07/01/2015

استعادة الايمان بالذات




قد يكون الاحباط من اكثر المشاعر التصاقا بالاجيال الجديدة ، في الامم المتقدمة والمتخلفة على السواء. هذا يرجع الى سعة الفوارق بينها وبين الاجيال السابقة ، في انماط المعرفة والحاجات والتوقعات. اسئلة مثل: لماذا عجزنا عن حل الازمات الصغيرة التي تجاوزها العالم ، تشكل هما مؤرقا للاجيال الجديدة ، تنقض شرعية النظام الاجتماعي.
الامم التي واجهت هذا التحدي عالجته بواحدة من ثلاث وسائل: أ) تصدير أزماتها الى الخارج بافتعال صراعات مع دول اخرى. ب) توسيع قاعدة النظام السياسي باشراك عامة الناس ، سيما الاجيال الجديدة ، في الحياة العامة وصناعة القرار ، الامر الذي يوسع دائرة المسؤولية ويولد روحية جديدة في مواقع القيادة. ج) اطلاق ثورة وطنية في مسار او اكثر ، بهدف تحقيق انتصار حاسم وملموس ، يحيي الايمان بالذات ويعزز الاجماع الوطني.
نتحدث عادة عن معالجة تدريجية للازمات العامة ، تؤدي مع الزمن الى تطوير مؤسسي للمجتمع السياسي. لكن الواضح اليوم ان لدينا كما كبيرا من القضايا التي تحولت الى معضلات مزمنة بسبب الاهمال او اتباع حلول ترقيعية او ناقصة. قضايا مثل ازمة السكن والبطالة والاتكال المفرط على مبيعات البترول الخام وأمثالها ، كانت معروفة منذ زمن طويل. كانت خطة التنمية الاولى التي اطلقت في 1971 قد لاحظت هذه التحديات وأكدت على محوريتها. ومع هذا فلا زلنا نتحدث عنها كما لو انها اكتشاف اليوم. هذا يشير الى اهمال او غفلة يصعب تبريرها.
مرور الزمن لا ينسي الناس الازمات التي تؤرقهم. ربما يتكيفون معها ، وربما يستسلمون لها ، لكنهم لن يشعروا ابدا بانهم يعيشون وضعا طبيعيا. ان تعبيراتهم البسيطة عما يواجهون من عسر في حياتهم ، تؤدي مع التكرار الى نقض الايمان بالذات وتثبيط ارادة الاصلاح ، حتى في الامور الصغيرة. ويرجح عندي ان هذه المشاعر تساهم على نحو غير مباشر في تغذية الميول المتطرفة ، سيما بين الشباب.
اعتقد ان زمن الحلول المؤقتة والتدريجية قد فات ، وان العالم العربي كله بحاجة الى ثورة تجديد جذري وواسع النطاق ، ثورة تشارك فيها الحكومات والأهالي على نحو يكسر حلقة الفشل المريرة التي تشكل ربما اهم نواقض الايمان بالمستقبل ، كما تضعف شرعية النظام الاجتماعي.
نحن بحاجة الى ثورة صناعية تحررنا من الارتباط الحرج باسواق البترول العالمية. نحن بحاجة الى ثورة في مجال الادارة العامة تقود الى توسيع قاعدة النظام الاجتماعي – السياسي وارساء عقد اجتماعي جديد يكفل الحقوق والحريات المدنية ، كما يستوعب تطلعات الجيل الجديد.
قد يكون سهلا على اناس في مثل عمري ان يتكيفوا مع الواقع القائم ، مهما كان عسيرا. لكن هذا ليس حال الاجيال الجديدة التي تريد مستقبلا مختلفا. الانتقال للمستقبل يتوقف على اعادة بناء الاجماع الوطني على اسس تستوعب تحديات عصرنا والزاماته. ويجب ان نبدأ اليوم قبل فوات الاوان.
الشرق الاوسط 7 يناير 2015 العدد 13189

http://classic.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=800987&issueno=13189#.VL6V9SuUcbg

31/12/2014

موسم الهجرة الى السلاح



ثمة حولنا ما يمكن وصفه بجيش أممي يتألف من الاف الشبان المستعدين للهجرة من أوطانهم الى سوح القتال. من افغانستان الى لبنان ومن اواسط آسيا الى تشاد والبلقان. انه جيش غير منظم ولا منضبط ، لا يسعى رجاله وراء الرواتب والرتب العسكرية ، مقصدهم الوحيد مكان يتيح لهم المشاركة في الحرب.

عرفنا رجالا من الخليج قاتلوا في الشيشان والبوسنة ، وجزائريين قاتلوا في افغانستان ، وتونسيين ذهبوا الى العراق وسوريا ، وهكذا. شهد العالم ظاهرة شبيهة في اربعينات القرن المنصرم حين تنادى الشيوعيون للمشاركة في الحرب الاهلية الاسبانية (1936-1939) نصرة للجمهوريين بقيادة "الجبهة الشعبية"  اليسارية. كذلك الحال في السبعينات حين انضم عشرات من الناس من دول مختلفة الى المقاومة الفلسطينية. لكن هذه مثل تلك كانت اضيق نطاقا من الحشد الاممي الذي نشهده اليوم.

اظن ان الاف الشبان الذين تسللوا من بلدانهم للالتحاق بالجماعات المقاتلة منذ اوائل الثمانينات ، كانوا يسعون وراء تحقيق ذواتهم من خلال القيام بعمل ، قدروا انه يسهم في تغيير العالم. الاف مثلهم حاولوا تحقيق ذواتهم من خلال التجارة او العلم او الدعوة الدينية او حتى من خلال المشاركة في الصراعات السياسية السلمية ، او غيرها من الحقول. لكن اولئك الشبان على وجه التحديد رأوا في الحرب ظرفا وحيدا لتحقيق الذات. 
والمثير في الامر ان هؤلاء اشد ميلا الى الجماعات الاكثر تطرفا ، اي الاكثر استعمالا للعنف. ثمة عشرات من الجماعات المسلحة التي توصف احيانا بانها معتدلة ، لكن المهاجرين للحرب يتجهون عادة للجماعات المشهورة بالتطرف. هذا يكشف ربما ان العامل المحرك لهم ليس الجهاد كموضوع ديني ولا التحرير كموضوع سياسي ، بل الحرب ذاتها كأداة للتغيير. السلاح هو عباءة سوبرمان التي يرتديها الانسان العادي فيمسي قادرا على قهر الغير والزامه بمشيئة المسلح او الجماعة التي ينتمي اليها.
من يستمع لأحاديث الشباب الذين تضيق نفوسهم بأساليب الدعوة البطيئة والحوارات الطويلة المملة والاساليب البيروقراطية التي تتبعها الحكومات ، فسوف يكتشف دون عناء انهم يبحثون عن عصا سحرية ، يهزونها في وجه المشكلة فيولد الحل. بالنسبة لكثير من الشباب الحالم ، فان السلاح هو العصا السحرية التي تغير الحقائق على الارض ، وتحولهم من كائنات متسائلة معطلة او مقيدة الى شركاء في تغيير العالم.
بحث الشباب عن ذاتهم ، بحثهم عن دور في تغيير الواقع ، ليس السبب الوحيد الذي حرك الاف المهاجرين نحو ساحات الحرب المتنقلة. لكنه – كما أظن – عامل يستحق التأمل. لو درسناه كواحد من الاحتمالات فلربما ساعدنا في كشف نقاط ضعف في نظامنا الاجتماعي او في سياساتنا او في نظامنا القانوني ، تشكل في مجموعها الثقب الاسود الذي يتساقط فيه هؤلاء الشباب ، فيتحولون من قوة بناء الى مكينة قتل وتدمير في هذا البلد او ذاك.
الشرق الاوسط 31 ديسمبر 2014 مـ رقم العدد [13182]
http://aawsat.com/node/255216

24/12/2014

يوم رحب الناس بالخلافة


التمدد السريع لتنظيم الدولة الاسلامية "داعش" على مساحات شاسعة في سوريا والعراق ، وانضمام الاف المقاتلين الى صفوفه ، يكشف عن ظرف اجتماعي متأزم ، مستعد للترحيب بأي قوة ترفع شعارا مواتيا ، او على الاقل غير مبال بانهيار الدولة القائمة وحلول جماعة مسلحة مكانها.
صحيح ان النزاعات الاهلية توفر مثل هذه الفرص في أي مكان. لكن هذا لا يحدد المسؤولية عن العوامل التي تدفع الناس للترحيب او عدم الاكتراث بتطور من هذا النوع. كما لا يحدد مستوى وطبيعة النزاع الذي يسمح بظهور نظائر لتنظيم "الدولة". بعبارة اخرى فنحن امام سؤالين ، اولهما: هل هناك ظرف آخر غير الحرب الاهلية يمكن اعتباره مواتيا لظهور جماعات مسلحة نقيضة للدولة؟. والثاني: اذا كان ظرف النزاع الاهلي هو الوحيد الذي يعتبر مواتيا ، فهل ثمة نوع معين من الصراعات الاهلية او مستوى معين نعتبر الوصول اليه ضروريا لظهور تلك الجماعات؟. الاجابة على هذين السؤالين سوف تمهد ايضا لتحديد بعض الحلول الممكنة ، ولا سيما تحريك الظرف الاجتماعي باتجاه جعله ممانعا لانتشار جماعات كهذه او لافظا لها.

يكشف مثال الجزائر (1997-2001) والصومال (1991-1997) عن مفارقة جديرة بالاهتمام ، وهي بقاء "الايمان بالدولة" في الحالة الاولى وغيابه في الثانية. واظن هذا اهم الاسباب التي جعلت الجزائر قادرة على اطلاق مشروع حل سياسي تمثل في قانون الوئام الوطني لعام 1999 ، بينما فشلت كافة مبادرات الحل السياسي السلمي في الصومال. الايمان بالدولة يعني تحديدا الاقتناع العميق عند عامة الناس بان حكومتهم ضرورية لحياتهم وانها تقوم فعليا بما يتطلبه هذا الدور. يتلاشى هذا الايمان اذا توقفت الدولة عن القيام بواجباتها او انحازت بشكل مفرط الى طرف اجتماعي ضد بقية الاطراف ، او فشلت لوقت طويل في معالجة مشكلات البلد الملحة.
في مقالته الشهيرة "التنمية السياسية والتفسخ السياسي-1965" ركز صمويل هنتينجتون على ما يسميه ظرف انفجار التطلعات ، وفشل الدولة في الوفاء بالوعود التي ترفع سقف توقعات الجمهور ، ويعتبره ابرز العوامل التي تنشر الاحباط في المجتمع ، وربما تمهد الطريق امام تحولات دراماتيكية ، مثل الاستيلاء على الدولة. واحتمل ان هذا هو السر وراء نجاح داعش في السيطرة المباغتة على محافظة الموصل العراقية منتصف يونيو الماضي. فرغم وجود الدولة وقواتها ، الا ان النزاعات السياسية المريرة في السنوات الماضية قضت تماما على الثقة المتبادلة بين الدولة المركزية والمجتمع. وتكرر هذا الامر في محافظة تكريت التي نعرف ان شريحة واسعة من سكانها شاركت قوات داعش في اسقاط مؤسسات الدولة.
لم يكن ثمة حرب اهلية فعلية في العراق كحال سوريا ، ولم تكن الدولة غائبة. الغائب الحقيقي كان الايمان بالدولة القائمة وانهيار الثقة بينها وبين مواطنيها. وهي حالة قد تظهر حتى في الدول القوية. ترى هل نستطيع تطوير وسيلة لقياس مستوى "الايمان بالدولة" في كل مجتمع عربي؟. هل نستطيع كعرب مصارحة انفسنا بالعوامل التي تؤدي الى تعزيز هذا الايمان او اضعافه؟. 
الشرق الاوسط  24  ديسمبر 2014 

مقالات ذات علاقة

09/12/2014

فرصة لتطبيق ما ندعو اليه: فوائد التسامح


يعيش في بلدنا نحو مليون مسيحي ، يستحقون في رأيي اشارة الى معرفتنا بهم واحترامنا لقناعاتهم. مناسبة الكلام هو اقتراب عيد الميلاد ورأس السنة. وهما ابرز مناسبتين لمسيحيي العالم ، مثلهما مثل عيدي الفطر والاضحى عند المسلمين. اتمنى ان تستثمر حكومتنا وصحافتنا هذه المناسبة للتعبير الصريح عن احترامها لمسيحيي العالم ، سيما هؤلاء الذين يعيشون بيننا ، نتعامل معهم ونتعاون وإياهم في عمران بلدنا وجعل حياتنا اكثر راحة ومستقبلنا اكثر ازدهارا



 في أعوام ماضية تحدثنا كثيرا عن حوار الحضارات والاديان ، وأقامت حكومتنا مركزا دوليا بهذا الاسم. وهو جهد يجمل صورة السعوديين في العالم ، كما يجمل صورة المسلمين والعرب. اعلم ان أكثر الدعاة والناشطين يفخرون بحسن معاملة المسلمين لغيرهم في الازمان الماضية ، وهم يذكرون خصوصا ان المسيحيين واليهود وغيرهم من اتباع الديانات عاشوا بسلام وكرامة في المجتمعات المسلمة. ويعتبرون هذا الصنيع دليلا على اخلاقيات المسلم وفضائل الاسلام الذي يعلي من شأن الانسان ، أيا كان معتقده.

اعلم ايضا ان كثيرا من السعوديين المعاصرين سيرفضون هذه الدعوة ، لانهم يظنونها تطبيعا للعلاقة مع الكافر او لغير ذلك من الاسباب. هذا الرفض متناقض مع الفخر الذي أشرنا اليه. ولو ساءل كل منا نفسه: ايهما اصلح لديننا ووطننا: سعادة غير المسلم بالتعامل معنا والعيش بيننا ام تعاسته؟. هل سنكون اقرب الى اخلاقيات الاسلام اذا اظهرنا الاحترام للمسيحي ام سنكون ابعد عن قيم الدين الحنيف؟.

هذا يقودنا الى السؤال التالي: هل سيكون المسيحي الذي يعيش معنا سعيدا ونحن نتجاهل مجرد الاشارة الى اسعد أيامه. ام سيكون سعيدا اذا اظهرنا احترامنا له ومعرفتنا به وتقديرنا لمشاعره؟.

تخيل ان لديك جار مسيحي دعاك لحفل زواجه.. هل ستبارك له ام تعرض عنه؟. هل ثمة فرق بين ان تظهر الاحترام لفرد او تظهر الاحترام لمجموع الافراد؟.

جرت عادة حكومتنا على توجيه برقيات التهنئة للدول الاخرى في اعيادها الوطنية. وجرت عادة كثير من الدول المسلمة على تهنئة المسيحيين بعيد الميلاد ورأس السنة. كما ان بابا الفاتيكان وزعماء الدول الاوربية اعتادوا تهنئة المسلمين باعيادهم ، فلم لا نقوم بمبادرة مماثلة؟.

في هذه الاوقات اشعر ان مبادرة كهذه ستكون مفيدة على المستوى الوطني ايضا ، لانها تعزز قيمة الحوار والاقرار بالتنوع الطبيعي في الثقافات والمعتقدات واحترامها. وهو امر ينعكس ايجابيا على ثقافتنا العامة ، التي مازالت تتوجس من المختلف والمخالف.

لا اريد الاستطراد في عرض الامثلة. غايتي هي دعوة حكومتنا وصحافتنا سيما كتاب الرأي لانتهاز فرصة اعياد الميلاد ورأس السنة ، لاظهار الاحترام للمسيحيين ، سيما من يقاسمنا العيش في بلدنا. دعونا نمارس فعليا ما ندعو اليه ، اي الاقرار بوجود المختلف واحترام خياراته ، بغض النظر عن رأينا فيها.

الاقتصادية 9-12-2014
http://www.aleqt.com/2014/12/09/article_913074.html

  

02/12/2014

داعش الباقية




في 1997 ظهر شبيه لداعش في الجزائر. لم يعلن دولة او خلافة ، لكن عمله الميداني وخطابه الديني لم يكن مختلفا عن داعش. تلاشت الظاهرة الجزائرية بعدما طبقت الحكومة قانون الوئام الوطني لعام 1999 ثم قانون المصالحة الوطنية (2005). طبقا لبيانات رسمية ، فان عدد الذين سويت اوضاعهم بلغ 17 الف مسلح ، عدا المئات الذين قتلوا في مواجهات مع الجيش. بعبارة اخرى فان الحجم المادي للظاهرة الجزائرية كان اكبر من شبيهتها داعش. لكنها مع ذلك اخفقت في مواجهة تيار الحياة المدنية الجارف ، رغم مقاومتها الشرسة لما يزيد عن سبعة اعوام.
نعلم من هذا ومن تجارب شبيهة ان الحياة الحديثة لا تسمح ببقاء دولة مثل دولة داعش. هذا لا يتعلق فقط بالنظام الدولي ، بل ايضا بالحاضن الاجتماعي المحلي وحركة الاقتصاد والسياسة في ابعادها المختلفة والمعقدة.  ولئن كانت الظروف الحرجة الراهنة في العراق وسوريا قد افرزت نشازا سياسيا من هذا النوع ، الا ان منطق الامور لا يسمح له بالاستمرار فترة طويلة.
سواء انتهينا من دولة داعش اليوم او غدا ، فلا ينبغي ان نغفل عن حاضنها الثقافي – الاجتماعي ، اي الذهنية الفردية او الجمعية التي تنظر الى نموذج داعش كعلاج مؤكد او محتمل لمشكلة يشعر بها الناس. وليس مهما ان تكون هذه المشكلة حقيقية او متوهمة. المهم انها تشغل اذهان الناس ويشعرون بالحاجة الى علاجها بأي طريقة.
السؤال الذي يستحق ان نتأمله بجدية وتركيز هو: ما هي المشكلات التي تشغل اذهان الناس على نحو يجعلها مهيئة لقبول نموذج الحل الذي تمثله داعش او تقترحه؟.
يذهب ذهني الى عدة احتمالات. لكن ابرزها في ظني اثنان ، احدهما محلي ينطبق خصوصا على الوضع في المملكة والثاني اكثر عمومية. المشكلة الاولى هي الرغبة في اكتشاف الذات وتحقيق الذات ، وهذه تخص الشباب. اما الثانية فهي مشكلة العجز عن التعامل مع ما يعتقد من تغول الغرب ضد العالم الاسلامي.
الدواء الانجع للمشكلة الاولى هو جمعيات العمل المدني التطوعي. اما المشكلة الثاني فهي اكثر تعقيدا ، وهي اقرب الى فحوى التفسير الرسمي لظاهرة التطرف ، اي ما يسمى بالغلو في الدين. لكن العلاج ليس بالنصائح وسرد الايات والروايات الدالة على الوسطية ، بل بتطوير خطاب ديني جديد يركز خصوصا على ظاهرة التنوع الثقافي والعلمي والسياسي ، ودور المسلم في العالم الجديد ، وسبل استثمار التنوع وعولمة الثقافة والاقتصاد. بعبارة اخرى فنحن بحاجة الى صياغة جديدة لمفهوم العلاقة مع المختلف سياسيا ودينيا ، سيما الغرب الذي ينظر اليه كقوة عدوان ذات واجهة سياسية ومضمون او محرك ديني (مسيحي غالبا).  وتبعا لهذا تطوير رؤية عصرية لقيمة الجهاد والدعوة ودور الافراد والجماعة المسلمة في هذا السياق. 
الاقتصادية 2-12-2014
مقالات ذات علاقة


18/11/2014

مكارثية جديدة



سررت جدا لأن غالبية المجتمع السعودي تدعم الدعوة لإصدار قانون يحمي الوحدة الوطنية ويكافح العوامل التي تؤدي إلى إضعافها، لا سيما إثارة الحزازات المذهبية والعنصرية والقبلية والمتاجرة بالكراهية والنزاعات الاجتماعية.

مجتمعنا بحمد الله متفق على أن وحدته وسلامه الاجتماعي ليسا موضوعا للمساومات السياسية أو الخلاف، وأن هذا يجب أن يكون موضوعا لنظام قانوني يضمن حرية التعبير، لكنه – في الوقت نفسه – يحدد المسؤولية القانونية عن أي انحراف أو إفراط في ممارسة الحرية. أعلم أن بعض الناس قلق من تحول قانون كهذا إلى مبرر لتحجيم هامش الحرية المتاح، أو شكهم في قدرة المجتمع والنظام القضائي على التعامل مع مفاهيم حديثة مثل الحقوق الشخصية والمدنية.
أتفهم هذا القلق، لكني أيضا أشعر بالدهشة حين أسمع من يدعو للمدنية ويخشى القانون في الوقت ذاته. لا توجد مدنية من دون قانون، ولا يوجد سلم اجتماعي من دون قانون. كتب جان جاك روسو، المفكر المعروف، فيما يشبه السخرية "يوم اختار الإنسان المجتمع المدني فقد سار بمحض إرادته إلى سجن القانون"، لكن روسو يؤكد أيضا أن الحرية خارج المجتمع المدني ليست حقيقية لأنها غير مصونة ولا مضمونة. أما في المجتمع المدني فإن الحقوق التي يقرها لك القانون تقيم التزاما على المجتمع كله بصيانتها وتمكينك منها.

قد لا يكون القانون عادلا، لكنه بالتأكيد خير من اللاقانون. قد يكون تطبيق القانون سيئا، لكنه بالتأكيد خير من انعدامه. قد يتخذ بعض الأقوياء من القانون مطية لأغراضهم فيقمعون هذا أو ذاك تحت اسمه. لكن هذا ليس وضعا أبديا. حين لا يكون القانون حاكما فسيكون الحكم لنزوات الأشخاص وأهوائهم. فهل يريد عاقل أن تسير حياته وفق هوى شخص آخر؟. حين يوجد القانون سيرتقي وعي الناس بحقوقهم وحدودهم، وسيعملون على إصلاح التطبيقات الخاطئة. يتغير الأشخاص وتتغير مناصبهم وسلطاتهم، لكن القانون يترسخ وتقوم على أرضيته تقاليد سياسية وأعراف جديدة تحمي المسار التصاعدي للمجتمع والنظام السياسي. لم يحصل في أي تجربة سياسية معاصرة، أن تسبب القانون في تعطيل التطور السياسي. بل على العكس، نعرف من تجارب عديدة أن القوانين الناقصة وغير العادلة، شكلت أساسا ودافعا للتصحيح وظهور قوانين أرقى وأكثر عدالة.
 الذين يخشون مما يسمونه "مكارثية جديدة" يعلمون أن المكارثية القديمة تلاشت سريعا وتحولت إلى عار على صاحبها، لا لسبب سوى رسوخ القانون، وإصرار المجتمع على تطبيقه، ثم تصحيحه وتطويره.

يجب علينا جميعا أن نطالب بالقانون أولا، ثم سيادة القانون وعدالة القانون، هذا هو الطريق الوحيد لقيام حياة مدنية سليمة، وهذا هو الطريق الوحيد لوقف المتاجرين بمشاعرنا وعواطفنا وخلافاتنا، لا سيما بعدما رأينا بأعيننا العواقب الدامية لهذه التجارة المريعة.
الاقتصادية 18-11-2014

http://www.aleqt.com/2014/11/18/article_907011.html

11/11/2014

درس الفجيعة



سيمر وقت طويل قبل ان ينسى السعوديون جريمة الدالوة. لقد اختلفنا كثيرا وبحثنا عن كل المبررات الممكنة كي نرمي بعضنا بقلة العقل او قلة الدين او قلة العلم ، وكل ما يستدعي الكراهية والتنافر.
لكنا لم نتخيل ان تلك الجهالات ستفضي الى مذبحة علنية كالتي جرت في الدالوة. خسرنا في هذه الحادثة الاليمة 12 مواطنا. وهذا ليس سوى الدفعة الاولى من كلفة باهضة سنضطر الى تحملها ما لم نعمل سويا على لجم السفه المذهبي الذي اوصلنا الى الفجيعة.
ربما نرمي الخارج بالمسؤولية عما جرى ، لكن هذا لن يعالج علتنا. ربما نرمي تجار التغرير والفتن ، لكن هذا لن يمنع تكرار الجريمة. ربما نجلد ذواتنا بالسياط ، لكن هذا لن يغير المسار الذي اوصلنا الى شواطيء نهر الدم. الذي يعالج العلة ويمنع تكرار الجريمة ويوقف الانزلاق الى مستنقع الفتنة هو استراتيجية شاملة لتعزيز الوحدة الوطنية وتجريم دواعي الفتنة واسبابها وكل ممارسة يمكن ان تشعلها او تصب الزيت على نارها.

خلال الايام الماضية اعاد كثير من الكتاب وأهل الراي التاكيد على دعوات سابقة لوضع قانون لتجريم الكراهية ، شبيه بما فعلته دول كثيرة. هذه دعوة صادقة يجب ان تسمع. واني لأعجب ان مجلس الشورى الذي يضم نخبة البلد لم يتخذ مبادرة بهذه الاهمية ، مع ان جميع المواطنين ينتظرون منه ذلك ، وقد تصدى لأمور انفق فيها وقتا طويلا وهي اقل اهمية وحرجا من مسألة الوحدة الوطنية التي لا استقرار ولا سلام ولاتنمية ولا مستقبل من دونها.
نحن بحاجة الى قانون كهذا بلاشك. نحن بحاجة ايضا الى استراتيجية وطنية شاملة لاجتثاث الكراهية. كل تنوع يؤدي الى اختلاف. والاختلاف هو نقطة البداية للتنازع الذي قد يقود الى الفتنة. لا يمكن لنا ايقاف التنوع لانه سنة كونية ، لكننا نستطيع تحويلة الى مصدر اغناء للشخصية الوطنية والثقافة. وهذا ما فعلته المجتمعات المتحضرة سيما الصناعية.
اني ادعو بصورة محددة الى اقامة هيئة ملكية لتعزيز الوحدة الوطنية تركز على ثلاث مهمات: 1) مهمة قانونية تتمثل في وضع اطار قانوني لتجريم الكراهية والممارسات  المؤدية اليها. 2) مهمة ارشادية تركز على اصلاح السياسات واللوائح والاعمال الرسمية التي تسمح او تحمي اثارة الكراهية. 3) مهمة رقابية تتمثل في متابعة الممارسات التي تنطوي على او تؤدي الى الاضرار بالوحدة الوطنية واحالتها الى جهات الاختصاص ، سواء القضائية او الامنية او الادارية.
ظروفنا الراهنة لا تحتمل التهاون مع مسببات الفتنة ، وعلى الحكومة والمجتمع تبني مبادرات جادة لوقف الانزلاق الى هذا المستنقع الخطير. نحن لانستطيع التحكم في ما جرى فعلا ، فهذا اصبح من التاريخ. لكننا نستطيع التحكم في مستقبلنا ، بمنع تكرار مثل هذا الحادث المروع وحماية انفسنا وبلدنا من اخطاره.
الاقتصادية 11-11-2014

مقالات ذات علاقة

تحولات التيار الديني – 5 السلام مع الذات والسلام مع العالم

عن طقوس الطائفية وحماسة الاتباع

ما الذي نريد: دين يستوعبنا جميعاً أم دين يبرر الفتنة

ثقافة الكراهية

تجريم الكراهية

تجارة الخوف

في انتظار الفتنة

الحريات العامة كوسيلة لتفكيك ايديولوجيا الارهاب


الطائفية ظاهرة سياسية معاكسة للدين

28/10/2014

التقصير

الأستاذ فهد الدغيثر مندهش لأننا جميعا نعرف سبب نجاح مشروعات "أرامكو" وأمثالها لكننا لم نحاول التعلم من هذه التجربة التي تعيش بيننا منذ نصف قرن (هات بوست 5 مايو 2014). أما أنا فلم أندهش، لأن الأمر ببساطة يتعلق بإرادة التعلم. من لا يريد أن يتعلم فلن يتغير حاله ولو أمضى ألف سنة يتابع تجارب الآخرين.

شاهدنا مئات التجارب الشبيهة، في المملكة وفي العالم. لكننا اكتفينا بالتسلية. نستأنس برواية نجاحات الآخرين، ثم نوبخ أنفسنا قليلا، ثم نقول لبعضنا: "من لا يعمل لا يفشل"، ثم نمتدح بعض أوهامنا وربما يبالغ بعضنا فيكتب مثلا أن ألمانيا تدعو للاستفادة من تجربتنا التعليمية، ثم نضحك على هذه الكتابات، ثم تأتي قضايا أخرى تنسينا سابقتها ونعيد الكرة: مشاهدة، تسلية، جلد للذات، تبرير للتقصير، امتداح للذات، وهكذا.

زبدة القول إننا لن نستفيد من تجارب الغير ما لم نقبل بدفع ثمن التعلم منهم. نحن بحاجة إلى شجاعة الإقرار بالقصور وعدم تبريره، والجاهزية لدفع الثمن المطلوب، لأن المعرفة لا تأتيك مجانا.

رأى الأستاذ الدغيثر أن المعيار الرسمي في المناقصات الذي يرجح الأرخص ثمنا على الأجود هو سبب تعثر المشروعات العامة أو تدني كفاءتها، وذكر أيضا ضعف التأهيل الهندسي للدوائر المعنية بالمشاريع. وأعلم أن كلا السببين صحيح. ثمة جسر صغير في القطيف، مضى على البدء في بنائه أربع سنوات وما زال ينتظر فرج الله. يدعي أهل البلدية أنهم اكتشفوا عيوبا فيه وأن المقاول اكتشف اختلافا في الوصف الجيولوجي للأرض التي أقيم عليها، واكتشف الجميع لاحقا أخطاء في تقدير الكلف .. إلخ. وكل هذه تساق كتبريرات للتقصير.

لكن السؤال المسكوت عنه دائما هو: ما الإجراءات التي اتخذت بحق المسؤول الذي وقع على تلك المواصفات، والذي فاوض المقاول، ثم وقع على أهليته؟ هل جرت مناقشة إدارية أو فنية صريحة ووضع تقرير كامل عن القضية، هل اكتشفت الإدارة المعنية تقصيرا متعمدا أو جهلا بالعمل أو غفلة عن المتابعة؟ وهل تم تحديد المسؤول أو المسؤولين عن كل تلك الأمور، وهل تمت محاسبتهم؟

اعتقادي الشخصي أن الحال لن يتغير إلا إذا وضع نظام يجبر مديري الإدارات الرسمية على تقديم بيان علني موثق عن أعمالهم في نهاية كل عام، يذكر فيه بوضوح بنود خطة العمل المقررة سلفا وما أنجز منها وما تعطل وأسباب ذلك.

العلنية والشفافية والمحاسبة علاج عظيم لأمراض الإدارة العامة، وقد جربها غيرنا وثبت نجاحها. هذه أعظم تجربة ينبغي لنا تعلمها، لكن التعلم - كما أسلفت - رهن بالشجاعة والجاهزية لدفع الثمن. بعد معرفة تجربة العالم، أجزم أنه لا يوجد علاج دون شفافية ودون محاسبة علنية.


الاقتصادية 28-10-2014
http://www.aleqt.com/2014/10/28/article_899882.html

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...