25/02/2012

ثلاث حقائق في قضية حمزة كشغري



ثلاث حقائق تستحق الاهتمام عند النظر في قضية حمزة كشغري وتغريداته:
 أولاها: إن ما كتبه قد تحول إلى قضية رأي عام، يتابعها عشرات الآلاف داخل البلاد وخارجها. قضايا الرأي العام تؤثر قسرا على مسار الدعوى وإجراءات التحقيق والمحاكمة، سيما إذا تعلقت بموضوعات حساسة أو مثيرة للمشاعر.
ثانيتها: ليس لدينا - حتى وقت الفعل على الأقل - تكييف قانوني محدد لما فعله حمزة، تكييف يسمح بالتنبؤ باحتمالات الحكم واستهدافاته. تطبيق القواعد الشرعية الناظمة لموضوع الفعل ينطوي على إشكالات جدية. فهل يؤخذ بنص المكتوب كتعبير عن اعتقاد داخلي، فيصنف كقول كفري أو فعل كفري أو كفر مطلق، أم يصنف ردة أم سبّا للرسول - عليه الصلاة والسلام - أم يعتبر هزلا لا ينم عن اعتقاد ولا يرقى إلى مرتبة العمل؟ أمامنا اجتهادات متباينة في هذا المجال، وليس ثمة سبيل قطعي لترجيح أحد الآراء على الأخرى.
ثالثتها: الواضح أن الكتابة التي أثارت الزوبعة وردت ضمن سياق أدبي، وهو مثل سائر التعبيرات الأدبية موهم بالشيء وخلافه في أحيان كثيرة. فهل سيؤخذ برأي نقاد الأدب في تحديد المعنى وثقل المفهوم، أم يكتفي القاضي بما يفهمه العامي أو اللغوي الذي يعول على منطوق النص دون مفهومه أو إيحاءاته أو سياقه الخاص؟

ما يهمنا من البند الأول هو أن المسألة دخلت - شئنا أم أبينا - في دائرة التجييش السياسي. الواضح أن تيارا ذا استهدافات سياسية قد خطف المسألة، وحولها إلى موضوع ابتزاز للدولة والمجتمع. التجييش يستهدف، أولا وآخرا، تحقيق انتصار مرحلي من خلال دفع الدولة إلى موقف ثقافي أو سياسي مضاد لدعاة التحديث والتنمية الاجتماعية، الذين يسميهم ذلك التيار بالليبراليين أو الإسلاميين التنويريين. وإذا نجحت هذه المحاولة فهناك بنود أخرى تنتظر دورها.
وما يهمنا من البند الثاني أن القواعد القانونية والشرعية، وتقاليد القضاء العادل، تحتم الفصل بين موضوع القضية وما يدور حولها من جدل عام. وأن الشبهات والاحتمالات المتعارضة تحسب لمصلحة المتهم لا عليه. وثمة علماء معتبرون - كالمرحوم الألباني مثلا - قرروا في قضايا مماثلة أن كلاما كالذي كتبه حمزة هزل لا يستحق التعقيب. ورأى آخرون - كالشريف حاتم العوني مثلا - أن مثل ما كتبه حمزة يدرأ بالتوبة والاستغفار. ولذا فإن الانزعاج العام من كتابة حمزة لا يعالج بتغليظ عقوبته. هذه قضية منفصلة ويجب علاجها بوسائل أخرى.
ما يهمنا في كل هذه المشكلة هو سيادة القانون وهيبة النظام العام .
 إنني أخشى جديا من نجاح تيار محدد في تجيير القضية لصالحه، أو دفع النظام القضائي إلى ترجيح العواطف على قواعد القانون والنظام. لا ريب أن هذا خطر وبلاء عظيم. إني أدعو هنا إلى الرفق بهذا الشاب الأديب، طمعا في استعادته إلى الدائرة الاجتماعية العامة. وفي كل الأحوال فلدي أمل قوي بأن تتاح له محاكمة منصفة تتوافر له فيها فرصة كاملة للدفاع عن نفسه وشرح موقفه. وهذا أبسط مقتضيات العدالة التي نؤمن بها جميعا.


جريدة الاقتصادية - 21 فبراير 2011

مقالات ذات علاقة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...