لا أظننا
سننتهي من الجدل حول موقع المرأة في النظام الاجتماعي ، طالما يواصل فريق من المجتمع إصراره على أنه ليس مجرد شريك في هذا النظام مثل سائر المواطنين ، بل هو صانع السوق
وقسيم الحصص والقيم والأدوار.
لا يختلف هذا الجدل عن
نظائره في البلدان العربية الأخرى ،
فهو ينطوي على أبعاد ثلاثة رئيسة:
البعد الأول: فقهي، يتناول
تكييفات وأحكاما شرعية، نعرف اليوم أنها محل اختلاف بين الفقهاء. إذا أخذنا تولي
النساء المناصب العامة مثالا، فقد اتفق قدامى الفقهاء على تحريمه بالجملة، بينما
نجد كثيرا من فقهاء اليوم يجيزونه بالجملة، أو يجيزون بعض صوره، هذه إذن مسألة
خلافية.
البعد الثاني: يتعلق
بحقوق الإنسان، فالدعم القانوني للحكم بتحريم أو إجازة عمل النساء، يقود بالضرورة
إلى إقرار أو حجب حقوق لنصف المجتمع. البلد - كما نعرف - ملك لجميع أهله، وحجب
حقوق النساء يعني استئثار نصف الشركاء بالحقوق المشتركة بين الجميع.
كثير من النساء حرمن من
حيازة حقوقهن أو من التصرف فيها، نتيجة لعدم حسم المسألة على المستوى القانوني. من
ذلك مثلا التعقيدات الخاصة بالسفر ومراجعة الدوائر الحكومية، والتقاضي، فضلا عن
القيود الاجتماعية. الجدل حول مكانة المرأة ودورها يتناول إذن، وبالضرورة، الإقرار
الواقعي أو الحجب الواقعي لحقوق مقررة ومعترف بها.
البعد الثالث: يتعلق
بتوازنات القوى الاجتماعية، فالنزاع حول عمل النساء والدعوة إليه يدور بين شريحتين
في المجتمع العربي تحملان سمات ثقافية وهموما وانشغالات متناقضة.
كل من هاتين الجبهتين
تدعو لرؤية حول حقوق النساء والتنظيم الاجتماعي، مغايرة تماما للرؤية الثانية،
مثلما تحمل الجبهتان أهدافا وتطلعات ورؤية عامة للحياة، تتعارض مع رؤية الأخرى.
هذا الجدل، يمثل إذن، أحد تمظهرات الصراع حول المساحة الاجتماعية التي يشغلها أو
يؤثر فيها كل من الاتجاهين.
هذه الأبعاد الثلاثة توضح
أن الجدل القائم حول عمل النساء وحقوقهن، لا يتعلق فقط برأي فقهي، بل هو جزء من
جدل أوسع حول الأدوار والمكانة الاجتماعية ونطاقات التأثير، أي النفوذ الاجتماعي
لفريقين يتصارعان: فريق سائد يستمد قوته من تقاليد موروثة وأعراف مستقرة، وفريق
يستمد قوته من متغيرات تعرف عليها المجتمع في سياق حركة التحديث.
إذا نظرت للمسألة من
جانبها الفقهي البحت، فستضطر للتركيز على تفاصيل المسألة. وإذا نظرت إليها من
جانبها السياسي فستحتاج إلى تحديد مكانك في الجدل، في هذه الجبهة أو تلك. وأظن أن
البعد الأخير هو ما يجعل الجدل ساخنا واستثنائيا.
الاقتصادية 12 فبراير 2013
http://www.aleqt.com/2013/02/12/article_731141.html