اصدر ديوان المظالم حكما
بابطال قرار سابق لوزارة التربية التعليم يقضي بفصل الاستاذ حسن المالكي من العمل.
وترجع القضية الى اوائل العقد الجاري حين نشر المالكي وهو مفكر ديني معروف سلسلة
من المقالات تحدد مواطن الخلل في مناهج التربية الدينية في المدارس العامة. ودخل
المالكي بسبب تلك المقالات في جدل علني مع عدد من الشيوخ البارزين. والمالكي هو
واحد من مفكرين سعوديين برزوا خلال العقدين الاخرين، واختاروا منهجا يدعو الى
تجديد الثقافة الدينية ومناهج التعليم، ولا سيما نبذ التفكير الاحادي والتوجهات
المغالية.
وتحمل المالكي بسبب كتاباته
كثيرا من العنت والتضييق من جانب اشخاص يرتابون في كل دعوة للتجديد. وفي احدى
المناسبات نشر مقالا فند فيه - من زاوية فقهية - فتوى لاحد المشايخ تتضمن تكفيرا
الفنان الكويتي عبد الله الرويشد. لكنه ووجه باقصى رد يتوقعه وهو اصدار الشيخ نفسه
فتوى بتكفيره رجوعا الى قاعدة "ومن لم يكفر كافرا فهو كافر". كتب المالكي عددا من الكتب المثيرة للاهتمام
لكنه لم يستطع توزيعها في المكتبات المحلية، كما اضطر الى التوقف عن الكتابة في
الصحف، واخيرا فصل من وظيفته في قطاع التعليم.
طوال السنوات الخمس الماضية
حاول المالكي دون كلل استعادة حقه، لكنه ووجه دائما بالسخرية والاستهانة. وفي هذا
الاسبوع اصدر ديوان المظالم حكمه بابطال قرار الفصل واعادته الى وظيفته بعد 48
جلسة خلال اربع سنوات. رغم ان القضية – من الناحية الشكلية على الاقل – تعتبر
اعتيادية في اي بلد، الا ان الحكم فيها اكتسب اهمية خاصة وأثار اهتماما واسعا في
البلاد، ولعله كان الخبر الاول من حيث اهتمام متابعي الصحف يوم الاثنين المنصرم.
معظم الذين اهتموا بحكم
الديوان ينظرون اليه كدليل عملي على التطوير الجاري في جهاز القضاء، ولا سيما في
ديوان المظالم. ويمثل الديوان ما يشبه محكمة ادارية، وهو الجهة الوحيدة المخولة
بالنظر في دعاوى الافراد ضد الاجهزة الحكومية.
وفي السنوات الماضية لم يكن
من السهل اقامة دعاوى من ذلك النوع. لكن الاشهر القليلة الماضية شهدت الاعلان عن
عدد من القضايا التي اثارت انتباه الكثيرين. من ذلك مثلا حكم الديوان بسجن رئيس
بلدية ومساعده بسبب استيلائهم على قطع سكنية منحت لمواطنين. وكان هذا السلوك قد
شاع حتى يئس الناس من لجمه. لكن حكم الديوان سجل سابقة أحيت آمال المواطنين
بقدرتهم على الاستعانة بالقضاء العادل في استنقاذ حقوقهم.
ومن بين القضايا قبوله لدعوى
رفعتها سيدة ضد هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذه هي المرة الاولى التي
تقبل فيها دعوى ضد الهيئة. واخيرا جاء الحكم في قضية المالكي دليلا اضافيا على
سياق جديد في النظام القضائي السعودي يأمل الكثيرون ان يتحول الى عرف سائد، يتناغم
مع توجهات خادم الحرمين الشريفين في فرض حاكمية القانون وتساوي جميع المواطنين
امامه.
من الناحية الفنية فان
المالكي هو ابرز المستفيدين من هذا الحكم، لكن من الناحية السياسية فان جهاز
القضاء سيكون هو المستفيد الاكبر، فقد برهن على استقلاله وقدرته على التحرر من
الضغوط المعتادة في مثل هذا النوع من القضايا، سواء كان مصدرها الشارع الشعبي او
علية القوم. ويمثل هذا خير تمهيد لبرنامج الاصلاح الشامل الذي أقره الملك عبد الله
الشهر الماضي ويتضمن تعديلات اساسية في بنية النظام القضائي السعودي.
المثقفون والكتاب اعتبروا
الحكم انتصارا لحرية التعبير و"يوما تنفست فيه العدالة" كما قال الاديب
المعروف صالح الصويان. والمؤمل اليوم ان يعود المالكي الى ممارسة الكتابة في
الصحافة بعد انقطاع طويل. ثمة –اضافة الى المالكي – قائمة طويلة من كبار الكتاب اضطروا
الى التوقف عن الكتابة بسبب ضغوط مثل التي تعرض لها المالكي، وثمة اساتذة جامعيون
ابتعدوا عن طلابهم لاسباب مماثلة. ونأمل ان يكون حكم الديوان بداية لمنهج جديد في
التعامل مع قضايا الراي والتعبير.
7 / 11 / 2007م