‏إظهار الرسائل ذات التسميات الفطرة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الفطرة. إظهار كافة الرسائل

10/08/2022

اناني وناقص .. لكنه خلق الله

ذكرت في الأسبوع الماضي ، ان المسار الصحيح لنقاش العلاقة بين النقل والعقل/العلم ، ينبغي ان يبدأ عند السؤال الاشكالي الخاص بموقع "الانسان في الدين". هذه مسألة لا بد منها لتمهيد الطريق ، للنقاش في دور العقل او مكانته بالقياس الى النقل. وهي مسألة لم تطرقها مدارس العلم الشرعي الا لماما أو عابرا. ولهذا اعتبرتها عاملا خفيا ، وزعمت ان اغفالها ساهم في تعقيد النقاش الخاص بالعلاقة بين العقل والنقل ، او بين العلم والدين. وذكرت ان "موقع الانسان في الدين" يفهم على ضوء عناصر ثلاثة ، أولها يتعلق بالفطرة الأولية للإنسان ، هل هي صالحة ام فاسدة ، بمعنى ان الناس لو تركوا وشأنهم ، فهل سيتقاتلون ويهلكون الحرث والنسل ، أم يجتهدون في تنظيم علاقتهم ببعضهم ، كي يدرأوا الشرور عن مجموعهم.


توماس هوبز (1588-1679)

لكن ما هي علاقة الفطرة بجدل العقل والنقل؟

جواب هذا السؤال يظهر في الحجج التي تتكرر من جانب الرافضين لدور العقل. وأحتمل ان كثيرا من القراء الأعزاء ، قد واجهوها فعلا في النقاشات المتعلقة بالموضوع. ان محور تلك الحجج هو الميول الذاتية/الانانية التي تتحكم في تصرفات الانسان وفي تفكيره. وهي تظهر من خلال انسياق الانسان وراء الغرائز والانفعالات. وهذه سمة عامة عند البشر ، لانها جزء من تكوينهم. لابد من الإشارة طبعا الى ان الميول الانانية درجات ، فقد تجد جماعة يصل بهم الحال الى التقاتل او حرب الجميع على الجميع ، وفق تصوير توماس هوبز. وقد تجد جماعة اميل الى التسالم ، لكنهم مع ذلك لا يجتمعون على الصلاح والإصلاح.

وبناء عليه فان الانسان غير مؤهل – وفق هذه الرؤية – لانشاء احكام قيمية تورث الاطمئنان ، من دون اعتماد مرجع آخر غير عقله. بعبارة أخرى فان العقل بحاجة الى جدار يستند عليه ، ويستمد منه القيم التي سوف يطبقها لاحقا على أفعال صاحبه ، وما يراه من أشياء أو حالات في محيطه.

لدينا اذن بعدان.. بعد معرفي خلاصته: ان عمل العقل مشوب بالنقص الذي هو طبيعة في الانسان ، مهما بلغ من العلم. وبعد أخلاقي خلاصته ان تأثير العواطف والغرائز ، يعزز الميل الأناني الذي هو اصل في تكوين الانسان.

وبناء على هذا ، فانه لا يصح تفويض العقل الإنساني ، صلاحية انشاء حكم شرعي نيابة عن الخالق سبحانه. البديل الصحيح هو الاستماع للأشخاص المتصلين بمصدر الشريعة ، أي النبي او القرآن ، الذين ينقلون الينا ما نقله النبي عن ربه. اما عقول البشر فيكفيها الانشغالات الدنيوية.

حسنا.. هل لدى القائلين بهذا الرأي دليل قطعي ، ينفي تماما أدلة الرأي المقابل؟. الواقع انه لا يوجد. دعنا نساير مؤقتا القائلين بنقص الانسان وميوله الشريرة. ثم ننظر الى التجربة الفعلية للبشر ، مع انفسهم ومع ربهم سبحانه. سوف نجد أولا ان البشر الذين تقاتلوا وافسدوا ، هم انفسهم البشر الذين عمروا الأرض وحولوا العالم المتخلف (المشرك بالله) الى عالم في غاية التقدم (موحد لله) على المستوى المادي والروحي والمعرفي. دعنا ننظر أيضا الى نداءات الله المتكررة للإنسان (الاناني) ، وتحفيزه المتكرر لاستعمال العقول (الناقصة).. هل ثمة خطأ في هذه النداءات ، ام انها تخبرنا ان هذا الانسان ، مع أنانيته ونقص عقله ، هو المخلوق الطبيعي الذي خوطب بالرسالات السماوية ، وهو أيضا الذي قضى الباري سبحانه ان يكون خليفته في أرضه ، رغم اعتراض الملائكة.

الحقيقة أني اريد المجادلة بان نقص العقل (نقص المعرفة) والميل الاناني (الميل للتكاثر) هما مبرر امر الخالق لعباده بالسعي للكمال ، ولولاه لما كان ثمة مبرر للديانات. لكن دعنا نؤجل هذا لوقت آخر.

الشرق الأوسط الأربعاء - 12 محرم 1444 هـ - 10 أغسطس 2022 مـ رقم العدد [15961]

https://aawsat.com/node/3807006/

 

03/08/2022

اسطورة العقل الصريح والنقل الصحيح


في كل نقاش حول علاقة الدين بالعقل/العلم ، ستواجه أشخاصا يكتبون عبارة مثل "العقل الصريح لا يعارض النقل الصحيح" ثم يمضون غير عابئين ، وكان المسألة قد حلت وانتهت. أصحاب هذه العبارة لا يستهدفون التأكيد على قيمة العقل. هذه مناورة بسيطة تؤدي - موضوعيا - الى تأكيد أولوية النص ، وكونه معيارا حاكما على عمل العقل. ولهذا أيضا فان أكثر من يستعملها في النقاش ، هم الاخباريون ، الذين ينكرون – من حيث المبدأ – أي دور للعقل في التشريع.

واقع الأمر ان النص قد يخالف العقل/العلم في مواضع عديدة: مخالفة في الحقيقة ، بمعنى ان جوهر مراد النص معارض للثابت علميا او منطقيا ، او مخالفة في الواقع ، بمعنى انتماء كل من مضمون النص والعلم ، الى أفق تاريخي او نسق ثقافي مختلف.

وقد ضربت مثالا في مقال سابق ، بالرواية القائلة بان الأرض مستقرة فوق بحر ، تحمله صخرة على قرن ثور. ونعرف ان هذا يتناقض مع ثابت علمي ، بلغ الآن مرتبة الحقيقة. اما الاختلاف بحسب الواقع ، فنراه في تحديد قيمة الأفعال ، مثل استعباد البشر الذي كان في زمن النص فعلا عادلا/ حقا ، فبات اليوم فعلا ظالما/ باطلا ، في عرف اهل الشريعة وعند كافة عقلاء العالم. ان التعارض الواقعي – مثل التعارض الحقيقي – يستدعي تهميش احد الطرفين واستبعاده ، والا تحولت عقولنا الى صندوق المتناقضات.

والذي أراه ان القول بعدم التعارض بين العقل/العلم وبين النص ، مجرد تسويغ للرؤية الداعية الى تأويل التعارض ، بتصنيفه كفهم خاطيء (لأن عقل الانسان ناقص وعاجز عن ادراك الحقائق). أو لعلها تمهيد لالزام العقل باتباع النقل على أي حال ، كما هو الجاري بين اهل الفقه التقليدي. فاذا أثبت العلم شيئا يخالف ما دل عليه النقل ، تركنا العلم وتمسكنا بمفهوم النقل/ الرواية ، نظير مثال قرن الثور السابق الذكر.

ومن هنا فان جدل العلاقة بين النقل والعقل/العلم ، لن يصل الى قرار ، مالم نرجع به لبداية مختلفة ، تعالج ما اظنه عاملا خفيا وراء تعقيد المسألة ، واعني به إشكالية موقع الانسان في الدين. تتلخص هذه الإشكالية في موقف الدين من ثلاثة أسئلة:

أولها: هل الفطرة الأولية للإنسان صالحة ام فاسدة. أي: هل يميل – بطبعه - الى الشر والفساد ام يميل للخير ، بمعنى: لو ترك الناس وشأنهم ، فهل سيتقاتلون ويهلكون الحرث والنسل ، أم يتعاونون لدرء الشر وتنظيم علاقتهم ببعضهم.

الثاني: هل ينظر الدين للإنسان كفاعل عاقل ذي إرادة واختيار ، وهل هو حر في الفعل كي يتحمل مسؤولية افعاله وقراراته ، هل هو قادر على الاختيار العقلائي والأخلاقي. واذا توصل بعقله الى فهم شيء او قرر شيئا ، فهل لهذا الفهم والقرار قيمة واعتبار في الشرع ، ام هو لغو لا قيمة له. الاختيار العقلائي يعني الفهم المسبق لمحتوى الأفعال التي سيقدم عليها ، وحساب نتائجها ، ثم اختيار الفعل المؤدي الى نتائج قابلة للتبرير الأخلاقي ، أي نافعة له وغير ضارة لمن حوله وما حوله.

الثالث: هل يتساوى كافة الناس في الصفتين السابقتين ، أي في طبعهم الاولي وفي قدرتهم على تشخيص الخير ، واتخاذ قرار بناء عليه ، ام انهم يولدون بصفات متفاوتة؟.

معالجة هذه الأسئلة هي المدخل الصحيح في رأيي ، للنقاش حول علاقة الدين بالعلم وعلاقة النقل بالعقل. آمل ان اعود لتوضيح هذا المسار في كتابة آتية.

الشرق الأوسط الأربعاء - 5 محرم 1444 هـ - 03 أغسطس 2022 مـ رقم العدد [15954]

https://aawsat.com/node/3794641

 

23/06/2021

الاثم الاصلي

 

ذكرت في مقال الأسبوع الماضي ، ان المجتمعات الشرقية تميل في مجملها ، للرؤية القائلة بأن الناس لو تركوا وشأنهم ، فالمرجح ان ينزلقوا الى النزاع ، حتى يقتل بعضهم بعضا. كما اشرت في السياق الى راي افلاطون ،  الذي قال ان خوف الناس من العقاب هو الذي يدفعهم لاحترام القانون ، وليس اقتناعهم به او ايمانهم بضرورته للحياة السليمة ، وان هذا المبدأ يتخذ عادة كمبرر للسلطة الخشنة.

والرأي القائل بالميل الفطري للشر والفساد ، هو النظرية التي بقيت شائعة حتى القرن السابع عشر. وبحسب بعض الباحثين فان اول صياغة قوية لها ، تمت على يد القديس اغسطين (354-430م) في كتابه "مدينة الله" ، الذي يعد اول تصوير متكامل للنظرية السياسية الكاثوليكية. وفقا لرؤية اغسطين فان الانسان مذنب بطبعه ، ومحكوم بالاثم الأصلي original sin الذي أنزل أبانا آدم الى الأرض. ولذا فلا بد للمجتمع الإنساني ، من سلطة قادرة على منع الآثمين من الاستغراق في خطاياهم. كما تبنى موقف ارسطو ، القائل بان نظام الكون يقتضي وجود شريحة من الناس وظيفتها الحكم ، وشرائح أخرى وظيفتها الطاعة. تقاسم الأدوار هذا ضروري لاقامة العدل من جهة ، وهو علاج للاثم الاصلي من جهة اخرى. كما رأى ان السلطة الجبرية ضرورية ، وان العدل غير قابل للتحقق الا في دولة دينية ، تقيمها الكنيسة او تخضع لتوجيه الكنيسة.

وقد لاحظت خلال أبحاث سابقة ، ان القائلين بفساد الفطرة البشرية وميل الانسان الطبيعي للشر ، يشتركون في موقف آخر هو ايمانهم بعدم التكافؤ بين البشر ، وبالتالي فانهم لا يرون المساواة ضرورة للعدالة ، بل ولا يعتقدون بضرورتها. وفقا للعلامة الحسن بن مطهر الحلي (1250-1325م) فان "الغالب على أكثر الناس القوة الشهوية والغضبية والوهمية ، بحيث يستبيح كثير من الجهال لذلك ، اختلال نظام النوع الإنساني". وراي الحلي هذا ، مطابق لرأي غالبية معاصريه من الفقهاء ومن جاء بعدهم.

ومال غالبية القدامى (ومن تبعهم من المعاصرين) الى ان التفاوت يبدا في لحظة الولادة. وحسب رأي ارسطو ، فانه "من أجل انتظام الحياة ، قضت الطبيعة للكائن الموصوف بالعقل والتبصر ان يامر بوصفه سيدا. كما قضت للكائن القوي البدن ان ينفذ الاوامر بوصفه عبدا. وبهذا تمتزج منفعة السيد ومنفعة العبد".  ويؤكد في نفس السياق ، ان الله – في لحظة الولادة – "يصب من الذهب في نفس فريق ، ومن الفضة في نفس فريق آخر ، ويصب النحاس في نفس هؤلاء الذين يجب ان يكونوا صناعا وزراعا".

وبمثل ما اختلف الناس في المكانة والمؤهلات والقيمة في لحظة الولادة ، فسيبقون على هذا النحو طوال حياتهم ، حيث قرر افلاطون ، أستاذ ارسطو  بان العدالة لا ترتبط بالمساواة. تكون الدولة عادلة في رأيه اذا رضي كل صاحب حرفة بما أهلته له طبيعته ، اذا رضي الصانع والفلاح مثلا بوضعه ، ولم يحاول ممارسة عمل غير ما هو مؤهل له طبيعيا. بعبارة اخرى فان العدالة تكمن في المحافظة على الفوارق بين الناس وليس الغاءها ، كما يميل انسان العصر الحديث.

قلت في الأسبوع الماضي ان الارتياب في الفطرة البشرية ، متصل بموقع العدالة في ثقافتنا العامة. واظن ان هذا قد اتضح الآن ، على الأقل فيما يخص أبرز أركان العدالة وتجلياتها ، أي مبدأ المساواة بين الناس.

الشرق الاوسط الأربعاء - 13 ذو القعدة 1442 هـ - 23 يونيو 2021 مـ رقم العدد [15548]

https://aawsat.com/node/3041751/

مقالات ذات صلة


16/06/2021

بقية من رواية قديمة

 

هذا ماتبقى في ذاكرتي من رواية اشتريتها قبل أربعة عقود ، من رجل عجوز اقام بسطة على قارعة الطريق ، يبيع فيها كتبا ودفاتر ومجلات قديمة ، أسعارها تترواح بين 10 فلوس و100 فلس. وبينها هذه الرواية التي نزع غلافها وعدد من صفحاتها الاولى ، فلم اعرف اسمها ولا اسم مؤلفها ، وانما جذبني سعرها الزهيد قياسا بضخامة حجمها ، فقد دفعت يومها نصف درهم ، اي 25 فلسا ، عدا ونقدا ، وهي تعادل ربع ريال سعودي ، يوم كان الدينار العراقي دينارا.

تحكي الرواية قصة سفينة غرقت ونجى نحو الف من ركابها ، ولاذوا بجزيرة مهجورة وسط المحيط. وقد خصص الرواي نحو 200 صفحة لشرح علاقة الناجين ببعضهم بعد وصولهم الجزيرة ، وكيف انقسموا الى اغلبية تريد ان تنظم حياتها معا ، واقلية يريد كل فرد فيها النجاة بنفسه. ثم تحولت الأكثرية الى قرية منظمة تدير حياة طبيعية ، تزرع وتبني ويجتمع أهلها في المقهى والكنيسة ، ويتزاوجون ويحتفلون في المناسبات ، بينما بقي أعضاء الأقلية متشككين ، غير واثقين في مايجري ، خائفين من ان يتعرضوا للاستغلال ، فاختاروا العيش منفردين في نقطة قصية ، يراقبون الساحل املا في سفينة تنقذهم يوما ما.

لقد نسيت الآن معظم تلك الرواية عدا قصة نزولهم الجزيرة ، وإعادة تنظيم المجتمع الجديد. وللحق فاني لم ادرك مغزى تفاصيلها الكثيرة المملة ، الا يوم بدات دراسة العلوم السياسية ، ولاسيما حين وصلت الى الجدالات التي أعقبت نشر كتاب "لفياثان" او الغول لتوماس هوبز ، المفكر الإنجليزي ، الذي حاول فيه شرح سيناريو تحول الحشد العادي الى مجتمع فيه سلطة سياسية وقانون.

اني اميل للاعتقاد بأن المحرك الرئيس لتلك المجادلات ، هو تحفظ هوبز في الإقرار بخيرية الانسان وميله الفطري للتعاون والتكافل ، على النحو الذي فعله غالبية الناجين من ركاب السفينة. قدم هوبز مفهوما مزدوجا ، يؤكد في جانب منه على ان الانسان اقرب للشر منه للخير ، فلو اجتمع عدد كبير من الناس لكانوا أميل للتنازع ، الامر الذي يؤدي لما أسماه "حرب الجميع على الجميع". بينما يؤكد في الجانب الثاني على ان الانسان عقلاني ، برغم فساد فطرته. عقلاني بمعنى انه يجيد حساب العواقب وما يترتب على قراراته وافعاله. وهذه العقلانية أوصلت ذلك الحشد المتنازع ، الى ان مصلحة كل منهم تقتضي إقامة سلطة فوقهم ، تلزم الجميع بالسلام والتسالم ، وهذا أساس فكرة الدولة.

تعتمد الفلسفة السياسية المعاصرة نظرية معاكسة ، أساسها ان البشر بطبعهم ميالون للخير ، فلو اجتمعوا لتفاهموا وتعاونوا ونظموا حياتهم بما يفيد غالبيتهم. لكن يبدو ان المجتمعات الشرقية لازالت تميل لرؤية هوبز المتحفظة. اني افهم هذا من رغبة الناس في العقوبات المشددة كوسيلة للحكم ، وانكار غالبيتهم للتفاوض والمساومة والحلول الوسط للمشكلات السياسية ، بل وارتيابهم في الذين يستعملون هذا الأسلوب او يدعون اليه. هذا يعني انهم يؤمنون بان خوف العقاب هو الذي يدفع الناس للتسالم وليس كونهم خيرين بالفطرة.

سوف اشرح في وقت آخر علاقة هذا الميل بفكرة العدالة ، ومدى رسوخها في ثقافتنا. لكني اردت اختتام هذه المقالة بدعوة القاريء العزيز لمساءلة نفسه: هل يرى البشر (وهو واحد منهم) اقرب للشر والتنازع ، بما يستوجب قسرهم على التسالم ، ام يراهم مجبولين على الخير والتكافل وتنظيم حياتهم معا؟.

الأربعاء - 6 ذو القعدة 1442 هـ - 16 يونيو 2021 مـ رقم العدد [15541]

https://aawsat.com/node/3029386/

مقالات ذات صلة

القانون للصالحين من عباد الله

يسروا القانون كي تكسبوا طاعة الناس

الغول

صورتان عن الانسان والقانون

مجتمع العقلاء

الازمان الفاسدة والناس الفاسدون

مجتمع العبيد

كيف تقبلنا فكرة الانسان الذئب؟

الانسان الذئب؟...

06/11/2019

في معنى الردع وعلاقته بالطبع الاولى للبشر

مقال الاسبوع الماضي الذي تعرض للاختلاف التاريخي حول الطبع الاولي للانسان ، أثار جدلا غير قليل. ثمة قراء رأوا أن الخير هو الطبع الأصلي للانسان ، وثمة من قال بالرأي المعاكس. هذا الجدل لفت انتباهي الى مسألة متصلة بنقاش آخر يدور في بلدنا ، منذ صدور "لائحة الذوق العام" اواخر الشهر الماضي. وتضمنت اللائحة عقوبات مالية على سلوكيات غير لائقة عرفيا ، لكنها لم تصنف في الماضي كجنح او جنايات.
"Everything was fine until you insisted on accountability."

بيان المسألة على النحو الآتي: نفترض ان العقوبات التي يضعها القانون – أي قانون ، واي عقوبة – غرضها ردع الافراد عن القيام بالفعل المحظور. يهمني الاشارة هنا الى ان بعض العقوبات في التاريخ القديم كانت تستهدف الانتقام من الجاني ، كما ان البعض الآخر استهدف تمويل خزينة الحاكم. لكن هذه العقوبات لم تعد قائمة في عصرنا الحاضر.
خلاصة القول ان العقوبات التي يعرفها عالم اليوم ، غرضها (في الاعم الاغلب) هو الردع ، وفي نهاية المطاف تقليص الخروج على القانون او العرف الى أدنى مستوى ممكن.
حسنا.. ماهو معنى "الردع"؟ اي ما هي طبيعة الانعكاس الي تحدثه العقوبة في نفس الانسان ، بحيث يمتنع عن الفعل المحدد؟.
 اعلم ان بعض القراء سيقولون في انفسهم: هذا كلام زائد لا خير فيه ، لاننا في نهاية المطاف نتحدث عن "امتناع الفرد عن فعل بعينه" وهذا ما يحدثه الاعلان عن عقوبة ما.
اني أدعو هؤلاء السادة للصبر قليلا. لأن فهم المسألة قد يفتح أذهاننا على بدائل العقاب ، بل بدائل الردع بشكل عام. من المعلوم ان الردع ينطوي - بالضرورة - على نوع من القسر الخشن ، وربما المذل. والانسان يكره المخاشنة والاذلال ، ويفضل عليها المحاسنة والملاينة.
أقول هذا تشجيعا للقاريء العزيز على النظر في الشرح التالي من هذه الزاوية ، اي امكانية العثور على وسائل لمنع الافعال الخاطئة بالتوجيه اللطيف بدل القسر المذل.
لقد كنت افكر في هذه النقطة حين التقطت أذني جانبا من حديث لمفكر معاصر ، يشير فيه الى الفارق الواسع بين المحاسبة accountability والمسؤولية responsibility. الانسان محاسب على افعاله ، كما انه مسؤول عنها.
ترتبط المحاسبة بعقلانية الانسان. الانسان كائن عاقل بمعنى انه يحسب العواقب المترتبة على افعاله ، فيختار الفعل الذي ينتهي الى عواقب حسنة ، ويتجنب الفعل الذي ينتهي الى عواقب سيئة. والافعال الحسنة والسيئة هنا ، هي ما تقبله المجتمع كفعل حسن ، وما رفضه كفعل قبيح. كما ان العقاب قد يكون جسديا او ماليا ، وقد يكون مقتصرا على القطيعة والانكار. تتمظهر العقلانية اذن حين يكون الانسان عضوا في مجتمع او مدينة ، والافعال المعنية هي تلك التي تؤثر على اعضاء آخرين او على املاك مشتركة لاعضاء المجتمع.
أما  المسؤولية فترتبط بحقيقة ان الانسان كائن اخلاقي. اخلاقي بمعنى انه يمتنع – من تلقاء نفسه – عن الافعال التي يراها ضارة بالغير ، او غير لائقة او مقبولة ، حتى لو لم تكن ضارة بشخص معين. ويقدم على الافعال التي تفيد الناس حتى لو لم يستفد منها هو ذاته.
دعني اقول كخلاصة: ان من يرى الشر طبعا اوليا للبشر ، ينظر للردع كمحرك لعقلانية الانسان. ومن يرى الخير طبعا أوليا للانسان فهو ينظر للردع كعامل استثارة لاخلاقية الانسان.
ولازال في الحديث بقية نعود اليها في وقت آخر ان شاء الله.
 الشرق الاوسط الأربعاء - 9 شهر ربيع الأول 1441 هـ - 06 نوفمبر 2019 مـ رقم العدد [14953]

26/07/2017

القانون للصالحين من عباد الله

|| لا يخلو مجتمع في العالم كله ، من اشخاص فاسدين وعابثين. لكن مشيئة الله قضت ان يكون غالبية الخلق عقلاء ملتزمين بدواعي الفطرة السوية وإرادة الخير||
يخبرنا الزميل د. عبد العزيز النهاري عن حادثة ذات دلالة ، كان طرفا فيها. وخلاصتها انه قدم وصفة طبية لصيدلانية في مدينة ليفربول غرب انجلترا ، ومعها قيمة الدواء ، فأبت السيدة ان تأخذ المال ، لأن القانون يعفي الاشخاص فوق الستين عاما من كلفة العلاج (عكاظ 22 يوليو 2017). مثل هذا الحدث غير مألوف في العالم العربي ، لكنه اعتيادي في بريطانيا ودول أوروبية أخرى.
د. عبد العزيز النهاري - توفي في 7 يونيو 2020
وأذكر أيضا ما شاهدته في النرويج قبل عامين ، حين وجدت الناس يدخلون ويخرجون من محطة القطار ، دون ان يسألهم احد عن تذاكر الركوب. خلافا لما كنت اعرفه في بلدان أخرى. وعلمت لاحقا ان الهيئة المشغلة للقطار وجدت المخالفات نادرة جدا ، فاستغنت عن توظيف المراقبين. وأظن ان معظم الذين سافروا الى اوربا او عاشوا فيها ، يعرفون العديد من القصص المماثلة. ولا بد ان بعضهم يتمنى لو رأى مثلها في البلاد العربية والاسلامية.
العنصر الجامع بين القصتين هو طبيعة القانون وفلسفته. في الأولى حول القانون مبدأ التكافل الاجتماعي ، من اعتقاد ميتافيزيقي ، الى حق مادي لكل عضو في الشريحة الاجتماعية المعنية بالتكافل ، ووضع اجراءات محددة لتمكينهم من هذا الحق. وفي القصة الثانية استند واضع القانون الى قناعة فحواها ان معظم الناس يميلون للالتزام بمفاد القانون ، حتى لو استطاعوا مخالفته. وكلما صيغ القانون على نحو يسهل حياة الناس ، فان الالتزام به سيكون اوسع واعمق.
اني واثق ان جميع الناس ، في منطقتنا وسائر بلاد العالم ، يتمنون ان يكون القانون في خدمتهم ، ان يوضع على نحو يمكنهم من نيل حقوقهم دون عناء. وهم بالتاكيد يتمنون ان يعاملوا بثقة واحترام ، من جانب حكوماتهم ومن جانب كل طرف ذي علاقة بالمجال العام. ولا فرق في هذا بين النخب الحاكمة والجمهور.
حسنا. دعنا نسأل أصحاب القرار وصناع القانون ومنفذيه: لماذا لا يفعلون ذلك؟.
المرجح انك ستسمع جوابا واحد ، فحواه أن مجتمعاتنا مختلفة ، وأن ما يصلح في الغرب لا يصلح في الشرق.
قد يكون هذا الاعتقاد صحيحا وقد يكون خاطئا. لكن الحقيقة المؤكدة انه لم يخضع للتجربة على نحو كاف ، كي نتحقق من صدقه او خطئه. بل لدينا من الأمثلة ما يؤكد ان الجواب المذكور لا يخلو من مبالغة ، وقد يكون بعيدا عن الحقيقة. أذكر على سبيل المثال تجربة من بلادنا (السعودية) تتعلق بالتحول الذي جرى في إصدار الجوازات وبطاقات اقامة الوافدين. قبل عقد من الزمن ، كانت هذه مهمة مضنية ، تستهلك الكثير من الوقت والجهد في المراجعات الشخصية للدوائر. لكن الجزء الاعظم منها يجري الآن عبر الانترنت ، وترسل بطاقات الاقامة في البريد الى عنوان المستفيد. ونعلم ان تقليص الاجراءات والمراجعات الشخصية لم يتسبب في زيادة التزوير والتهرب من القانون. هذه التجربة دليل فعلي على اننا لا نختلف عن غيرنا ، واننا نستطيع تكرارها في قطاعات اخرى.
لا يخلو مجتمع في العالم كله ، من اشخاص فاسدين وعابثين. لكن مشيئة الله قضت ان يكون غالبية الخلق عقلاء ملتزمين بدواعي الفطرة السوية وارادة الخير. ومن هنا فان القانون الاجدر بالطاعة والتأثير ، هو ذلك الذي يصاغ على نحو يحاكي هذه الطبيعة ويخدم اصحابها ، لا القانون الذي يضيق على الناس حياتهم أو يهدر حقوقهم.
الشرق الاوسط 26 يوليو 2017 http://aawsat.com/node/982871
مقالات مماثلة


17/08/2009

دعاة الحرية وأعداء الحرية

الذين يدعون إلى الحرية والذين يرفضونها ، ينطلقون من رؤيتين حول طبيعة الإنسان ، تتعارضان في المبدأ أو في التطبيقات. تركز الرؤية الأولى على الجانب البيولوجي الذي يشترك فيه الإنسان مع بقية الحيوانات. ويعتقد أصحابها أن الناس لو تركوا من دون رقيب ، فسوف يتحول اجتماعهم إلى ما يشبه الغابة ، التي يأكل فيها القوي حق الضعيف ، فلا يردعه إلا ظهور من هو أقوى منه.

الذي يحول بين الناس وبين عودتهم إلى الطبيعة الحيوانية ، هو وجود السلطة القاهرة التي تخيف القوي وتحمي الضعيف. أما أصحاب الرؤية الثانية ، فيعتقدون أن الإنسان بطبعه مخلوق خير ، وأنه مؤهل ذاتيا كي يكون عطوفا أو يكون باغيا. فطرة الإنسان تدعوه إلى مواساة الغير والتألم لما يصيبهم وليس العدوان عليهم. وإنما يميل إلى العدوان بتأثير التربية أو الظروف المحيطة به.
ترجع كلتا الرؤيتين إلى أزمان متطاولة ، ولذا يصعب الجزم بتاريخ محدد لظهور أي منهما ، أو ما إذا كانت قد سبقت أختها. المؤكد أن كلاهما كان معروفا في التراث الفلسفي والإنساني القديم. ما نستفيده من تاريخ المعرفة ، هو أن الرؤية المتشككة في طبيعة الإنسان ، سيطرت على الفكر الإنساني حتى القرن السادس عشر الميلادي ، حينما بدأت في التراجع لصالح نظيرتها المتفائلة ، وصولا إلى القرن التاسع عشر ، الذي هيمنت فيه الفكرة الاخيرة على الفلسلفة والفكر الإنساني لا سيما في العالم الغربي.
يمكن بسهولة ملاحظة انعكاسات كل من الرؤيتين على أسلوب التعامل مع عامة الناس ، سواء من جانب المؤسسات الحكومية التي تطبق القانون ، أو حتى الشركات التجارية التي تعمل في ظل القانون. ولعل الذين عاشوا في البلاد الغربية أو زاروها ، قد لاحظوا بالتأكيد كيف أن تلك المؤسسات والشركات ، تبني على الثقة في تعاملها مع مراجعيها والمتعاملين معها.
 حين تبعث برسالة إلى دائرة حكومية أو شركة تجارية تطلب شيئا ما ، فإنهم ينظرون إليها بثقة ولا يهملونها ، كما لا يطلبون منك الحضور شخصيا. يكفي أن تذيل الرسالة بتوقيعك وعنوانك ، كي يأخذ طلبك مساره الاعتيادي للتنفيذ.
يعلم هؤلاء أن بعض الناس قد يعبث أو قد يستغل القانون. لكنهم – قبل ذلك - يؤمنون بأن الأغلبية الساحقة من الناس طيبون ، يريدون العيش بسلام في ظل القانون ، ولا يبحثون عن مشكلات. قارن هذه الطريقة بنظيرتها المعتادة في المجتمعات التقليدية ، حيث لا تستطيع إجراء معاملة إلا إذا حضرت شخصيا ، وعرضت بطاقتك المدنية ، وربما يطلب منك إحضار من يشهد على قولك أو يزكيك ، كما هو الشأن في دوائر القضاء، أو ربما يطلب منك إحضار ورقة تعريف من العمدة أو شيخ القبيلة.. إلخ.
الذين رأوا أن الإنسان أميل بطبعه إلى الجانب الحيواني ، قالوا إنه يتصرف بتأثير نفسه السفلى ، أي تلك التي تضم غرائزه الحيوانية وشهواته. وهي تميل به إلى الاستحواذ والسيطرة والتسلط والعدوان. والذين رأوا أن الإنسان أميل إلى الخير ، قالوا بأنه لو ترك وشأنه فإن عقله وإنسانيته ، ستقودانه إلى التزام حدوده وإلى التعاون مع الآخرين من أجل تحسين النطاق المعيشي المشترك فيما بينهم.
ذهب إلى الرؤية الأولى معظم قدامى الفلاسفة ، ومن بينهم الفلاسفة المسلمون. ويذهب إليه في العصر الراهن التيارات المحافظة والشمولية ، في شرق العالم وغربه. ويرى هؤلاء جميعا أنه لا سبيل لتحسين بيئة العيش الإنساني ، إلا بوجود أنظمة وقوانين متشددة ، تحدد المسموح والممنوع ، ووجود دولة قوية تفرض تلك القوانين كي لا يعيث الناس في الأرض فسادا.
وذهب إلى الرؤية الثانية الفلاسفة الرومانسيون. ثم أصبحت في العصر الحديث أرضية تقوم عليها الفلسفة الليبرالية ، ولا سيما في موقفها من الحريات الشخصية والمدنية.
تؤمن هذه الفلسفة بالحاجة إلى القانون كما تؤمن بالحاجة إلى دولة قوية يحترمها الجميع.
لكن دور الدولة هنا يختلف عن نظيرتها المحافظة. فغرضها ليس إجبار الناس على الصلاح. بل توفير الحماية القانونية للجميع كي يمارسوا حريتهم ، من دون أن يخرقوا حدود الآخرين ، أو يتجاوزوا على حقوقهم.
بعبارة أخرى ، فإن هذه الرؤية تريد دولة محدودة التدخل. بينما تدعو الرؤية الأولى إلى تدخل لا محدود من جانب الدولة ، في الحياة العامة وربما الخاصة أيضا. كلتا الرؤيتين لهما مبررات وأدلة. لكن الواضح أن الرؤية المتشائمة تنتمي إلى الماضي بينما تنتمي الثانية إلى العصر الحديث.

    صحيفة عكاظ  - 17 / 8 / 2009م
http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20090817/Con20090817299063.htm

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...