوبات التي تنطوي على حط من الكرامة الشخصية
للتلميذ او تعسف في العقاب او التصرف بدافع الغضب الخ. حقوق الانسان هي قيم حاكمة
على كل قانون، وهي مصونة وجارية بمقتضى النظام الاساسي للحكم الذي تصدر عنه جميع
قوانين البلاد.
المعيار الثالث هو الربط بين الصلاحيات
والمسؤولية. يجب ان يكون واضحا للموظفين الحكوميين بانهم يتحملون مسؤولية كاملة عن
اعمالهم، بمعنى ان كل تصرف سواء استند الى قانون او استند الى تقدير شخصي، قد
يستدعي تقديم تبريرات مقبولة للغير اذا تسبب في مشكلة، وان عدم قبول الاخرين لهذا
التبرير يحمل الموظف تبعات تصرفه. شعور الموظف بانه مسؤول امام آباء التلاميذ فضلا
عن مرجعه الوظيفي سوف يحمله على التفكير مليا قبل الاقدام على فعل يستوجب المحاسبة
والعتاب او العقاب.
اخيرا فاني ادعو وزارة التربية إلى تفعيل
الفكرة التي طالما طرحت وطبقت احيانا، وهي تشكيل مجالس الآباء في كل مدرسة. هذه
الفكرة التي اضعها كمعيار رابع، مطروحة منذ زمن بعيد ونفذت في بعض المدارس. لكن
المشكلة تكمن في افتقار هذه المجالس إلى أية صلاحية واضحة وعدم وضوح العلاقة التي
تربطها بادارة المدرسة، وقد شهدت بعض هذه المجالس فوجدت مدير المدرسة مُستثقلاً
منها، منشغلا بتبرير كل خطأ يذكر، معارضا أي اقتراح او فكرة جديدة، فاذا اعيته
الحيلة رمى الكرة في مرمى وزارة التربية بالقول ان الميزانية لا تسمح او ان هذه
تعليمات الوزارة.. الخ.
لا اريد المبالغة بمثل المطالبة بتحويل مجلس الآباء الى
مجلس امناء للمدرسة، او مجلس حكام كما يسمى في أوروبا، كما لا اريد المطالبة بجعل
تعيين مدير المدرسة والاشراف على ميزانيتها ضمن اختصاصات المجلس، لكن الحد الادنى
هو جعل صوت المجلس مسموعا في ادارة التعليم وايجاد طريقة قانونية لجعل النقد
والاقتراحات موضع اهتمام في دوائر الاشراف التربوي.
خلاصة القول ان تطوير التعليم يحتاج فعلا الى
المال لكنه يحتاج ايضا الى معايير للعمل والنقد والمحاسبة من خارج المنظومة
البيروقراطية، واظن ان ادخال الآباء كطرف اساسي في مراقبة العمل التعليمي سيكون
خطوة هامة في هذا السبيل.
https://www.okaz.com.sa/article/70221
عكاظ 27/ ديسمبر/2006 العدد : 2019
مقالات ذات علاقة