‏إظهار الرسائل ذات التسميات الخطاب الديني. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الخطاب الديني. إظهار كافة الرسائل

27/02/2019

هل نعيش نهايات المد الديني؟



أقرأ في أحاديث الدعاة والناشطين في المجال الديني شعورا عميقا بالمرارة ، لكثرة مايواجهون من نقد ومايخسرون من مساحات تأثير في المجتمع.
ربما علل أحدهم نفسه بان هذا أمر طبيعي يواجه كل تيار. او ربما نسبه الى مؤامرات كبرى فوق مايطيق. وربما القى بالمسؤولية – كما فعل عدد من رجال الدين البارزين - على ماوصف بالتشدد والمغالاة في الاحكام. لكني أميل لتفسير يعتبر المد الديني ظاهرة اجتماعية عادية ، تنطبق عليها ذات القوانين المؤثرة في غيرها من الظواهر ، وابرزها ربط صعود وانحسار الظاهرة بعوامل خارجة عنها. دعنا نقارن هذه الظاهرة مثلا بالموجة اليسارية التي هيمنت على العالم الثالث (بما فيه المجتمعات المسلمة) بعد الحرب العالمية الثانية.
برز المد اليساري في إطار الدعوة للعدالة الاجتماعية ، التي كانت تنصرف يومئذ الى معنى وحيد هو نظام التخطيط المركزي ، اي السيطرة المطلقة للدولة على كافة مصادر الثروة ، ثم توزيعها على شكل خدمات عامة.
استقطبت هذه الفكرة قلوب الناس جميعا. فقد بدت خيارا مقنعا في حقبة شهدت انتقال السلطة من يد المستعمر الاجنبي الى النخبة المحلية. كان معظم الناس يعتقد ان الدولة قادرة دائما على توفير المال بطريقة او باخرى. وتبعا لهذا فهي مكلفة بضمان الحد الادنى من الحاجات الحياتية الاساسية لكافة المواطنين بالتساوي.
طالت هذه الموجة مدة ربع قرن فحسب. لأن العدالة المنشودة لم تتحقق على النحو الذي تخيله الناس. الظاهرة الدينية أخذت مكان اختها اليسارية ، قبيل نهاية القرن العشرين ، ومن المحتمل ان لا يزيد المدى الزمني لهيمنتها عن ثلاثة عقود. اي اننا نعيش الآن سنواتها الأخيرة.
تحدث الباحثون في علم اجتماع الثورات ، عما أسموه "المرحلة الثرميدورية" التي تأتي مباشرة بعدما تبلغ الظاهرة الثورية ذروتها ، حيث تبدأ في الهبوط تبعا  لتراجع الزخم الشعبي الداعم للتغيير ، وتفاقم الميل الى الحياة الاعتيادية المتحررة من الضغط الايديولوجي او السياسي.
اميل الى الاعتقاد بان كافة الظواهر الاجتماعية الكبرى ، تتطور في مسار زمني نصف دائري ، فهي تتصاعد حتى تصل الى الذروة ، ثم تبدأ في الهبوط. بالمناسبة فهذا المسار متعارف ايضا بين الاقتصاديين الذين يدرسون تحول الميول الاستهلاكية للجمهور. ويسمون نقطة الذروة باسم المنفعة الحدية او الاشباع الحدي. وهي المرحلة التي يشعر فيها المستهلك بانه حصل على كل ما يريد ، وانه ليس في المنتج المعروض منفعة تفوق ما حصل عليه بالفعل. عندئذ  يبدأ البحث عن غيره.
زبدة القول ان الانحدار الراهن للمد الديني ليس كارثة استثنائية. ولا مؤامرة عالمية. احتمل انه مجرد مرحلة في مسار طبيعي ، تمر به كل ظاهرة اجتماعية كبرى. ان ادبار الناس اليوم مثل اقبالهم بالامس ، انعكاس لعوامل خارج الظاهرة. ربما كان العامل المحرك سابقا هو شعورهم بالحاجة للامان الروحي ، او لنسخة مختلفة من العدالة الاجتماعية ، او ربما شعورهم بالحاجة الى القوة والعظمة. هذه الحاجات كلها دوافع محتملة ، تتطابق مع عوامل بعينها في الوقت المناسب ، فتنتج ظاهرة عامة ، ثم يتراجع الضغط العاطفي لتلك الحاجات ، فتنكمش الظاهرة تبعا لذلك.
ما هو مهم في كل ظاهرة هو طبيعة الأثر الذي تخلفه في حياة الناس: هل يكون الاثر عظيما ، بحيث يصنفها كانعطافة في تاريخ المجتمع ، مليئة بالتحولات الاستثنائية ، ام يسجلها كصفحة اضافية ، ربما هامشية حتى ، في تاريخ مزدحم بالتحولات؟.
الأربعاء - 21 جمادى الآخرة 1440 هـ - 27 فبراير 2019 مـ رقم العدد [14701]

02/05/2018

تجديد الخطاب الديني: رؤية مختلفة

|| ادعو لصياغة نموذج جديد للفكرة الدينية مواكب لتحولات الحياة المعاصرة ، يتأسس على رؤية غير تقليدية لمكانة الانسان في العالم الجديد ، وموقع الدين في حياته ||
مع اقتراب شهر رمضان المبارك ، يتجدد الحديث عن الحاجة الى تجديد الخطاب الديني. وهو مطلب يتفق غالبية المسلمين على عمومه. لكن آراءهم تتباين في معنى التجديد ومجالاته وحدوده. فمعظم الناس يصرفه الى تجديد الفقه وتيسير الاحكام ، وترك الشاذ والعسير. ويدعو فريق منهم الى مراعاة ما استجد في حياة الناس ، وما جاء في سياق الحداثة من تحولات ، في مصادر العيش وأنماطه أو في العلاقة بين الناس.
مصطفى ملكيان
لكني أود دعوة القاريء الى معنى أبعد قليلا مما سبق. أعني به صياغة نموذج جديد للفكرة الدينية ، قادر على مواكبة تحولات الحياة في العصر الجديد ، الذي أهم سماته عولمة السوق والثقافة وسيولة القيم والهويات. نموذج كهذا ينبغي تأسيسه على رؤية غير تقليدية لمكانة الانسان في العالم الجديد ، وموقع الدين في حياته. وهو يستدعي بالضرورة تحررا من الانساق والاعراف الموروثة ، أي ما ورثناه وما تعارفنا عليه باعتباره صورة وحيدة للدين ، او تعبيرا وحيدا عن الايمان. 
 في رمضان الماضي قدم العلامة د. محمد شحرور رؤية عميقة في هذا الاتجاه ، خلاصتها ان العالم الديني هو العالم الذي تتجلى فيه عقلانية البشر. الدنيا العاقلة هي التطبيق القاعدي للدين. ومن هنا فهو يميز بين الرؤية الكونية التي تصل الانسان بالعالم ككل ، وما فيه من بشر وأشياء ، وبين التشريعات والاحكام التي تحمل سمات الجماعة والمكان.
وفي هذا السياق يلح شحرور على ان الواجبات والمحرمات الدينية محدودة العدد. أما العشرات من الاحكام الاخرى التي تنطوي على الزام او منع ، فهي جزء من نظام ثقافي او قانوني ، يضعه المجتمع في ظرف محدد ، بحسب حاجاته أو أعرافه. ومن هنا فهي ذات مضمون محلي ان صح التعبير ،  وليست قواعد عمل  كونية ، كنظيرتها المستقاة من القيم العليا الاساسية.
في سياق قريب اقترح د. مصطفى ملكيان التركيز على ركني العقلانية والمعنوية ، كعمودين متساندين لأي رؤية دينية جديدة. المعنوية عنده هي جوهر الدين ومحور تمايزه عن الايديولوجيات البشرية. انها جوهر كافة الاديان ، وربما تشكل نقطة التقاء بين أتباعها ، بل وحتى نقطة توافق مع اولئك الذين لا يتبعون أي دين.
أما العقلانية عنده فتعني في أحد وجوهها ، قابلية الدعاوى الدينية للاختبار في هذه الدنيا. الدين المفيد هو ذلك الذي يمكنه تقديم حلول لمشكلات البشر الدنيوية ، ولا يكتفي باحالة العلاج الى الاخرة. لو اخذت نوعين من العلوم ، احدهما يعرض حلولا يمكن لك اختبار ثمراتها الآن ، بينما يدعوك العلم الثاني لتطبيق مقولاته ، وانتظار نتائج اختبارها العملي في الاخرة ، فما الذي سيتخاره الانسان العاقل؟.
الواضح ان كلا الرجلين يشير الى ثلاثة أركان للتفكير الديني الجديد: أولها محورية العقل في التشريع وتقديمه على النقل. وثانيها التمييز بين القيم الكبرى المعيارية ، وبين التشريعات ذات الطبيعة المؤقتة او المحلية. وثالثها هو التركيز على آنية الحل الديني ، وضرورة كونه قابلا للاختبار في الحياة الدنيا.
ينطلق الرجلان من فرضية ان الله سبحانه انزل الدين من أجل الانسان. ولم يخلق الانسان من أجل الدين. وبهذا فان مفهوم الطاعة والعبادة والايمان والسلوك الى الله ، يتخذ معنى مغايرا لما عرفناه من خلال تراث الماضين.
قد تتفق مع شحرور وملكيان وقد تخالفهما. لكن تنظيرات الرجلين تفتح افاقا للتأمل في معنى التجديد ، يتجاوز ما تعارفنا عليه حتى الآن. 
الشرق الاوسط الأربعاء - 16 شعبان 1439 هـ - 02 مايو 2018 مـ رقم العدد [14400]
http://aawsat.com/node/1255201

01/03/2017

ما ينبغي للتيار الديني ان يخشاه


"سيجبرهم الواقعُ والمجتمعُ على تقديم الصغيرة على الكبيرة ، والسكوت عن إنكارها ، وعلى تقديم الكبيرة على التي هي أكبر منها ، من باب دفع المفسدة العظمى بالصغرى ، إذا استمروا في مقاومة التيار بهذا الجهل والتنطع . وسيفهمون وقتئذ معنى تفريطهم في هذا التنطع والتشديد ورفض الاختلاف المعتبر"
حاتم العوني
هذا مقطع من حديث للفقيه السعودي المعروف الشريف حاتم العوني ، يستنكر تشدد الدعاة في الاحكام الشرعية التي يستشعر الناس حاجة الى التيسير فيها ، خاصة في موارد الاختلاف بين الفقهاء.
حديث العوني نموذج عن دعوة تكررت هذه الأيام في المجتمعات العربية. وهي تشير الى أزمة كامنة في علاقة الجمهور بالتيار الديني ، سببها الظاهري هو التعارض بين طروحات التيار وانشغالات الجمهور. لكن جذرها يمتد الى إخفاق التيار الديني في تقديم حلول واقعية لما يواجه المجتمع من مشكلات.
كانت مكانة التيار الديني العربي هامشية حتى أوائل الربع الاخير من القرن العشرين. ولم يكن خروجه من الهامش وتحوله الى قوة مؤثرة ، ثمرة لتحولات في التيار نفسه ، بل لأن التيار القومي ، واليسار بصورة عامة ، فشل في تقديم الحلول التي وعد بها خلال ستينات وسبعينات القرن العشرين ، يوم كان القوة المهيمنة سياسيا وجماهيريا ، في معظم الدول العربية والعالم الثالث.
تمحورت وعود اليسار حول الوحدة ، العدالة الاجتماعية ، التحرر من الهيمنة الخارجية ، والاستثمار الأكفأ للموارد. لكن السنين مرت دون انجاز يتناسب مع تلك الوعود. ربما بسبب ضخامة الوعود نفسها ، او ربما الافتقار للكفاءة الادارية والسياسية المناسبة ، او بسبب تغلغل الفاسدين الذين حولوا السلطة الى غنيمة ، أو غير ذلك من الأسباب. وفي اعتقادي ان هذه العوامل ما كانت لتكلف اليسار ثقة الجمهور ، لو كان قد اهتم باشراك الجمهور في سياساته وأعماله ، بل وفي تطوير رؤيته للواقع. كان تيار اليسار مثالا للجمود الايديولوجي الذي انتج جمودا سياسيا ، يتجلى في الهوة الواسعة بين شعاراته وسياساته ، وبين هموم الناس وانشغالاتهم.
أخشى ان التيار الاسلامي ، السياسي منه والشعبي ، يواجه اليوم نفس التحدي. وأظن انه يعاني من نفس العوامل التي أطاحت باليسار فيما مضى. وأهمها في رأيي الجمود الايديولوجي الذي ينتج جمودا سياسيا وابتعادا عن هموم الناس وانشغالاتهم الحياتية. في كل الدول العربية ثمة جماعات اسلامية نشطة في المجال العام. لكن معظمها يتحدث بنفس اللغة القديمة ، ويطرح نفس التصورات والحلول القديمة ، التي تغفل التدليل العلمي ، وتركز على سلوكيات الافراد ، ومصارعة المنافسين ، بدل الانشغال بالقضايا الكبرى ذات التأثير الممتد زمنيا وموضوعيا.
قبل سنوات قليلة فحسب ، كان الاحترام والتبجيل سمة ملحوظة في كلام الناس عن الدين والجماعات الدينية ورجالاتها ورموزها. لكن التشكك هو السمة الغالبة على حديث الناس هذه الايام. النقد الصريح للآراء التي يدلي بها الدعاة والناشطون في المجال الديني ، قد تشير الى تراجع ثقة الجمهور في كفاءة هذا التيار او مصداقيته.
لكن الجزء الخفي من القصة هو ان هذا النقد يشي بان شريحة من الجمهور تنظر للتيار الديني كجماعة متخارجة عنها ، تدعمها او تعارضها ، لكنها ليست جزء منها ولا تمثلها. مثل هذا الانفصال الشعوري والثقافي هو الذي أطاح فيما مضى بالتيار اليساري ، وأخشى ان التيار الاسلامي لم يعد بعيدا عن هذا المصير.
الشرق الاوسط 1 مارس 2017

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...