08/04/2014

حين تكون في "الجماعة" وحين تصبح خارجها


"تنوع" ليس اول مشروع شارك فيه ياسر الغرباوي. فقبلها كان عضوا فاعلا في الجماعات الطلابية الاسلامية التي تنظم نشاطات محورها التثقيف الديني واقناع الطلبة بالتزام احكام الشريعة ، فضلا عن مصارعة التيارات الاخرى المنافسة - سياسيا او اجتماعيا - للتيار الديني الحركي. خلال هذه السنوات حصد ياسر ورفاقه مكاسب كثيرة ، كما واجهوا اخفاقات عديدة. وفي نهاية المطاف ، حين عاد للتأمل في مسيرته ، وجد انه ورفاقه لم يفعلوا شيئا سوى تكرار ما يفعله الجميع. هذا اشبه بزرع شجرة جديدة وسط الغابة او سكب سطل ماء في النهر. سأل ياسر نفسه: هل هذا هو الامل العظيم الذي راود نفسه التائقة للابداع والمشاركة في تغيير العالم؟.
هذه الاسئلة فتحت ذهنه على الخيارات البديلة ، اي الواقع المتنوع خارج "الجماعة".

حين حرر ذهنه من ذلك الاطار ، اكتشف قضايا في مصر اكثر اهمية ومشكلات اكثر حرجا ، لم تطرح ابدا وسط "الجماعة" ، ولا وردت في ادبياتهم ، ولم يعتبرها احدهم موضوعا يستحق التوقف ، مثل الفقر والفساد والطبقية والبطالة والاحباط الخ.
سأل ياسر نفسه: هل ستنتهي هذه المشكلات لو اصبح الناس اكثر تدينا؟.
لكن السؤال الذي الح على نفسه اكثر هو: اي من مشكلات البلاد يمكن لشاب مثله ان يشارك في حله؟.
في هذه المرحلة تعرف ياسر على المسألة الطائفية. رغم اقرار الدستور المصري بالحقوق المتساوية للمواطنين ، الا انه اكتشف للمرة الاولى ان الاقباط لا يعاملون – من جانب الحكومة – كمواطنين طبيعيين. ثمة تمييز مقنن ومكتوب ، وثمة تمييز متعارف عليه لكنه غير مكتوب ، يمارس ضد المواطن المسيحي فيما يتعلق بمكان عبادته وفي فرصته للمنافسة على الوظائف العامة وفي تعبيره عن رايه ومعتقده. في احدى المناسبات – يقول ياسر – قررت ان ارى كيف يعيش جيراني الاقباط. دخلت كنيسة. اخبرني القسيس انه كان قائدا لاحدى الكتائب التي اقتحمت خط بارليف في حرب اكتوبر 1973 ، بعد نهاية الحرب كوفيء جميع ضباط الفرقة التي تتبعها الكتيبة بوسام الشجاعة ونجمة اكتوبر ، عدا الضباط الاقباط وهو احدهم. حينها فهم ان كونه مصريا شجاعا لا يكفي كي يعامل مثل زملائه المسلمين. يومئذ قرر ترك الجيش والعمل قسيسا.
اسس ياسر وعدد من رفاقه مركز "تنوع" من اجل كشف واقع التمييز وفضح تجار الكراهية ، الذين يستعملون الدين لتفريق الناس وتبرير التمييز ضدهم. شارك في المركز شبان وشابات ، مسيحيون ومسلمون ، عملوا معا للتشهير بالكتاب والخطباء والشيوخ والقساوسة الذين يروجون الكراهية الدينية ، ومسؤولي الدولة الذين يمارسون التمييز الطائفي ، في الجانب القبطي والمسلم على السواء.
منذ تاسيسه قبل بضع سنوات ، انضم لمركز "تنوع" مئات من الشباب ، وتعاون معه الاف غيرهم. هذا النشاط نموذج على ان الجيل الجديد قادر على المساهمة في تغيير عالمه حين يحسن الاختيار.
الاقتصادية 8 ابريل 2014
http://www.aleqt.com/2014/04/08/article_839514.html
مقالات ذات علاقة


18/03/2014

دور الفقيه ، وجدلية العلم والحكم


اظن ان ابرز عيوب المنهج الفقهي الموروث هو خلطه بين دورين مختلفين تماما: تشخيص الموضوع ، واستنباط الحكم الشرعي المناسب له. الفقيه يفتي بجواز الافطار في رمضان للمريض ، مثلا . لكنه لا يامر شخصا معينا بالافطار. لانه حكم في خارج اختصاصه. نحن نتبع فتوى الفقيه بوجوب الصوم او عدمه ، لانه مختص باستنباط الاحكام. اما تشخيص من يلتزم ومن يمتنع عن الصوم ، فهو مهمة الطبيب.

لاخلاف اذن حول التمييز بين الحكم وموضوعه. محل الخلاف هو تدخل الفقيه في تشخيص موضوعات الاحكام. وقد جرى العرف بان يفتي الفقهاء في كل مسألة ، من احكام الطهارة والصلاة الى السياسة مرورا بالاموال والتجارات ، فضلا عن التعليم وتحديد المواقع الجغرافية والاثار .. الخ.
هذا العرف القديم لم يعد مفيدا. في ماضي الزمان كان الفقهاء علماء في كل فن ، وكانت المدارس الدينية واسعة الافق. وعرفنا بين قدامى الفقهاء اطباء وفلاسفة ومؤرخين ، وكان حجم العلوم ضئيلا ، وفروعه متداخلة ، ربما بسبب بساطة الحياة ومحدودية اسباب المعيشة والتعاملات.
اختلف الحال اليوم فتشعبت الحياة وتعقدت. واتسعت لهذا السبب العلوم والتخصصات ، فاصبح مستحيلا على اي شخص الاحاطة بكل العلوم. حتى علم الفقه نفسه اتسع وامسى عصيا على شخص واحد ان يتعمق في كل فروعه ، فضلا عن ان يحيط بغيرها. استقلال العلوم عن بعضها ، وتنوع المدارس والمناهج ، والتفريع المستمر الذي يؤدي بالضرورة الى ظهور تخصصات جديدة ، جعل الدقة والتبحر رهنا بالتخصص الدقيق في فرع من فروع علم واحد. ولهذا قيل ان "تقسيم العمل" هو اعظم اكتشافات البشر ، وانه هو مفتاح التقدم العلمي والحياتي. ولولا تقسيم العمل ، لربما كنا لانزال نركب البغال ونستضيء بالشموع ونعالج مرضانا بالحديد المحمي او روث الابل.
من المفهوم ان تشخيص الموضوع سابق للحكم عليه. ولهذا قيل ان الحكم على الشيء فرع عن تصوره. لكن انى للفقيه ان يتصور موضوعا في السياسة مع تعقيداتها وتداخلها مع الاقتصادي والقانوني والامني. وكيف يستطيع تصور المعاملة البنكية مع شدة تعقيد قضايا المالية وتداخلها مع الاقتصاد الجزئي والكلي وارتباطها بحركة السلع والخدمات ومعدلات البطالة ومستوى المعيشة واتجاهات السوق داخل البلد وخارجها. هذه امثلة بسيطة عن التعقيد الشديد في الموضوعات التي يسأل الفقيه عن احكامها.
يستحيل على اي فقيه ان يتبحر في هذه الموضوعات. فاذا حكم فيها دون علم عميق ، فسياتي حكمه – على الارجح – سطحيا لا يلامس جوهر القضية محل السؤال. الحل الوحيد ، كي يأتي الحكم الشرعي متناسبا مع موضوعه ، هو احالة الموضوع الى اهل الاختصاص فيه ، وتخصص الفقيه في استنباط الحكم ، وهو دور لاحق لبيان رأي صاحب الاختصاص العلمي وتشخيصه لطبيعة الموضوع وموضع الاشكال فيه.
الاقتصادية 18 مارس 2014
http://www.aleqt.com/2014/03/18/article_834172.html

مقالات ذات علاقة





الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...