يصل عدد المسلمين في
بريطانيا الى مليون وستمائة الف حسب تقديرات رسمية. لكن يرجح ان الرقم الحقيقي
يزيد عن المليونين, يعيش اكثر من نصفهم في مدينة لندن. ويرجع الفارق بين الرقم
الرسمي والتقديرات الاخرى الى ميل الكثير من البريطانيين, من مسلمين وغيرهم, الى
عدم الاعلان عن ديانتهم في الاوراق الرسمية باعتبار ذلك حقا شخصيا لا شأن للدولة
به.
اضافة الى ذلك فهناك بضعة
ملايين من الذين وصلوا الى بريطانيا وبقوا فيها بصورة غير قانونية, ولا تتوافر
معلومات دقيقة عنهم, لكن يعتقد اجمالا ان عدد المسلمين بينهم يصل الى نصف مليون.
اما الشريحة الفاعلة في الحياة العامة فتتكون في الغالب من الجيل الثاني والثالث
من ذوي الاصول الباكستانية والبنغالية الذين هاجر اباؤهم في منتصف القرن المنصرم.
مال معظم المهاجرين في اول
الامر الى الاندماج في المجتمع البريطاني, لكن منذ اوائل الثمانينات حدث ما يمكن
اعتباره انبعاثا جديدا للهوية الاسلامية الخاصة ادت بصورة او باخرى الى تصاعد فكرة
الانفصال وتكوين مجتمعات خاصة. وثمة اسباب كثيرة لهذا الاتجاه, لعل ابرزها هو
الكساد الاقتصادي الذي ضرب المدن الصناعية التي كانت في العادة مراكز اساسية
لتجمعات المهاجرين الاوائل, مثل مانشستر وبرمنغهام.
كان العمل في صناعة النسيج
والصناعات الثقيلة هو ابرز مصادر العيش لهؤلاء المهاجرين, وفي الحقيقة فان معظم
الذين جاؤوا الى بريطانيا في اوائل الستينات الميلادية, استقدموا لهذا الغرض. لكن
منذ اواخر السبعينات فان القاعدة العريضة للاقتصاد البريطاني قد تحولت باتجاه الخدمات
المالية والسياحية والصناعات العالية التقنية لقد جرف هذا التحول الكثير من
المجتمعات المحلية, ومن بينها مجتمع المهاجرين الذين تدهورت احوالهم المعيشية
بصورة غير مسبوقة.
في اعتقادي ان حكومة السيدة
تاتشر, التي قادت بريطانيا خلال مرحلة التحول تلك, تتحمل الجزء الاعظم من
المسؤولية عما آل اليه الوضع في المدن الصناعية السابقة, فهي لم تقم بما يكفي من
الجهد لاعادة استيعاب اولئك الناس في منظومات الاقتصاد الجديد, كما انها لم تبذل
جهدا يذكر لمساعدتهم في تطوير مؤسسات اجتماعية للدفاع عن مصالحهم.
ولهذا فقد سيطر شعور مريع من
الغربة والضياع على شريحة واسعة منهم. في ظل هذه الظروف, وتحديدا في منتصف
الثمانينات, وصلت طلائع الدعاة العرب الذين انصب همهم على تعزيز التوجه للانفصال
عن المجتمع البريطاني, مقابل توثيق الصلات مع مجتمعاتهم الاصلية.
في الوقت الحاضر فان
الاغلبية الساحقة من المسلمين البريطانيين لا تظهر اهتماما يذكر بالشأن العام
البريطاني, ولهذا ايضا فهي تهمل - عمدا او جهلا - الوسائل المتاحة لها للتأثير في
القرار السياسي على الوجه الذي يسمح بحماية مصالحها. لقد ظهرت فرص كثيرة لايصال
عدد من النواب المسلمين الى البرلمان وربما الوزارة, وثمة تشجيع ملموس من جانب
الحكومة لدخول المسلمين في اجهزة القضاء والامن والقطاع الدبلوماسي, لكن اهتمام
المسلمين بها ضئيل الى حد كبير.
وفي الاسبوع الماضي شكا مدير
شرطة العاصمة من ان عدد المسلمين بين قواته يصل بالكاد الى ثلاثمائة وهو يحتاج الى
اضعاف هذا العدد للحيلولة دون تحول الفوارق الثقافية الى مبرر للاساءة الى
المسلمين . اتاحت انفجارات لندن الاخيرة الفرصة لكثير من زعماء الطائفة المسلمة
للظهور في الاعلام والتعبير عن مواقفهم وتقييمهم لما حدث.
وقد لفت بعضهم انتباه
الجميع بشجاعته في الدفاع عن هموم المسلمين ومصالحهم, واذكر خصوصا اللورد احمد,
وهو عضو في مجلس اللوردات من اصل باكستاني, والدكتور زكي بدوي وهو فقيه واستاذ
جامعي من اصل مصري لم يدخر الرجلان وسعا في الاشارة الى مسؤولية المجتمع والحكومة
البريطانية عن المشكلة التي حصلت, لكنهما في الوقت عينه قدما مقترحات محددة
للتعامل مع المشكلات التي ادت الى هذا الحادث او يمكن ان تؤدي الى نظائره مستقبلا.
اضافة الى اللورد احمد
والدكتور زكي, ظهر زعماء اخرون, يؤسفنى القول ان معظمهم كشف عن رجال مسكونين
بايديولوجيا لا علاقة لها بالعالم ولا مكان فيها للبشر الذين يعيشون في هذا العالم
ولا بمصالحهم او مستقبلهم. واظن ان تلك الحوادث الاليمة سوف تشرع الباب واسعا امام
المسلمين في اوروبا لاعادة النظر في علاقتهم مع المجتمع المحيط. واملنا ان ينظروا
مليا في الفرص الكثيرة المتاحة لهم لتقديم صورة جديدة عن اسلامهم وعن انفسهم.
- « صحيفة عكاظ » - 23 / 7 / 2005م