بدل الاستمرار في الجدل حول قصة غزال-
1 ، دعونا نتحول للتفكير الجاد في غزال- 2، أي تأسيس صناعة سيارات
وطنية. وليكن لنا من سيرة غزال الأول عبرة ودرس.
كشف الجدل عن إرادة شعبية قوية لدخول
ميدان الصناعة. لكن ثمة من ينتابه الشك في ضرورتها وجدواها الاقتصادية، أو في
قدرتنا على استيعاب تحدياتها.
السؤال الأول البديهي: هل تحتاج
المملكة إلى صناعة السيارات؟
أظن أن كل قارئ سيجيب بنعم. توسيع
قاعدة الإنتاج وتعظيم الدورة المحلية لرأس المال وزيادة عرض الوظائف، هي بعض
المبررات التي تطرح للتدليل على هذا الرأي.
وهذا يقودنا إلى السؤال الثاني: هل
توفر صناعة السيارات محليا قيمة مضافة جديرة بالاهتمام؟ ولماذا ننفق أموالنا في
مشروع قليل العائد وأمامنا فرص بديلة أكثر ربحية؟
جواب هذا السؤال يجب أن يترك
للاقتصاديين وليس التجار أو كتاب الرأي. لكن لو أردنا تقديم مقارنة انطباعية فإن
أول ما يرد إلى الذهن هو نجاح صناعة السيارات في اليابان وأمريكا وأوروبا، رغم
ارتفاع تكلفة الإنتاج من الأجور إلى المواد الأولية والضرائب والشحن... إلخ. مصانع
السيارات في تلك البلدان تصدر إلينا وتربح. تربح تويوتا اليابانية ــــ كما قرأت
ــــ 15 ألف ريال في كل سيارة. أفلا يدل هذا على احتمالات ربح جيدة؟
يقول المتحفظون إن تلك البلدان تملك
خلفية كبيرة من الخبرات، وقاعدة صناعية تجعل أي صناعة جديدة أمرا يسيرا، أما نحن
فنبدأ من الصفر، ولذا فقد ننفق أكثر بكثير من أولئك قبل أن نصبح مثلهم.
مثل هذا التحفظ ليس جديا، ولو قبلنا
به فلن نقيم أي مشروع. لقد أقمنا جامعات من الصفر وأقمنا صناعة بتروكيماويات
وأسمنت من الصفر. وهكذا كل عمل في الدنيا. لا بد أن تبدأ من نقطة ما كي تصبح في
الطريق. ومن لا يتحمل عناء البداية فلن يصل إلى أي مكان.
بعيدا عن هذه التحفظات، فإن التفكير
في نقطة البداية مهم بذاته. وفي ظني أن هذه النقطة هي التفكير في صناعة السيارات
كجزء من مشروع نهضة وطنية، لا يصح التفكير فيه بعقلية التاجر الذي يحسب نسب
الأرباح ومواقيتها، بل بعقلية القائد الذي يفكر في تشكيل صورة جديدة لمستقبل
البلد. نحن في حاجة إلى مشروع كهذا لأنه قاطرة قوية لتوطين التقنية وإنتاج العلم وتعزيز
بنية الاقتصاد الوطني.
تجربة الصناعة في العالم تخبرنا أن جنرال
موتورز الأمريكية، مثل تاتا الهندية
ومرسيدس الألمانية وفيات الإيطالية، نهضت وتوسعت اعتمادا على عقود وضمانات حكومية،
ولا سيما من خلال وزارة الدفاع. وفي ظني أن نقطة البداية الواقعية لمشروع غزال-2
هي تبنيه من جانب وزارة الدفاع. هذا ليس مشروعا لتنفيع الباعة والمشترين، بل
لصياغة جانب من مستقبل الوطن. ولهذا يستحق المغامرة.