لا زلت اذكر اول مقال نشرته حوالي العام 1975،
وكان عن "الرق". وقد ولدت فكرته خلال قراءتي لمادة حول الموضوع كتبتها
كما اظن د. عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطيء). صيغت هذه المادة ومعظم مثيلاتها بلغة اعتذارية. فقد كان استمرار
نظام الرق في بلاد المسلمين حتى منتصف القرن العشرين ، امرا مؤرقا للمفكرين
الاصلاحيين ، الذين ارادوا تقديم الاسلام في صورة اجمل وأقرب لهموم العصر.
د. عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطيء) |
مسالة العبودية كانت بين ابرز الاشكالات التي واجهها اولئك المفكرون. فكل من خاض هذا المضمار يعرف ان قيمة الحرية في مفهومها المعاصر ليست راسخة في تراث المسلمين. هذا يرجع في ظني الى اختلاف هذا المفهوم عن ذلك الذي عرفه اسلافنا.
هذا حديث لايهم المجتمعات التي مارست الحرية
واعتادت العيش في ظلها. لكنه ضروري لمثل مجتمعنا الذي لازال حديث عهد بفضيلة
الحرية.
وجدت في مطالعاتي للموضوع ثلاثة مفاهيم عن الحرية
، رائجة في التراث الثقافي الذي ورثناه من الاسلاف:
1- الحرية
كنقيض للعبودية ، الفرد الحر هو الذي لا يملكه فرد آخر. وهو الشائع بين الفقهاء.
2- الحرية
في معنى التحرر من سيطرة الغرائز (الانا السفلى) . الانسان الكامل هو الذي تحرر من
شهواته واخضعها لاملاءات عقله. وهو الشائع بين الفلاسفة والاخلاقيين
3- الحرية
في معنى القوة الشخصية ، البدنية او الروحية ، التي تقي الفرد من الخضوع لاملاءات
الاخرين. وهذا المفهوم رائج في الثقافة الشعبية المحكية. ويطلق على الصقر القوي
اسم "الحر" ويتغنى الناس ببيت شعر ذهب مثلا "الحر يشبع
بمخلابه" في وصف الانسان القوي الشامخ الانف.
واضح ان ايا من هذه المعاني لا تطابق مفهوم
الحرية الذي نعرفه اليوم ونطالب به. ابسط تعريف للحرية في المفهوم الجديد هو
"عدم تدخل الاخرين اعتباطيا في حياتك". هذا التعريف يشير الى المستوى
الاولي للحرية ، او ما يسمى بالحريات الطبيعية التي لا تكتمل انسانية الانسان ولا
تتحقق كرامته الا بها ، مثل حرية الرأي والتعبير والعقيدة والعبادة والتملك
والتنقل. هذا المستوى سابق للقانون وحاكم عليه. بمعنى ان اي قانون لا يعتبر عادلا
اذا خرق ايا من هذه الحريات.
مجتمعنا حديث عهد بفكرة الحرية. ولهذا فهو قد يتساهل
مع الخرق المتكرر والاعتباطي للحريات الاولية ، سيما اذا صدر من جهات تتلبس رداء
الدين او المصلحة العامة. وقد اردت تنبيه
هؤلاء واولئك الى ان تدخلاتهم في حياة الناس ، بغي بدون حق وظلم صريح ، مهما كانت
مبرراته. الدعوة للدين وصيانة الاخلاق وحماية امن الوطن وردع الفاسدين ، مطالب
عادلة وشريفة ، فيجب ان تتوسل بوسائل عادلة وشريفة مثلها. فاذا توسلت بالظلم ، كما
يتجلى في خرق حريات الناس ، انقلبت الى عكس مقصودها ، فاستحالت ظلما وعدوانا على
الناس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق