22/03/2001

سياسة العلن وسياسة الخفاء



نبه وزير بحريني الفعاليات السياسية الاهلية ، إلى ان القانون يمنع تشكيل الاحزاب ، وان الحديث باسم أي مجموعة سياسية غير مرخصة ، يعرض للمساءلة القانونية . ولا يشير الدستور البحريني إلى المنظمات السياسية ، لكنه يسمح بتشكيل النقابات والاتحادات المهنية والنوادي الثقافية والاجتماعية .

وجاء هذا التحذير على خلفية النقاشات التي تدور في المحافل الاجتماعية حول التعديلات الدستورية التي اقترحها الامير ، والوقت الذي سوف يشهد عودة الحياة النيابية. ويقول سياسيون ومراقبون ان نشاط المجموعات السياسية يبدو كنوع من التمهيد لحملات انتخابية ، رغم ان الحكومة لم تقل ابدا انها على وشك تنظيم انتخابات نيابية .
 وكان امير البحرين قد كلف لجنة خاصة ، بصياغة التعديلات الدستورية ، التي يفترض ان تمهد لعودة المجلس النيابي وتفعيل الدستور . إلا ان العودة الفعلية للوضع الدستوري ما تزال رهينة الموعد التقريبي الذي اقترحه ولي العهد في فبراير الماضي ، حين قدر المرحلة الانتقالية بثلاث سنوات.

ولوحظ ان عضوية اللجنة لم تتسع لممثلين عن الاهالي ، فقد اقتصرت على اربعة من اعضاء العائلة الحاكمة ووزيرين ، وهو الامر الذي اثار النقد في الوسط الاجتماعي ، لكن الجانب الاهم في الموضوع ان استبعاد هؤلاء ، قد دفع بهم إلى التعبير عن ارائهم في المحافل الاهلية ، وفي هذه الحالة فان المتحدثين قد حرصوا على التذكير بان اراءهم تعبر ليس فقط عن اشخاصهم ، بل عن مجموعات سياسية معروفة أو حديثة التشكل .

وتوجد في البحرين خمسة احزاب سياسية على الاقل ، ويتوقع ان يوفر الانفتاح الحالي فرصة لظهور مجموعات أخرى أو تحالفات بين فاعليات غير حزبية ، وهو امر يقلق الحكومة ، لكنه يبدو امرا لا مناص منه ، فالبحرين ليست استثناء من عالمها ، فكل دولة خليجية فيها تشكلات حزبية وسياسية صغيرة أو كبيرة ، لا يسمح بها القانون السائد ، لكنها موجودة ونشطة على المستوى الاهلي .

واجد ان الممانعة الرسمية من تشكيل الاحزاب لا مبرر لها ، وهذا صحيح ايضا بالنسبة للكويت التي يمنع قانونها تشكيل الاحزاب السياسية ، والواضح ان هذا التقييد يستهدف حصر العمل السياسي في دوائر الدولة ، ومنعه خارجها ، وهذا يستبطن فكرة انكار حق الشعب في ممارسة السياسة ، ولا سيما الاطلاع على امور البلاد العامة ومراقبة العمل الحكومي ، ذلك ان الحزب السياسي هو الوسيلة الوحيدة التي تمكن المواطن العادي من معرفة ما يجري ومقارنته بالبدائل ، ثم تحويل رأيه من مجرد فكرة إلى موقف جماعي .

وثمة اتفاق بين دارسي العلوم السياسية على ان وجود المؤسسات والمجموعات السياسية غير الحكومية ، ومشاركتها في الحياة العامة ، شرط ضروري لتمامية تمثيل الحكومة للمجتمع ، وبالتالي تمتعها بالشرعية ، وفي هذا الجانب فان دعم المجموعات يعتبر اكثر اهمية وتحقيقا لشرط الشرعية السياسية ، من دعم الافراد .

وخارج هذا الاطار ، فان استقرار البلاد ، ولا سيما في هذا الظرف الخاص الذي تعيشه اقطار الخليج ، يحتاج بصورة تامة إلى توافق بين مختلف الاطراف الاجتماعية على ترسيخ السلام الاجتماعي ، واستبعاد دواعي الفرقة والتنافر ، وصولا إلى احتواء واخماد مسببات التوتر الامني ، وتحقيق هذا المطلب مرهون باقتناع جميع الاطراف بكونها شريكا كاملا في الحياة السياسية وصناعة القرار ، ان استبعاد أي طرف هو مبرر كاف لتحلله من أي التزام تجاه الاطراف الأخرى ، ولا سيما الحكومة التي تتهم - عادة - باتباع سياسة العزل والاستبعاد .

إذا لم يتوفر الاطار القانوني لممارسة العمل السياسي والحزبي العلني ، فان الاحزاب ستعمل من خلال النوادي الرياضية والجمعيات المهنية والهيئات الاجتماعية الأخرى التي ظاهرها غير سياسي ، واذا ضيقت الحكومة الخناق على هذه المؤسسات فان السياسة ستنتقل إلى المحافل السرية ، وهي ستكون موجودة وفاعلة ، حتى لو اقامت الحكومة شرطيا على راس كل شارع ، وفي كل الاحوال فان هذا النشاط سيبقى مؤثرا ، لكن اهدافه وتعبيراته سوف تعكس التوجهات الرسمية ، فاللين الرسمي يولد لينا مقابلا ، وميلا إلى المهادنة والتفاهم ، بينما يشجع التشدد الرسمي ، الميل إلى التطرف في المواقف والاراء عند الجمهور .

السماح بالعمل الحزبي والسياسي العلني ، يجعل الاوراق كلها مكشوفة ، بينما تؤدي المراقبة والمنع إلى اتباع وسائل التكتم ، وهو ما يعزز ميول الارتياب والقلق ، ومن الخير لمجتمعاتنا ، ان تكون اوراقنا مكشوفة ، وان يعمل الجميع في امان ، وان نتحمل وجود رأي مخالف ، في صغير القضايا وكبيرها .

كثرة الآراء والافكار ، وان بدت دليلا على الاختلاف ، إلا انها في المحصلة ، دليل على الاطمئنان ، وسبيل إلى تعزيز التوافق والاجماع ، وهي ايضا وسيلة مثلى لرفع الحرج عن الحكومة حينما تحتاج الى اتخاذ القرارات الصعبة .
22 مارس 2001

15/03/2001

ابعد من تماثيل بوذا



عدا عن تماثيل بوذا ، التي دمرها مقاتلو حركة طالبان الافغانية (مارس 2001) ومن قبلها الكثير من المعالم الحضارية في افغانستان ، التي دمرتها طالبان وغير طالبان ، فان ما يستوجب التوقف هو السياق الثقافي والسياسي الذي اوصل إلى تلك النتائج ، وهو سياق لا زال فاعلا ومؤثرا ، وقد ياتي في الغد بما يفوق هذا الحدث اثارة ومرارة .

فهمي هويدي
ربما يصح وصف الظرف القائم في افغانستان اليوم بانه ظرف العزلة المطلقة ، فهي بلد محاصر اقتصاديا ، ومعزول سياسيا ، وما يزيد الطين بلة ، ان الحزب الحاكم قد عالج انعدام الاجماع الوطني حوله ، بالمبالغة في حصر القوة السياسية والمادية في اطاره الخاص ، مما ادى الى تغير موقع الحزب من مدير للدولة إلى مالك للدولة .
وفي ظني ان ظرف العزلة المطلقة هو محصلة لثلاثة سياقات متفاعلة ومترابطة ، اولها النسق الثقافي الخاص للحزب الحاكم ، وثانيها ندرة مصادر العيش وتدهور مستوى المعيشة ، وثالثها الحصار السياسي الذي قطع التواصل بين الحكومة والعالم .
طبقا لراي الاستاذ فهمي هويدي فان العيب الجوهري في تفكير زعماء طالبان يعود إلى التصور القروي للدولة ، وقد توصل هويدي إلى هذا الرأي بعد مقابلته عددا من زعماء الحركة وملاحظات ميدانية عندما زار افغانستان في اواخر 1998 ، ومن بين الملاحظات المهمة التي سجلها ، ان كثيرا من قادة طالبان لم يكونوا قد رأوا العاصمة كابل ، إلا بعد ان اصبحوا حكاما ، وهم لم يذهبوا إلى أي بقعة من افغانستان خارج مدنهم ، فضلا عن زيارة دول العالم الأخرى ، ولهذا فان صورة الدولة التي كانت في اذهانهم ، لم تكن غير تمديد لصورة القرية التي يحكمها شيخ قرية ، وهذا يفسر انشغالهم الشديد بالامور الصغيرة ، مثل الملابس والهيئة الشخصية للمواطن ، ويفسر موقفهم من التعليم والاعلام والمرأة والعالم .
تتميز الثقافة القروية بالميل إلى التبسيط والتعميم والتشدد في التقاليد ، اضافة إلى طغيان الطابع الشخصي بدلا من المعياري في التعامل مع المتغيرات .
أما  الفقر وندرة موارد العيش ، فهو يزيد من شعور الانسان بالارتياب والمرارة ، كما يدفعه إلى الاستهانة بالمخاطر ، فهو في لحظة من اللحظات يجد ان ليس لديه ما يخسر أو يوجب الاسف ، وبالتالي فان الشعور بالمسؤولية عن حقوق الغير يتضاءل في نفسه ، تبعا لشعوره بالحرمان من حقوقه أو من فرص الحياة المتكافئة ، ويذكر في هذا المجال ان كثيرا من الافغانيين العاديين قاموا خلال السنوات الماضية بزراعة الافيون وبيعه ، وسرق آخرون الآثار وباعوها للاجانب ، وتاجر غيرهم في عظام الموتى من اجل تامين لقمة العيش ، وهو ما يذكر بالقول المأثور (كاد الفقر ان يكون كفرا) .
والمؤسف ان الفقر يتفاقم في افغانستان مع اشتداد العقوبات الدولية ، ويموت الناس جوعا وبردا ومرضا ، وهذه الحال لا يتوقع ان تنتج غير شخصية قلقة ، متطرفة ، وقليلة الاكتراث بعواقب المغامرة .
أما  الحصار السياسي فهو ثالثة الاثافي ، فرغم ان غرضه الاصلي كان الضغط على طالبان كي تلين ، إلا ان الواضح انه ادى إلى عكس النتيجة ، فهو قد زادها تشددا ، وتفسير ذلك ان الاتصال مع العالم ، ولا سيما الاشقاء والاصدقاء يعزز روحية المهادنة والمساومة ، بينما القطيعة تعزز روحية العدوان والكراهية ، كما انها تحجب فوائد المشاركة مع الغير ، فالانسان الاكثر اتصالا مع الاقران ، هو الاقدر على التوصل إلى اتفاقات ، وهو الاكثر استعدادا لتقديم التنازلات ، بخلاف المنعزل ، العاجز عن التوافق ، والمتشدد في التمسك بارائه ومواقفه .
وفي رايي ان مشكلة افغانستان لا تكمن في طالبان وحدها ، كما ان حل هذه المشكلة لا يكمن في سياسة الحصار والعزل ، بالعكس من ذلك فاني اجد ان الحرب الاهلية هي المشكلة الحقيقية ، وهذه ستبقى مع طالبان ومع غيرها ، كما ان سياسة العزل سوف تزيد ميل طالبان إلى التشدد .
واعتقد ان على الدول الاسلامية ان تبادر إلى حوار نقدي مع طالبان ، حوار يكشف فوائد اللين واضرار التشدد ، حوار مدعوم بحملة لاغاثة الشعب الذي يموت ببطء ، فلعل هذا يرسي اساسا مناسبا لوقف مسار التدهور ، حتى لو كنا عاجزين عن معالجة الاسباب الجوهرية للمشكلة ، في المدى المنظور على الاقل. 
15 مارس 2001
مقالات ذات علاقة


الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...