إعلان
جامعة الرياض عن النموذج الأولي لسيارة غزال -1 والترحيب الواسع الذي ناله هذا
الحدث، يكشف عن حاجة عميقة في نفوسنا جميعا إلى اكتشاف الذات وتحقيق الذات. نعرف
أن غزال ليست أول سيارة تنتج في المملكة، ونعرف أن الكلام يدور عن نموذج بحثي صمم
لغرض الاختبار، وهو يضم نسبة صغيرة فقط من المكونات المحلية، وهذا خلاف النموذج
الصناعي الذي يمثل صورة افتراضية عما سيخرج من خط الإنتاج. أقول إن هذه التحفظات
يعرفها معظم الذين تابعوا القصة. لكنها مع ذلك لم تخفف من سعادة هؤلاء وغيرهم.
سبب السعادة واضح، فالجميع
في بلادنا ومن حولنا يعرفون أن تقدم البلد وقوتها رهن بتحولنا من مستهلكين لصناعات
الآخرين إلى منتجين أو مشاركين في إنتاج حاجاتنا. وأذكر أن زميلنا الأديب أحمد
عائل فقيهي قد كتب قبل عامين أو ثلاثة متسائلا عن السبب الذي يمنعنا من التحول إلى
دولة صناعية.
وهو سؤال يطرحه كثير من أهل الرأي وعامة الناس،
لكنه لم يناقش إلا قليلا. وكنت آمل دائما أن تقوم المجموعات الصناعية الناجحة،
شركة سابك مثلا، والهيئات الرسمية المشرفة على الصناعة، مثل الهيئة الملكية للجبيل
وينبع، ببذل جهد أكبر لإقناع الجمهور بإمكانية تحقيق هذا الأمل، وإشراكه في
التفكير في المسارات والأغراض على المدى القصير والمتوسط، وأن تجتهد – بموازاة ذلك
– في دراسة الأسباب التي تعيق الاستثمار المحلي في الصناعة. لكن يبدو أن
البيروقراطية لا يمكن أن تلبس ثوب الداعية أو المحرض.
الإعلان عن إنجاز التصميم
المحلي للسيارة غزال هو تأكيد مجدد على أن العوائق التقنية ليست من نوع المستحيلات
أو المعضلات التي لا تحل.
لكننا على أي حال بحاجة إلى
تعامل جاد مع هذا الإنجاز. وأقول هذا لأن بعض ما قيل على حاشية الحدث يستبطن – كما
رأيت – تغليبا للجانب الدعائي، مثل دعوى أنها أول سيارة أو أنه يمكن إنتاجها في
ثلاث سنوات.. إلخ. بدلا من ذلك أقترح على جامعة الرياض، كلية الهندسة فيها أو
غيرها من الكليات القريبة من هذا الموضوع، أقترح عليها أن تقدم مشروعا وطنيا
لصناعة السيارات، يتضمن على أقل التقادير إجابة على الأسئلة الأولية مثل: هل ستكون
هذه الصناعة مجدية في ظل الظرف الاقتصادي الخاص لبلادنا، وهل ستكون ممكنة تقنيا
واستثماريا. وما هي الخطوات التمهيدية اللازمة لإقامة مثل هذه الصناعة.
أجد من الضروري تقديم إجابات
علمية على مثل هذه الأسئلة لأن صناعة السيارات تعتبر قاطرة للعشرات من الصناعات
المساندة. أعرف من قراءات بسيطة مثلا أن مصنعا واحدا للسيارات ينتج خمسين ألف وحدة
في السنة يعتمد على نحو 400 مصنع توفر القطع والتجهيزات والخدمات الأخرى التي
تحتاجها السيارة. بعبارة أخرى فإن صناعة السيارة غزال أو غيرها لا تعني إقامة
مصنع، بل إقامة قطاع صناعي كامل وكبير بالقياس إلى ما لدينا الآن.
لا أشك أننا قادرون على ذلك،
فلدينا الأموال اللازمة للاستثمار ولدينا السوق الكفيلة بإبقاء هذه الصناعة نشطة.
كما أن بوسعنا الحصول على المعرفة التقنية اللازمة، لكن هذه المهمة الكبيرة ليست
من النوع الذي ينجز في ثلاث سنوات وليست من النوع الذي يحقق أرباحا في العام
الأول، وهي تحتاج بالتأكيد إلى دعم حكومي قوي وثابت. فضلا عن ذلك فإنها أحد
العلاجات الجادة لبعض مشكلاتنا مثل البطالة وعدم انتظام مستويات المعيشة في بعض
المناطق.
أتمنى أن لا يكون الإعلان عن
تصميم السيارة غزال مجرد إعلان تكريمي للشباب والأساتذة الذين شاركوا فيه. أتمنى
أن يكون فاتحة لعمل حقيقي وجاد يستهدف بالتحديد إدخال الصناعات الميكانيكية إلى
بلادنا. مثل هذا التحول سيضيف ليس فقط قيمة اقتصادية، وليس فقط ارتقاء بالمعرفة
والتكنولوجيا المحلية، بل سيضيف أيضا محتوى ماديا للفخر والشعور الوطني. الحاجة
إلى الفخر بالإنجاز هو الذي جعل الناس يفرحون بالسيارة غزال، فلنجعل من هذا الشعور
الأولي بداية لشعور حقيقي غني بالمحتوى المادي. نحن قادرون على الخطوة التالية،
التي تتطلب أكثر من الكلام والاحتفال.
« صحيفة عكاظ » - 21 / 6 /
2010م https://www.okaz.com.sa/article/339154