03/04/2012

اللامركزية الادارية ضرورة اليوم وليس غدا


شعر الكثير منا بالاسى حين تابع العام الماضي افتتاح مترو دبي بعد اقل من خمس سنين على اقرار مشروعه ، بينما كنا ننتظر افتتاح مترو الرياض الذي وعدنا به في 2009 ، وتخصيص الخطوط السعودية وفتح سوق النقل الجوي امام ناقلين جدد ، وغير ذلك من المشروعات الضرورية لتيسير المواصلات في المملكة.

خلفية الاهتمام بهذه المشروعات هو ضيق الناس بازدحام العاصمة ومشكلات النقل الجوي والبري وغيرها. معظم المتحدثين في هذا الشأن ينادون بالتوسع في النقل العام بمختلف وسائله. وهو حل لجأت اليه معظم دول العالم في العقود الماضية.
لكن هذه الحلول لن تكون فعالة في المستقبل. لندن التي تتمتع بشبكة قطارات ضخمة وثلاث مطارات دولية لم تنج من الزحام. ومثلها نيويورك وغيرها من المدن الكبرى.
الحل الفعال ، والاقل كلفة ، هو اللامركزية الادارية. التي تعني :
 أ) توزيع الادارات التابعة لوزارة واحدة بين المدن المختلفة.
 ب) نقل شريحة واسعة من اعمال وصلاحيات الادارات المركزية في العاصمة  الى فروعها في المناطق.
ج) الغاء جميع المراجعات الشخصية  التي يمكن استبدالها بالمتابعة عن طريق التلفون والمراسلة.

في الماضي كان البيروقراطيون يبررون تجميع الادارات والموظفين في مكان واحد بالحاجة الى تسريع العمل. وهذه فائدة معقولة مادام عدد الموظفين صغيرا. لكن مع مرور الوقت وتزايد العدد تتلاشى هذه الفائدة. تضم وزارات الدولة اليوم مئات الالاف من الموظفين الذين لا ضرورة لبقائهم في المباني المركزية. اضف الى هذا عشرات الالاف من الناس الذين يراجعون هذه المباني من اجل معاملات صغيرة وكبيرة. ومثلهم من موظفي القطاع الخاص الذي ينفذ اعمالا للوزارات .
هذا يعني ربما ربع مليون سيارة او اكثر تستعمل شوارع العاصمة كل يوم. ويعني ملايين ساعات العمل التي تضيع في زحام الطرق.

اتساءل مثل غيري: ما الذي يستوجب احتفاظ وزارة التربية والاعلام والكهرباء والشؤون الاجتماعية والمالية والتجارة ومؤسسة النقد وعشرات من الادارات الاخرى بمعظم موظفيها في العاصمة. ما هو الضرر الذي سيحدث لو وزعت بعض الادارات ، بين مدن المملكة المختلفة؟

فوائد التوزيع واضحة ، فهو سيقلل كلفة العمل وزحام العاصمة ، وسيرسي ارضية للتخلص من المراجعات الشخصية الكثيرة والمرهقة ، ويستبدلها بالتواصل عبر التلفون او الرسائل. والاهم من هذا وذاك فانه سيدفع عجلة النمو في المدن التي تحتضن المقرات الجديدة ، من خلال زيادة الطلب على السكن  والسوق ، وبالتالي تسريع دورة راس المال المحلي وتحسين مستوى المعيشة.

لقد حان الوقت للتخلص من الثقافة التي تعتبر البلد ملخصا في العاصمة. وقد حان الوقت لتفويض امارات المناطق وفروع الوزارات فيها بجميع صلاحيات المركز ، حتى لا يضطر احد لارسال معاملة الى الرياض فضلا عن السفر اليها للمتابعة الشخصية.

زحام المدن ليس مشكلة مواصلات فقط ، بل هو اهلاك سريع للبنية التحتية ، وتعقيد للحياة الاجتماعية ، وزيادة في التوتر النفسي للافراد ، فضلا عن الامراض الناتجة عن التلوث.
الاقتصادية 3 ابريل 2012

27/03/2012

يا معالي الوزير

أتمنى أن يفرغ كل وزير بضعة أيام من وقته الثمين لمراجعة الأنظمة واللوائح المطبقة في وزارته. ولا سيما تلك التي تنظم علاقات المراجعين، وأن يقيم مكتبا خاصا لتلقي الاعتراضات على تلك الأنظمة واللوائح.
نظريا ، تستهدف الإدارات الرسمية خدمة المواطن، كما يستهدف بعضها المحافظة على هيبة النظام والأملاك العامة. في كلتا الحالتين المقصود النظري هو تمكين المواطنين من حقوقهم، وصون كرامتهم، والارتقاء بمستوى معيشتهم. 
في واقع الأمر، تطبق هذه الأغراض - في كثير من الحالات - على نحو يقود إلى عكس الغرض، أي حجب حقوق المواطن أو هدر كرامته أو زيادة تكلفة المعيشة عليه.
أظن أن التنظيم القانوني يتحمل بعض المسؤولية عن انقلاب الأغراض هذا. أشرت في مقال سابق إلى تلك الشريحة من الأنظمة المؤسسة على أرضية الارتياب في خيرية الإنسان، الأنظمة التي يستهدف واضعوها تضييق السبل على العابثين، لكنها في نهاية المطاف تضيق الطريق على الجميع، على العابثين الذين يشكلون أقلية صغيرة جدا، كما على الأكثرية الساحقة التي تريد العيش بسلام في ظل القانون.
أتمنى أن يراجع الوزراء نظم ولوائح العمل السارية في وزاراتهم واحدا واحدا، ثم يضعون السؤال التالي أمام كل بند من بنودها:
- لماذا نحتاج إلى هذه المادة؟
- هل تيسر أمور المواطنين أم تضيق عليهم؟
- هل نستطيع استبدالها بطريقة أكثر تيسيرا أم نلغيها كليا أم نبقيها كما هي؟
- وإذا أبقينا هذا البند الذي يتسبب في التعسير فما التعويض الذي نقدمه للمواطن مقابل تحميله هذا العسر؟
قبل أيام وجدت أن وزارة الثقافة والإعلام تفرض على من يريد فتح ستوديو تصوير ، رسم ترخيص بقيمة ألف ريال لثلاث سنوات، ولو تأخر في التجديد، تفرض عليه غرامة تعادل 100 ريال عن كل شهر أو جزء من الشهر. سألت الموظف هناك: ما الخدمة التي تقدمها الوزارة لستوديو تصوير مقابل هذه الرسوم؟
- لا شيء في الحقيقة، لا شيء على الإطلاق.
أتساءل اليوم: ما الفرق بين ستوديو تصوير ومحل بقالة؟ لماذا يكتفى في البقالة بترخيص البلدية، بينما يفرض على ستوديو التصوير ترخيص البلدية والإعلام، مع الرسوم المعروفة لكلتيهما؟
هذا مثال واحد على نظام أو لائحة عمل لا ضرورة لها ولا فائدة، علما أن الحصول على ما يسمونه الترخيص الإعلامي ليس مهمة تتم في دقائق أو ساعات، بل تستغرق أياما، وتتطلب أوراقا أكثر من مجرد هوية شخصية للمتقدم.
هل يحتاج تنظيم أمر البلد إلى هذه الأشياء كلها؟ هل تقدم الوزارة خدمة تستحق هذه الرسوم؟ ما المصلحة التي تريد الوزارة المحافظة عليها من وراء تكليف المواطن بالرسوم والأوراق والمراجعات؟ هذا مثال واحد أعرضه لأني عرفته عن قرب، وثمة عشرات من الأمثلة المشابهة.
أتمنى بصدق أن يفرغ كل وزير بضعة أيام من وقته الثمين لمراجعة تلك اللوائح والأنظمة، والتفكير جديا في الغرض منها والفائدة المرجوة وراءها، وانعكاسها على المواطن، تيسيرها لحياته أو تعسيرها، تخفيف تكلفة معيشته أو زيادتها.

20/03/2012

على مدير الجامعة ان يستقيل


اراقت صحافتنا انهارا من الحبر مطالبة بتنحي مدير جامعة الملك خالد. لكن الرجل لم يكلف نفسه حتى عناء الخروج الى الناس وبيان موقفه. لم يتحدث الرجل ابدا للصحافة التي تقصفه منذ اسبوع ، ولم يتحدث لطلابه الذين فاض بهم الكيل ، فقالوا فيه ما يصح  وما لا يصح. ذكرني هذا بموقف مديري الاقتصاد الوطني حين انهارت سوق الاسهم قبل بضع سنوات. يومذاك انتظر مئات الالاف ممن خسر بعض او كل راسماله ، انتظروا توضيحا او تفسيرا او تطمينا من مؤسسة النقد او وزارة المالية او هيئة سوق المال . لكنهم لم ينعموا حتى بكلمة تطييب خاطر ، فضلا عن توضيح لكارثة اصابت الصغير والكبير.
هل هو مجرد اهمال ، ام عجز عن التعامل مع الموقف ، ام اعتقاد يسود بين الاداريين بانهم ليسهم مسؤولين تجاه المجتمع، ام هو انتظار متعمد حتى "تنكسر الموجة" وينشغل الناس بامور اخرى فينسون الجرة المكسورة؟.

 اشعر – مثل كثير من الناس – بالعجز عن استنباط تفسير لهذا الصمت الغريب. لكنني اعلم – مثل سائر الناس ايضا – ان ترحيل التازمات او التقليل من اهميتها لا يأتي بحل ، بل ربما حول المشكلة الى معضلة. اني اخشى حقا من شعور الشباب بان همومهم لا تثير اهتمام احد ولا تحرك ساكنا. يقولون في علم النفس ان علاقة الانسان بالمحيط تتطور في سياق تجاذب بين جانبين في نفسه: ميل للتكيف وميل مضاد للمنازعة. يشتد الميل للتكيف اذا حظي الفرد باستجابة البيئة الاجتماعية لمطالبه وهمومه ، ويشتد الميل للمنازعة اذا ووجه بالاغفال او الصد. المنازعة ليست مجرد سلوك فردي ، فهي روحية تبدا بواحد ثم تنتقل بين الاقران المتماثلين في العمر او الثقافة او الهموم. مجتمع الطلبة هو اكثر البيئات انفتاحا على التغيير ، لانه بطبعه ، وبالنظر للعوامل المذكورة ميال للتمرد على المعتاد والمالوف.

هذا الطبع يستثمر ايجابيا حين يتمرد الطلاب على الاجوبة المألوفة ، فينظرون لما وراء العرف المالوف، فياتون بابتكارات وكشوف علمية تثير الاعجاب. ولكنه قد يذهب في منحى التمرد على النظام الاجتماعي ومنظوماته القيمية واعرافه ، فيؤدي الى خلخلة البناء العلائقي والقيمي ونظام المصالح السائد.
يقول لي بعض الاصدقاء ان استقالة مدير الجامعة سوف تشجع الطلبة على المزيد من المطالبات. وقد تثير حماسة طلاب الجامعات الاخرى لخوض التجربة التي سبقهم اليها زملاؤهم في ابها. لكن الصحيح ان الاستجابة السريعة والجذرية ستكون اخف عبئا واهون كلفة من مكابرة قد تأتي بما هو ادهى.

نخشى ان يؤدي اهمال مطالب الطلبة الى شعورهم بالمهانة . هذا لن تكون عاقبته تناسي ما حصل. بل تشديد الميل للمنازعة في نفوسهم. الميل للمنازعة هو روح تسري بين الاقران وقد تنتشر نارها الى المجتمع الطلابي باكمله. أعلى ثمن يدفع اليوم هو استقالة مدير جامعة او اكثر. لكن هل ندري بالثمن الذي سوف يكون كافيا غدا؟. هل نغامر بتاخير الحل؟. نحن نرى حولنا مصير الذين تاخروا طمعا في تقليل الثمن ، لكنهم اليوم يعرضون اعلى الاثمان فلا يلتفت اليهم احد.
على مدير جامعة الملك خالد ان يعفي نفسه من مسؤولية ما قد يحدث غدا. عليه ببساطة ان يستقيل اليوم قبل الغد.

تعقيب: " في 30 يونيو 2012 امر الملك عبد الله باقالة مدير جامعة الملك خالد د. عبدالله الراشد"

الاقتصادية 20 مارس 2012  http://www.aleqt.com/2012/03/20/article_638435.html
*نسخة المقال الاصلية 

13/03/2012

سيادة القانون ورضا العامة

باستثناء الجيش، فإن جميع المنظمات، الإدارية منها والخدمية والتجارية، تتراجع كفاءتها وقدرتها على الإنجاز في ظروف الأزمة. ثمة أزمات سياسية وأزمات اقتصادية وأزمات اجتماعية، وهكذا.. القاسم المشترك بين الأزمات جميعا، أنها تبدأ عندما يشعر طرف من أطراف النظام الاجتماعي ، بعدم الرضا عن طرف أو أطراف أخرى.
''قانون نابليون'' الذي وضع في 1800 يعد إحدى العلامات البارزة في التاريخ السياسي، فمنه انطلق المبدأ المعروف اليوم بسيادة القانون. سيادة القانون تعني أن تعامل الدولة جميع مواطنيها ، وفق مبادئ وقواعد متماثلة ، بغض النظر عن انتماءاتهم الاجتماعية أو موقعهم الطبقي.
حكم القانون هو المقابل النظري والموضوعي لحكم الشخص. يتولد الغضب الشعبي، أي عدم الرضا الذي يقود إلى الأزمة، عندما يشعر بعض الناس بأن الإدارة الرسمية أو بعض رجالها ، لا يطبقون قانونا واحدا على الجميع. معظم الشكاوى التي نشرت في الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي ، حول التأزم الذي شهدته جامعة الملك خالد في أبها ، تتهم إداريين في الجامعة بتحكيم ميولهم الشخصية ، في معاملة الأساتذة والطلبة. عدد معتبر من الأساتذة تركوا الجامعة، وعدد من الطلبة يشكون من حرمانهم من فرص حجزت لأقارب وأصدقاء مسؤولين في الجامعة.
قد تكون بعض هذه الشكاوى صحيحة وقد لا تكون. لكن في كلتا الحالتين، فإن التأزم واضح في العلاقة بين إدارة الجامعة ومنسوبيها وطلبتها.
أمامنا طريقان لتطبيق القانون وإحقاق العدالة: الأول إخضاع مدير الجامعة ومساعديه لتحقيق علني. وهذا يتطلب تجميد صلاحياتهم لكيلا يؤثروا في سير التحقيق. والآخر هو إعفاء المدير ومساعديه ونقلهم إلى مواقع أخرى.
الفارق بين الطريقتين، أن الأولى ستؤدي - قطعا - إلى تفاقم الجدل وظهور قضايا مسكوت عنها، وفي نهاية المطاف الإضرار بسمعة من خضعوا للتحقيق. أما الأخرى فهي تنطوي على إعلان بتحميل المسؤولية عن الأخطاء المزعومة على بعض الأشخاص، الأمر الذي يمكّن من معالجة لاحقة للشكاوى المزعومة في إطار القوانين السارية.
حكم القانون يعني أحيانا التضحية بالأشخاص، حتى لو ثبت عدم مسؤوليتهم المباشرة عن المشكلة، لأن غرض القانون هو تنظيم العلاقة بين أعضاء المجتمع وإزالة أسباب التأزم. كي تؤدي الجامعة دورها بكفاءة، فإنها تحتاج إلى أجواء هادئة، وإلى علاقة تعزز الرضا في الوسط التعليمي وتسمح بالتعاون بين أطرافه.
نحن لا نضحي بمدير من أجل مدير آخر، بل نضحي بمنصبه من أجل المصلحة العامة للمنظمة التي يرأسها. وإذا كان مخلصا لها وفيا لأهدافها فلا شك أنه سيتقبل التضحية بروح رياضية.
سواء كان الحق مع الطلبة أو مع الإدارة، فليس عيبا أن تقول الإدارة السياسية للناس ، إنها تستمع إليهم وإنها تستجيب لمطالبهم وإنها مستعدة للتضحية ببعض الإداريين ، من أجل رضاهم. تحتاج الإدارة إلى رضا الناس كي تتفادى الأزمة، وكي تواصل عملها بفاعلية وكفاءة، وكي يشعر الجميع بأن القانون - روحه ونصوصه - يطبق على الجميع أيا كانت أسماؤهم.
 الاقتصادية 13 مارس 2012

06/03/2012

عسر القانون كمدخل للفساد الإداري

الملف الثقيل الذي حمله المحامي المتدرب إلى مكتب وكيل الوزارة ، كان يستهدف فقط وفقط إقناع أحد موظفيه بأن المعاملة التي استغرقت ثلاثة أشهر ، مكتملة، ولا تنقصها سوى ورقة وحيدة تحتاج إلى توقيع صاحب المعالي. نظريًّا لا علاقة لذلك الموظف بأي ورقة أخرى سوى هذه، لكنه أنفق ساعات في مطالعة كل الأوراق، وقدم سلسلة اعتراضات من بينها مثلاً اعتراض على موافقات وزارات: التجارة، العمل، والبلدية. ستمر ثلاثة أشهر أخرى وربما أكثر قبل أن تنتهي الدوامة.

القيمة الاقتصادية للساعات التي أنفقها الموظفون والمراجعون على هذه المعاملة الصغيرة تقدر بآلاف الريالات. في القطاع الخاص، تنجز معاملات مثل هذه بالتراسل الإلكتروني والبريد، وربما لا يستغرق إنهاؤها بضع ساعات. نحن اليوم ننهي تعاملات بعشرات الألوف دون أن نغادر مكاتبنا، ومن دون تفريط في ميزانياتنا وساعات عملنا.. فلماذا لا تستطيع الإدارة الحكومية أن تفعل الشيء نفسه؟

الزميل الدكتور فهد الشثري (''الاقتصادية'' 3 مارس) يعتقد أن المشكلة تكمن في تدني كفاءة الموظفين، ويرجع هذا إلى ضعف الأجور في القطاع العام، لكني أجد أن موظفين مماثلين في القطاع الخاص برواتب مماثلة وربما أقل، يعملون بكفاءة أكبر، ينجزون أعمالاً أكثر وبتكاليف أقل.

أظن أن المشكلة تكمن في الفلسفة التي يقوم على أرضيتها التنظيم القانوني، ولا سيما اللوائح الخاصة بتسيير المعاملات والحقوق المتبادلة بين الإدارة والمراجعين.

الذين يضعون القانون ينطلقون من إحدى فلسفتين: مضمون الأولى أن غرض القانون هو التوزيع المنصف للخدمات العامة وتسهيل حياة الناس. ومضمون الأخرى أن غرض القانون هو منع العابثين وتضييق الخناق على أصحاب النوايا السيئة.

قد تبدو الفلسفة الثانية جذابة، لكنها خيار سيئ. لو سألنا أنفسنا: هل تريد أغلبية الناس العيش بسلام تحت مظلة القانون أم تشغل نفسها ليلاً ونهارًا بالتفكير في منافذ للتهرب من القانون وإفساد حياة الآخرين؟ بعبارة أخرى: هل الخير والسعي له هو الطبع الأولي للإنسان، أم أن الشر هو الطبع الإنساني الأصيل والأول؟

الذين درسوا في الغرب يعرفون أن معظم المعاملات تتم بالبريد والهاتف، وأنك لا تحتاج إلى مراجعة أي دائرة حكومية إلا نادرًا. وأذكر شخصيًّا أنني احتجت إلى الذهاب إلى دوائر حكومية مرتين فقط خلال ست سنوات من الإقامة في لندن، إحداهما لتسجيل بصمات اليد، والأخرى لتسلم شهادة ميلاد.

السر الكامن وراء سهولة المعاملات هناك هو إيمان واضعي القانون بخيرية الإنسان، وبأن وجود عدد من الفاسدين والعابثين لا يستحق تعسير حياة الأغلبية الخيرة، لذا فهم يهتمون بتسهيل القانون وجعله مرنًا وغير مكلف.

القانون المرن يشجع الجميع على الالتزام، والقانون العسير يضطر الناس إلى البحث عن طرق للالتفاف عليه. القانون الواضح المرن يقلل التدخل الشخصي للموظفين في كل صغيرة وكبيرة، ويقلل الحاجة إلى المراجعات المكلفة وقتًا ومالاً. والقانون العسير يفتح الباب لكل موظف كي يستعرض سلطاته، وقد يجبر المراجع على اتباع طرق ملتوية.

أول الطريق لاجتثاث الفساد الإداري هو إصلاح القانون ولوائح العمل، وبالتحديد إقامتها على فلسفة تستهدف تيسير حياة الأكثرية الخيرة، وليس تضييق السبل أمام العابثين.

مقالات ذات علاقة

 

ابعد من فيلم الجني ومن لبسه

أم عمرو وحمار أم عمرو

تحكيم القانون وليس التعويل على الاخلاق

التعسير على المواطن فساد أيضا

حتى لا تكون الادارة الحكومية عش دبابير

حياتنا مليئة بالأسرار

الخجل السياسي وتطبيقاته

الخطوة الأولى لمكافحة الفساد.. تيسير القانون وتحكيمه

خطوط الانكسار

سيادة القانون ورضا العامة

صيانة الوطن في سيادة القانون

الطريق الى 2030

عسر القانون كمدخل للفساد الإداري

فاتورة الوزير

فضح العيوب واستنهاض المجتمع

قصة "كائنا من كان"

قليل من صور الفساد

كي نقتلع شبكات الفساد

المجتمع السري

من أبواب الفساد

نبدأ حيث نحتاج

نقاط الاحتكاك بين المجتمع والدولة

واتس اب (1/2) أغراض القانون

واتس اب (2/2) عتبة البيت

يا ملقوف ايش دخلك

 

 


جريدة الاقتصادية 6 مارس 2012 http://www.aleqt.com/2012/03/06/article_633594.html

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...