التحولات الجارية في الشرق الاوسط ، سيما تعثر مسيرة الربيع
العربي وتفاقم العنف ، اعادت احياء نقاشات قديمة حول ما نسميه احيانا خطوط
الانكسارfaultlines .
يشير هذا المفهوم الى اي عامل أو ظرف يسهم في تقليص رضا الناس عن النظام الاجتماعي ، أو تدهور الثقة في الدولة ، أو تراجع هيبة القانون ، أو شيوع العنف وتجاوز القانون ، أو تراجع الأمل في المستقبل. وهذه تترتب عادة على انهيار الامن او تدهور مستوى المعيشة او شيوع الفساد واستغلال السلطة او التمييز بين المواطنين. اي - بعبارة موجزة - فشل الدولة في القيام بواجباتها ، وعدم توفر بدائل تملأ الفراغ.
ظروف الثورات والحرب الاهلية ، تعتبر حالات نموذجية لظهور خطوط
الانكسار في النظام الاجتماعي. اما في حالات السلم ، فان ابرز العلامات التي تشير
الى ذلك الظرف هي انتشار الفساد بين موظفي الدولة. وهي ظاهرة تتوازى غالبا مع بروز مراكز قوى او
جهات نافذة ، تعالج المشكلات بالرشوة ، وتتاجر بالرشوة. تعتبر هذه الظاهرة في
بداياتها مخرجا مناسبا من العسر. لكنها تصل في وقت متأخر الى ما يسمى في الاقتصاد
بحالة الاشباع الحدي ، أي تفاقم الظاهرة وتصاعد الكلفة المالية للحلول ، على نحو
لا تعود معه متيسرة الا للاثرياء ، فتتساوى عندئذ قيمة الغرض المطلوب وكلفة الرشوة
، فتتسع نتيجة لذلك شريحة المحرومين والمستبعدين وتتقلص الشريحة المحظوظة.
طبقا لاستنتاج صمويل هنتينجتون
في كتابه الشهير "النظام
السياسي لمجتمعات متغيرة" فانه اذا تحول الفساد الاداري الى ظاهرة عامة ،
فان معالجته باصدار المزيد من القوانين قد يأتي بنتيجة معاكسة ، اي مضاعفة فرص
الفساد بدل تقليصها. بل ان هنتينجتون كان يعتقد ان السماح بالرشوة قد يكون افضل –
في المدى القصير – من اصدار المزيد من القوانين التي تزيد الامور تعقيدا. زبدة
القول ان الرشوة بذاتها ليست بالأمر الخطير ، لكن تفاقمها وتحولها الى ظاهرة عامة
يكشف عن وجود ظرف خطير قد لا يكون مرئيا بوضوح.
يضرب المثل عادة بالهند ، وهو مثال يساعد في فهم العوامل
المختلفة التي تتدخل في تحديد مستوى خطورة خطوط الانكسار. تشتهر الهند بانتشار
الرشوة واستغلال الوظيفة للاثراء. لكن هذا لا يعتبر دافعا محتملا للثورة ، ولا
دليلا قويا على قيام ظرف ثوري. ذلك ان الهند تتمتع بنظام مؤسسي يوفر فرصا واسعة
للمشاركة الشعبية في العمل السياسي والتعبير عن الرأي ، في جميع المستويات. لا يتم
التستر على الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية التي تفتح الباب امام الفساد ، فالحكومة
صريحة مع الناس ، كما ان الاحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني الكثيرة
والصحافة الحرة تتولى فضح اي تستر. يمكن للجمهور ان يغيروا الحكومات المحلية
والحكومة القومية كل أربع سنوات اذا غضبوا على أي منهما. هذا التنظيم المؤسسي
الراسخ يشكل خط تفريغ للأزمات والاحتقانات ، ويجري باستمرار التأكيد على قيمة هذه
البدائل من جانب النخبة الحاكمة.
ان فشل النظام الاداري للدولة او عسر القانون وكذلك الصعوبات
الاقتصادية والسياسية ، قد تسهم في تشكيل خطوط انكسار للنظام الاجتماعي ، لكن توفر
عوامل تبريد وامتصاص للتازمات ، كما ذكرنا في مثال الهند ، يمكن ان يشكل صمام أمان
، اي أداة تحييد للتوترات، تسهم بفاعلية
في تبديد الزخم الثوري والحيلولة دون تراكم الانكسارات.
مقالات ذات صلة
ارامكو واخواتها : الشفافية الضرورية في قطاع
الاعمال
تحسين الخدمات العامة
في المكاتب المهلهلة
حتى لا تكون الادارة الحكومية عش دبابير
الخطوة الأولى لمكافحة الفساد.. تيسير القانون وتحكيمه
عسر القانون كمدخل للفساد الإداري
عيوب المركزية
الادارية كما تظهر في الطرق
قليل من صور الفساد
فاتورة الوزير
اللامركزية الادارية
اليوم وليس غدا
ميكنة الإدارة شيء.. وجودة الخدمة العامة شيء
آخر