23/04/2008

عن الدين والخرافة والخوف من مجادلة المسلمات



يقول الاستاذ جمال سلطان إنه ضرب كفا بكف بعدما وجدنا نستعيد جدلا حول العلاقة بين الدين والعلم، انتهى منذ نصف قرن أو أكثر. ولا ينسى الإشارة إلى أن هذه الاستعادة هي ثمرة انبهار بالتطور التقني في الغرب، وانها قد تعمق العجز عن النهضة. وهو لا يرى في هذه النقاشات جدوى، لأنها تماثل الإسلام الذي يعلي شأن العلم مع الديانات التي لا تقيم له وزنا (عكاظ 17 ابريل 2008).
عبد العزيز قاسم
يرى الأستاذ سلطان اذن ان المشاركين في هذا الجدل لا يعرفون عما يتحدثون؛ فهم يخلطون بين الموضوعات والإشكاليات. وبحسب روايته في مقالة أخرى فقد رأى قبل عشر سنوات شبابا سعوديين يغلب عليهم ما وصفه بـ(المراهقة الثقافية) في نقاشاتهم حول الدين ودوره (المصريون 1 ابريل 2008). ولعله وجد الجدل الحاضر دليلا على استمرار تلك المراهقة بين المثقفين السعوديين، لا سيما كاتب هذه السطور وزميله في النقاش. واني لأعجب لمثقف يكتب مثل هذا الكلام.

الاستاذ سلطان يكرر كلام الزميل د. قاسم حول إعلاء الإسلام لشأن العلم. وهذا ليس موضوعا لنقاشنا ولم أتطرق إليه البتة. واستغرب قوله بأن المتحاورين يخلطون بين الإسلام وغيره في موقفهم من العلم. على العكس من ذلك فقد أكدنا على أن الروح العلمية في الإسلام تقتضي بالضرورة تحديد نطاقات مختلفة لكل من الدين والعلم. وقد شرحت هذا المعنى في أكثر من مقال. وأكدت تكرارا أن الدين مصدر للقيم والأحكام، أما العلم فغرضه كشف الواقع وتفسير حركة الاشياء التي هي أجزاء لهذا الواقع وكيفية تطورها والعلاقة بينها وسبل التحكم فيها وتسخيرها.

هذه النقطة بالذات كانت موضوعا لمقالتين كتبهما د. خالد الدخيل (الاتحاد الاماراتية 2، 16 ابريل)، وهو يضيف الى النقاش بعدا جديدا. اضافة الى هذه، عرض الدخيل نقطة جديرة بالاهتمام في النقاش حول الدين ودوره، ألا وهي القلق الايديولوجي الذي يسكن كثيرا منا، القلق من أن الجدل حول الدين ربما يستبطن (نية) للتهوين من شأن الدين أو قيمته الدنيوية أو لاقصائه عن الحياة اليومية. ونجد تمثيلات لذلك القلق في صورة اتهام صريح أو مبطن بأن المشاركين في الجدل منبهرون بالغرب أو ثقافته أو قوته، كما نجده في صورة اتهام بأن من يجادل لا يعرف الإسلام، أو على شكل تحدٍ انفعالي.

هذه الظنون والأحكام اراء محترمة لأصحابها، وهم لا يحتاجون الى التخفيف منها او تليين الكلام حولها. إني لا أشك ابدا أن المحرك الرئيس للنقاش حول الدين ودوره هو شعور بعض المسلمين بالأسى لما آلت إليه الأمور. تولد هذا الشعور في رحم المقارنة بين حالنا وحال العالم. قد تسمي هذا انبهارا وقد تسميه انفتاحا وقد تسميه تأملا في الذات. سمّه ما شئت، لكن جميع العقلاء يعرفون ان التفكير لا يبدأ الا اذا حركه دافع خارجي. وأبرز الدوافع هو اكتشاف الفارق بين الواقع والمثال، أو بين مستوى من مستويات الواقع والمستوى الاعلى منه.

الإسلام ليس في قفص الاتهام، ولن يزيده أو ينقصه قلمي أو قلم غيري. نحن، أهل الاسلام، في قفص الاتهام، ثقافتنا وافهامنا وتطبيقاتنا، وعلاقتنا بالدين والدنيا، كلها موضوعات للنقاش. ما يعمق الاحباط والعجز ليس النقاش في الدين كما اشار الاستاذ سلطان، بل الخوف من مجادلة المسلمات التي اصطنعها البشر من مسلمين وغير مسلمين، من حملة العلم الديني وغيره، فضلا عن عامة الناس. بعض هذه المسلمات هي أغلال على عقولنا وأغلال على حياتنا.

 وهي بين العلل الأولى لتخلفنا عن مسيرة المدنية في عالم اليوم. نحن لا نفهم العلم والتقنية كنشاط خرافي، كما رأى سلطان، بل نعرفه كمنتج إنساني لصيق بتاريخه وبيئته. ونعرف أيضا أن الخلط بين الدين والخرافة ورفع الخرافات إلى مقام القيم الدينية هو واحد من أسباب التخلف والعجز. نحن ندعو الى إعلاء مقام العقل وتحرير البحث العلمي من قيود القيم والتصورات، وهدفنا هو كشف الخط الفاصل بين القيمة الدينية والخرافة، بين ما هو موضوع للوحي وما هو موضوع للعقل، بين ما يتجه إلى الأشياء وما يتجه إلى الإنسان.
عكاظ 23 ابريل 2008
https://www.okaz.com.sa/article/179735

مقالات ذات علاقة


16/04/2008

إذا كنت ممن يقف في الطوابير



زميلنا الاستاذ عيسى الحليان كتب ناقدا الانتهاك الدائم لحقوق المستهلكين من جانب مقدمي الخدمات العامة. وضرب مثالا بما تفعله شركات الطيران التي تعطي لنفسها حق الغاء رحلات الركاب او تأخيرها دون ان تقدم اي تعويض للراكب، بينما تفرض عليه غرامات قد تصل الى قيمة التذكرة الكاملة لو تأخر عن رحلته.

 طبعا لا نتوقع ان تعتذر هذه الشركات عن التأخر او الالغاء لان كلمة “آسف” ليست ضمن قاموسنا اليومي. اختلال العلاقة هذا مشاهد ايضا في الكثير من القطاعات، من البنوك الى شركات الهاتف والتأمين، مرورا بالدوائر الرسمية التي تتعامل مع المواطنين كالبلديات والمستشفيات والتعليم. بل اني وجدت هذا السلوك قد سرى ايضا الى المعاملات والعقود التجارية الصغيرة.
فكل شركة – حتى الصغيرة منها – تضع ما شاءت من الشروط والمواصفات وتطلب من الزبون ان يوقع عليها كاملة مقابل خدماتها.

في قطاع الخدمات الصغيرة يتوفر للمستهلكين خيارات متعددة، فاذا لم يعجبهم هذا المقاول او ذلك التاجر، فثمة عشرات غيره.  لكن ماذا سيفعلون في القطاعات التي تملك امتيازات احتكارية مثل الكهرباء والهاتف والماء والبلدية، او تلك المحدودة العدد مثل البنوك والمستشفيات الخاصة، التي تفرض شروطا متشابهة لصون مصالحها كاملة وترك العميل يلهث وراءها راضيا او مرغما.

وقد اعتاد الناس في بلادنا على هذه التعاملات، بل اعتادوا الاستسلام لها. فترى عملاء البنوك يتراكمون على ابوابها او يتوسلون هذا الموظف او ذاك كي يتكرم عليهم بدقائق من وقته، بينما يدخل مديرهم من الباب الجانبي دون ان يكلف نفسه تأنيب موظفيه على فتورهم او المطالبة بزيادة الموظفين الذين يقدمون الخدمة، او ابتكار وسائل اخرى لا تضطر الناس الى الانتظار او التوسل المهين. واذا احتجت الى مكاتب العمل فسوف تجد الامر فوق ما يمكن وصفه فالناس هناك يبدأون في التجمهر منذ الفجر او ربما قبله طمعا في اصطياد رقم معاملة قبل اغلاق الابواب.

لو رفض هذه التصرفات بعض الناس على هذا التعامل، فلربما حدث فرق، صغير او كبير.
بعض الناس لا يعتبر التعامل بين الموظف والمواطن موضوعا للقانون، بل مسألة شخصية تتعلق بأخلاقيات الطرفين.. ولهذا فهي لا تقارن بعقود الاذعان التي تفرضها الشركات على المواطنين مما اشرنا اليه في اول المقال.
حقيقة الامر ان كلا النوعين يرجع الى نفس المصدر، اي انعدام القوانين التي تنظم العلاقة بين المنتجين والمستهلكين وانعدام مؤسسات الرقابة التي تحمي حقوق المواطن. لو كان لدينا مثل هذه القوانين لمنعت الشركات من فرض شروط غير متوازنة او غير منصفة.

نحن بحاجة الى ما يمكن وصفه بحركة حقوق مدنية، غرضها المحوري هو معالجة القوانين والمؤسسات والتقاليد والاعراف والتعاملات التي تنطوي على تقييد غير مبرر لحريات المواطنين او انتقاص من حقوقهم، او غض من شأنهم، او امتهان لكرامتهم. سيكون مجتمعنا في وضع افضل اذا شعر المواطنون والوافدون على السواء بأن حق كل منهم مصان بالقانون ومحروس بمؤسسات رقابة فعالة.

 ان كثيرا من السلوكيات غير السوية، ولاسيما تلك التي تنطوي على تجاوز للقانون او العرف العام، مثل استعمال العنف او الرشوة او الخداع او التملق، هي نتاج للشعور بقلة الفرص المتاحة لإنجاز الحاجات بالطرق الاعتيادية وفي اطار القانون. وجود القانون قد يفرض قيودا على صاحب المنصب، لكنه في الوقت نفسه يوفر عليه الكثير من التجاوزات غير المنظورة التي يقوم بها الناس بدافع الحاجة والاضطرار. حين يكون القانون واسعا فسوف يستوعب معظم الحاجات وسوف لن يحتاج الناس للعبور من الممرات الضيقة او الالتفافية.

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...