25/03/2020

كيف نتخيل العالم بعد وباء كورونا ؟


|| الاتجاه الشعبوي والوطني بات الخيار الأكثر احتمالا في غالب المجتمعات. لكن لاينبغي اغفال امكانية بروز تيار معاكس يميل لعولمة اكثر تشددا مما عرفناه ||
مجلة العلوم السياسية المعروفة "فورين بوليسي" وجهت السؤال التالي الى 12 من خبراء العلاقات الدولية:
-  كيف سيكون العالم بعدما يزول وباء كورونا-19؟.
سينتهي هذا الزلزال خلال اسابيع. لكننا سنواجه سلسلة هزات ارتدادية. فهل لدينا معرفة ولو أولية بطبيعة هذه الهزات ، وتأثيرها على السياسة الدولية والاقتصاد وموازين القوى؟.

في السطور التالية تلخيص لبعض تلك الاراء. وهي نموذج لاتجاهات التفكير في عالم السياسة ، في حقبة ما بعد كورونا.
الضحية الاولى للوباء هي فكرة العولمة ، التي أخفقت في تقديم بديل فعال عن السياسات القطرية ضيقة الأفق. ويتوقع ستيفن والت ، استاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد ، ان تتفاقم مركزية الدولة والمشاعر الوطنية. سوف يبرر الوباء لكافة حكومات العالم تبني سياسات طارئة لادارة الأزمة ، تركز على الحاجات المحلية وتغفل المسؤوليات الدولية. وستحصل النخب الحاكمة على سلطات جديدة يتجاوز ما حازته في الماضي. وحين تنتهي الازمة فان كثيرين سيكرهو ن التخلي عن هذه السلطات.
يشير والت أيضا الى صعود محتمل للنموذج الصيني. سيعتقد الناس انه أكفأ في ادارة الازمات الناتجة عن الوباء. وهذا سيعزز الموقف الصيني حين تناقش قابليات الصين ومنافسيها في انتاج الحلول الذكية.
شيفشانكار مينون ، المستشار السابق للامن القومي في الهند ، يعارض رأي البروفسور والت. فهو يرى ان ادارة الصينيين لازمة الوباء لم تكن الافضل ، بل ادارة تايون وكوريا الجنوبية. ان الشعبوية والسياسات المتشددة ليست عوامل ضرورية في الادارة الحسنة ، وهذا ما كشفته تجربة كورونا في ايطاليا والولايات المتحدة. ويبدي مينون تشاؤما ازاء تصاعد الميول الشعبوية والمحلية ، التي يرى انها تدفعنا نحو عالم اضيق واكثر فقرا وبخلا.
اما روبن نيبليت ، مدير شاتام هاوس ، مركز الابحاث البريطاني ، فيتوقع ازدياد التنافر بين الصين والولايات المتحدة ، وتوافقا اكبر داخل النخبة السياسية الامريكية على ابعاد الصينيين عن مصادر التقنيات العالية. واحتمل ان هذا مبرر بقلق النخبة الامريكية ، من ان الصين باتت اكثر قدرة وعزما على احتلال كرسي الولايات المتحدة في النظام الدولي. وفي صراع كهذا ، فان ميزان القوى لم يعد رهن التقنيات العسكرية ، كحال الصراعات القديمة ، بل بالمرونة التقنية والقدرة على الاستيعاب السريع لحاجات السوق.
في اتجاه مماثل ، يعتقد جون اكنبيري استاذ العلاقات الدولية بجامعة برينستون ، ان الاتجاه الشعبوي والوطني بات الخيار الأكثر احتمالا. لكن ليس من الحكمة اغفال امكانية بروز تيار معاكس يميل لعولمة اكثر تشددا مما عرفناه. ويمثل بانهيار الاقتصاد العالمي في ثلاثينات القرن العشرين ، يوم ظهر واضحا انه ما من دولة ستنهض بمفردها ، وان الحل السريع والآمن يكمن في تفعيل الروابط الطبيعية بين المجتمعات.
الاستاذ بجامعة هارفرد  جوزيف ناي ، اختار  الطرف المعاكس مؤيدا راي البروفسور ريتشارد دانزنج ، القانوني والامين السابق للحلف الاطلسي ، وفحواه ان تقنيات القرن 21 تتطور على نحو لايترك خيارات كثيرة للسياسيين ، فهي كونية في توزيعها وفي نتائجها أيضا. انظر الى الاوبئة والازمات الاقتصادية وحتى الفيروسات التي تصيب شبكات الكمبيوتر ، فهذه وأمثالها كونية في طبيعتها وفي نتائجها ، وهي لا تعرف حدودا ولا يمكن كبحها بتعزيز الحدود الفاصلة بين الدول.
واختم هذا الموجز برأي نيكولاس بيرنز ، استاذ العلوم السياسية والوزير السابق ، الذي لاحظ ان الوباء كشف عن قوة الروح الإنسانية التي تجلت في الاشخاص الذين كافحوا الفايروس ، من الأطباء والممرضات وزعماء السياسة وعمال النظافة والتموين وغيرهم. هؤلاء اثبتوا فاعلية الانسان حين يواجه تحدي البقاء. هذا سيبقي الامل في ان البشر لازالوا قادرين وراغبين ايضا في صون كوكبهم  مهما كانت قسوة الازمات.
الشرق الاوسط الأربعاء - 1 شعبان 1441 هـ - 25 مارس 2020 مـ رقم العدد [15093]

مقالات ذات علاقة

18/03/2020

من دروس "كورونا"


||ادعو لبحث معمق لتحديد مايتوجب توفيره – في ظروف الازمة - من مصادر محلية، سيما ما يؤثر مباشرة في حياة الناس بقطع النظر عن الحسابات التجارية البسيطة||.
في كل حادثة دروس وعبر ، تستحق ان يتوقف الناس عندها كي يعمقوا خبراتهم الحياتية. ان جانبا عظيما من تقدم البشرية ، يرجع الى المشكلات التي واجهتها المجتمعات ، فطورت حلولا لها وأساليب للتخفيف من آثارها ، وقواعد للوقاية من تكرارها. لو لم نواجه الأمراض ، لما تطور علم الطب ، ولا تطورت المختبرات التي انتجت الأدوية والأمصال.  

وباء الكورونا المستجد الذي يجتاح العالم اليوم ، مثال على تلك الحوادث التي كشفت عن نقاط قوة جديرة بالتقدير ، الى جانب نقاط ضعف جديرة  بالمعالجة. ثمة الكثير مما يستحق الذكر في هذا المجال. لكني أود التركيز على نقطة محددة ، لفتت انتباهي بصورة خاصة ، لانها تكررت في اكثر من دولة خلال تجربة الكورونا الاليمة .
 لقد اظهر الوباء  ان فكرة كون "العالم قرية" لم تعد تعبيرا مجازيا عن سهولة التواصل وسرعته. تحول العالم في القرن الجديد الى شبكة هائلة من الوحدات المتفاعلة ، التي نسميها مجتمعات او دول. هذه الوحدات ، مستقلة عن بعضها من الناحية القانونية ، لكنها متصلة على المستوى الاقتصادي والمعرفي ، اتصالا يجعل الحياة في كل منها ، مشروطة – الى حد ما – بانفتاحها وتواصلها مع الوحدات الاخرى.
لاحظنا ان تفاقم وباء الكورونا في الصين ، ادى الى اضعاف التبادل التجاري والسياحة والنقل على امتداد الكرة الارضية. وتبعا لذلك انخفض الطلب على البترول واسعاره ، وتهاوى العديد من البورصات في شرق الأرض وغربها. وقد حدث هذا حتى قبل ان ينتقل الوباء الى دول أخرى ، فينشغل العالم بمكافحته ، من اجل البقاء على قيد الحياة.
هذا الامر طيب بطبيعة الحال ، لولا ان الوباء كشف عن عنصر نقيض ، اعني به شعور جميع الدول بالحاجة الى العزلة ، وقيامها فعليا باغلاق حدودها الخارجية ، ثم قيام بعضها باغلاق المدن المصابة. نعلم ان اغلاق الحدود الدولية وكذلك اغلاق المدن ، يتسبب في اضعاف سلاسل الامداد والتموين ، ويقلص الاستفادة المتبادلة من فائض الامكانات المتوفرة على امتداد العالم. ولعل ابرز الامثلة على هذا هو اعلان  العديد من دول العالم حظر تصدير المواد الطبية اللازمة للتعامل مع الوباء ، خشية التأثير على المخزون الوطني.
ندعو الله ان لا يبتلي العالم بجائحة مثل كورونا في المستقبل. لكن الوباء القائم اثبت بالتجربة ان الاعتماد المتبادل مفيد وضروري ، شرط ان لا نغفل الاستثناءات. كل دولة – ونحن بالتاكيد من بينها – بحاجة الى منظومة امداد محلية مستقلة مئة بالمئة ، خاصة بالمواد الضرورية للحفاظ على حياة السكان.  يرد في ذهني الان أمثلة محددة على هذا النوع من المواد ، من بينها ادوات التعقيم ولوازم النظافة والوقاية الاولية. لكني ادعو لبحث تخصصي ، يستهدف تحديد الحاجات الحرجة والضرورية ، التي لا يصح الاعتماد في توفيرها على مصادر ، لا يمكن التنبؤ بحساباتها في الظروف الحرجة ، كالتي يمر بها العالم هذه الايام. اظن ان من واجب كل دولة ان تسعى لتوفير هذه المصادر المحلية ، آخذة بعين الاعتبار حياة الناس ، بغض النظر عن الحسابات التجارية البسيطة.
لا يصح السماح بان تكون حياة ملايين المواطنين ، عرضة لتقلبات السوق او لسياسات وحاجات دول اخرى. وهذا يتطلب بالتحديد ان يعمل كل بلد على تحديد الحاجات الحرجة ، والعمل على توفيرها من مصادر محلية مئة بالمئة.
الشرق الاوسط الأربعاء - 24 رجب 1441 هـ - 18 مارس 2020 مـ رقم العدد [15086]



لماذا يرفضون دور العقل؟

  ليس هناك – على حد علمي – من ينكر دور العقل بصورة مطلقة. لو فعل أحد ذلك فلربما عده العقلاء مجنونا أو ساذجا. لكننا نعرف أناسا كثيرين ينكرون ...