01/02/1999

مسائل تمهيدية للبحث في المكان الاجتماعي للنساء (1-3)

ربما ترغب ايضا في قراءة 

( 1 )

في قضية المرأة المسلمة ودعوتها إلى ميدان العمل على نطاق واسع ، وفي دورها الاجتماعي ، والاشكالات التي تحيط بهذه القضية ، كلام كثير ، يحسن بنا خوض غماره ، طمعا في تحديد دقيق لأجزاء الموضوع ، وبحثا عن الحدود الفاصلة بين ما تقرره الشريعة وما يقرره المجتمع ، وثمة مسائل تمهيدية لا بد من البدء بها كاشارات إلى السياق العام للبحث ، لكني أعد القاريء بأن اكتفي بهذه الاشارات في الوقت الحاضر ، وأتمنى ان أجد من يشارك في هذا البحث ، إصلاحا أو تفنيدا أو تكميلا .
 هذه المسائل لا علاقة لها بموضوع المرأة على وجه الخصوص ، فهي ترتبط أساسا بالطريقة التي تجري بها معالجة هذا الموضوع وسواه على المستوى النظري ، لكن كون قضية المرأة موضوعا مطروحا للنقاش ، يستدعي مناقشة ما يعتبر تمهيدا ضروريا للبحث والمعالجة ، سيما وقد جرت العادة على تجاوز المقدمات ، رغم ضرورتها لتحديد مادة النقاش .
المسألة الاولى :
بعض القضايا تثير جدلا من نوع خاص ، بحيث يعتبرها البعض حساسة ، ويفضلون غض الطرف عنها أو التكتم عليها ، خشية ان يمتد الجدل فيها إلى نقاط ساخنة ، لا يرغب الكثيرون في طرقها ، ولدينا في المجتمع والثقافة عشرات من المسائل ، تعارف الجميع على السكوت عنها ، توقيا لعواقب ابداء الرأي ، أو انتظارا للوقت المناسب ، لكن لسوء الحظ ، فان الوقت المناسب قد يأتي متأخرا وقد لا يأتي على الاطلاق .
ثمة قضايا تعتبر قليلة الاهمية بذاتها ، أو قليلة الفوائد بالنظر لما ينتج عن تبادل الرأي فيها ، ولهذا فان تأخيرها أو السكوت عنها ، لا يترتب عليه سوى اشكالات نظرية ، وطبقا لأبي اسحاق الشاطبي فكل مسألة لا ينبني عليها عمل فالخوض فيها مرجوح . لكن إلى جانب هذه ، ثمة قضايا ينتج عن تهميشها أو السكوت عنها ، إشكالات نظرية وعملية ، وقد يؤدي منع الجدل  فيها ، إلى تثبيت رأي واحد باعتباره معياريا لأمد طويل ،  أي تجميد الاجتهاد وغلق ابوابه ، واحالة الناس إلى نوع من التقليد الجبري ، وهو ما خالفه معظم العلماء وأهل الفكر المسلمين ، لا سيما المعاصرين منهم .
وتعتبر قضية المرأة ودورها في مجتمع المسلمين المعاصر ، واحدة من القضايا التي تصنف ضمن المجموعة الثانية ، فهي كبيرة الاهمية ، لتعلقها بنصف المسلمين على وجه التقريب ، وتؤثر ـ بشكل مباشر وغير مباشر ـ على النصف الباقي ، وهي مهمة أيضا لأنها موضع اشتباك رئيسي في الصراع بين الثقافتين الاسلامية والغربية ، وهي مهمة ثالثا لانها تعبير بارز عن مخرجات الظرف الاجتماعي المتخلف للعالم الإسلامي في العصر الحاضر ، ولا أظن أحدا يلم بأوليات المعرفة والمجتمع ، ينكر ما لتخلف المجتع من انعكاسات على ثقافته وقيمه ونظام التراتب السائد فيه ، لكن القضية ـ رغم تلك الاهمية ـ مسكوت عنها ، أو مختزلة في قوالب ضيقة من التطبيقات او الآراء .
أقول انها مسكوت عنها ، رغم كثرة ما يكتب وما يقال في هذا الامر ، فكثرة الكلام قد لا تكون سوى تكرار لقليله ، فالكثير مما يكتب ويقال اليوم في قضية المرأة المسلمة ، لا يخرج عن واحد من صنفين من الكلام ، صنف يدعوها إلى التحرر أخذا بعين الاعتبار النموذج الاجتماعي الغربي ، وصنف يعارض هذا المنحى ، ويدعوها إلى التزام النموذج التقليدي للمجتمعات الشرقية ، ويبرهن الاول على كلامه بنتائج التجربة الغربية ، ويبرهن الثاني على رده بشواهد من النص والسيرة ، أو بتصورات انتقائية عن النتائج السلبية التي آلت اليها تلك التجربة ، لكن في كل الاحوال فان المساجلة في الموضوع ، لم تسمح للطرفين بالتوصل إلى اتفاق على تعريف كل جزء من تفاصيل القضية ، ولا استبيان المسار التاريخي الذي سلكه كل رأي من الآراء المطروحة للنقاش ، حتى وصل إلى صورته الراهنة ، كما لم يدر أي نقاش جدي ، حول بدائل تعالج الاشكالات التي يطرحها كل منهما ، فكأن كلا من الطرفين قرر منذ البدء ، ان رأي الآخر باطل ، وان جوابه يجب ان يؤدي إلى نقضه ، كائنا ما كانت طبيعة ذلك الرأي أو غرض صاحبه ، بكلمة أخرى فان الجدل استهدف دائما النقض لا العرض .

لهذا السبب فمن الضروري الخروج بالنقاش حول قضية المرأة المسلمة ، من إطار السجال النقضي بين الخصوم ، ويجب غض النظر ـ ولو مؤقتا ـ عن العامل الغربي في المسألة ، لكي يتاح لنا إجراء مناقشة هادئة حول وضع المرأة المسلمة ضمن الاطار الإسلامي في مجتمع مسلم ، انطلاقا من القواعد الانسانية التي قامت عليها الشريعة الغراء ، واستقر عليها عمران العالم .
بعضنا قد يرى ان الرد على الخصوم هو الجزء الاهم في الموضوع ، لأنه موضع الابتلاء ، ولأن الخشية من تأثيرهم ليست بلا أساس ، لكن من جهة أخرى فان عدم وجود تصور متكامل حول ما نريد ، يجعلنا ندور في إطار الجدل الذي يقرره اولئك ، بدل ان نبتكر الاطار الذي نريده ونحتاج اليه ، فلنقل ان البحث في قضية المرأة له بعدان ، البعد المتعلق بمكانها في المجتمع المسلم ، بغض النظر عما يقوله الغير ، والبعد المتعلق بمعالجة الأجانب لهذ القضية ،  أيا كانت أغراضهم ، وإذا كانت حماستنا قد انصرفت حتى الآن إلى البعد الثاني ، فان العواقب السلبية لاهمال الاول لا تقل أثرا عن عواقب اهمال الثاني ، ويبدو اننا بحاجة إلى الاهتمام بما لدينا وما نحن فيه بدرجة أكبر من اهتمامنا بما عند الغير وما يقوله الغير .
( 2 )

تحدثنا في الصفحات السابقة عن الحاجة إلى طرق القضايا التي هي موضع حاجة عامة للمجتمع ، ومناقشتها انطلاقا من حاجتنا إلى استنباط معالجات معاصرة ومتوافقة مع متطلبات الشريعة ، بغض النظر عما يثيره الآخرون من إشكالات ، والمقال بحلقاته الثلاث يعالج اشكالات منهجية في الجدل حول الموضوعات التي تتسم بحساسية من نوع ما ، ومثالنا الرئيسي في هذا المقال هو مكان المرأة ودورها في المجتمع المسلم والاشكالات المحيطة بدخولها ميدان العمل على نطاق واسع ، ونواصل هنا بعرض مسالتين أخريين.

المسألة الثانية :

استنباط المفاهيم القاعدية والمعايير ، يجري عبر طريقين  مختلفين ، أحدهما يبدأ باستقراء التفاصيل والتطبيقات الجزئية ، لاكتشاف متغير محدد ، يمكن اعتباره صورة أولى عن قاعدة نظرية تحكم الجميع ، ويبدأ الثاني بتحليل متغيرات تتعلق بقاعدة محددة موجودة سلفا ، لكشف نطاق التغير في تطبيقات القاعدة على موضوعات عملها ، ومعظم حالات استنباط الاحكام الشرعية تندرج ضمن هذا السياق ، لكن تكييف الموضوعات وهي عملية سابقة للبحث عن الحكم ، تندرج في السياق الاول ، فنحن نعرف ابتداء ان لله في كل واقعة حكما ـ وهو رأي أكثر الاصوليين ـ لكن إدراك المراد الرباني يحتاج إلى اجتهاد في الجانبين ، في تكييف الموضوع وتحديد عناصره وأبعاده ، واجتهاد في استنباط الحكم المناسب له ، ومع اختلاف المجتهدين واختلاف ازمانهم ومؤثرات بيئتهم ، تختلف نتيجة الاجتهاد التطبيقي في موضوعات اشتغال القاعدة الواحدة ، فيجد الفقيه أو صاحب الرأي نفسه إزاء آراء متعددة مختلفة ، ومع ان أيا من هذه الاراء لا تلزمه ـ بالمعني الشرعي ـ إلا ان وجودها يحمله عبئا أدبيا يصعب تجاوزه ، خاصة تلك التي صدرت من أسلاف فكريين أو مدرسيين للفقيه المعني ، أو تلك التي تلقاها جمهور الامة بالقبول وتحولت من ثم إلى عرف سائر في مجتمع المسلمين .
وفي ظني ان الجدل الفقهي والاجتماعي في قضية المرأة ، قد تأثر بمجريات هذا السياق ، فالكثير مما يقال اليوم عن التكييف الشرعي للمسائل المتعلقة بوضع المرأة في المجتمع المسلم ، ليس اجتهادا مستقلا في المسألة التفصيلية ، كما انه لا يبدأ بتحليل المتغيرات الفرعية المرتبطة بالقاعدة ، بل هو بصورة أو بأخرى إعادة انتاج لآراء السالفين ، وهو يتأثر بقوة بالانطباعات الشخصية عن أوضاع محددة أو حوادث ، وتستمد الاستنتاجات المتأثرة بهذا العامل قوتها ، من وضع سائد تعارف عليه المجتمع وتلقاه بالقبول ، فأصبح بديهيا أو شبه بديهي ، يستنكر غيره ، أيا كانت طبيعة هذا الغير أو دليله ، ان تحقيق القواعد والمعايير الشرعية الاصلية والنظر في تطبيقاتها المعاصرة ، هو التجسيد الدقيق للاجتهاد المستقل بمعناه الكامل ، وفي هذا فان الفقيه قد يأخذ برأي المشهور أو الاجماعات السابقة ، باعتبارها تجربة علمية لا حكما قطعيا ، وفي كل الاحوال فانه لا ينقض اجتهاد مجتهد معاصر برأي مجتهد سبقه ، كما ان العرف غير ملزم إذا لم يطابق المعايير الشرعية ، حتى لو قال البعض بامكانية تخصيصه لعمومات القواعد الشرعية ، وخلاصة ما يقال في هذا المعنى ان الاجتهاد المعاصر في قضية المرأة ، ينبغي ان يلحظ حقيقة ان الاجتهاد في عصوره السابقة تأثر بمعطيات البيئة الاجتماعية ، وان تغير الاحوال في هذا العصر تقتضي اجتهادا مستأنفا في الموضوع يلحظ معطيات الحاضر وحاجاته ، كما يحتاج تكييف كل جزء من أجزاء الموضوع إلى رأي اهل الخبرة في هذا الجزء .

 المسألة الثالثة :

من مظاهر مرونة الشريعة المحمدية ويسرها ، تقسيم الاحكام إلى اولية وثانوية ، فالاولية تحكم الموضوعات في الحالة الطبيعية ، والثانوية تحكم الموضوعات في الحالات الاستثنائية ، ويطلق عليها الفقهاء اسم (أحكام الضرورات) ويعرف الجميع ان الضرورات ليست صنفا واحدا ، فمنها ما هو آني قصير الأمد ، مثل السماح بأكل الميتة للمنقطع في الصحراء حفظا لحياته ، ومنا ما هو  ممتد لامتداد الظرف الذي ألزم به ، مثل رفع بعض الحدود في ظروف القحط والمجاعة العامة ، وقد جرى تنظير قواعد للاحكام الثانوية من النوع الثاني ، تقربها إلى الصنف الأول ، ومنها على سبيل المثال سد الذرائع ، فيستطيع ولي الأمر أو الفقيه المبسوط اليد ، ان يمنع الناس من مباح ، سدا لذريعة التوسل به إلى الفساد المؤكد ، ويقول الاصوليون ان منع المفسدة مقدم على جلب المصلحة .
لكن في معظم الأحوال فان الأحكام الثانوية ، تعتبر مؤقتة أو شخصية محدودة بزمان الضرورة ومكانها واشخاصها ، بمعنى انها لا تجري مجرى القاعدة الثابتة ، فتكون بديلا عن الحكم الأولي ، فلو سد الفقيه بابا مباحا لأنه ذريعة للفساد ، فان الاطمئنان إلى انقطاع السلسلة ـ ولو في حالات محددة ـ يبريء ذمة المكلف ، إذا أخذ بالحكم الأولي أو برأي  الغير .
في تطبيق هذا المسار على موضوع المرأة المسلمة ، نجد ان بعض الآراء تؤسس على قاعدة سد الذرائع ، لا على الاحكام الأولية في الموضوع ، بديهي ان الفقيه مكلف شرعا ببيان الحكم في ما يعرض عليه من الحوادث ، وهو أقرب إلى معرفة الحكم الشرعي من غيره بسبب التخصص ، لكن من ناحية أخرى فان تطبيق الأحكام الثانوية محدود بظرفه الخاص ، لأن تمديدها إلى خارج حدود الظرف الخاص ، يجعلها بديلا عن الحكم الأولي ، بل يلغي الحكم الأولي ، فاذا وضعت حدود ضيقة لعمل المرأة أو دورها الاجتماعي سدا لذريعة الفساد ، أو سدا لذريعة إهمال ما هو أهم ، فينبغي ان تعالج المسألة من زوايا مختلفة ، فلا يكتفى بالنكير على عمل المرأة ، وكأنه ـ بذاته ـ محرم أو مكروه ، كأن يقال ان الحكم الاولي ـ  أي الجواز ـ جار بهذه الشروط أو ضمن هذه الترتيبات ، أو يقال ان عملها في المكان الفلاني ، أو ضمن الظروف الفلانية ، ممنوع أو مكروه أو مرجوح ، لهذه الأسباب ، وهو جائز في بقية الاماكن . وأظن اننا بحاجة اليوم إلى تحديدات من هذا النوع ، لتلافي الاضطرار إلى الاطارات الضيقة أو نقاط الاشتباك الساخنة ، خاصة وان الاصل هو الاباحة ، وان المنع أو الالزام هو الاستثناء ، فينبغي ان لا تضيق ابواب المباح حتى يتحول المنع إلى اصل والمباح الى استثناء .
                                                                       ( 3 )

عرضنا في المقالين السابقين ثلاث مسائل في منهج الجدل حول المسائل الحساسة ، أخذا بعين الاعتبار مثالنا الرئيسي وهو قضية المرأة المسلمة ومكانها الاجتماعي وعملها على نطاق واسع ، وتعرض المقال الاول للحاجة إلى مناقشة علمية للموضوع بذاته وبغض النظر عن السجال مع الاجانب ، وفي المقال الثاني للحاجة إلى الاجتهاد المستقل والمعاصر في المسألة ، كما ميزنا بين احكام الظرف الطبيعي وأحكام الضرورات والحاجة إلى وضع كل من الصنفين في مكانه حتى لا تتحول احكام الضرورات إلى قواعد لمعالجة الحاجات الشرعية في الظرف الطبيعي ، ونختم المقال هنا بعض مسألة أخيرة .

المسألة الرابعة :

اليسر من الاسس الكبرى التي قامت عليها الشريعة المحمدية ، قال تعالى (ما جعل عليكم في الدين من حرج) وصح في الأثر الشريف (يسروا ولا تعسروا) وتحديد التوازن بين طرفي العسر واليسر مسألة تخصصية ، يقررها أهل الخبرة في كل تطبيق من تطبيقات الشريعة ، ثم ان مفهوم العسر واليسر قد ينصرف إلى حالات شخصية ، وقد ينصرف إلى وضع عام ، يتعلق بالمجتمع المسلم كمجموع ، ولا نريد بسط الحديث في هذا الموضوع بالذات ، فهو معروف عند الجميع ، لكني أريد اقتراح موضوعين محددين يتعلقان بقضية المرأة ، للبحث في تطبيق التوازن بين طرفي العسر واليسر على المستوى العام . الاول في التشغيل الواسع النطاق للنساء ، وأظن ان المسألة تتعلق بنحو مليون وظيفة في القطاعين العام والخاص ، فهذه المسألة تبحث من جانب الاقتصاد الكلي ، أي تأثير اشتغال النساء على ميزان المدفوعات الوطني ، وبالتالي على فرص تنشيط الدورة المحلية لرأس المال والحياة الاقتصادية ، وعلى مستوى الاقتصاد الجزئي ، أي تأثير اشتغال النساء على مستوى معيشة العائلة السعودية ، وتبحث من الجانب الاجتماعي ، أي تأثيره على فاعلية المجتمع ونمو شخصيته ، مقابل التحديات التي تواجهه والتاثير الثقافي الخارجي عليه ، وتبحث ثالثا من الجانب التربوي ،  أي تأثيره على نمو الشخصية الفردية للمرأة وانعكاسه على قدراتها التربوية ، وضمن الاطار العام ، فاننا نبحث الموضوع من زاوية أثره في الثقافة الاجتماعية السائدة ، لجهة انعكاسه على تقدير الفرد لذاته وللآخر ، وتطوير تصوره للآخر باعتباره انسانا له حقوق انسانية مماثلة . فهذه القضايا جميعها ذات علاقة وثيقة بقضية المرأة ، ومن المهم جدا ان نضعها تحت المجهر ، كي لا نقع أو نوقع مجتمعنا في العسر الذي لا تريده الشريعة ، ان البحث فيها قد يكشف لنا عن مصالح راجحة ، تركناها حفظا لمصالح مرجوحة ، ظنا بانها المقدمة وانها الاهم .

أما الموضوع الثاني فان من مظاهر اليسر في الشريعة المحمدية ، اختلاف الفقهاء في الرأي ، وجواز الأخذ بالرأي الأيسر بين الاراء المختلفة ، وهذا الامر مريح لعامة الناس ، فهو يعينهم على تلافي  البحث عن مخارج أو حيل للتهرب من الاحكام التي يجدونها صعبة التطبيق ، ومريح لولي الأمر فهو يتيح له الأخذ بجانب التيسير على عامة الناس ، إذا احتاج إلى تقرير إجراءات رسمية في موضوع من الموضوعات ، وهو مريح أيضا للفقيه الذي لا يستطيع ترك ما توصل اليه من رأي ، لأن العلم حجة على صاحبه ، لكنه في المقابل لا يجد مسوغا لالزام الناس بما لا يطيقون ، أو بما يكون سببا لتهربهم من طريق الشريعة ، فيحيلهم  على فتوى غيره ، أو يسمح لهم بالرجوع إلى الغير ، وكلا الرأيين ، اليسير والعسير ، صادر عن مجتهد مؤهل لهذا الدور ، واتباعه من جانب ولي الامر أو من جانب عامة المكلفين مبريء للذمة ، ومعذر امام الخالق ، فالفتوى كما يذهب أكثر الاصوليين ليست منجزة بالضرورة للمراد الرباني من الحكم ، لان معرفة الواقع  أي مراد الخالق ، فوق طاقة البشر القاصر ، لكن الاخذ بها ـ مع ذلك ـ مبريء للذمة ومعذر للمكلف يوم الحساب .

أما وقد انتهينا من الموضوع ، فنعود إلى ما بدأنا به ، فنقول اننا بحاجة إلى بحث مستفيض لموضوع المرأة المسلمة ، وما يتعلق بدورها الاجتماعي من أحكام ، بحثا يأخذ بعين الاعتبار الاحكام الشرعية الاولية ، ويضع كل تخصيص لهذا الحكم في حدود ما يوجب التخصيص ، ثم اننا بحاجة إلى الفصل الحاسم بين ما هو حكم شرعي وما هو عرف اجتماعي ، فحتى لو أردنا الاخذ بالعرف ، فاننا نأخذ به باعتباره عرفا ، ولا نلقي عليه عباءة الحكم الشرعي ، خشية ان يختلط الامر على الناس ويضيع الشرع في غمرة الاعراف والتقاليد .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الانتقال الى الحداثة

بعد جدالات الاسبوعين الماضيين ، قد يسألني القاريء العزيز: لنفترض اننا اردنا التحرر من أسر التقاليد المعيقة للتقدم والتكيف مع روح العصر ومتط...