‏إظهار الرسائل ذات التسميات مالك بن نبي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مالك بن نبي. إظهار كافة الرسائل

19/06/2019

دعوة التجديد بغيضة.... ولكن



اعلم – مثل كثير من القراء – ان الدعوة المعاصرة للتجديد الفكري والفقهي ، لا تلقى ترحيبا في الوسط الديني. بل لا أبالغ لو قلت انها تواجه بنوع من الارتياب والتشكك ، في مبرراتها وتوقيتها والجهات التي تتبناها ، والقضايا التي تطرحها كامثلة عن الحاجة الى التجديد.
"تجديد الدين" مصطلح مألوف في أدبيات المدرسة الفقهية التقليدية. لكنه مختلف عن المفهوم الذي يثير النقاش في عالم اليوم. الاسئلة التي يطرحها المفهوم الجديد ، والشواغل التي تشغل المهتمين به ، لاتماثل تلك التي تشغل رجال المدرسة  التقليدية. دعاة التجديد في الفكر الديني اليوم ، لا ينتمي غالبيتهم الى طبقة رجال الدين ، بل الى نخبة ثقافية تشكلت قناعاتها أو تطورت في إطارات العلم الحديث. ومن هنا فان مجالات اهتمامها تشكلت في سياق انتقال المجتمع او الاقتصاد الى الحداثة. هذا يعني – ضرورة - أن هذه  النخبة تنتمي ، من حيث التصنيف الاجتماعي ، الى دوائر
مصالح حديثة نوعا ما ، متعارضة مع تلك التي تنتمي اليها المنظومة التقليدية.  
تباين النسق الاجتماعي/المعرفي ، واختلاف دوائر المصالح ، أضاف نقاش التجديد الى مسار الصراع الذي لا يخلو منه مجتمع في طور النمو ، بين دعاة الحداثة وحماة التقاليد. وبالنظر لهذا السياق ، فليس متوقعا ان ينحصر الجدل حول تجديد الدين في المستوى النظري ، او صراع الافكار ، بحسب تعبير المرحوم مالك بن نبي.

التقليديون يصفون دعاة التجديد بالعلمانية والتميع. كما ان دعاة التجديد يتهمون التقليديين بالفشل في استيعاب جوهر التحدي الذي يواجه الاسلام المعاصر.
 
اني اتفهم الاسباب التي تدعو المؤسسة الدينية التقليدية الى الارتياب في دعاة التجديد ،  افكارهم واغراضهم وطرقهم. اعلم ان هذا يحصل دائما ، لان نجاح الدعوة الجديدة ، يقود عادة الى تغيير التوازنات الاجتماعية ، ومعها منظومات عريقة من مصادر القوة والنفوذ والقيم. اذا اردت التحقق من صحة هذا الاستنتاج ، فابحث عن الاشخاص الذين كانوا اغنياء او وجهاء قبل اندماج مجتمعاتنا في الاقتصاد الحديث ، وقارنهم بنظرائهم الجدد: اين أولئك وأين هؤلاء؟.  
 
غرضي في هذه السطور هو دعوة التيار الديني مجملا الى تقبل فكرة التجديد ، باعتبارها حراكا متواصلا لا يتوقف في زمن ، ولا يرتبط بشخص بعينه او قضية بعينها. التجدد والتحول سمة للحياة الطبيعية ، بل هو ضرورة لها. إذا اردنا للدين الحنيف ان يبقى فاعلا في حياة اتباعه ، متفاعلا مع حياة العالم ككل ، فهو بحاجة الى مواكبة التحولات التي تجري في هذا العالم ، ولو اقتضى ذلك التضحية بالكثير مما ألفته النفوس ، واعتادت عليه أو استراحت اليه. اريد توجيه هذه الدعوة بالخصوص الى عامة المؤمنين ، الذين يهمهم إبراء ذمتهم من اي خلاف لأمر الله ، كما يهمهم – في الوقت نفسه – ان لا يتخلفوا عن مسيرة المدنية  المعاصرة ، ومن هنا فهم أصحاب مصلحة في التجديد ، بل هم في حاجة ماسة اليه.
أعلم انه ليس سهلا على المؤسسة الدينية الرسمية في أي بلد ، والقوى الاجتماعية التي تؤازر رجال الدين عموما ، ليس سهلا عليها التنازل عن افكار ألفتها وارتاحت اليها ، وتشكلت في أفقها وعلى أرضها علاقات ومصالح ومسلمات. بل ليس سهلا عليها ان تذهب الى هامش المجتمع ، بعدما سكنت قلبه سنوات طويلة.
هذا ليس بالامر السهل. لكني لا أظن ان أحدا يملك الخيار. يمكن تأخير التجديد سنة او سنوات. اما ايقافه فهو رابع المستحيلات كما يقال.

الشرق الاوسط الأربعاء - 15 شوال 1440 هـ - 19 يونيو 2019 مـ رقم العدد [14813]


مقالات ذات علاقة

نقد التجربة الدينية

24/10/2018

كيف نتقدم.. سؤال المليون

من اسرار التخلف ، قطيعتنا الذهنية مع الطبيعة ، غفلتنا عن استثمار الموارد العظيمة التي تزخر بها ارضنا وسماؤنا وبحرنا وانفسنا. وبالمثل فإن أحد أسرار التقدم ، هو العودة لفهمها والتفاعل معها على نحو بناء.

ظهرت الطبعة الاولى من كتاب الامير شكيب ارسلان "لماذا تاخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم" في 1940. ورأيت له طبعة جديدة صدرت في 2008. بين هذين العامين ، طبع ما لا يقل عن عشرين مرة ، الامر الذي يجعله واحدا من اكثر الكتب العربية شهرة. وهو لايزال موضع اهتمام بين الباحثين وعامة القراء على السواء. 
(1869-1946)  شكيب ارسلان
 لم يقدم ارسلان تحليلا عميقا عن أسباب تخلف المسلمين. كما لم يفسر لقرائه اسرار تقدم الغربيين. أن إجاباته لا تختلف في الحقيقة عن التصورات الانطباعية التي يتداولها عامة الدعاة والمتعلمين ، والتي تنسب التخلف في الغالب إلى قصور أخلاقي ، تعاضد مع شيوع اللاعقلانية ، في المجتمع المسلم. وهي بالتأكيد عوامل صحيحة ، لكنها لا تقدم تفسيرا علميا ، يمكن الاتكاء عليه فيما لو أردنا الانتقال إلى المرحلة التالية ، اي سؤال: ما العمل.
أن السر وراء الشهرة التي حظي بها كتاب المرحوم ارسلان ، تكمن في السؤال الذي اختاره عنوانا لكتابه. فهو أشبه بما يسمى عند التراثيين "حديث النفس" ، اي ذلك الهم الذي شغل أذهان المسلمين جميعا ، في مرحلة من مراحل حياتهم.
لا ادري إن كان المسلمون فردا فردا قد انشغلوا حقا بالتفكير في هذا السؤال. لكني واثق أن الغالبية العظمى من متعلميهم ، قد سمع به أو توقف عنده ، في وقت ما. ونعلم طبعا أن بعضهم قد جادلوا حوله أو حاولوا الاجابة عليه.
 نعلم أيضا أن السؤال مازال مشرعا. لأننا لم نتوصل الى جواب شاف. والحق أن هذا سؤال المليون كما يقال. لأن جوابه في غاية التعقيد. انه أوسع من مجرد تحليل علمي. وهو ليس مجرد نظرية في ادارة الموارد ، مثل نظريات التنمية الاقتصادية والسياسية مثلا. بل فكرة نهضة ، تستلزم – إضافة إلى نظرية التقدم المتعددة الابعاد – ظرفا نفسيا عاما ، يسمح بانعتاق الجمهور من هموم الحاضر وأزماته والانخراط في مغامرة النهضة. الظرف النفسي يتمثل فيما يمكن وصفه بروحية النهضة ، التي نعرف انها كانت وراء نهضة بريطانيا في العصر الفيكتوري (١٨٣٧-١٩٠١) وألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الأولى ، ثم الصين بعد ١٩٨٠.
ذكرت هذه الاقطار بالخصوص ، للتأكيد على أن النهضة ليست رهنا باتفاق المسلمين. وانه لا يمكن لأي عدو إعاقة النهضة اذا تحلى اصحابها بالإرادة والإصرار ، والاستعداد للتضحية في سبيل مستقبلهم. الأقطار التي ذكرتها نهضت بمفردها وسط محيط سياسي غير مساعد.
تحتاج النهضة في مراحلها الأولى ، إلى تكلف وجهد نفسي ومادي باهظ. أما التالية فتاتي سلسة وسريعة ، مثل كرة ثلج تتدحرج من أعلى الجبل.
منطلق النهضة هو تصور المستقبل والايمان به. ولا يمكن للمستقبل الا أن يكون مختلفا ، بل ونقيضا للحاضر ، فضلا عن الماضي. ثم إن التضحيات المطلوبة ليست مادية حصرا. أشدها صعوبة هي التضحية بما اعتبرناه مسلما وبديهيا في رؤيتنا للطبيعة والعالم المحيط بنا.
أحد عوامل التخلف هو قطيعتنا الذهنية مع الطبيعة. وبسببها غفلنا عن استثمار الموارد العظيمة التي تزخر بها ارضنا وسماؤنا وبحرنا وانفسنا. وبالمثل فإن أحد أسرار التقدم ، يكمن في العودة لفهمها والتفاعل معها على نحو بناء.
اني واثق ان جميعنا يتطلع الى مستقبل مختلف تماما عن حاضرنا. لكن السؤال الذي يجب ان نواجه به انفسنا دائما ، هو : ما هي الفكرة التي يمكن لها ان تكون بمثابة صاعق التفجير للطاقات والعزائم والارادة العامة الضرورية لاطلاق النهضة؟.
الشرق الاوسط الأربعاء - 14 صفر 1440 هـ - 24 أكتوبر 2018 مـ رقم العدد [14575]
https://aawsat.com/node/1436101

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...