21/11/2018

تدريس العلوم بالعربية.. هل هذا واقعي؟

|| تعزيز العلم في اي بلد ، يتوقف الى حد كبير على كون الثقافة العامة منفتحة على العلم. ونعلم ان هذا مستحيل مالم تكن لغة الثقافة ولغة العلم واحدة ||


أعلم ان الباحثين عن وظائف في هذه الايام ، معظمهم على الاقل ، سيواجهون ابوابا مغلقة ، ان لم يكونوا ممن يجيد اللغة الانكليزية. وأعلم ان الذين يجهلون هذه اللغة ، يعانون عسرا دائما في أسفارهم ، بل وحتى في بعض تعاملاتهم المحلية.
أعلم أيضا اننا نحتاج لمعرفة اللغات الاجنبية ، كي نتعامل مع التقنيات التي تعيد صياغة حياتنا ومعيشتنا ، والا تخلفنا عن قطار العصر.
ابدأ بهذه المقدمة ، كي لا تذهب الظنون ببعض القراء الى الابراج العاجية ، التي يظنون كتابهم منعزلين بين جدرانها.
خلاصة ما تزعمه هذه المقالة ، هو ان البلدان العربية بحاجة لتعليم العلوم باللغة العربية ، كي ترسي الأساس الضروري لما نسميه البيئة المنتجة للعلم. وكنت قد ركزت في الاسابيع الماضية على البيئة المحفزة للابتكار ، والحاجة لتهيئة الظروف المناسبة ، لتمكين الاذكياء والمبدعين من التعبير عن انفسهم وقابلياتهم. أما مقال اليوم فيزعم ان البيئة الاجتماعية المساعدة في انتاج العلم ، هي تلك التي ينتشر فيها العلم بين عامة الناس ولايقتصر على النخبة. اي حين ينسجم العلم مع الثقافة العامة ويتفاعل.

كي لا أسهب في الانشاء ، سوف انقل باختصار تجربتين ، ذكرتا في كتاب "اللغة والتعليم" الذي شارك فيه عدة باحثين ، وحرره د. قاسم شعبان ، وهو عميد سابق ورئيس لقسم اللغة الانكليزية بجامعة بيروت الامريكية.
تدور التجربة الاولى حول سؤال: هل سيكون تحصيل الطلاب اقل مستوى لو تعلموا العلوم بلغتهم؟
في هذه الدراسة قام ثلاثة باحثين ، بمقارنة استيعاب الطلبة لمفاهيم علمية تتعلق بطبيعة المادة. فوجهوا اسئلة متماثلة لمجموعتين كبيرتين من طلبة المدارس الثانوية الاسترااليين والهنود. وطلبوا منهم الاجابة عن الاسئلة ، كلا بلغته الأم. وقد اظهرت نتيجة الاختبار عدم وجود فارق يذكر بين تحصيل المجموعتين ، وهو الامر الذي اعتبره الباحثون الثلاثة دليلا ، على ان اللغة لا علاقة لها باستيعاب المفاهيم العلمية. وقد نشرت نتائج الدراسة في العدد 22 (1985) من مجلة ابحاث تدريس العلوم.
اما التجربة الثانية فكان غرضها هو التحقق من قدرة الطلبة على اكتشاف العلائق التي تربط بين المفاهيم العلمية المستخدمة في المنهج ، والتي تدرس ضمن موضوعات مختلفة.
شارك في التجربة مجموعتان من طلبة المدارس الثانوية ايضا من ماليزيا وسكوتلندا ، الذين يدرسون مناهج متشابهة في المحتوى ، لكن كل فئة تتعلم بلغتها الأم. وقد اظهرت التجربة ان الطلبة الماليزيين استطاعوا اكتشاف عدد أكبر من العلائق الصحيحة. واستنتج الباحثون تبعا لذلك ، ان استخدام اللغة الانكليزية ، التي تعتبر لغة العلم في عالم اليوم ، لم يعط الطلبة الذين يستخدمونها افضلية علمية على غيرهم.
ووفقا لباحث لبناني هو الاستاذ يعقوب نامق ، فان الطالب اللبناني الذي يتقن اللغة الانكليزية ، يحتاج اربعة اضعاف المجهود اللغوي الذي يبذله زميله الامريكي ، كي يستوعب نفس المادة.
أظن هذا كافيا لايضاح فكرة ان تعزيز العلم في اي بلد ، يتوقف الى حد كبير على كون الثقافة العامة منفتحة على العلم. ونعلم ان هذا مستحيل مالم تكن لغة الثقافة ولغة العلم واحدة. نحن هنا لا نتحدث عن حاجات سوق العمل الحالية ، كما في النقاشات السائدة ، بل عن الحاجة الكبرى لصناعة مستقبل البلد. 
ولهذا نقاش آخر ربما نعود اليه في قادم الايام.
الشرق الاوسط الأربعاء - 13 شهر ربيع الأول 1440 هـ - 21 نوفمبر 2018 مـ رقم العدد [14603]

14/11/2018

حول البيئة المحفزة للابتكار





العقول المبدعة تولد في البيئة المحفزة للابداع. كما ان العقول الخاملة هي النتاج المتوقع في البيئات المستكينة او المتشككة في  التغيير.
تحويل البيئة الى محفز للابداع يبدأ في المدرسة. ولا بد من القول ابتداء انه ليس متوقعا ان يتحول جميع الناس ، او جميع الطلبة ، الى مبدعين. ما قصدناه تحديدا هو زيادة نسبة المبدعين الى أقصى حد ممكن ، بالقياس الى المجموع.
يبدأ تحفيز الابداع بالتركيز على الاشياء العادية المحيطة بنا ، وتحويلها من عناصر جامدة او غير ملفتة ، الى موضوعات للبحث والتفكير: اجزاء جسدك ، الناس الذين معك ، التراب الذي تمشي عليه ، الجدار المحيط بالغرفة ، شجر الحديقة ، السيارة التي تركبها ، الثوب الذي ترتديه .. وكل شيء آخر تراه أو تسمع به أو تتعامل معه ، هي موضوعات جدية للتفكير والتساؤل. وسوف تنطق فتجادلك أو تخبرك بأسرارها ، لو وقفت منها موقف المتسائل والمتأمل.
كلنا ، كبارا وصغارا ، نرى هذه الاشياء كما نرى مئات غيرها. لكننا نادرا ما توقفنا وتساءلنا عن حقيقتها ، او عن سر وجودها في هذا المكان دون غيره ، والعلاقة التي تربط بينها وبين بقية الاجزاء والعناصر ، التي تشكل المنظومة الكبرى التي نسميها بالمحيط الحيوي او البيئة الطبيعية.
سيقول بعض القراء – وهم محقون – ان طلابنا يدرسون القواعد العامة ، التي تؤسس لفهم العلاقات الكلية بين تلك العناصر. وفي المراحل المتقدمة ، يدرسون القواعد الاكثر تخصصا وتفصيلا. اي انهم يبدأون بالكلي ، كي يفهموا تاليا الاجزاء والتفاصيل. مثاله البسيط اننا ندرس قواعد اللغة الانكليزية اولا ، وهي ستقودنا ، كما يفترض ، الى اتقان اللغة ذاتها. كما ندرس القواعد العامة في الفيزياء مثلا ، كي توصلنا الى فهم الظواهر الفيزيائية.
هذا واضح تماما ، وهو ما نفعله على الدوام. ونعرف انه لم يكن مجديا تماما. ولهذا ادعو الى اتخاذ الطريق المعاكس ، أي البدء بالعناصر والظواهر. هذه الطريقة تخدم هدفا مختلفا ، هو إثارة اهتمام الطالب بتلك العناصر ، ودفعه للتعامل مع بعضها كموضوع اهتمام شخصي ، كي يكتشف من خلالها الطريق الذي يظنه اقرب الى تحقيق خياراته الحياتية ، اي نوع الاكتشاف الذي سيحقق ذاته وسعادته الخاصة.
الفضول للمعرفة وكشف المجهول ، غريزة طبيعية في كل انسان. وهي في الشباب اقوى من غيرهم. ولولا هذا الفضول لما تعلم الناس اي شيء. دعنا اذن نأخذ هذه الغريزة الى مداها الاقصى ، بتركيزها على عنصر او جانب محدد ، وتشجيع الشاب على اختياره محورا لحياته.
الذين ابدعوا واخترعوا ، هم اولئك الذين استبد بهم الشغف بموضوع محدد ، حتى أمسى شاغلا لحياتهم ، يفكرون فيه طوال اليوم ، وربما يحلمون به. هذا لا يتحقق الا اذا انضمت العاطفة الى العقل ، أي حين يمسي ذلك العنصر او الموضوع هواية وحبا يملك حياة الانسان حتى ينسى ما عداه.
أقول ان هذا ممكن ، اذا تغافلنا قليلا عن الروتين والنظام واختبار نهاية العام ، وغضضنا الطرف عن الدروس التي لا تستهوي الطالب ، اذا ساعدنا الطالب على اختيار ما يهواه ويحبه ، واعتبرنا هذا نجاحا لبرنامجه المدرسي ، حتى لو أهمل كل شيء آخر.
أعلم ان هذا غير طبيعي ، ولذا فهو عسير. لكني اعلم ايضا ان شحن البيئة بمحفزات الابداع ، ليس في حقيقته سوى قلب المعايير المعتادة ، وتغليب المجهول على المعلوم.

الشرق الاوسط الأربعاء - 6 شهر ربيع الأول 1440 هـ - 14 نوفمبر 2018 مـ رقم العدد [14596]

المواطن "الممتاز" والمواطن "العادي"

سألتني السيدة ميره ، وهي مثقفة من دولة الامارات الشقيقة ، عن علاقة المواطنين ببعضهم وعلاقتهم بوطنهم: هل نكتفي بمضمونها القانوني ، ام نحتا...