07/12/2009

نبدأ حيث نحتاج


زميلنا الاستاذ مشاري الذايدي حائر بين دعاة الديمقراطية في العالم العربي والمنادين بتاجيلها، فهو يرى في حجج الفريقين مصداقية وقربا من الواقع (الشرق الاوسط 4 ديسمبر 2009). دعاة التاجيل يرون المجتمع العربي غير جاهز للتحول الديمقراطي بسبب عيوب بنيوية في ثقافته او اقتصاده او نظام علاقاته الداخلية. 
 ثمة ايضا من يطرح اعتراضات ايديولوجية، ويقترح نظام عمل مستمدا من الدين او التقاليد الخاصة بالمجتمع العربي.  نحن اذن ازاء مستويين من النقاش : نقاش حول اصل الفكرة وحاجتنا اليها كحل مشكلاتنا ، ونقاش حول صعوبات تعترض تطبيقها. المستوى الثاني نشهده في البلدان التي بدأت التحول ولم تبلغ نهاية الطريق.
في بلدان مثل لبنان والكويت واليمن والجزائر والمغرب والبحرين ثمة اتفاق على ضرورة التحول ، لكن المسير متباطيء او متوقف في منتصف الطريق. هذا التوقف يكشف عن عقبات كالتي اشرنا اليها ويثير الشك في امكانية استكمال المهمة. لكن لعل الاستاذ الذايدي يلاحظ ان مختلف التيارات في تلك البلدان متفقة على رفض التراجع او التخلي عن الخيار الديمقراطي . وهذا يشمل حتى التيارات التي تدعي امتلاكها لنظام عمل افضل من النظام الديمقراطي مثل التيارات الاسلامية التقليدية والماركسية والقومية القديمة. نستطيع القول اذن ان الذين جربوا هذا النظام – حتى في حدوده الدنيا – لا يرغبون في التخلي عنه، لانهم اكتشفوا انه مع كل نواقصه وعيوبه لا يقارن باي نظام آخر من الانظمة التي نعرفها حتى الان.

هذه التجارب الواقعية تدلنا على ان النقاش حول فائدة هذا النظام او صلاحه ليست كثيرة الجدوى. المجدي في ظني هو ان نعالج الموضوع معالجة تجريبية تركز خصوصا على العناصر والاجزاء التي تنطوي على حل لمشكلاتنا. اهمية هذا المنهج تكمن في انطلاقه من حاجات واقعية، وبالتالي فان فعالية الحلول المقترحة ستفهم ضمن حدود المشكلة. نشير ايضا الى ان الديمقراطية ليست صندوقا مغلقا تأخذه كله او تتركه كله. فهي فكرة بشرية قابلة للتفكيك والتعديل، وبامكاننا دائما ان نأخذ منها ما يناسبنا في مرحلة ونترك الباقي او نؤجله.

ثم اننا نواجه اشكال البداية. يعتقد معظم الناس ان الانتخابات هي اول الديمقراطية. واظن اننا نستطيع الابتداء بغير ذلك . واميل شخصيا الى البداية بسيادة القانون . سيادة القانون هي احد الاركان الكبرى للنظام السياسي الحديث ، وهي ضرورة للاقتصاد والسياسة والامن في آن واحد.

 الاقرار بسيادة القانون لا يحتاج الى مقدمات كثيرة مثل سائر اركان الديمقراطية. في تجارب العالم المعاصر رأينا دولا حافظت على نظامها القديم لكنها ارست سيادة القانون وحصلت من وراء ذلك على خير كثير. ويذكر الباحثون في العادة تجارب الصين وسنغافورة وكوريا الجنوبية وتايلاند وماليزيا كمثال على امكانية الملاءمة بين نظام اجتماعي تقليدي ونظام اقتصادي حديث. تختلف الدول الثلاث في مستوى تطورها السياسي فبعضها متقدم على الاخر ، لكنها تشترك جميعا في نقطة البداية واعني بها ارساء سيادة القانون .
 كانت هذه الدول جميعا فقيرة بل ان الصين بقيت حتى اوائل السبعينات تعاني من المجاعة بسبب قصور الانتاج الغذائي وسوء الادارة. لكن الطريق الذي اتبعته يدرس الان كنموذج للتنمية الاقتصادية المنفصلة عن التطور السياسي. لم تعد تلك الدول فقيرة ولم يعد اقتصادها معتمدا على تصدير العمالة الرخيصة كما كان الحال حتى اوائل العقد الجاري. تضاعفت صادرات الصين اربعين مرة خلال السنوات العشرين التي اعقبت تطبيق برنامج الاصلاح الاقتصادي في 1980، كما تحولت كوريا الجنوبية الى لاعب بارز في صناعة التجهيزات عالية التقنية وجاذب للاستثمارات الاجنبية في قطاع التصدير.

على المستوى السياسي اثمرت سيادة القانون وتطور الاقتصاد عن استقرار امني وسياسي لم تعرفه هذه الدول في الماضي. هذه التجربة تشير في الحقيقة الى عنصر قوة في نظرية التنمية التي اقترحها صامويل هنتينجتون والتي تؤكد على هذا المنحى على الرغم من النقد الكثير الذي نالته حين طرحها للمرة الاولى . خلاصة القول ان التحول الديمقراطي ممكن رغم كل الصعوبات المعروفة ، لكنه يحتاج الى نقطة بداية ، واعتقد ان نقطة البداية المناسبة هي ارساء سيادة القانون لانها تنطوي على حل مجرب لمشكلات فعلية يعاني منها المجتمع العربي، ولانها قابلة للتطبيق الفوري، فضلا عن كونها نقطة التقاء بين مصالح النخب العليا وعامة الناس.
عكاظ 7 ديسمبر 2009

16/11/2009

من المبادرات الثقافية الى الحياة الثقافية


يعتقد الاستاذ جبير المليحان وعدد من مثقفي المنطقة الشرقية ان الوقت قد حان لقيام جمعية للادباء السعوديين ، اسوة بجمعية الاقتصاديين والجيولوجيين والاطباء وغيرها . والحق اننا متاخرون جدا في هذا الصدد .
جبير المليحان
ما الذي تضيفه جمعية ادباء الى المشهد الثقافي؟. سأل احد الزملاء ، ثم اجاب نفسه : ما الذي اضافته هيئة الصحفيين في دورتها الاولى والثانية غير افتتاح مبناها الفاخر؟. حسنا.. لقد اضافت مبنى واضافت اسما . هذا منجز بسيط جدا . لكنها اضافت منجزا آخر غير منظور: لقد فتحت بابا للحديث عن اشكال اخرى من العمل الاهلي المؤسسي. في ماضي الزمن كنا نعتبر كل تشكيل اهلي باعثا على الفرقة. لكننا اليوم نتحدث عنه كاداة لتحقيق الشراكة الاجتماعية في التنمية. ربما لم يلتفت كثير منا الى هذا التحول الذهني ، لكنه حصل فعلا .

لن ينكر احد ان فكرة المجتمع المدني قد اصبحت متداولة ومألوفة في بلادنا ، ولن ينكر احد ايضا ان تحولها من فكرة الى واقع يتم ببطء اكبر من المتوقع. يؤمن معظمنا بالحاجة الى مؤسسات المجتمع المدني. لكننا جميعا نبحث عمن يعلق الجرس او ربما نبحث عن الجرس المقصود . حتى الان يكتفي معظمنا بالحديث عن هذه الضرورة دون السعي لفك مغاليقها.

هناك بطبيعة الحال اقلية تتشكك في فائدة هذا النوع من المؤسسات ، وهناك من يريدها جزء من البيروقراطية الرسمية او تحت اشرافها المباشر. ولعل اقرب الامثلة الى ذلك هو الاقتراح الذي قدمه وزير التجارة بتقليص نسبة الاعضاء المنتخبين في مجالس الغرف التجارية وزيادة عدد الاعضاء الذين يعينهم الوزير . لدى الوزير بالتاكيد بعض المبررات ، لكننا نعلم ان الاتجاه السائد في الغرف التجارية يميل الى الخروج من عباءة الوزارة وليس العكس.

من المهم على اي حال اقناع البيروقراطيين بان التوسع الافقي والكمي لمؤسسات المجتمع المدني لن ينهي دور البيروقراطية الرسمية. هناك دائما مهمات جديدة وادوار جديدة ، موجودة لكنها محجوبة او مهملة او مختلطة . نعرف مثلا ان ظهور مبدأ "تقسيم العمل" يعد واحدا من اهم التطورات في تاريخ البشرية . تقسيم العمل قاد الى استقلال التخصصات والادوار وحقول الاهتمام والهموم ايضا . في الجانب الثقافي كمثل ، ثمة دور هام تلعبه الادارة الرسمية . لكن "الحياة الثقافية" هي مسار اجتماعي متمايز عن التجارة والسياسة والصحافة والحرف الاخرى ، وهي ايضا عمل اهلي  ينبغي ان يتحول من انشغال فردي الى علاقة مؤسسية بين الافراد الذين يحملون الهم الثقافي والذين يشاركون في الجدل الثقافي والذين يهمهم تطور مستوى الثقافة وانتاجها في المجتمع ككل.

 للعمل الثقافي سمات هي جزء من طبيعته ولا يكون حقيقيا الا معها ، وابرزها كونه عفويا ، اختياريا ، تطوعيا ، منبعثا من دافع شخصي ، ربما يكون عاطفيا وربما يكون مصلحيا او ايديولوجيا او غيره . العفوية والاختيارية يستحيل تاطيرها في القوالب البيروقراطية ، او اخضاعها لحدود القانون واوقات الدوام وما اشبه. لدينا في المملكة الاف من الاشخاص الذين تستهويهم الثقافة في شتى فروعها ، واظن ان كلا منهم يرغب في مساهمة اوسع واعمق من تلك التي يقدمها الان . 

هؤلاء جميعا هم السكان المتوقعون للبيت الذي نسميه بالحياة الثقافية . واذا نجحنا في اقامة الروابط التي تجمع هؤلاء مع اندادهم واشباههم فسوف نبدأ في رؤية ما ستكون عليه "الحياة الثقافية" في بلدنا. ا

لاندية الادبية هي مثال حي على العلاقة العكسية بين الثقافة والبيروقرطية . تعقد النوادي مناسبات ثقافية هامة جدا ، لكن حضورها محدود وقد لا يتجاوز بضع عشرات . في المقابل نجد المنتديات الاهلية البحتة تستقطب اضعاف هذا العدد ، ليس فقط بين الجمهور العام ، بل حتى من المهتمين والمشتغلين بالشان الثقافي. لا اشك ابدا ان كون الاخيرة اهلية بحتة هو سبب رئيسي . في الحقيقة فان هذه المنتديات ترفد النشاط الثقافي في بلدنا بقدر يتجاوز كثيرا المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية مثل النوادي الادبية وامثالها . هذا المثال ليس محصورا في مجتمعنا. في كل مجتمعات العالم الاخرى تتفوق المؤسسات الاهلية البحتة في استقطاب واطلاق النشاط التطوعي على نظيرتها الرسمية او المنضوية تحت عباءة البيروقراطية.

اذا اردنا تحويل المبادرات الثقافية القائمة الى حياة ثقافية ، فان جمعيات المثقفين هي الخطوة الاولى في هذا الطريق.

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...