القرار العفوي الذي توافق عليه الشارع المسلم بمقاطعة
المنتجات الدانمركية هو موقف سياسي حضاري يؤكد مرة اخرى على ان الراي العام يمكن
ان يغير المعادلات . والمؤكد ان كثيرا من الناس قد اكتشف اليوم ان التوقف عن
استهلاك منتجات تلك البلاد لن يوقعنا في مجاعة ولن يعطل حياتنا ، فثمة على الدوام
بدائل ، كما ان اقوى سلاح بيد الانسان هو قدرته على الاستغناء عما يشتهي .
بعد
ايام او اسابيع سوف تنحدر موجة الغضب ويعود الناس الى حياتهم المعتادة ، وتلك
طبيعة الحياة . ولهذا فقد يكون من المهم التامل في العبر التي يمكن استفادتها من
تلك الحادثة ، ولا سيما ذلك النوع من الدروس التي لها اثر دائم وكبير في حياة
الناس . واريد التذكير هنا بما جرى في مطلع هذا العقد حين قرر كثير من المسلمين
مقاطعة المنتجات الامريكية ردا على انحيازها الاعمى للعدوان الاسرائيلي . المهم في
تلك التجربة ان معظمنا قد اكتشف وجود بدائل عن تلك المنتجات في العالم الاسلامي .
فيما يخص دول الخليج مثلا فقد ادت تلك المناسبة الى تبدل وجهات السياحة من
الولايات المتحدة واوربا الى ماليزيا واقطار الشرق الاسيوي اضافة الى الدول
العربية ، كما ادت بطبيعة الحال الى مضاعفة الاقبال على منتجات هذه الدول كبدائل
عن المنتجات الامريكية والاوربية .
بغض
النظر عن المجادلات الفنية والسياسية والثقافية حول قدرتنا على الاستغناء الكامل
عن منتجات الدول الغربية ، وحول فائدة موقف مثل هذا. اقول بغض النظر عن هذا ، فان
الامر الذي يستحق الاهتمام هنا هو استثمار هذه المناسبة لتشكيل موقف شعبي داعم
للاهداف المباشرة والفورية للمجتمعات المسلمة نفسها واشير خصوصا الى هدف النمو
الاقتصادي ورفع مستوى المعيشة .
لا يزال من المبكر تقديم ارقام دقيقة عن الخسائر
التي سوف تتحملها الشركات الدانمركية بسبب المقاطعة ، فثمة تقديرات توصل الرقم الى
مئة مليون دولار خلال هذا العام ، بينما تضعها تقديرات اخرى في حدود الاربعين
مليونا ، وكلا التقديرين لا يمكن الاعتماد عليه ، لاننا لا نعرف على وجه الدقة المدى الزمني الذي سوف
تستغرقه المقاطعة ونوعية المنتجات التي ستكون هدفا لها . لكن اذا اردنا ان تكون
هذه عملية كاملة ومفيدة ، فان علينا استثمار الفرصة التي اتاحتها هذه النهضة
الشعبية بالدعوة الى استبدال المنتجات الغربية بمنتجات الدول النامية والدول
الاسلامية حيثما كان ذلك ممكنا .
بالنسبة
للدانمرك مثلا فان الاغذية تمثل الجزء الاكثر ظهورا من صادراتها الى الاسواق
العربية ، ولا شك ان في الامكان استبدالها بالاغذية التي تنتجها المجتمعات المسلمة
نفسها . بكلمة اخرى : فبدلا من شراء الحليب الدانمركي او الجبنة الدانمركية ،
دعونا نجرب الحليب السعودي او الجبنة السورية .
تمثل
المواد الغذائية والاثاث والاجهزة غير المعمرة الجزء الاكبر من استهلاكنا الاعتيادي
، ومعظم هذه المواد تنتج محليا او في دول اسلامية او دول صديقة ، وما نحتاجه فقط
هو التفاتة الى مصدر تلك المواد قبل شرائها . ان مبادرات بسيطة مثل هذه يمكن ان
تحدث تغييرا كبيرا . وكمثل على ذلك فلو ان الاربعين مليون دولار التي ننفقها على
المنتجات الدانمركية تحولت الى شراء المنتجات السورية ، فانها ستوفر اربعة الاف
فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة في الريف السوري ، ونعلم ان كل فرصة عمل جديدة تنقذ
عائلة كاملة من الفقر .
يمكن
للناس العاديين ان يساعدوا بعضهم ، ويمكن لهم ان يوجدوا تغييرا جديا ، ولا شك ان
مبادرات من هذا النوع يمكن ان تكون مؤثرة وفعالة . وقد جربناها في اوائل هذا العقد
واثمرت عن نمو كبير للصناعات المحلية من جهة وللعلاقات الاقتصادية بين الدول
الاسلامية من جهة اخرى ، كما جربها الامريكيون في اوائل الثمانينات حين اوشكت
صناعة السيارات الامريكية ان تنهار تحت ضغط الواردات اليابانية . وجربها
الايرانيون في مواجهة الحصار الاقتصادي في الثمانينات واثمرت عن تطور هائل في
صناعاتهم ، بما فيها الصناعات الثقيلة .
لنقل
ان كل دولار ننفقه يمكن ان يوفر حياة افضل لمسلم واحد على الاقل في دولة اسلامية
ما ، فلنجعل من حياتنا العادية وسيلة للاحسان والتكافل ، وعندئذ فسوف نكون اوفياء
لاهدافنا وعرضة لعون الله ولطفه ، وكما ورد في الاثر فان الله في عون العبد
مادام العبد في عون اخيه .
الايام
– الاسبوع الاول من فبراير 2006
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق