04/05/2016

تمكين المجتمع ضرورة لنجاح التحول



الترحيب الواسع الذي حظيت به رؤية المملكة 2030 كان تعبيرا عن شوق عارم للتغيير. شوق يملأ نفوس السعوديين جميعا ، سيما الجيل الجديد الذي يريد مستقبلا مختلفا. هذا الجيل الناهض يعرف ان بلدنا تستحق اكثر مما حصل حتى الان ، وانها قادرة على اكثر مما فعلته حتى الآن.
لسنوات طويلة ابتلينا بفريق من العاجزين ، الذين لا يجيدون سوى التشكيك في قدرات المجتمع وأهليته لادارة نفسه وصناعة مستقبله. هذا الفريق ليس اشخاصا بعينهم ، بل مسلك اخلاقي وثقافي ، ينظر الى مجتمعنا كحشد من دراويش السلطان ، الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً. تجد هؤلاء المثبطين في التعليم والاعلام والمجالس العامة والمنابر والبنوك وقطاع الأعمال ، وفي كل مكان.
لا زال الوقت مبكرا لوضع تحليل شامل عن رؤية المملكة 2030. علينا انتظار الاعلان عن "برنامج التحول الوطني" الذي سيخبرنا عن خطط العمل التي ستضع الرؤية قيد التنفيذ ، حتى بلوغ أهدافها المعلنة. لكني قلق من فريق التثبيط المذكور آنفا. أخشى ان ينهض مرة أخرى فيقنع المجتمع وأصحاب القرار بالطرق العتيقة ، التي ربما تقلب مفهوم التحول الشامل الى خطة انفاق واستهلاك كبرى ، تنتهي بشراء بعض المصانع ، وبناء بعض المطارات ، واعادة طلاء المباني وتجديد طباعة الكتب القديمة ، ثم اقامة احتفالات عظيمة بانتقال المملكة الى صف الدول الصناعية.
لقد فعلنا هذا سابقا. ويقلقني احتمال تكراره. منذ العام 1971 تبنت المملكة عشر خطط تنموية قصيرة الأمد. جرى التأكيد فيها جميعا على التنمية البشرية ، تنويع الاقتصاد ، وتوسيع قاعدة الانتاج. لكن جدالاتنا اليوم تبرهن على ان المنجز من هذه الاهداف كان أقل كثيرا من المستهدف والمأمول. ذلك ان فريق التثبيط المذكور لا يؤمن بخيرية البشر وأهليتهم لادارة انفسهم وحياتهم ، فهو ينظر اليهم كحشد في معسكر او حظيرة دجاج. كل فتاة وكل شاب في نظرهم هو "أبكم لا يقدر على شيء وهو كَل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير". ولهذا فعلوا كل شيء سوى تمكين المجتمع واشراكه والاعتماد عليه.
يعرف دارسو علم الاجتماع ان النهوض الاقتصادي يؤدي بالضرورة الى تحولات ثقافية واجتماعية ، وانكسار لمنظومات القيم وما يلحقها من تقاليد واعراف. ويؤثر هذا بعمق على الرؤية السياسية لافراد المجتمع سيما الشباب. ولهذا ميز الباحثون بين تنمية أحادية محورها تحسين حركية الاقتصاد ، وتنمية شاملة مستدامة تهتم ايضا بتمكين المجتمع من المشاركة في ادارة حياته وتقرير مساراتها.
تطمح رؤية المملكة 2030 الى تحديث شامل للاقتصاد الوطني. ونعلم من تجارب بلدان مثل الصين وكوريا وغيرها ، ومن تجربتنا الخاصة ، ان حراكا ضخما كهذا لن يحقق غايته دون مشاركة كاملة من جانب المجتمع. مشاركة المجتمع في القرار وفي التنفيذ هو الذي يجعل "التحول" الاقتصادي عملا يوميا في حياة الناس.
نحتاج اذن الى تطوير الاطارات الضرورية للمشاركة الشعبية. ونحتاج الى تطوير القانون كي يستوعب ويحمي التفكير الجديد والمبادرات الجديدة. يجب ان يشعر الناس جميعا بأن مشاركتهم قيمة ومؤثرة ، كي يعطوا من انفسهم وكي يتحملوا الصعوبات التي لا بد ان تظهر في مسار التحول.
يجب ان نغلق الطريق على فريق المثبطين ، الذين يريدون المجتمع كله متفرجا يصفق لهذا اللاعب او ذاك في مباريات الاقتصاد والسياسة. كي نبني أمة قوية فاعلة ، يجب ان يكون عامة الناس جزء من المباراة ، شركاء في صناعة الحدث ، لا متفرجين على اخباره.
الشرق الاوسط 4 مايو 2016  http://aawsat.com/node/631506

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...