15/04/2020

متشائمون في غمرة الوباء ، لكنني متفائل

استطاع العالم تجاوز مآسي الحرب الكونية الاولى والثانية. مآسي كورونا وآلامها ليست اضخم ولا اعمق. فلم نتشاءم وامامنا تجربة تنبض بالحياة؟

قرأت اليوم حديثا للمفكر الامريكي نعوم تشومسكي ، تناول التأثير الكارثي لوباء كورونا على حياة الناس. وينتهي الحديث متفائلا بانتصار البشرية على الوباء. لكن التشاؤم كان طاغيا على معظم حديث تشومسكي. ويظهر ان تشاؤمه ناتج من ان بعض قادة الدول الكبرى لا يبدون مكترثين  بالمصير الواحد لسكان الكوكب ، قدر اهتمامهم بأن ينجحوا كأشخاص ، كي يحتفظوا بكرسي السلطة.
وجدت نفس الانطباع عند الروائية الهندية الشهيرة أرونداتي روي ، التي أبدت المها من انعكاس الكارثة على ملايين العمال الفقراء في مدن الهند الكبرى ، الذين وجدوا انفسهم بين ليلة وضحاها ، بلا مال ولاعمل ولامسكن ولاطعام  ، ولا قطار يركبونه كي يرجعوا الى اهلهم في الأرياف البعيدة ، ولا أحد يحتمل رؤيتهم ، فضلا عن مد يد العون لهم في هذه المحنة. ان الصورة التي ستبقى في ذاكرة العالم عن حكومة الهند الحالية ، هي تلك التي تظهر فريقا من رجال الشرطة ، يجلدون المشاة بعصيهم الغليضة ، كي يتحركوا بسرعة الى خارج المدينة.
مثل تشومسكي ، يستذكر هنري كيسنجر ، وزير الخارجية الامريكي السابق ، اجواء الحرب العالمية الثانية ، قائلا ان التأخر في احتواء الوباء ، لايهدد  فقط التعاون الدولي ، بل يهدد ايضا العقد الاجتماعي للبلدان الكبيرة او التي تعاني أصلا من انقسامات ، مثل الولايات المتحدة الامريكية واوربا.
لاحظت ان غالبية المفكرين الذين سئلوا عن توقعاتهم ، كانوا متشائمين تجاه وضع العالم  بعد تلاشي وباء كورونا. هذا على الأقل أبرز استنتاج خرجت به من قراءات مكثفة خلال الاسابيع الخمسة المنصرمة. لكني أجد من اللازم اخباركم بأني لا أزال متشككا في المبررات التي يعرضها اولئك المفكرين ، رغم القيمة الرفيعة لوجهات نظرهم والأدلة التي يستندون اليها.
أعلم ان الاسبان والايطاليين لم يكونوا سعداء بتعامل شركائهم في الاتحاد الاوربي ، وان الولايات المتحدة تريد معاقبة الصين ، بحجة كتمانها لحقيقة الوباء في بداياته. أتابع ايضا التجاذب الاعلامي بين الرئيس الامريكي وحكام الولايات ، حول مسؤولية كل طرف عن التصدي للكارثة وانعكاساتها. وفوق هذا وذاك ، أعلم ان أول اجراء اتخذته حكومات العالم ، هو اغلاق حدودها ومحاولة حل مشكلاتها بنفسها. وهذا منهج عمل كان العالم قد تخلى عنه في  العقدين الماضيين ، لصالح منظور كوني للمشكلات والحلول.
اني غير مقتنع بدواعي التشاؤم لاسباب ثلاثة: أولها ان تيار العولمة بات اسلوب معيشة وعمل على امتداد العالم ، بحيث لايمكن الغاؤه بقرار. اما الثاني فهو ان الميل للانكفاء على الذات في المجتمعات التي ضربها الوباء ، قابلته في ذات الوقت مبادرات دعم دولي ، بدوافع مختلفة. من ذلك مثلا  ارسال روسيا كتيبة الحرب البيولوجية ، لتعقيم مدن الشمال الايطالي. وقد حظيت هذه القوة بترحيب تجاوز المتوقع. وحصل مثله في صربيا أيضا. أضف اليه المساعدة التي قدمتها كوبا والصين ومصر للدول المصابة بالوباء. هذه المبادرات وامثالها لن تكون بلا نتيجة ، وآلام اليوم ليست نهاية الطريق.
اما الثالث فهو التجربة التاريخية. ان اطراف الحرب العالمية الثانية ، هم انفسهم رواد الانفتاح والتعاون الدولي منذ نهاية الحرب حتى اليوم. المؤكد ان هذه السياسات استندت الى حاجات اقتصادية اضافة الى مشاعر انسانية. فلماذا نستبعد حراكا مماثلا اليوم؟. ان مآسي كورونا ليست اضخم من مآسي الحرب الكونية ، وآلامها ليست اعمق من تلك الآلام ، فلم نتشاءم وامامنا تجربة تنبض بالحياة؟.
الشرق الاوسط الأربعاء - 21 شعبان 1441 هـ - 15 أبريل 2020 مـ رقم العدد [15114]

08/04/2020

هل نستطيع التعايش مع الوباء


||لا يمكن مواصلة اغلاق السوق وتعطيل الحياة الاجتماعية. ادعو للتعايش مع الوباء ، اي اعادة فتح السوق والاعمال ، مع الابقاء على بعض الاحتياطات الوقائية||
قرأت مثلكم تعليقات الصحف التي تشكو من عدم التزام الناس بالبقاء في بيوتهم. وتقول ان هذا يتسبب في تعطيل القضاء السريع على فيروس كورونا. في التلفزيون يقولون الشيء نفسه ، والذين ينشرون اراءهم على منصات التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيسبوك ، يكررون ذات الدعوة ، بنفس الالفاظ تقريبا.

لقد بدا لي ان الدعوة للبقاء في البيوت ، باتت شعارا يتفق عليه كافة البشر اليوم. الكل يردد نفس الكلمات ، بنفس القدر من العاطفة ، من رؤساء الدول الى زعماء الاديان مرورا بالوزراء والخبراء وحتى الفتاة الصغيرة التي تحدثت على تطبيق سنات شات: كلهم يطالبونك بالبقاء في دارك.
حسنا.. سنبقى في البيت. لاننا نعلم انه لا يوجد لقاح يقي من الاصابة ، ولا علاج لمن أصيب. لكن السؤال الذي يلي هذا ، هو: الى متى؟. اعلم ان بعض الخبراء سيقول: حسنا  الى ان ينتهي الوباء ، او نصل الى مستوى السيطرة (ويعبر عنها عادة بعدم التصاعد المضاعف لأرقام المصابين والضحايا). هذا لا يكفي لانه لا يحدد وقتا ، كما اننا لسنا متأكدين من نقطة الاشباع الحدي ، الذي يتحول المسار بعدها الى اتجاه تنازلي.
دعني اتحدث هنا بصورة انطباعية بحتة. انني لست خبيرا. لكني وكثير غيري ممن يعتمدون كلام الخبراء يشعرون بقدر من الحيرة. لا اتحدث عن التطمينات والتحذيرات ، فهذه لا تفيدنا بشيء ، بل عن المعلومات التي تقال باعتبارها نتاج خبرة. خذ مثلا كلامهم عن الانتاج التجاري للقاح ، فهم يقولون انه الآن في مرحلة التجارب السريرية ، في 8 او 9 دول على الأقل ، لكنه لن يكون متاحا لجميع الناس قبل نهاية العام الجاري.
اللقاح سيفيد الاشخاص الذين لم يصابوا ، اما المصابين فعلا فيحتاجون الى دواء ، فماذا عن الدواء؟
يتحدثون عن العلاج بالبلازما ، وهي جزء من الدم يحوي الأجسام المضادة ، التي ينتجها الجسم بعد الاصابة بمرض ما. والعلاج بالاجسام المضادة لدى المتعافين ، معروف في الطب ، ويقال انه استخدم للمرة الأولى لمواجهة وباء الانفلونزا الاسبانية التي اجتاحت العالم في 1918 وخلفت نحو 100 مليون وفاة.  ونعلم الان ان الولايات المتحدة وفرنسا والصين وايران وايطاليا ، ودول اخرى ، جربت هذا الدواء ونجحت. لكن الواضح ايضا ان هناك حدودا (لا اعرفها) تحول دون استخدامه على نطاق واسع.
زبدة القول انه لا دواء متوقعا قريبا ، وعلينا ان نتعايش مع الوباء حتى نهاية العام الجاري على الاقل.  
هل هذا يعني ان يستمر الاغلاق وحظر التجول حتى نهاية العام ايضا؟
اظن ان بعض الناس سيقول: وما المشكلة في ذلك؟
قد يكون هذا القائل طالبا ، يعلم انه قد نجح في العام الجاري ، او قد يكون موظفا حكوميا يعلم ان راتبه سيصله حتى لو استمر حظر التجول عشر سنين. لكن ماذا عن بقية السوق والاقتصاد الوطني عموما؟.
لو استمر الاغلاق فان عشرات الشركات الصغيرة ستموت ومئات الآلاف من الوظائف ستتبخر.
لهذا السبب فانني ادعو الى الانتقال من حالة المواجهة الوقائية مع الوباء ، الى التعايش معه. هذا يعني اعادة ترتيب السوق والاعمال على نحو يسمح بعودة معظمها الى العمل المعتاد ، مع الابقاء على بعض الاحتياطات الوقائية. ربما لا نستطيع فتح كافة الاعمال ، لكن علينا اعادة تنشيط اكبر قدر ممكن من الاعمال ، سيما في القطاعات المنتجة والداعمة للانتاج ، كي نمنع الانزلاق نحو الركود.
الشرق الاوسط الأربعاء - 14 شعبان 1441 هـ - 08 أبريل 2020 مـ رقم العدد [15107]
https://aawsat.com/home/article/2222421/

مقالات ذات علاقة










01/04/2020

ما بعد كورونا .. عبودية جديدة؟

|| بعض الناس يتقبل اخضاع حياته للرقابة المباشرة ، وهو يقول "لاتبوق ولاتخاف". لكن هذا نزول لا يليق بكرامة الانسان||
سأذكر القراء بصورتين ، لعل غالبيتهم قد صادف احداهما هذه الايام. الصورة الاولى لطائرة صغيرة مسيرة (درون) تقترب من سيدة في احد شوارع ووهان ، المدينة الصينية التي كانت بؤرة فيروس كورونا (او ربما مدينة اخرى) ، وثمة تعليق يفيد بان الطائرة أمرت السيدة بارتداء الكمامة والعودة للبيت. اما الصورة الثانية فهي لعربة مسيرة (روبوت) في العاصمة التونسية ، تقترب من سيدة ايضا ، لتامرها بالرجوع للبيت.
في كلا الصورتين ، شعر المشاهدون - أو معظمهم - بقدر من الضيق ، لما لاحظوه من فزع على وجهي السيدتين.  وظننت اننا ما كنا سنشعر بالضيق ، ولعل السيدتين ما كانتا ستشعران بالفزع ، لو ان الذي تحدث معهما رجل شرطة اعتيادي. لكن ان توقفك آلة وتصدر اليك أوامر ، فهذا يولد خوفا شديد في نفس الانسان يصعب احتماله ، سيما في ظروف الأزمة.
في الحادثتين حمولة رمزية ضخمة ، تشير لأحد المخاوف الكبرى التي تنتاب المحللين ، ازاء ما سيتلو انحسار وباء كورونا. كنت قد ذكرت في مقال الاسبوع الماضي ، ان شعور بعض الناس بنجاح النموذج الصيني في التعامل مع ازمة الوباء ، ربما ينصرف الى تجميل صورة الحكومات المركزية والشمولية ، حيث الانضباط والانتاجية مقدمة في القيمة على الانسان وحقوقه ، كما في الصين المعاصرة. ونقلت ايضا رأي خبراء قلقين من ان الوباء سيبرر منح النخب السياسية سلطات أوسع من المعتاد ، وان تلك النخب ستتمسك بالسلطات الجديدة حتى بعد زوال الوباء.
نعلم ان حصول النخب الحاكمة على سلطات إضافية ، يعني تقليص المساحات المفتوحة في الحياة العامة او الخاصة ، او ربما زيادة تمركز الدولة ، بدل التفويض التدريجي للسلطات نحو الادارات الوسطى.
كان نيقولو مكيافيلي ، المفكر الايطالي الشهير ، قد قال ان الناس لا يعبأون بكيفية توزيع السلطات ، لانهم لا يأملون في الوصول اليها. لكنهم يشعرون ان الحرية تعطيهم الامان الضروري للسعادة والاطمئنان. الحكومات التي تمارس رقابة لصيقة على الناس ، تجردهم من الامان ، لانها تجعلهم في حالة قلق دائم من ارتكاب خطأ. اما في ظروف الحرية ، فان الاخطاء الصغيرة التي اعتاد الناس على فعلها ، لا تودي بهم للسجن. الحرية – وفق مكيافيلي – ضرورية للناس ، لان الامان ضروري لحياتهم. والرقابة تقلص نطاق الامان.
الحقيقة ان التجربة الصينية (التي احبها بعض الناس) تضمنت نماذج لهذه الرقابة. ومنها مثلا ضبط حركة الافراد ومنعهم من ركوب القطارات او دخول المطاعم والاماكن العامة ، الا اذا عرفوا انفسهم بواسطة تطبيق خاص على هواتفهم المحمولة.
اعلم ان بعض القراء سيردد المثل المحلي السائر "لا تبوق – اي لا تسرق – ولا تخاف". وهو مثل يستعمل لتبرير خضوع الافراد لاجراءات امنية غير ضرورية ، وقد يكون غرضها الوحيد اشعار الفرد بانه تحت السيطرة.
والحق انه مثل غبي لايليق بعاقل ان يقبله على نفسه. لكنه - على اي حال - مثل مشهور. تخيل نفسك تقف بين ساعة واخرى امام مفتش آلي كي تخبره اين تذهب ولماذا. تخيل نفسك محاطا بعشرات الكاميرات التي تسجل دقائق حياتك اليومية ، حتى علاقاتك العائلية.     
 الميل للتمركز وتوسيع السلطات ، واستغلالها للسيطرة على حياة الافراد ، احتمال مقلق في مرحلة ما بعد كورونا. ربما لن تكون ممكنة بكاملها ، لانها ليست واقعية تماما . لكن على الانسان ان يحذر من الميل الغريزي عند الاقوياء لاستعباده ، فهذا سيكون اسوأ قدر ينتظره.
الشرق الاوسط الأربعاء - 8 شعبان 1441 هـ - 01 أبريل 2020 مـ رقم العدد [15100]

مقالات ذات علاقة

25/03/2020

كيف نتخيل العالم بعد وباء كورونا ؟


|| الاتجاه الشعبوي والوطني بات الخيار الأكثر احتمالا في غالب المجتمعات. لكن لاينبغي اغفال امكانية بروز تيار معاكس يميل لعولمة اكثر تشددا مما عرفناه ||
مجلة العلوم السياسية المعروفة "فورين بوليسي" وجهت السؤال التالي الى 12 من خبراء العلاقات الدولية:
-  كيف سيكون العالم بعدما يزول وباء كورونا-19؟.
سينتهي هذا الزلزال خلال اسابيع. لكننا سنواجه سلسلة هزات ارتدادية. فهل لدينا معرفة ولو أولية بطبيعة هذه الهزات ، وتأثيرها على السياسة الدولية والاقتصاد وموازين القوى؟.

في السطور التالية تلخيص لبعض تلك الاراء. وهي نموذج لاتجاهات التفكير في عالم السياسة ، في حقبة ما بعد كورونا.
الضحية الاولى للوباء هي فكرة العولمة ، التي أخفقت في تقديم بديل فعال عن السياسات القطرية ضيقة الأفق. ويتوقع ستيفن والت ، استاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد ، ان تتفاقم مركزية الدولة والمشاعر الوطنية. سوف يبرر الوباء لكافة حكومات العالم تبني سياسات طارئة لادارة الأزمة ، تركز على الحاجات المحلية وتغفل المسؤوليات الدولية. وستحصل النخب الحاكمة على سلطات جديدة يتجاوز ما حازته في الماضي. وحين تنتهي الازمة فان كثيرين سيكرهو ن التخلي عن هذه السلطات.
يشير والت أيضا الى صعود محتمل للنموذج الصيني. سيعتقد الناس انه أكفأ في ادارة الازمات الناتجة عن الوباء. وهذا سيعزز الموقف الصيني حين تناقش قابليات الصين ومنافسيها في انتاج الحلول الذكية.
شيفشانكار مينون ، المستشار السابق للامن القومي في الهند ، يعارض رأي البروفسور والت. فهو يرى ان ادارة الصينيين لازمة الوباء لم تكن الافضل ، بل ادارة تايون وكوريا الجنوبية. ان الشعبوية والسياسات المتشددة ليست عوامل ضرورية في الادارة الحسنة ، وهذا ما كشفته تجربة كورونا في ايطاليا والولايات المتحدة. ويبدي مينون تشاؤما ازاء تصاعد الميول الشعبوية والمحلية ، التي يرى انها تدفعنا نحو عالم اضيق واكثر فقرا وبخلا.
اما روبن نيبليت ، مدير شاتام هاوس ، مركز الابحاث البريطاني ، فيتوقع ازدياد التنافر بين الصين والولايات المتحدة ، وتوافقا اكبر داخل النخبة السياسية الامريكية على ابعاد الصينيين عن مصادر التقنيات العالية. واحتمل ان هذا مبرر بقلق النخبة الامريكية ، من ان الصين باتت اكثر قدرة وعزما على احتلال كرسي الولايات المتحدة في النظام الدولي. وفي صراع كهذا ، فان ميزان القوى لم يعد رهن التقنيات العسكرية ، كحال الصراعات القديمة ، بل بالمرونة التقنية والقدرة على الاستيعاب السريع لحاجات السوق.
في اتجاه مماثل ، يعتقد جون اكنبيري استاذ العلاقات الدولية بجامعة برينستون ، ان الاتجاه الشعبوي والوطني بات الخيار الأكثر احتمالا. لكن ليس من الحكمة اغفال امكانية بروز تيار معاكس يميل لعولمة اكثر تشددا مما عرفناه. ويمثل بانهيار الاقتصاد العالمي في ثلاثينات القرن العشرين ، يوم ظهر واضحا انه ما من دولة ستنهض بمفردها ، وان الحل السريع والآمن يكمن في تفعيل الروابط الطبيعية بين المجتمعات.
الاستاذ بجامعة هارفرد  جوزيف ناي ، اختار  الطرف المعاكس مؤيدا راي البروفسور ريتشارد دانزنج ، القانوني والامين السابق للحلف الاطلسي ، وفحواه ان تقنيات القرن 21 تتطور على نحو لايترك خيارات كثيرة للسياسيين ، فهي كونية في توزيعها وفي نتائجها أيضا. انظر الى الاوبئة والازمات الاقتصادية وحتى الفيروسات التي تصيب شبكات الكمبيوتر ، فهذه وأمثالها كونية في طبيعتها وفي نتائجها ، وهي لا تعرف حدودا ولا يمكن كبحها بتعزيز الحدود الفاصلة بين الدول.
واختم هذا الموجز برأي نيكولاس بيرنز ، استاذ العلوم السياسية والوزير السابق ، الذي لاحظ ان الوباء كشف عن قوة الروح الإنسانية التي تجلت في الاشخاص الذين كافحوا الفايروس ، من الأطباء والممرضات وزعماء السياسة وعمال النظافة والتموين وغيرهم. هؤلاء اثبتوا فاعلية الانسان حين يواجه تحدي البقاء. هذا سيبقي الامل في ان البشر لازالوا قادرين وراغبين ايضا في صون كوكبهم  مهما كانت قسوة الازمات.
الشرق الاوسط الأربعاء - 1 شعبان 1441 هـ - 25 مارس 2020 مـ رقم العدد [15093]

مقالات ذات علاقة

18/03/2020

من دروس "كورونا"


||ادعو لبحث معمق لتحديد مايتوجب توفيره – في ظروف الازمة - من مصادر محلية، سيما ما يؤثر مباشرة في حياة الناس بقطع النظر عن الحسابات التجارية البسيطة||.
في كل حادثة دروس وعبر ، تستحق ان يتوقف الناس عندها كي يعمقوا خبراتهم الحياتية. ان جانبا عظيما من تقدم البشرية ، يرجع الى المشكلات التي واجهتها المجتمعات ، فطورت حلولا لها وأساليب للتخفيف من آثارها ، وقواعد للوقاية من تكرارها. لو لم نواجه الأمراض ، لما تطور علم الطب ، ولا تطورت المختبرات التي انتجت الأدوية والأمصال.  

وباء الكورونا المستجد الذي يجتاح العالم اليوم ، مثال على تلك الحوادث التي كشفت عن نقاط قوة جديرة بالتقدير ، الى جانب نقاط ضعف جديرة  بالمعالجة. ثمة الكثير مما يستحق الذكر في هذا المجال. لكني أود التركيز على نقطة محددة ، لفتت انتباهي بصورة خاصة ، لانها تكررت في اكثر من دولة خلال تجربة الكورونا الاليمة .
 لقد اظهر الوباء  ان فكرة كون "العالم قرية" لم تعد تعبيرا مجازيا عن سهولة التواصل وسرعته. تحول العالم في القرن الجديد الى شبكة هائلة من الوحدات المتفاعلة ، التي نسميها مجتمعات او دول. هذه الوحدات ، مستقلة عن بعضها من الناحية القانونية ، لكنها متصلة على المستوى الاقتصادي والمعرفي ، اتصالا يجعل الحياة في كل منها ، مشروطة – الى حد ما – بانفتاحها وتواصلها مع الوحدات الاخرى.
لاحظنا ان تفاقم وباء الكورونا في الصين ، ادى الى اضعاف التبادل التجاري والسياحة والنقل على امتداد الكرة الارضية. وتبعا لذلك انخفض الطلب على البترول واسعاره ، وتهاوى العديد من البورصات في شرق الأرض وغربها. وقد حدث هذا حتى قبل ان ينتقل الوباء الى دول أخرى ، فينشغل العالم بمكافحته ، من اجل البقاء على قيد الحياة.
هذا الامر طيب بطبيعة الحال ، لولا ان الوباء كشف عن عنصر نقيض ، اعني به شعور جميع الدول بالحاجة الى العزلة ، وقيامها فعليا باغلاق حدودها الخارجية ، ثم قيام بعضها باغلاق المدن المصابة. نعلم ان اغلاق الحدود الدولية وكذلك اغلاق المدن ، يتسبب في اضعاف سلاسل الامداد والتموين ، ويقلص الاستفادة المتبادلة من فائض الامكانات المتوفرة على امتداد العالم. ولعل ابرز الامثلة على هذا هو اعلان  العديد من دول العالم حظر تصدير المواد الطبية اللازمة للتعامل مع الوباء ، خشية التأثير على المخزون الوطني.
ندعو الله ان لا يبتلي العالم بجائحة مثل كورونا في المستقبل. لكن الوباء القائم اثبت بالتجربة ان الاعتماد المتبادل مفيد وضروري ، شرط ان لا نغفل الاستثناءات. كل دولة – ونحن بالتاكيد من بينها – بحاجة الى منظومة امداد محلية مستقلة مئة بالمئة ، خاصة بالمواد الضرورية للحفاظ على حياة السكان.  يرد في ذهني الان أمثلة محددة على هذا النوع من المواد ، من بينها ادوات التعقيم ولوازم النظافة والوقاية الاولية. لكني ادعو لبحث تخصصي ، يستهدف تحديد الحاجات الحرجة والضرورية ، التي لا يصح الاعتماد في توفيرها على مصادر ، لا يمكن التنبؤ بحساباتها في الظروف الحرجة ، كالتي يمر بها العالم هذه الايام. اظن ان من واجب كل دولة ان تسعى لتوفير هذه المصادر المحلية ، آخذة بعين الاعتبار حياة الناس ، بغض النظر عن الحسابات التجارية البسيطة.
لا يصح السماح بان تكون حياة ملايين المواطنين ، عرضة لتقلبات السوق او لسياسات وحاجات دول اخرى. وهذا يتطلب بالتحديد ان يعمل كل بلد على تحديد الحاجات الحرجة ، والعمل على توفيرها من مصادر محلية مئة بالمئة.
الشرق الاوسط الأربعاء - 24 رجب 1441 هـ - 18 مارس 2020 مـ رقم العدد [15086]



اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...