08/04/2020

هل نستطيع التعايش مع الوباء


||لا يمكن مواصلة اغلاق السوق وتعطيل الحياة الاجتماعية. ادعو للتعايش مع الوباء ، اي اعادة فتح السوق والاعمال ، مع الابقاء على بعض الاحتياطات الوقائية||
قرأت مثلكم تعليقات الصحف التي تشكو من عدم التزام الناس بالبقاء في بيوتهم. وتقول ان هذا يتسبب في تعطيل القضاء السريع على فيروس كورونا. في التلفزيون يقولون الشيء نفسه ، والذين ينشرون اراءهم على منصات التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيسبوك ، يكررون ذات الدعوة ، بنفس الالفاظ تقريبا.

لقد بدا لي ان الدعوة للبقاء في البيوت ، باتت شعارا يتفق عليه كافة البشر اليوم. الكل يردد نفس الكلمات ، بنفس القدر من العاطفة ، من رؤساء الدول الى زعماء الاديان مرورا بالوزراء والخبراء وحتى الفتاة الصغيرة التي تحدثت على تطبيق سنات شات: كلهم يطالبونك بالبقاء في دارك.
حسنا.. سنبقى في البيت. لاننا نعلم انه لا يوجد لقاح يقي من الاصابة ، ولا علاج لمن أصيب. لكن السؤال الذي يلي هذا ، هو: الى متى؟. اعلم ان بعض الخبراء سيقول: حسنا  الى ان ينتهي الوباء ، او نصل الى مستوى السيطرة (ويعبر عنها عادة بعدم التصاعد المضاعف لأرقام المصابين والضحايا). هذا لا يكفي لانه لا يحدد وقتا ، كما اننا لسنا متأكدين من نقطة الاشباع الحدي ، الذي يتحول المسار بعدها الى اتجاه تنازلي.
دعني اتحدث هنا بصورة انطباعية بحتة. انني لست خبيرا. لكني وكثير غيري ممن يعتمدون كلام الخبراء يشعرون بقدر من الحيرة. لا اتحدث عن التطمينات والتحذيرات ، فهذه لا تفيدنا بشيء ، بل عن المعلومات التي تقال باعتبارها نتاج خبرة. خذ مثلا كلامهم عن الانتاج التجاري للقاح ، فهم يقولون انه الآن في مرحلة التجارب السريرية ، في 8 او 9 دول على الأقل ، لكنه لن يكون متاحا لجميع الناس قبل نهاية العام الجاري.
اللقاح سيفيد الاشخاص الذين لم يصابوا ، اما المصابين فعلا فيحتاجون الى دواء ، فماذا عن الدواء؟
يتحدثون عن العلاج بالبلازما ، وهي جزء من الدم يحوي الأجسام المضادة ، التي ينتجها الجسم بعد الاصابة بمرض ما. والعلاج بالاجسام المضادة لدى المتعافين ، معروف في الطب ، ويقال انه استخدم للمرة الأولى لمواجهة وباء الانفلونزا الاسبانية التي اجتاحت العالم في 1918 وخلفت نحو 100 مليون وفاة.  ونعلم الان ان الولايات المتحدة وفرنسا والصين وايران وايطاليا ، ودول اخرى ، جربت هذا الدواء ونجحت. لكن الواضح ايضا ان هناك حدودا (لا اعرفها) تحول دون استخدامه على نطاق واسع.
زبدة القول انه لا دواء متوقعا قريبا ، وعلينا ان نتعايش مع الوباء حتى نهاية العام الجاري على الاقل.  
هل هذا يعني ان يستمر الاغلاق وحظر التجول حتى نهاية العام ايضا؟
اظن ان بعض الناس سيقول: وما المشكلة في ذلك؟
قد يكون هذا القائل طالبا ، يعلم انه قد نجح في العام الجاري ، او قد يكون موظفا حكوميا يعلم ان راتبه سيصله حتى لو استمر حظر التجول عشر سنين. لكن ماذا عن بقية السوق والاقتصاد الوطني عموما؟.
لو استمر الاغلاق فان عشرات الشركات الصغيرة ستموت ومئات الآلاف من الوظائف ستتبخر.
لهذا السبب فانني ادعو الى الانتقال من حالة المواجهة الوقائية مع الوباء ، الى التعايش معه. هذا يعني اعادة ترتيب السوق والاعمال على نحو يسمح بعودة معظمها الى العمل المعتاد ، مع الابقاء على بعض الاحتياطات الوقائية. ربما لا نستطيع فتح كافة الاعمال ، لكن علينا اعادة تنشيط اكبر قدر ممكن من الاعمال ، سيما في القطاعات المنتجة والداعمة للانتاج ، كي نمنع الانزلاق نحو الركود.
الشرق الاوسط الأربعاء - 14 شعبان 1441 هـ - 08 أبريل 2020 مـ رقم العدد [15107]
https://aawsat.com/home/article/2222421/

مقالات ذات علاقة










01/04/2020

ما بعد كورونا .. عبودية جديدة؟

|| بعض الناس يتقبل اخضاع حياته للرقابة المباشرة ، وهو يقول "لاتبوق ولاتخاف". لكن هذا نزول لا يليق بكرامة الانسان||
سأذكر القراء بصورتين ، لعل غالبيتهم قد صادف احداهما هذه الايام. الصورة الاولى لطائرة صغيرة مسيرة (درون) تقترب من سيدة في احد شوارع ووهان ، المدينة الصينية التي كانت بؤرة فيروس كورونا (او ربما مدينة اخرى) ، وثمة تعليق يفيد بان الطائرة أمرت السيدة بارتداء الكمامة والعودة للبيت. اما الصورة الثانية فهي لعربة مسيرة (روبوت) في العاصمة التونسية ، تقترب من سيدة ايضا ، لتامرها بالرجوع للبيت.
في كلا الصورتين ، شعر المشاهدون - أو معظمهم - بقدر من الضيق ، لما لاحظوه من فزع على وجهي السيدتين.  وظننت اننا ما كنا سنشعر بالضيق ، ولعل السيدتين ما كانتا ستشعران بالفزع ، لو ان الذي تحدث معهما رجل شرطة اعتيادي. لكن ان توقفك آلة وتصدر اليك أوامر ، فهذا يولد خوفا شديد في نفس الانسان يصعب احتماله ، سيما في ظروف الأزمة.
في الحادثتين حمولة رمزية ضخمة ، تشير لأحد المخاوف الكبرى التي تنتاب المحللين ، ازاء ما سيتلو انحسار وباء كورونا. كنت قد ذكرت في مقال الاسبوع الماضي ، ان شعور بعض الناس بنجاح النموذج الصيني في التعامل مع ازمة الوباء ، ربما ينصرف الى تجميل صورة الحكومات المركزية والشمولية ، حيث الانضباط والانتاجية مقدمة في القيمة على الانسان وحقوقه ، كما في الصين المعاصرة. ونقلت ايضا رأي خبراء قلقين من ان الوباء سيبرر منح النخب السياسية سلطات أوسع من المعتاد ، وان تلك النخب ستتمسك بالسلطات الجديدة حتى بعد زوال الوباء.
نعلم ان حصول النخب الحاكمة على سلطات إضافية ، يعني تقليص المساحات المفتوحة في الحياة العامة او الخاصة ، او ربما زيادة تمركز الدولة ، بدل التفويض التدريجي للسلطات نحو الادارات الوسطى.
كان نيقولو مكيافيلي ، المفكر الايطالي الشهير ، قد قال ان الناس لا يعبأون بكيفية توزيع السلطات ، لانهم لا يأملون في الوصول اليها. لكنهم يشعرون ان الحرية تعطيهم الامان الضروري للسعادة والاطمئنان. الحكومات التي تمارس رقابة لصيقة على الناس ، تجردهم من الامان ، لانها تجعلهم في حالة قلق دائم من ارتكاب خطأ. اما في ظروف الحرية ، فان الاخطاء الصغيرة التي اعتاد الناس على فعلها ، لا تودي بهم للسجن. الحرية – وفق مكيافيلي – ضرورية للناس ، لان الامان ضروري لحياتهم. والرقابة تقلص نطاق الامان.
الحقيقة ان التجربة الصينية (التي احبها بعض الناس) تضمنت نماذج لهذه الرقابة. ومنها مثلا ضبط حركة الافراد ومنعهم من ركوب القطارات او دخول المطاعم والاماكن العامة ، الا اذا عرفوا انفسهم بواسطة تطبيق خاص على هواتفهم المحمولة.
اعلم ان بعض القراء سيردد المثل المحلي السائر "لا تبوق – اي لا تسرق – ولا تخاف". وهو مثل يستعمل لتبرير خضوع الافراد لاجراءات امنية غير ضرورية ، وقد يكون غرضها الوحيد اشعار الفرد بانه تحت السيطرة.
والحق انه مثل غبي لايليق بعاقل ان يقبله على نفسه. لكنه - على اي حال - مثل مشهور. تخيل نفسك تقف بين ساعة واخرى امام مفتش آلي كي تخبره اين تذهب ولماذا. تخيل نفسك محاطا بعشرات الكاميرات التي تسجل دقائق حياتك اليومية ، حتى علاقاتك العائلية.     
 الميل للتمركز وتوسيع السلطات ، واستغلالها للسيطرة على حياة الافراد ، احتمال مقلق في مرحلة ما بعد كورونا. ربما لن تكون ممكنة بكاملها ، لانها ليست واقعية تماما . لكن على الانسان ان يحذر من الميل الغريزي عند الاقوياء لاستعباده ، فهذا سيكون اسوأ قدر ينتظره.
الشرق الاوسط الأربعاء - 8 شعبان 1441 هـ - 01 أبريل 2020 مـ رقم العدد [15100]

مقالات ذات علاقة

لماذا يرفضون دور العقل؟

  ليس هناك – على حد علمي – من ينكر دور العقل بصورة مطلقة. لو فعل أحد ذلك فلربما عده العقلاء مجنونا أو ساذجا. لكننا نعرف أناسا كثيرين ينكرون ...