.
اتفق تماما مع الصديق الدكتور
حمزة المزيني (الوطن 21-1-2010) في ان
بلادنا بحاجة الى قانون يجرم اثارة الكراهية ويمنع المساس بالوحدة الوطنية والسلام
الاجتماعي. المجادلات الطائفية التي
اثارها الشيخ محمد العريفي وردود الفعل عليها في اكثر من دولة خليجية كشفت عن تطور
هام في العلاقات الداخلية باتجاه رفض استعمال الدين او المذهب كمبرر للتفارق او
التمييز بين الاطياف الاجتماعية المختلفة .
د. حمزة المزيني |
تعرض الداعية المذكور لنقد واسع من جانب عدد
كبير من الكتاب المحترمين في جميع الصحف السعودية ، وكانت الرسالة الضمنية في كل
مقالة كتبت هي التشديد على اولوية الوحدة الوطنية واحترام المواطن سواء اتفق معك
او اختلف عنك. بالنسبة للمملكة فان رد الفعل هذا دليل على اننا خرجنا او اوشكنا
على الخروج من مرحلة سوداء شهدت انتقال الجدل المذهبي الى كل تفصيل من تفاصيل
الحياة الاجتماعية وكلفتنا الكثير من الخسائر والالام .
اعتاد مروجو الكراهية على التصفيق حين يتحدثون ،
لكن هذه الحادثة كشفت عن انقلاب واسع النطاق ، فالرجل الذي اعتبر في الماضي نجما
تلفزيونيا بارزا يتحمل الان اللوم من جانب القريبين اليه فضلا عن سائر الناس . هذا
يشير في الحقيقة الى استعادة المجتمع للمبادرة ولا سيما في التعبير عن ارادته في
احترام نفسه واحترام اعضائه بغض النظر عن انتماءاتهم الثقافية والدينية.
هذه الحادثة وامثالها تعيد
الى دائرة النقاش مسالة العلاقة بين حرية الراي وحقوق الجماعة. وبالنسبة للداعين
الى اطلاق الحرية الكاملة لاصحاب الاراء – ومن بينهم كاتب هذه السطور – فان تجاوز
المتحدثين للمعايير المقبولة عند العرف او القانون يمثل تحديا جديا لتلك الدعوة .
في الحقيقة فان مروجي الكراهية لا يملون من
الادعاء بان ما يقولونه هو تعبير عن حرية الراي ، وسمعنا في الاسبوع الماضي زعيم
الحزب اليميني الهولندي كيرت فيلدر ينتقد القضاء في بلاده لانه قبل دعوى تتهمه
باثارة الكراهية. وكان فلدرز قد دأب على مهاجمة المسلمين في هولندا قائلا انه
يمارس حقه الدستوري في التعبير عن رايه بحرية.
يعرف جميع دارسي القانون
والسياسة ان حرية الراي حق لا نزاع فيه ، لكنهم في الوقت ذاته يؤكدون على ان
ممارسة هذا الحق تترتب عليها مسؤولية تعادل – سعة وضيقا – نطاق التاثير وعمق الاثر
الناتج عن تلك الممارسة . حين تتحدث في مسجد او راديو او تلفزيون او صحيفة ، حيث
يستمع اليك مئات من الناس ممن تعرفهم وممن لا تعرفهم ، فان مستمعيك جميعا ،
الحاضرين منهم والمحتملين ، لهم حصة في تحديد ما هو مقبول وما ليس مقبولا. انت
الذي تحدد ما تفعله في مجالك الخاص اما في المجال العام فان المجتمع كله هو الذي
يحدد ما هو مقبول من سلوك الانسان وكلامه وما هو غير مقبول. القانون هنا هو الحاكم
لانه يمثل ارادة الجماعة.
نحن نعول على التزام الناس
جميعا – ولا سيما الدعاة واهل الراي منهم – بحسن التعامل والحكمة ، وفوق ذلك بتقوى
الله سبحانه في السر والعلن . لكننا ايضا نعتقد ان وجود القوانين ضروري لضمان
الحريات الفردية من جهة وتعيين المسؤولية على من يسيء استخدام حقه وحريته او يسيء
الى مصالح وطنية كبرى مثل الوحدة والسلام الاجتماعي .
واذا كان لنا ان نتعظ بتجارب
غيرنا ، فان جميع دول العالم التي يتمتع مواطنوها بحريات واسعة ، وضعت في الوقت
نفسه تشريعات تمنع بحزم استغلال الحرية في الاساءة للغير او اهانته او الحط من
شأنه او التحريض على ايذائه. التوازن بين الحرية والمسؤولية هو السطر الاول في كل
قانون يحمي حرية الراي والتعبير في كل بلد متقدم .
ثم اننا نفرق بين شخصية عامة وبين مواطن عادي . كلام الفرد العادي يؤثر على
القليل من الناس ، بخلاف الشخص المعروف الذي يتاثر بكلامه كثير من الناس. لكل من
هذين حق في التعبير الحر عن الراي ، وللشخصية العامة حق ارسخ واقوى ، لكنه بنفس
المقدار يتحمل مسؤولية اكبر واثقل . اي ان المسؤولية عن الكلام والتصرف تتناسب
طرديا مع النطاق الذي يتاثر بممارسة الحق. لا احد يستطيع تكميم افواه المتحدثين
وليس من الصالح ان يفعل حتى لو قدر. لكن لا ينبغي السماح بتدمير السلم الاهلي
والوحدة الوطنية ايا كانت المبررات ، وهل يوجد مبرر اهم من حفظ الاوطان ؟