28-30 ابريل 2012
بعض الناس ، بعض المدن ، تدانيها كي تتعرف اليها ثم تحبها. اناس
اخرون ، مدن اخرى ، تقتحمك دون مقدمات . تفرض عليك محبتها مهما كنت متحفظا . نجران
هي واحدة من هذه المدن.
تجولت على اطراف الصحراء وبين الجبال في وادي نجران ، بين نجران
القديمة ، وسوقها المعروفة بسوق السلاح ، وبين حواريها واحيائها القديمة والجديدة
بحثا عن روح هذه المدينة التي طالما سمعت عن اشياء واشياء تميزها عن غيرها. شعرت
وانا اسير في الوادي السحيق بما تنطوي عليه من روح جامحة وجمال قلق متفرد ، يستحيل
ان تمسكه ويصعب ان تدركه دون ان تراه بعقلك قبل عينيك.
جمال نجران ليس في جبالها وشجرها وافقها المفتوح على الصحراء. بل في
ناسها الذين يتواضعون كما لو كانوا ترابا من هذا التراب ويشمخون كما لو انهم
جزءا حيا من جبالهم. البشر في نجران يشبهون ترابهم وتراب نجران يشبه انسانها.
تمشي في الوديان ، تتسلق الجبل ، او توغل شيئا في اطراف الربع الخالي
الممتدة الى اخر الافق ، تراب وحجر وشجر، شجر وحجر وتراب . لكنك تشعر في اعماقك ان
الذي امامك ليس مجرد امتدادات ارض . تشعر بروح الانسان في كل خطوة ، وتحت كل شجرة
وصخرة. هذه مدينة تضج بالحياة ، ترابها مثل صخورها ، وشجرها مثل بشرها ،
اغنية حية تصعد حينا وتهبط حينا ، فصل يتبع فصلا ، وترنيمة تميز اخرى.
تساءلت وانا اخرج من نفق ضيق وسط الجبل: هل يحتمل ان تكون الاشباح
الاسطورية حقيقة ، هل يمكن ان تكون هي التي تشعرني بالحياة في الصخور؟
لا اؤمن بالاشباح ولا بالعوالم المتداخلة . لكني شعرت اكثر من مرة
بان اكوام الصخر والتراب تلك ، وان الاشجار الحية واليابسة هناك ، لم تكن مجرد
اشياء غادرتها الروح. مثل هذا الجمال لا يمكن ان يكون بلا روح . نجران ليست مجرد
مدينة . انها للحق اسطورة تجلت على شكل مدينة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق