خلال الاسبوعين الماضيين استمعت باهتمام الى
تصريحات الزعماء السياسيين في ليبيا ، المبتلاة بالحرب الاهلية منذ سقوط العقيدالقذافي اواخر 2011. تابعت المسألة الليبية طوال السنوات الخمس الماضية. لكني شعرت
لوهلة بأني غير قادر على الربط بين حلقات الصراع المحتدم. لهذا أردت التحقق مما
يقوله أطراف الصراع في توصيف المرحلة التي يمر بها هذا البلد.
الأخذ بظاهر كلام السياسيين المتنازعين يثير
العجب. فهم جميعا متفقون على ضرورة حقن دماء مواطنيهم وعلى مضاعفة الجهود الرامية
لاعادة بناء النظام السياسي وترميم الوحدة الوطنية ، الخ..
كلامهم يكشف عن توافق في معظم المستهدفات على
المديين القريب والمتوسط. وهذا مكمن العجب وسبب الدهشة. فهم رغم هذا التوافق
الظاهري ، عاجزون عن الاجتماع ووضع النقاط المتفق عليها موضع التطبيق. فكأن كل
زعيم يتحدث لنفسه. صوته لا يصل الى عقول الاخرين ، كما أن أصواتهم لا تصل اليه.
بدا لي ان عجزهم عن الانتقال الى النقاش حول
الحلول ، ليس راجعا الى اختلاف الافكار والاهداف. بل سببه ببساطة قلق كل طرف على حصته
في السياسة الجديدة.
هذا ليس اكتشافا جديدا ، وما يجري في ليبيا شبيه
بما يجري في كل بلد آخر. النزاعات الأهلية تلبس رداء الايديولوجيا والفكرة. لكنها
تدور في حقيقة الامر حول الحصص السياسية التي يعتقد كل طرف انه يستحقها في هذا
الوقت أو في اي ترتيب للمستقبل.
العراقيون اختصروا الطريق ، فسموا الاشياء
باسمها ، وقالوا صراحة ان نظامهم قائم على المحاصصة السياسية. اما السوريون
والليبيون وغيرهم فلا زالوا خجلين من التعبير الصريح عما يريدونه ، أي حصة كل طرف
في اللعبة السياسية.
العلاج النظري لهذه المشكلة هو الاحتكام الى
صناديق الاقتراع. هذا على الأقل ما يقوله الوسطاء الدوليون والاقليميون. وهو أيضا
ما يقوله العقل البسيط. لكن الواضح ان هذا العلاج الذي يبدو طيبا وبسيطا ، غير
واقعي على الاطلاق. بمعنى انه لا يعالج المشكلة الكامنة في النفوس وتجسيداتها على
أرض الواقع ، أعني بها انعدام الثقة المتبادلة بين الأطراف.
الأمر ببساطة على النحو التالي: هناك أطراف لا
يملكون وزنا مؤثرا في المجتمع ، لكنهم يملكون وزنا ماديا مثل عدد المقاتلين وكمية
الاسلحة والتحالفات الدولية ، كما يملكون
أسماء مثل الاحزاب والقبائل والطوائف الخ..
سنجد مثلا جماعة تسيطر عسكريا على مدينة رئيسية
او على إقليم بأكمله. لكنها لو دخلت في منافسة انتخابية ، فسوف يصوت سكان هذه
المدينة او الاقليم لصالح طرف آخر. ثمة أيضا أحزاب مشهورة ، لكنها لا تستطيع ترجمة
هذه الشهرة الى أصوات مكافئة في الصناديق. لهذا فان هذا الحزب وتلك الجماعة وأمثالهم
لن يغامروا بخوض معركة انتخابية ، ليسوا واثقين بانهم سيكسبونها. انهم يفكرون في
المسألة كما يفكر التجار: استثمروا مالا وجهدا في الحرب وهم يريدون ربحا في
السياسة يتناسب مع رأس المال الذي استثمروه.
هناك اضافة الى هذا المجموعات التي لم تشارك
بفاعلية في الصراع السياسي ، لكنها تشعر بالقلق من عواقب القبول بخطط السياسيين
والوسطاء. بين هؤلاء ستجد زعماء قبائل ورجال دين وشخصيات معروفة ، يتساءلون عن
موقعهم ومكانتهم ، اي حصتهم في النظام الجديد.
زبدة القول ان انعدام الثقة يشكل ربما ابرز
العوامل التي عطلت الحلول السياسية في البلدان المبتلاة بالحرب الاهلية. وأظن انها
تستحق ان تكون محور محاولات الحل.
الشرق الاوسط 15 يونيو 2016
http://aawsat.com/node/665531