22/07/2015

تأثير الاتفاق النووي على بنية السلطة في ايران



الاتفاق النووي مع ايران ، مثل اعادة العلاقات الدبلوماسية مع كوبا ، يعتبران – في واشنطن تعبيرا عن سياسة جديدة فحواها تشجيع التحول داخل الانظمة المعادية بدل مقاطعتها او العمل على اسقاطها.
يوم الاثنين الماضي أقر مجلس الامن الدولي بالاجماع اتفاق لوزان النووي بين ايران والمجموعة السداسية ، كما أقره في اليوم نفسه مجلس وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي. وبهذا تبدأ مهلة التسعين يوما السابقة لدخول الاتفاق حيز التنفيذ.
منذ اعلان الاتقاق بدا ان العالم يتعامل مع نتائجه كموضوع على اهبة التحقق فعلا. الشروط الكثيرة التي تضمنها الاتفاق لن تغير من حقيقة ان ايران وشركاءها الدوليين قد فتحوا صفحة جديدة ، مختلفة بعمق عما كان عليه الحال منذ العام 2006.
في داخل ايران  ، ثمة مؤشرات قوية عن انبعاث جديد للتيار الاصلاحي الذي يتبنى الآن طروحات اكثر ليبرالية مما كان عليه في ظل الرئيس الاسبق محمد خاتمي. برز هذا التيار خلال عهد الرئيس هاشمي رفسنجاني (1989-1997) وكان محور خطابه هو الانتقال الى مرحلة الدولة المدنية. حافظ التيار على وجود معقول في السلطة حتى 2005 ، لكنه كان على  الدوام هدفا لحرب ضروس من جانب تيار المحافظين ، الذي اعتبره تهديدا لمكاسب الثورة وقيمها.
انتخاب محمود احمدي نجاد رئيسا للجمهورية في 2005 حسم الصراع لصالح المحافظين. لكنه كان ايضا الذروة التي تخفي وراءها المنحدر. فقد تباطأ النمو الاقتصادي الذي عرفته البلاد في العقد السابق ، كما توترت علاقاتها مع دول العالم ، وخضعت لعقوبات شديدة ، سيما بعد قرار مجلس الامن رقم 1696  لعام 2006 ، فضلا عن ستة قرارات مماثلة في الاعوام التالية.
تباطؤ الاقتصاد اثمر عن تمرد اجتماعي غير مسبوق ، اجج التنازع بين حكومة نجاد وداعميها المحافظين. كان السلوك التحرري للرجال والنساء في شوارع طهران والمدن الكبرى مثيرا لانزعاج رجال الدين ، الذين رأوا فيها استمرارا لما كان يجري في ظل منافسيهم الاصلاحيين. بينما كانوا يطالبون برقابة اشد ، وقمعا صريحا لكل سلوك يتنافى مع تقاليد المجتمع الديني الخاصة بالمظهر واللباس.
في 2011 تحول المحافظون الى كتل مفككة متصارعة. وبدا ان عودة الاصلاحيين الى الحكم هي المخرج الوحيد من مسلسل الازمات. حين اعلن حسن روحاني ترشيح نفسه للرئاسة في 2013 قال انه استبق ذلك بعرض برنامجه السياسي على مرشد الثورة علي خامنئي ، وان هذا البرنامج يتضمن خصوصا ترميم علاقات ايران الدولية واطلاق مصالحة وطنية.
من المفهوم ان زعماء المحافظين وقادة الحرس الثوري ليسوا سعداء بخطوات روحاني. بل ان قائد الحرس الثوري قال صراحة ان قرار مجلس الامن الذي أقر اتفاق فيينا قد "خرق الخطوط الحمراء للجمهورية الاسلامية". من المتوقع ايضا ان يواجه وزير الخارجية مساءلة قاسية في مجلس الشورى الذي يسيطر عليه المحافظون حين يعرض عليهم الاتفاق. لكن الجميع في طهران يعلم ان المجلس سيوافق ، لأن المحافظين لا يملكون خيارات بديلة ، ولأن الحكومة ذات الميول الاصلاحية تراه حجر اساس في سياساتها الداخلية والخارجية.
هذا يعني اننا نقترب من تحول جذري في المشهد السياسي الايراني ، عنوانه انبعاث التيار الاصلاحي من جديد. اذا نجح روحاني في تثمير اتفاق فيينا على صعيد الاقتصاد ، من خلال اعادة تحريك المشاريع المجمدة ، وزيادة الاستثمار المحلي والاجنبي ، اي – بشكل عام – اخراج الاقتصاد الايراني من حالة الانكماش الحالية ، وتحسين مستوى المعيشة لعامة الناس ، فانه سيعزز صورة التيار الاصلاحي كخيار وحيد لقيادة البلاد. هذا سيؤدي بالضرورة الى تراجع النفوذ السياسي لرجال الدين المتشددين وقادة الحرس الثوري ، لصالح الصناعيين ورجال الاعمال.
بالنسبة للرئيس الامريكي باراك اوباما فان تشجيع تحولات مثل هذه ، حتى مع بقاء النظام ، يعتبر هدفا يستحق العناء. وهي سياسة اتبعها مع كوبا ايضا ، خلافا للاستراتيجية الامريكية السابقة التي تؤكد على تفكيك الانظمة السياسية المعادية وليس اصلاحها.
الشرق الاوسط 5 شوال 1436 هـ - 22 يوليو 2015 مـ رقم العدد [13385]
https://aawsat.com/node/412161/

15/07/2015

تمكين المجتمع .. الخطوة الاولى



يتفق الجميع فيما اظن على ان العدالة هي ابرز تطلعات الناس في مختلف بلاد العالم ، في هذا الزمان وفي سائر الازمنة. ويحفل تراثنا الثقافي بالكثير من القيم والمقولات التي تمجد العدالة وتدعو اليها. لكن نقاشاتنا الراهنة تبدو مشغولة بالمثال الاعلى ، اي العدالة في صورتها المجردة ، فقيرة فيما يخص التفصيلات القابلة للتطبيق والحساب.
التوزيع العادل للموارد والفرص المتوفرة في المجال العام ، هو – على الارجح - الموضوع الأكثر إثارة لنقاشات الفلاسفة وعلماء السياسة في القرن العشرين. السبب في ذلك هو ان هذا المفهوم يشكل جوهر الرابطة الاجتماعية ، والهدف الاعلى لأي نظام سياسي. لقد تباعد مفهوم العدالة التوزيعية الحديث عن جذوره الفلسفية النظرية التي ورثناها عن ارسطو ، واندرج بشكل متزايد في النقاشات المتعلقة بالاقتصاد والسياسة ، حيث اتخذ عنوانا اكثر خصوصية ، هو "العدالة الاجتماعية". التطور الاخر البارز في الابحاث الخاصة بهذا المجال ، هو التركيز على "تمكين" المجتمع والافراد ، باعتبارهم محور الجدل حول مسألة العدالة.
يدور مفهوم التمكين حول جعل الافراد ، ومن ورائهم المجتمع الاهلى ككل ، مساهمين فاعلين في تحقيق العدالة لأنفسهم ، بدل التعويل الكامل على الدولة ، كما كان الامر في الماضي. من المفهوم ان الدولة ستحتفظ بدور توجيهي في هذا المجال ، لكن المجتمع سيكون الحامل الرئيس لعملية توزيع الموارد. نجاح هذا التحول مشروط – على اي حال – بتقبل رجال الدولة لتحويل هذه المهمة الى المجتمع. وقد اشرت الى هذا الشرط بالخصوص لسبب واضح ، هو الميل الطبيعي عند الدولة للتمركز واحتكار مصادر القوة. وهو ميل يظهر بوضوح اكبر في الاقطار النامية والمجتمعات التقليدية مثل مجتمعنا.
وللمناسبة فان شرائح مؤثرة في النخب السياسية ، حتى في البلدان الصناعية ، لا  تظهر تعاطفا مع هذا الاتجاه ، سيما مع الربط العضوي بين تمكين المجتمع وتخلي الدولة عن مصادر القوة ، وبينها قوة التأثير في الاقتصاد. لعل ابرز النجاحات التي تحققت في هذا المجال ، في الولايات المتحدة مثلا ، هو تقبل الدولة بشكل نهائي لفكرة تخليها عن اي عمل ذي طبيعة تجارية ، وهو جزء من المهمة. بعض المفكرين يربط تلك المقاومة بمفهوم التمايز الذي يسم ثقافة النخب السياسية ، وبعضهم يربطه باعراض المجتمع نفسه عن تولي أمر نفسه ، وميل الغالبية ، سيما الطبقات الشعبية الى الاتكال على الدولة حيث استطاعوا الى ذلك سبيلا.
لهذه الاسباب فان تمكين المجتمع في صورته النهائية قد يأتي متأخرا جدا. لكن الخطوات الاولى ليست قليلة الاهمية والتأثير. نحن نتحدث عن تمكين الناس من تطوير حياتهم على النحو الذي يرتضونه لأنفسهم. هذا يتطلب مجموعة مقدمات تستطيع الدولة انجازها دون كلف سياسية كبيرة . من بين الخطوات الضرورية في هذا المجال ، نشير الى تطوير المنظومات القانونية بما يجعل الانطلاق سهلا على الافراد ، تعديل الانظمة الخاصة بحركة الرساميل ، وتمكين الافراد من الحصول على تمويل سهل ومناسب من المصارف ، أو السماح باقامة قنوات تمويل موازية.
 لكن كل هذه المبادرات قد لا تكون مؤثرة ما لم نبدأ بوضع استراتيجية وطنية لتشجيع ودعم المؤسسات الفردية الصغيرة والمتوسطة ، بحيث تصبح على المدى المتوسط (10 سنوات مثلا) مساهما ملموسا في الناتج القومي العام وتوليد الوظائف.
زبدة القول اننا بحاجة لاقناع الدولة بأن تتخفف من اعباء الاقتصاد ما استطاعت. لكن ليس بتركه هملا او تسليمه لاسماك القرش المفترسة. بل بمساعدة الطبقة المتوسطة على الانتقال التدريجي ، من هامش المنافسة الاقتصادية الى قلبها. ان الهدف المحوري لاستراتيجية كهذه هو تمكين عامة الناس ، الاذكياء والطامحين منهم خصوصا ، على الامساك بأقدارهم ، والتحول من ارقام هامشية في المجتمع الى قوة مؤثرة في تسيير الحياة الاجتماعية وبناء المستقبل. وفي ظني ان تحولا كهذا سيخلق دينامية جديدة تخدم الاستقرار وتقاوم الميول التأزيمية او الانقسامية.
الشرق الاوسط 28 شهر رمضان 1436 هـ - 15 يوليو 2015 مـ رقم العدد [13378]
https://aawsat.com/node/406781/

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...