13/08/2013

متى تملك بيتك؟


في مايو 2012 شهد مجلس الشورى جدلا حاميا حول مشكلة السكن في المملكة ، اثر معلومات قدمها وزير الاقتصاد، فحواها ان 61 بالمائة من السعوديين يملكون مساكنهم. استند الرقم الى تقدير لمصلحة الاحصاءات العامة. لكنه يتعارض مع ابحاث عديدة اجرتها هيئات مستقلة وتجارية، اظهرت ان النسبة الحقيقية لا تتجاوز 40 بالمائة.
والحقيقة انه لا يمكن الجزم باي من التقديرين ، فليس لدينا قاعدة معلومات موثوقة عن عدد المساكن ونسب التملك. لكن الواضح ان المسألة امست هما شاغلا لشريحة عريضة من المواطنين. وحين انظر حولي ارى ان الاغلبية الساحقة ممن اعرفهم تملكوا منازلهم بعدما جاوزوا 45 سنة من العمر. في المقابل،  كشفت دراسات حديثة في بريطانيا ان معظم الناس يملكون منزلهم الاول في سن 35.
واظهر مسح ميداني في مدينة الرياض ان تملك منزل متوسط الكلفة (850 الف ريال) يعادل سبع سنوات من الدخل السنوي لاسرة متوسطة. هذا يعني ان اقلية صغيرة سيملكون بيتهم الاول قبل تجاوز الاربعين عاما من العمر. وتظهر تقديرات متقاربة ان المملكة بحاجة الى 2,5 مليون وحدة سكنية جديدة في السنوات السبع القادمة.
السؤال الملح هو: لماذا لا نستطيع تطبيق المعالجات التي جربتها مجتمعات كثيرة قبلنا؟
قيمة المنزل في الولايات المتحدة مثلا تعادل دخل الاسرة لثلاث سنوات ونصف ، وفي دول الاتحاد الاوربي تعادل اربع سنوات ونصف ، فلماذا تزيد في المملكة عن سبع سنوات؟
احتمل ان السبب الرئيس هو مركب من انخفاض الاجور + افتقار البلاد الى قنوات تمويل بشروط تناسب الطبقة الوسطى+ تمحور جزء كبير من الاستثمارات الخاصة حول العقار.
لا اظننا قادرين على حل المسألة طالما بقي المتوسط العام للرواتب دون 200 الف ريال في السنة. ولن نستطيع حلها ما لم تفرض الحكومة على البنوك نظاما للتمويل السكني، يختلف جوهريا عن انظمة الاقراض القائمة ، ويتجه خصوصا نحو دعم الاقل دخلا وليس العكس ، او السماح – بدل ذلك - بانشاء مؤسسات متخصصة في التمويل السكني خارج النظام المصرفي الحالي.
اتفهم قلق الاقتصاديين من شبح التضخم الذي سيرافق مضاعفة الاجور. وقد شهدت ظرفا مثيلا لهذا في بريطانيا في اواخر الثمانينات. ولهذا فاني ادعو للتفكير في اعادة هيكلة شاملة للاقتصاد الوطني ، على نحو يمكن من حصر التضخم ضمن امد زمني محدد ، وانشاء شبكة حماية رسمية لتلك الشريحة العاجزة عن مجاراة التحول. وثمة تجارب رائدة في هذا المجال من بينها التجربة الصينية بعد اصلاحات 1980 الاقتصادية.
زبدة القول ان مشكلة السكن التي كانت بسيطة نوعا ما قبل 15 عاما ، اصبحت الان عسيرة. وما لم نتداركها فانها ستمسي في 2020 معضلة مستحيلة. اعلم ايضا ان المشكلات العسيرة لا يمكن حلها دون قرارات شجاعة، مهما كانت مؤلمة.
الاقتصادية 13 اغسطس 2013

06/08/2013

التاجر "فلان"


التاجر "فلان" يملك 300 شاحنة ، توفر له عائدات سنوية تصل الى 90 مليون ريال. تستهلك هذه الشاحنات وقودا قيمته 2.5 مليون ريال سنويا. نعلم ان وقود السيارات في المملكة مدعوم من جانب الدولة. متوسط السعر العالمي للديزل مثلا هو 2.85 ريالا للتر ، بينما سعره في السوق المحلية 25 هللة. حين تبيع سلعة باقل من عشر قيمتها ، فهذا يعني انك تقدم الفارق بين السعرين كدعم للمشتري. بعبارة اخرى فان التاجر "فلان" يحصل على دعم سنوي من بيت المال يزيد عن 17.5 مليون ريال. نعرف طبعا ان التاجر "فلان" لا يدفع ضريبة دخل على ثروته ، ولا ضريبة طرق مقابل اهلاك شاحناته للطرق ، ولا ضريبة صحة مقابل تلويثها للهواء.
حين اقرأ هذه الارقام ، اشعر ان اي مواطن مثلي يستحق الحصول على دعم مماثل. فانا وبقية ال 20 مليون سعودي ، مثل "التاجر فلان" متساوون في حقوق المواطنة. كل منا يستحق 17.5 مليون ريال سنويا.
ربما لا تستطيع الحكومة توزيع هذه المبالغ علينا جميعا لاننا لا نملك 300 شاحنة ، او لانها  لا تملك ما يكفي من المال. لكن هذا لا يحل المشكلة. فامامنا صورة واضحة عن توزيع غير منصف لثروة البلد. مواطن واحد يستأثر بالملايين من اموال الدولة ، لا لسبب الا لانه ثري ، بينما ملايين المواطنين الاخرين لا يحصلون على نفس القدر من المال العام ، لان اباءهم لم يورثوهم شاحنات او اموالا تشتري شاحنات.
ما هو الحل اذن؟
المجتمعات المتقدمة وجدت حلا في المبدأ العقلي الذي اقره الاسلام :"من له الغنم فعليه الغرم". وترجمة هذا الكلام بلغة تلك المجتمعات ، ان من يحصل على اموال اكثر ، فعليه ان يدفع ضرائب اكثر الى بيت المال.
مجتمعات اخرى قررت تغيير نظام الدعم من نظام المسطرة ، المطبق عندنا، الى نظام متعدد المستويات ، بحيث يذهب الدعم مباشرة الى ذوي الدخول المتدنية والمتوسطة ، وليس للتاجر فلان الذي يكسب سنويا 90 مليون ريال.
اذا لم نكن راغبين في زيادة الاجور خشية التضخم مثلا ، فلنفكر في تطوير نظام مختلف لتوزيع الدعم الحكومي – القائم فعلا - بشكل صحيح ، ننفقه مثلا في توسيع نطاق الخدمات العامة او تحمل الدولة لاستقطاعات  التامين والتقاعد ، او تعديل نظام الرهن العقاري المنتظر ، بتحميل جزء من الاقساط على الميزانية العامة ، او تقديم اعانة للاطفال وكبار السن.
هذه خيارات مطبقة فعلا في دول عديدة. المهم في الموضوع كله ان مئات الملاييين من المال العام تذهب الان لمن لا يحتاجها او لا يستحقها ، بينما يتوجب توجيهها الى من يحتاجها فعلا. فهذا ما نسميه بالتوزيع العادل للثروة الوطنية.

 الاقتصادية 6 اغسطس 2013
http://www.aleqt.com/2013/08/06/article_776295.html

30/07/2013

مضاعفة" الرواتب وليس زيادتها


لا يبالي معظم الناس بالعواقب الاقتصادية لزيادة الرواتب ، او لعلهم يرونها طيبة دون عيب. تحول هذا المطلب الى مادة اثيرة في الصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي. لكنك لا تسمع اي نقاش جدي حول فوائده واضراره.
تخصص الصحافة المحلية صفحات ثابتة للتقارير الاقتصادية ، كذلك تفعل القناة الاخبارية. ولدينا بالطبع عشرات من الاقتصاديين، في الجامعات والشركات ودوائر الدولة ، وبينهم اولئك الذين "يطبخون" القرارات قبل صدورها. لكننا لا نرى نقاشا علميا جادا حول هذا الموضوع الذي تحول فعليا الى قضية راي عام.
ما يحيرني ان بلادنا لا تشهد نقاشات علنية حول المكاسب والكلف الاقتصادية للقرارات والسياسات الحكومية والمطالب الاجتماعية. نعلم مثلا ان برنامج نطاقات الذي طبقته وزارة العمل قد وفر نصف مليون وظيفة جديدة للمواطنين ، وادى الى ترحيل 400 الف وافد ، وشطب 100 الف سجل تجاري. يعرف الاقتصاديون ان هذه الارقام تعني ان الاقتصاد الوطني يشهد تغييرات جوهرية في حجم الكتلة النقدية النشطة وحجم الطلب على السلع والخدمات والقدرة الشرائية الاجمالية واتجاهات الاستثمار وكلف الانتاج.
هذا يؤثر بشكل مباشر على مستوى المعيشة لجميع الناس. لكن لا يبدو ان احدا مهتم بمناقشة المسألة. كما لا اجد نقاشا حول الوسائل الضرورية لتلافي الاضرار التي تتعرض لها الفئات الاقل قدرة على مجاراة التغير في السوق. بالنسبة لشخص مثلي فان رفع الاجور سيكون ايجابيا ، لكن ماذا عن الطلبة ومحدودي الدخل والعائلات المعتمدة على رواتب التقاعد والضمان؟.
نحن بحاجة الى مناقشة موسعة وصريحة للقيمة الاقتصادية لاي مطلب او قرار ، بحاجة لمعرفة انعكاساته على مداخيل الافراد ومصروفاتهم ، كي لا ننتقل من ازمة الى اخرى. لهذا ادعو المتخصصين والمسؤولين والصحافة الى فتح باب النقاش حول هذه الموضوعات.
سيقودنا هذا الى نقاش اخر ، تخصصي ، حول معادلة الدخل/الكلفة ونموذج المعيشة السائد في بلدنا. فالواضح ان المستوى العام للاجور منخفض في المملكة ، قياسا الى دول مثل الامارات وقطر ، او قياسا الى الدول الاوروبية. لا تبدو هذه الحقيقة مؤلمة ، لان مستوى المعيشة في بلدنا منخفض ، وكثير من عناصر المعيشة مدعوم من جانب الدولة. لكننا نعلم ان هذا بذاته قد ادى الى اضعاف بيئة الاستثمار ، واسهم في اعاقة التطور الطبيعي للقطاع الخاص ، وانعكس سلبيا على الفرص الممكنة لحل معضلة السكن وامثالها. اظن ان انخفاض الاجور هو العائق الرئيس لاطلاق نظام الرهن العقاري. كما انه معيق فعلي لتوفير الرساميل الضرورية للاستثمارات الصغيرة. لكن من الخطأ ان ياتي رفع الاجور كقرار منفرد. نحن بحاجة الى "مضاعفة" الاجور وليس زيادتها ، لكن هذا لن يكون مفيدا ما لم يوضع في اطار استراتيجية عامة لتغيير هيكل الاقتصاد الوطني ، لا سيما معادلة الدخل/الكلفة.
الاقتصادية 30-7-2013

23/07/2013

من تديين السياسة الى تسييس الدين

استعمال اللغة الدينية في الصراع السياسي نظير ما يحدث الان في مصر يؤدي بالضرورة الى ابتذال الفكرة الدينية وخفض قيمتها المعيارية.

منذ وقت طويل تحدث المشايخ والدعاة عن السياسة الاخلاقية. واعرض كثير منهم عن الانخراط في السياسة بسبب ما قيل عن قلة اخلاقياتها. في هذه الايام نجد الفتوى والكلام الديني خبرا يوميا ضمن اخبار الصراعات. حيثما شرقت او غربت في بلاد العرب والمسلمين ، تجد اللغة الدينية طابعا عاما لانباء النزاعات الداخلية ، حتى ليظن الناظر اليها من بعد ، ان المسلمين قرروا فجأة ترك كل شيء ، وتفريغ انفسهم للتصارع والتقاتل فيما بينهم.

الاستعمال المكثف للكلام الديني في النزاع السياسي ينتج خلطا ثقافيا ، يقود في نهاية المطاف الى تزوير الوعي العام. تعبر الفتوى – في صورتها النموذجية – عن تكييف معياري للموقف من موضوع او حدث ، يترتب عليه نوع من الالزام للافراد او الجماعة.

استعمال الفتوى في السياسة ، كما راينا في الازمة المصرية الراهنة ، يضعنا امام اشكال جدي يتعلق بالقيمة المعيارية للفتوى ، اي قيمتها كتعبير عن القيمة الدينية للموضوعات. في حالة كهذه نجد انفسنا ازاء ثلاثة تموضعات للفتوى:

الاول : كونها "راي الدين" ، اي كتقييم للموضوع يتجاوز الجدل الواقعي ، ويعبر عن موقف مبدئي بحت ، اعلى من موضوع النزاع القائم ومصالح اطرافه. هذا يعني انه خطاب ينطوي على قدر من الالزام للمتلقي.

الثاني: كونها "رايا في الدين" ، اي كتصور شخصي للفقيه عن موضوع قائم وموقعه ضمن منظومة القيم الدينية.  الفتوى في هذه الحالة لا تنطوي على الزام ، فهي اشبه بالارشاد والتوجيه.

الثالث: كونها موقفا سياسيا ، اي تعبيرا عن مصلحة دنيوية لشخص او جماعة من الناس في ظرف محدد. وهذه اقرب ما تكون الى البيانات الحزبية ، وان كتبت بلغة دينية او استعملت نسق الاستدلال المعتاد في الخطاب الديني.

تميل الثقافة العامة في المجتمع العربي الى كراهية السياسة واعتبارها عالما لا اخلاقيا. وهي تلح على ضرورة حضور الدين في المجال السياسي ، باعتباره وسيلة لتصحيح السياسة واعادتها الى العالم الاخلاقي. ويبدو ان الدعاة والحركيين يجيدون الطرق على هذه النقطة تحديدا ، حين يصورون انفسهم وادوارهم باعتبارها ضرورة لاصلاح العالم السياسي ، وليس مجرد منافسه على النفوذ والسلطة.

واقع الامر ان مشاركة الداعية والحزب الديني في المنافسة السياسية ، لا تختلف – في المضمون – عن مشاركة غيره. قدراته وطبيعة عمله متماثلة ، وما يعد به محكوم ، في نهاية المطاف ، بحدود الدولة ومؤسساتها واعرافها وقابلياتها.

اذا كان لي من دعوة هنا فهي للتخفيف من تسييس الدين تحت غطاء تديين السياسة. غلبة اللغة الدينية على الخطاب السياسي لا تؤدي – واقعيا – الى اصلاح السياسة ، بل ربما ادت الى افساد الدين.

الاقتصادية 23 يوليو 2013
http://www.aleqt.com/2013/07/23/article_772493.html
مقالات ذات علاقة

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...