22/12/2008

تعزيز التسامح من خلال التربية المدرسية



نحن بحاجة الى تعميم قيمة التسامح وتنسيجها في ثقافتنا العامة حتى تتحول الى معيار للسلوك اليومي العفوي ، للطفل الصغير والشيخ الكبير ، فضلا عن المثقف والسياسي ورجل الدين . التسامح لا يعني القبول بعقائد الاخرين وافكارهم ، بل احترام قناعاتهم وحقهم في اختيار طريقة حياتهم.
تتصل قيمة التسامح بجذر عميق في فلسفة الحياة ، هو الاقرار بان جميع الناس احرار متكافئون.  ويميل الانسان فطريا الى التسامح واحترام الغير ، بل والتعاطف معه. لكن ظرفا خاصا قد يضعف هذا الميل الفطري. وهذا ما جرى لمجتمعات الخليج بل والمجتمع العربي بشكل عام ولا سيما في العقدين الاخيرين ، فاصبحنا نميل الى التشدد في افكارنا والتعصب لارائنا ، والانكار على كل احد يخالفنا ، فكاننا نريد جبر العالم كله على ان يكون نسخة عنا ، تابعا لنا ، او متمثلا بنا او صدى لصوتنا . وكاننا نسينا ان التنوع والتعدد والاختلاف سنة من سنن الله في خلقه ، وهي سر التطور والتكامل. التسامح هو القيمة المقابلة للتشدد والتطرف والغلو . وخلاصنا من تلك المفاهيم والحالات يتوقف على انتشار قيمة التسامح ورسوخها في نسيج الثقافة العامة.

الخطوة الاولى لاستعادة قيمة التسامح هي التعرف على العالم الانساني المحيط بنا ، الذي يشبهنا قليلا او كثيرا او يختلف عنا قليلا او كثيرا. وقد سبق ان اقترحت على وزارة التربية ادراج هذه المسألة في مناهج التعليم في جميع المراحل المدرسية. نحن على سبيل المثال ندرس ابناءنا الجغرافيا فنركز على الارض والجبال والصحارى ، لكننا لا نذكر شيئا عن البشر الذين يعيشون في هذه الجغرافيا : ثقافتهم وعاداتهم وملابسهم وطرق عيشهم ومذاهبهم وهمومهم وتنظيمهم الاجتماعي .
بعبارة اخرى فاننا لا نعرف حقيقة التنوع الثقافي والاجتماعي الذي يتمتع به كل بلد من بلداننا. نحن نظنها – بسبب الجهل بتنوعها وغناها – كتلة واحدة ذات لون واحد ونهايات متشابهة لا يميز بين اجزائها سوى الفواصل الجغرافية . بل ان بعضنا لم يكن يعرف ان كثيرا من المهاجرين للعمل في بلادنا يدينون باديان اخرى غير ديننا ، وانهم مثلنا يتجهون الى ربهم ويعبدونه ، لكن على طريقة غير طريقتنا . ولهذا اصيب بعضنا بالدهشة حين اكتشف ان في بلانا مذاهب عديدة وثقافات متنوعة واشكالا من الفولكلور والاعراف يشير كل منها الى تاريخ اجتماعي مختلف

دراسة جغرافيا الارض مفيدة للتلميذ . لكن دراسة جغرافيا البشر والنظم الاجتماعية القائمة على تلك الارض ضرورية لترسيخ فهمه لفكرة الوطن وعلاقته بمواطنيه الاخرين ، وهذا هو الاساس في تشكيل الهوية الوطنية الجامعة ، اي الهوية التي تستوعب الهويات القبلية والطائفية والمناطقية والاثنية ، فتجمعها وتشدها وتشكل منها خريطة جميلة غنية الالوان. استيعاب الطالب لما ينطوي عليه وطنه من تنوع سوف يجعله اقدر على احترام مكونات هذا الوطن واقدرعلى استيعاب فكرة الشراكة الوطنية والمصير الواحد والمستقبل الواحد .

والامر نفسه يقال عن دراسة التاريخ . فنحن ندرس تاريخ العصور الاسلامية القديمة وقد نعرج على تاريخ العالم ، ونركز في كل الاحوال على التحولات السياسية . لكننا لا نذكر شيئا عن البشر والمجتمعات التي تعرضت لتلك التحولات ، فكانهم جميعا وفي كل ازمانهم شريحة واحدة لا يتغير فيها شيء سوى عنوانها . نركز على اسماء الحاكمين وحروبهم وانجازاتهم ، لكننا نهمل تماما المجتمعات التي حكموها ، احوالها وانجازاتها وما كان فيها من رموز واعلام وطرق حياة وتطورات وثقافة. ولهذا السبب فاننا لا نستفيد من منهج التاريخ في دراسة شعوب الارض او تاريخ المعرفة والعلوم او في البحث عن تطور التنظيم الاجتماعي والقانون.

تشكل قيمة التسامح اساسا للعديد من مفاهيم حقوق الانسان ، كما تشكل اساسا متينا لهوية وطنية صلبة . نشر هذه القيمة وتعميمها يحتاج الى عمل كثير ، واظن ان التعليم العام يمثل مدخلا فعالا وضروريا لتحويل تلك القيمة السامية من كلام يقال على سبيل التفاخر الى معيار للسلوك اليومي لكل مواطن.
عكاظ 22 ديسمبر 2008

17/12/2008

سجناء التاريخ

 بعض الناس مسكون بتاريخه الماضي الى حد العجز عن رؤية اي شيء في حاضره الا اذا كان مشابها – ولو في المظهر – للماضي او محاكيا له . وبعض الناس مسكون بتاريخ غيره ، ولا سيما اولئك الذين صنفهم كاعداء ، حتى ليتخيل ايديهم وراء كل حادث او مبادرة او فعل . التاريخ بالنسبة لهؤلاء واولئك ليس حلقة في حركة الحياة او وعاء لتجربة البشر ، بل هو مرجع نهائي او ربما وحيد للتفكير والتحليل والمقارنة ، انه – بكلمة اخرى – وعاء القيم والمعايير ، ومقياس الحق والباطل والصلاح والفساد .
صورة ذات صلة
اذا تحدثت مع واحد من هؤلاء الناس عن الصراع العربي الاسرائيلي فسيقصفك بالعشرات من الحوادث التاريخية التي يعتبرها مماثلة او مؤشرا على خط ما في ذلك الصراع . واذا تحدثت معه عن سوق الاسهم فلن يعدم قصة من هنا او هناك للتدليل على خطة ما تحاك من وراء الستار . واذا ذكرت الصحافة فلديه من اقوال رجالات الغرب والشرق ما يملأ ساعات من الحوار . بعبارة اخرى فالمسكون بالتاريخ لا يرى في الحاضر غير تكرار لما حدث في الماضي . فكل شيء عنده معروف في بواعثه ومساراته ونتائجه . اما تغير الرجال والزمان والمكان والاسباب المباشرة فكلها تفاصيل لا تغير من حقيقة الامر شيئا . التاريخ كما يقول هؤلاء يعيد نفسه.
لا يمكن لانسان ان ينقلع كليا ونهائيا من تاثير تجربته التاريخية ، تجربته كفرد او كعضو في تكوين اجتماعي . تجربة الانسان التاريخية ، ولا سيما الجمعية منها تسهم بالحصة الاكبر في تشكيل هويته التي يتمايز بها عن غيره . لكن شتان بين الانتماء الى التجربة او التاثر بها  وبين الدخول الاختياري في سجن التاريخ . التاريخ لا يعيد نفسه ، وحوادث التاريخ لا تتكرر ، انها ليست دائرة مغلقة كما  تصور ابن خلدون ، بل هي مسار تصاعدي قد يتباطأ احيانا وقد يتوقف احيانا اخرى وقد ينتكس ثالثة ، لكنه في المحصلة العامة يواصل الارتقاء يوما بعد يوم . هذه ليست نظرية تحتاج الى ادلة ، بل هي من الحقائق البديهية التي يستطيع الطفل ادراكها وكشف امثلتها وتطبيقاتها فضلا عن العارف والمثقف .
المسكونون بالتاريخ منقطعون بالضرورة عن حاضرهم .  جماليات العالم الراهن التي تتجسد في البشر والاشياء والتكنولوجيا والثقافة .. الخ هي مجرد اوهام او صور مصطنعة . الجمال الحقيقي وصل الى غايته في حقبة ما من حقب التاريخ ، ولم يات الزمان بعدها بجديد يثير الاهتمام . البشر الطيبون وجدوا في حقبة ثم ماتوا ولم يات من بعدهم سوى غثاء السيل ، والتكنولوجيا التي يفخر بها انسان اليوم ليست اكثر من لعبة في يد طفل يظن نفسه انسانا كاملا.
المجتمعات الناهضة مثل نظيرتها المتخلفة تتاثر بتاريخها وهي ترجع اليه وتنظر فيه بل وتعجب به. انما تختلف هذه عن تلك في وعيها بمعنى الحقيقة التاريخية ومدى تاثير التجربة التاريخية على تفكيرها في اسئلة اليوم وقضاياه. من يعي تاثير التاريخ على ثقافته وتفكيره ، يستطيع التخلص من قيوده او الموازنة  بين ضرورات الثقافة وضرورات العصر. ومن يجهل ذلك يعيش بجسده في الحاضر وعقله سجين في تاريخ مضى ومات اهله.

المجتمعات الناهضة قليلة الاهتمام بالماضي واحداثه ، لانها منشغلة باستثمار الحاضر وامكاناته ، وهي اكثر واقعية واعتدالا في التعامل مع الغير ، لان محورية الحاضر تكرس قيمة العناصر التي يشملها ، بما فيها الشراكة مع الاخرين .فهي اذن تقدر ذاتها كما تقدر الاخرين ، لانها تقدر قيمة انجازات الانسان كما تقدر قيمة الزمن . اول النهضة تقدير قيمة الحاضر والنظر الى العالم وما فيه من بشر واشياء من خلال واقعهم القائم لا باعتبارهم كائنات تاريخية او امتدادا قسريا لما جرى في غابر الزمان.

عكاظ 17 نوفمبر 2008

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...